اختطاف علماء العراق
20 ربيع الثاني 1425

في ظل تصاعد التدهور الأمني وغياب السلطة وشيوع حالات الفوضى والنهب والسلب،عرفت الجريمة المنظمة طريقها إلى العراق.. تلك حقيقة لم تعد خافية على أحد، فبعد عام من الاحتلال الأمريكي للعراق ما زالت عمليات الاختطاف المنظم تحتل حيزاً كبيراً من مشكلات العراقيين، وباتت قضايا الاختطاف الشغل الشاغل للعديد من المنظمات الرسمية وشبه الرسمية، التي تقف بلا حول ولا قوة إزاءها . فقد فشلت قوات الاحتلال الأمريكي وقوات الأمن والشرطة العراقية في أن تقف في وجه تلك الأعمال، بحسب قول تلك الجهات، والاختطاف في العراق الذي انتشر وتنامى بعد الاحتلال، بدأ يأخذ جانباً خطيراً جداً، يحمل أكثر من دلالة، فلم يعد الاختطاف عشوائياً كما بدأ قبل نحو عام، وإنما صار عملية منظمة تستهدف شريحة معينة من العراقيين. <BR><BR>فقد برزت في الآونة الأخيرة في العراق ظاهرة اختطاف الأطباء البارزين من ذوي الاختصاص على مرأى ومسمع من قوات الاحتلال الأمريكية أو مفارز الشرطة العراقية، حيث أفادت مصادر مطلعة في وزارة الصحة أن من بين ضحايا عمليات الخطف والابتزاز التي اجتاحت العاصمة بغداد مؤخراً نخبة من أشهر الأطباء الاختصاصيين ممن يعملون في حقول طبية نادرة، ويتمتعون بكفاءات علمية رفيعة.<BR><BR><font color="#0000FF"> استهداف العقول: </font><BR>وذكرت المصادر لمراسل المسلم: أن المختطفين هم " 17" حتى الآن، وأن قائمة طويلة مازالت مفتوحة أمام أسماء أعربت عن خشيتها من أن تكون مرشحة لمسلسل أعمال الخطف الذي دأبت عليها عصابات مجهولة في العاصمة.<BR>ويذكر أن الساحة العراقية، ومنذ سقوط نظام صدام حسين، بدأت تعج بمختلف الأفعال الإجرامية كالاختطاف والاغتيال والأعمال اللصوصية وطرق الاحتيال الأخرى، لكن أفظعها استهداف العقول العلمية في المؤسسات الرسمية كالدوائر والجامعات، ومن أصحاب المهن العلمية المختلفة والتدريسيين، وأصبحت تلك الأعمال الإجرامية في الآونة الأخيرة تطول أصحاب العقول الطبية ذات الاختصاصات العالية والمشهورة أو أحد أبناء عوائلهم، ومن لم يتم اغتياله يصار إلى مطالبة ذويه بعد اختطافه من قبل عصابات الإجرام بدفع فواتير طائلة من الأموال مقابل إطلاق سراحه ومن ثم إرغامه على مغادرة العراق. <BR>وهناك ما يدل على وجود خفايا لأيادٍ أجنبية أو مدعومة من أجنبي تعمل بشكل مريب ومخطط له لاغتيال أو تهجير الكوادر العلمية العراقية في الاختصاصات المختلفة، في حين أوردت مصادر وثيقة الاطلاع بأن عدد الذين تم اغتيالهم من الأساتذة والأطباء وصل إلى اكثر من ألف شخصية، وهذا مؤشر خطير جداً.<BR>وأعلن الدكتور عامر الخزعلي (وكيل وزارة الصحة للشؤون الفنية) أن (إياد خفية) تكمن وراء عمليات خطف أو اغتيال الأطباء، وقال في تصريحات صحيفة: إن ما لحق بشخصيات علمية من إساءة وامتهان للكرامة، فضلاً عن ابتزازها، دفع أقرانها إلى اعتزال العمل واعتماد خيار الهجرة هرباً من سطوة العصابات الإجرامية المنظمة وسيطرتها على الشارع العراقي، كما أن هناك عصابات إجرامية أخرى تفرض إتاوات على الأطباء مقابل عدم التعرض لهم، على أن يتم دفعها لأفراد العصابات شهرياً.