تشريد الأُسَر في العراق
23 ربيع الأول 1425

بعد عام على احتلال العراق، تبخرت وعود المحتلين بتحويل العراق إلى النموذج الأول في الشرق الأوسط بينما تفاقمت أزمة السكن لتتحول إلى مأساة تسببت في تشريد مئات الآلاف من العوائل الفقيرة دون مأوى، ولا يكاد يمر أسبوع دون أن يتجمع الآلاف من المشردين للتظاهر أمام مقر قوات الاحتلال أو مجلس الحكم مطالبين بتوفير سكن لائق لهم، وهم يتلقون بين آونة وأخرى تهديدات بضرورة إخلاء تلك المباني الحكومية، ويذكر أن ما يزيد على 100 مؤسسة ودائرة حكومية بالإضافة إلى المئات من مقرات الفرق الحزبية وأجهزة المخابرات والاستخبارات العسكرية، وأجهزة الأمن الخاص التي كانت تزرع الرعب في قلوب العراقيين، تحولت بعد سقوط بغداد إلى مأوى مجاني لآلاف العائلات العراقية المشردة. <BR><BR><font color="#0000FF">مواعيد عرقوب: </font><BR>وتقول آخر إحصائية أصدرتها سلطة الاحتلال: إن العراق بحاجة إلى نحو ثلاثة ملايين وحدة سكنية خلال ثلاث سنوات، وإن العديد من العوائل تسكن في بيوت غير صحية وغير ملائمة، كما أن المعلومات تؤكد أن الغالبية من العوائل العراقية اتخذت من المباني الحكومية كالمدارس والمكتبات العامة وبعض النوادي الرياضية مساكن لها بعد انهيار النظام السابق.<BR><BR>ويعترف بيان جبر (وزير الإسكان والتعمير الحالي) بأن أزمة السكن هي من الأزمات المستفحلة حقاً، وتحتاج إلى علاجات فورية، مشيراً إلى أن وزارته تسعى لتشجيع الشركات العراقية والعربية والغربية لبناء مجمعات سكنية ذات مواصفات متطورة لحل هذه المشكلة مع ملاحظة أن ما يقرب من ثلاثة ملايين وحدة سكنية لا يمكن بناؤها بين ليلة وضحاها، وأضاف " جبر " أنه توجد خطط لبناء سبع مناطق سكنية في كل أنحاء العراق بحلول منتصف عام 2005م ستوفر إسكاناً في متناول آلاف الأشخاص، وسيطلب من الناس دفع 100 دولار شهرياً مسددين بشكل تدريجي تكاليف المنزل إلى أن يتم تمليكه لهم. وقال: "أعتقد أن ذوي الدخول المحدودة سيكون باستطاعتهم دفع 100 دولار، وامتلاك المنزل في نهاية الأمر، وذلك أفضل من دفع 300 دولار كإيجار ويكون المستقبل غامضاً"، بينما يشكك الكثير من المواطنين بهذه الوعود، ويقولون: إنها ليست أفضل من وعود الأمريكان الذين وعدونا بأن نكون نموذجاً للشرق الأوسط. <BR><BR><font color="#0000FF">سكنة السجون: </font><BR>ويقول الشيخ أحمد لعيبي (رئيس رابطة الحرية للمجمعات السكنية)، وهي منظمة تعنى بشؤون المشردين: إن "الرابطة تضم آلاف العائلات الفقيرة والمشردة التي لا تملك في هذا البلد مأوى أو حتى حجراً واحداً، وإن هؤلاء الناس يسكنون حالياً المئات من الدوائر الحكومية بالإضافة إلى المباني المتروكة من السجون ودوائر الوحدات العسكرية أو الأمنية، وقد تلقى العديد من السكان الجدد زيارات مباغتة أو تهديدات من السكان السابقين أو من قبل مسؤولين حكوميين يريدون إعادة تأهيل هذه المباني لاستخدامها لأغراض عديدة، فأين يذهب هؤلاء ومعظمهم عاطلون عن العمل بسبب الأوضاع التي تمر بها البلاد ولديهم عوائل كبيرة. <BR><BR><font color="#0000FF">من صدام إلى مجلس الحكم: </font><BR>المهندس المعماري "أسعد الغريري" من وزارة التخطيط، قال: إن أزمة السكن ليست وليدة اليوم، ولم تقم الحكومة السابقة بمعالجة الأزمة منذ عام1980م، وإنما استأثر الرئيس المخلوع وعائلته بأجمل مناظر دجلة، وسور ضفاف النهر بأسوار عالية تجعل ملكية هذا النهر لسلطته ولأتباعه، ناهيك من قصوره التي أحاطها بساحات واسعة من دور حمايته التي حلت محل أحياء سكنية بكاملها، مثل: (خضر الياس) و(الحارثية) في الكرخ، وجزء كبير من الأعظمية والكرادة في جانب الرصافة، وبذلك فاقمت مشاريع بناء القصور الرئاسية من أزمة السكن بصورة مضاعفة، وأصبح النهر الذي كان المتنفس الوحيد للناس محرماً عليهم، وألغيت جميع الكازينوهات والمقاهي والملاعب التي كانت تنتشر على ضفتيه، ووضعت الموانع والمتاريس في مداخل الشوارع التي تحف بنهر دجلة؛ لأنه للرئيس وحده، أما اليوم فإنها أصبحت مقراً للأمريكان أو لبعض قادة الأحزاب وأعضاء مجلس الحكم كعبد العزيز الحكيم، و جلال الطالباني، وأحمد الجلبي، ومسعود البرزاني. <BR>عبد الرحيم الربيعي ( 48 عاماً) قال لمراسل المسلم : "كنت أسكن في دار متواضعة مقابل بدل إيجار بسيط، ولكن صاحب المنزل الذي كان لا يجرؤ أيام نظام صدام على الحديث عن أي زيادة في الإيجار بسبب وجود قانون حكومي يمنع ذلك، قام بطردي بعد سقوط بغداد مباشرة، ويضيف "الربيعي" كنا نستأجر قبل ذلك منزلاً صغيراً يكفيني أنا وزوجتي وأطفالي الخمسة مقابل بدل إيجار لا يتجاوز 25 ألف دينار عراقي (حوالي 15 دولاراً) في مدينة الثورة، ثم فجأة ظهر صاحب المنزل وطلب مني زيادة بدل الإيجار إلى أربعة أضعاف ولم يكن أمامي إلا أن أغادر المنزل. ويضيف عبد الرحيم، الذي يسكن مع عائلات أخرى في مقر حزبي سابق «أين لي بهذا المال وأنا مسرح من الجيش ولا أعرف أين أذهب ولا أعتقد أنني سأتحرك من هذا المكان حتى لو وضعوني في السجن".<BR><BR><font color="#0000FF">فقراء بلا معيل: </font><BR>السيدة " رباب عبد الله" ربة بيت عائلة، قالت: لقد كنت أسكن مع 4 بنات وطفل معوق، في غرفة مؤجرة في منطقة " المشتل "، ولأنني لا أملك المال الكافي للإيجار،فقد انتقلت مع أطفالي بناية سجن الرشاد الإصلاحي، بعد أن هرب منه السجناء والشرطة، ومع أن زوجي قد استشهد في الحرب، ضمن قطاعات الجيش في أم قصر، فأنا لم أحصل على راتب تقاعدي، وأنا مضطرة للخدمة في البيوت من أجل تأمين لقمة العيش لأطفالي القاصرين. <BR>وقد ذهبت عدة مرات إلى مقر مجلس الحكم لتقديم طلب استرحام، ولكن لا أحد يسمع شكوى الفقراء والمظلومين. <BR><BR><font color="#0000FF">إيجارات باهظة: </font><BR>مصطفى جليل، الأب لأربعة ولا يتجاوز راتبه الشهري 75 دولاراً، تلقى إنذاراً من صاحب العقار الذي يقطن فيه، فإما أن يدفع ستة أمثال الإيجار الشهري أو يخلي الشقة. <BR>وقال جليل، وهو واحد من بين عدد متزايد من العراقيين يحاولون جاهدين التكيف مع الإيجارات المرتفعة، والتي رفعها أصحاب العقارات الذين يأملون بأن يجتذبوا مستأجرين أجانب، وقال جليل الذي يعمل حارس مدرسة، ويبلغ من العمر 41 عاماً: " لن أتمكن من تحمل تكاليف العيش في منزل بعد الآن ولا يوجد أحد ألجأ إليه". ورفع كثير من أصحاب العقارات الإيجارات بعد الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق متوقعين تدفقا للنشاط التجاري الأجنبي بعد سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين، وأصيب كثيرون منهم بخيبة أمل ولكن مازال الأمل يحدوهم ولم يتراجعوا. ويقول سماسرة عقارات: إن الإيجار الشهري لمنزل يتألف في المتوسط من ثلاث غرف ومساحته 300 متر مربع في حي متوسط في إحدى ضواحي بغداد يبلغ نحو 750 ألف دينار، أي