<BR><BR><font color="#0000FF"> أشهر الأطباء: </font><BR>فقبل أيام قليلة جرى اختطاف الدكتور عبد الهادي الخليلي ( الاستشاري البارز في جراحة الدماغ، وأحد أبرز العلماء في هذا الاختصاص، والقلبية والعصبية) وطلب الخاطفون مبلغ 30 ألف دولار أمريكي، وبعد أن قامت عائلة الدكتور الخليلي بدفع المبلغ المطلوب، جرى الإفراج عنه مع مطالبته بترك العراق، ويعد الخليلي واحداً من علماء العراق الكبار، الذين أثبتوا جدارة علمية في المحافل والمؤتمرات العالمية، وقبل هذه الحادثة جرى اختطاف الدكتور وليد الخيال، الذي يعد واحداً من أبرز الأطباء، ليس في العراق فحسب، وإنما في العالم في زرع الكلى، ومستشفاه الواقع في شارع المغرب في العاصمة بغداد تشهد عدداً كبيراً من المرضى من شتى دول الوطن العربي، وتم الإفراج عن الخيال لقاء مبلغ مليون دولار أمريكي، مع مطالبته بمغادرة العراق، وبنفس الطريقة تم اختطاف عدد كبير من علماء وأطباء العراق، كان من بينهم الدكتور مظهر الكركجي (استشاري جراحة العظام)، و(العالم العراقي الكبير) نزار العبيدي، الذي قتل أثناء مدة اختطافه، والعبيدي يعد واحداً من علماء الطاقة البارزين في العراق. <BR>وطالت عمليات الاختطاف كذلك الدكاترة سرمد الفهد (استشاري الباطنية والقلبية والعصبية)، ورياض السكاكيني (استشاري أمراض المفاصل)،والدكتور راجح الكعبي (استشاري الباطنية)، والدكتور جواد الشكرجي (أحد أبرز العلماء، والاستشاري في طب وجراحة العيون)، والدكتور ريسان الفياض (استشاري الجراحة العامة)، والدكتور مظفر كركجي (استشاري جراحة الكسور)، (استشاري الباطنية والقلبية والعصبية)، والدكتور غياث زين العابدين (الاستشاري بطب وجراحة العيون)،والدكتورة رجاء الدهوي (اختصاصية نسائية)، وثامر حمدان، ووسيم عريبي، ونجل الدكتور خليفة الشرجي.<BR><BR><font color="#0000FF"> هجرة منظمة: </font><BR>و أشارت المصادر إلى أن أسماء أخرى غادرت العراق في إطار هجرة منظمة،بعد ازدياد مخاوفها من التعرض لأعمال مماثلة وشملت عدداً من الأطباء من بينهم: الدكتور مظفر حبوش (استشاري جراحة العظام والكسور)، والدكتور طالب خير الله (استشاري القلبية)، والدكتور علاء بشير (استشاري التجميلية والتقويمية)، والدكتور ناجح الأسدي (استشاري جراحة القلب والصدر والأوعية الدموية)، والدكتور نبيل المختار (استشاري جراحة الأنف والأذن والحنجرة)، والدكتور سنان العزاوي (استشاري الأشعة)، والدكتور حسام جرموقلي (استشاري طب الأطفال)، والدكتور عادل القيسي (اختصاصي الفحص بالسونار)، والدكتور إياد شفيق (اختصاصي الفحص بالرنين المغناطيسي). <BR>وأوضحت المصادر أن العديد من الأسماء رفضت الحديث عن طبيعة التهديدات الأمنية التي تعرضت إليها، والأسباب التي دعتها لمغادرة العراق والاستقرار في دول الجوار. <BR><BR>هذه الحوادث وغيرها الكثير جعلت العديد من المنظمات والهيئات العراقية تسارع إلى التنبيه إلى خطورة الموقف. <BR>وكانت نقابة الأطباء قد دعت الخميس الماضي إلى الاعتصام الجماعي في مقر النقابة، وإضراباً عاماً عن العمل في المشافي والمراكز الصحية احتجاجاً على ما أكد مصدر نقابي أنه اتساع في عمليات اختطاف علماء الطب المشهورين، للاحتجاج على هذه الأوضاع، وحذرت من أن عدم تحسن الوضع الأمني في العراق سيزيد من اتساع ظاهرة خطف الأطباء والعلماء ومقايضتهم بمبالغ خيالية وفق تخطيط وتنفيذ مدروسين.