نحو 535 دولاراً، وقبل الحرب واحتلال العراق كان إيجار نفس المنزل نحو 80 دولاراً شهرياً. <BR>وقال جليل: إنه يفكر في بيع حلي زوجته، واستخدام ثمنها في فتح متجر للمساعدة في تدبير الإيجار الشهري، وأضاف "إذا فعلت هذا فقد أتمكن من تدبير أمر إيجار شقة صغيرة من غرفتين في أطراف بغداد"، ولكنها منطقة خطيرة بالنسبة لعائلتي ولن يتبقى شيء من راتبي للإنفاق منه، وقالت زينة حسن، وهي طالبة تبلغ من العمر (23 عاماً)، إنها وزوجها يشعران بإحباط متزايد بسبب صعوبة العثور على منزل يستطيعان دفع إيجاره، وأشارت إلى أن «أسعار الإيجار في تزايد»، وأضافت "إن متوسط الإيجار الشهري يزيد الآن مرتين عن متوسط الراتب، إنه أمر غير منطقي، وعرض علينا أحد السماسرة إيجارات تتراوح بين ألفين وسبعة آلاف دولار شهرياً، وأتطلع لاستئجار منزل مع زوجي ولا يوجد شيء يمكن تحمل تكاليفه، وأضافت "إذا نظرت إلى الأسعار في المناطق المطلوبة في بغداد تعتقد أنك تستأجر قصراً في مانهاتن. إنهم لا يأخذون في حسبانهم حقيقة أن الطرق مدمرة والكهرباء ضعيفة وخطوط الهاتف مقطوعة". <BR><BR><font color="#0000FF">لو غاب القط: </font><BR>واعتاد محمود عبد الوهاب، وهو صاحب عقار، تقاضي 90 ألف دينار(65 دولارا) شهرياً عن منزل مؤلف من أربع غرف في غرب بغداد، وقبل شهرين قرر طرد مستأجريه وعرض المنزل للإيجار مقابل 600 دولار شهرياً، وكان يأمل بأن يستأجره أجانب ولكن لم يتقدم أحد، ولم يأت سوى عراقي واحد ليرى المنزل، وقال عمر: "أعتقد أنني جعلته يهرب بسبب هذا السعر، ولكن هذا حقي ولن أتراجع. الجميع يتقاضون مثل هذه الأسعار وأنا لا أنصب على أحد». وفي عهد صدام كانت القوانين التي تنظم استئجار الشقق تميل لصالح المستأجر، ولم يكن مسموحاً لأصحاب العقارات مخالفة العقود وكان يصعب عليهم زيادة أيجار الشقق، ولم يتم تغيير القوانين وما زال بعض المستأجرين الذين يلتزم أصحاب العقارات التي يقطنون فيها بهذه القوانين لا يدفعون شيئاً تقريباً بموجب العقود التي وقعوها قبل سنوات، ويستغل أصحاب عقارات آخرون انعدام فرض تطبيق القانون في العراق المحتل لطرد المستأجرين القدامى ومحاولة زيادة أموالهم، وهم يرددون المثل الشعبي "لو غاب القط العب يا فأر".<BR><BR><font color="#0000FF">يحلمون بالأجانب: </font><BR>وقال يوسف غازي الذي يدير مكتب عقارات في بغداد: إنه مندهش لهذه الطفرة في قيمة العقارات نظراً؛ لأن التلهف على المستأجرين الأكثر ثراء يحدث على فترات متباعدة، وقال: إن النشاط تراجع بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، وأضاف كل أصحاب البيوت يحلمون بأن شركة أجنبية ستأتي وتمنحهم ثروة لاستئجار منزلهم. ولكن الأمر لا يسير على هذا النحو. على الناس أن يكونوا واقعيين لا يمكن لأحد هذه الأيام تحمل دفع أسعار اليوم باستثناء حفنة من رجال الأعمال الأثرياء. <BR>وارتفعت أسعار الأراضي بشكل كبير أيضاً، ويقول سماسرة: إن سعر قطعة الأرض التي تبلغ مساحتها 700 متر مربع في غرب بغداد يبلغ الآن 60 مليون دينار (420 ألف دولار) بعد أن كانت 60 ألف دولار قبل عام. <BR><BR>ولكن بالنسبة لأناس مثل زينة فإن عام 2005 بعيد جداً، وقالت: إنها لا تعرف أين ستعيش هي وزوجها إذا أصر صاحب العقار الذي يقيمان فيه على زيادة قيمة الإيجار، وأوضحت "أمهلني أسبوعين كي أجمع متعلقاتي وأرحل، بعد ذلك سأكون بلا مأوى".<BR><br>