<BR><BR><font color="#0000FF"> عصابات عالمية: </font><BR>وزادت حوادث الاختطاف هذه من مخاوف الكثير من العراقيين من مغبة دخول عصابات عالمية إلى البلد، تقوم بمثل هذه الأدوار، فالاختطاف باتت له شروط أقسى من طلب المال، وهو الأمر الذي دعا العديد من تلك الجهات إلى عقد المؤتمرات لفضح هذه الأساليب الإجرامية، وللتنديد بسلطات الاحتلال الأمريكي، التي ما زالت ورغم مرور عام كامل على الاحتلال، غير قادرة على توفير الأمن للعراقيين. <BR>وعزت مصادر عراقية اتساع عمليات خطف العلماء الى تصفيات سياسية ولم تستبعد انخراط جهات أجنبية وراء الظاهرة لإفراغ العراق من علمائه وكوادره المتميزة.<BR><BR><font color="#0000FF"> هيئة العلماء تحذر: </font><BR>كما حذرت هيئة علماء المسلمين السنة بالعراق من عمليات الاختطاف التي يتعرض لها ذوو الكفاءات العلمية في العراق، وذكرت الهيئة التي تعد أعلى مرجعية لأهل السنة في العراق أن العديد من العلماء العراقيين يتعرضون لضغوط من أجل إجبارهم على النزوح إلى خارج العراق حيث يتعرض العديد منهم إلى الاختطاف والتعذيب على أيدي جهات لم تحددها الهيئة، واكتفت بوصفها بـ"الخفية"، وأوردت هيئة علماء المسلمين في العراق قائمة تضم 17 اسماً، خمسة منهم تم اغتيالهم بينهم ثلاثة أطباء قتلوا في عياداتهم آخرهم (نقيب الأطباء رئيس جامعة بغداد) الدكتور محمود الراوي. <BR>وأوضحت الهيئة أن مصير 11 مختطفاً لا زال غامضاً فيما أفرج عن أحد الأطباء الذي غادر العراق بعد أن دفع فدية كبيرة. <BR>ونقلت قناة الجزيرة الإخبارية عن الدكتور مثنى حارث الضاري (المسؤول عن الإعلام بهيئة العلماء) قوله: وَرَدتنا شكاوى كثيرة من كثير من الأطباء والعلماء تفيد بأن هناك حالات اختطاف منظمة ومرتبة لكثير من الأطباء والعملاء العراقيين، وأن هذه الاختطافات تمارس فيها أنواع من التعذيب، ويجبر كثير منهم على الخروج من البلد من خلال إيهامهم بأنه ستعاد الكرة لهم حتى بعد إطلاق سراحهم، فهي وسيلة ضغط من أجل إجبارهم على الخروج من البلد.<BR>وذكر الضاري أن معلومات وصلت مقر هيئة علماء المسلمين تفيد أن الدكتور نزار العبيدى، وهو من علماء العراق المشهورين في مجال الذره قد تم اختطافه وتوفي أثناء عملية اختطافه بسبب التعذيب الذي مورس عليه.<BR><BR>كما عقدت جمعية الأطباء العراقيين مؤتمرا فضحت فيه هذه الظاهرة، ودعت إلى الاعتصام في المؤسسات الحكومية؛ لإشعار المجتمع الذي يتحمل جزءاً من ذلك، على حد تعبير رئيسها الدكتور شاكر العينه جي. ودعت إلى عقد اجتماع يوم الثامن من أيار (مايو) الجاري، لغرض التعبير عن رفضها الممارسات غير الإنسانية وغير الأخلاقية التي تقوم بها مجموعة ضالة، ارتضت لنفسها أن تقوم بمثل تلك الأعمال. <BR><BR><font color="#0000FF"> الانتقالي آخر من يعلم: </font><BR>ومهما قيل ويقال عن هذه الأعمال الإجرامية، فان مجلس الحكم الانتقالي الذي (يدير) الدولة العراقية وإدارات الدولة المسؤولة، وخاصة الأجهزة الأمنية تقف جميعاً عاجزة تماماً عن مواجهة أعمال العصابات المنظمة أو التخفيف من أعمالها الإجرامية التي يبدو أنها أخذت تتزايد في الآونة الأخيرة بشكل ملفت للنظر، وخاصة في حقول الطب، والغريب في الأمر أن الجمعيات والأحزاب والمنظمات والهيئات غير المنضوية تحت لواء مجلس الحكم الانتقالي، هي التي تسارع إلى عقد مثل تلك المؤتمرات الصحفية، بغية التعريف بهذه الممارسات الخطيرة، التي تهدد البلد، بينما مجلس الحكم الانتقالي لا يتطرق إلى تلك الحوادث، التي تهدد العراق ومستقبله، ويعدها حوادث عرضية. وقد ولد هذا الأمر شكا عند عدد كبير من العراقيين في أن هذه الجهات، التي تقوم بهذه العمليات، ربما تكون متعاونة مع عدد من أعضاء المجلس الانتقالي، لغرض إفراغ البلد من طاقاته وقدراته، في حين اتهم البعض الآخر جهات إسرائيلية وعلى رأسها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الخارجي "الموساد" بالوقوف وراء هذه العمليات الإجرامية، خاصة وأن أنباء كثيرة تواترت عن تغلغل إسرائيلي في العراق، وعن مقرات للموساد في عدد من المدن العراقية.<BR><BR>ويقول الدكتور محمود العباسي من وزارة الصحة العراقية: إن هذه الظاهرة تحتاج إلى دراسة واستقصاء؛ لأنها ليست عملاً عبثياً، وإنما هي من تخطيط جهات أجنبية، وأن أصابع الاتهام تتجه نحو الموساد الإسرائيلي، وبأنه الجهة الوحيدة التي تمارس مثل هذه الجرائم؛ لأنه سبق أن مارس الاغتيالات ضد العديد من علماء وأساتذة الجامعات العراقية، وقد أثبتت الوقائع أن الكثير من الأعمال الإجرامية مارسها رجال الموساد الذين ينتشرون في جميع أنحاء العراق ولاسيما في بغداد و المنطقة الشمالية.. وأضاف العباسي أن مجلس الحكم مطالب بتوفير الحماية الكافية لضمان حياة العلماء وعدم تركهم عرضة للاغتيال أو الاختطاف أو الهجرة؛ لأن في ذلك خسارة للعراق لا يمكن تعويضها.<BR><BR>وفي هذا السياق استنكرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ظاهرة الاختطاف والإرهاب التي يتعرض لها الأطباء العراقيون، وأدان السيد زياد عبد الرزاق أسود (وزير التعليم العالي) بشدة هذه الظاهرة التي وصفها بالخبيثة، والتي تقف وراءها أياد مخربة ومشبوهة لا تريد للعراق الخير والتقدم، بل تريد أن تدمر البلد وثروته العلمية متمثلة بخيرة أطبائه ذوي التخصصات وأضاف الوزير: أن وزارة التعليم العالي تطالب ويشدة وزارة الداخلية ومجلس الحكم في توفير الحماية المطلوبة لهؤلاء الأطباء والتدريسيين العلماء من خيري هذا البلد الطيب لغرض إفشال مخطط أعداء العراق.<BR><BR><font color="#0000FF"> إجراءات متأخرة: </font><BR>من جانب آخر كشفت مصادر في وزارة الداخلية أن إجراءات أمنية مشددة قد اتخذت مؤخراً لمواجهة عمليات اختطاف وقتل العلماء والأطباء التي تقوم بها عصابات مسلحة وتزايدت في الآونة الأخيرة تتضمن زيادة الحراسات على المستشفيات والعيادة الطبية، وتكثيف الحراسات على دور الأطباء في حيهم ببغداد، وأشارت إلى أن (وزير الداخلية) سمير الصميدعي عقد اجتماعاً مع وزير الصحة خضير عباس، وعدد من مسؤولي الوزارتين لدراسة متطلبات مواجهة هذه العصابات، حيث أوعز إلى دائرة مكافحة الجرائم الكبرى بمضاعفة جهودها للقبض على أفراد العصابات التي كثفت من عملياتها الإجرامية مؤخراً، وقال: إنهم يسعون لإفراغ البلاد من عقولها المبدعة لعرقلة إنماء العراق الجديد.. <BR>وأضافت المصادر نفسها أن الوزير ومن أجل تطوير أداء الوزارة طرد المفتش العام للداخلية ومدير شرطة النجف من وظيفتهما، وأوضحت أنه سيعين خلال أيام مفتشاً جديداً ووكيلاً للوزارة لشؤون الاستخبارات. <BR>ويرى المراقبون أن هذه الإجراءات جاءت متأخرة جداً، في حين يتحدث العراقيون جميعاً عن تفاقم الانفلات الأمني، وتصاعد عمليات الاغتيال والاختطاف وجرائم السرقة والسلب التي باتت تهدد المواطنين في وضح النهار.<BR><br>