50% من المهاجرين الروس لفلسطين من غير اليهود
28 جمادى الأول 1425

(الهجرة والتكوين الاثني لدى اليهود الروس في إسرائيل).. هذا هو عنوان كتاب جديد لأستاذ علم الاجتماع في جامعة حيفا البروفيسور ماجد الحاج، الذي يعد الدراسة الأكاديمية الجادة الأولى الصادرة عن باحث فلسطيني حول المجموعة الاثنية الروسية في الكيان الصهيوني في العقدين الأخيرين، مميزاتها وحقيقة هويتها السياسية والثقافية، وإمكانيات تأثيرها على كافة مناحي الحياة داخل الكيان، بين الحاضر والمستقبل.<BR> <BR>في هذا الكتاب الصادر باللغة الإنجليزية ينسف الباحث ماجد الحاج الزعم الصهيوني التقليدي بأن قدوم المهاجرين الجدد من روسيا إلى فلسطين يتم بدوافع أيدولوجية بحثاً عن"أرض الآباء والأجداد!" ضمن عملية هجرة لا مثيل لها في العالم، ويؤكد الباحث في كتابه أن المجموعة الروسية في دولة الاحتلال باتت تشكل أكبر جالية روسية في العالم، إثر محافظتها على ثقافة ولغة الأم، منهية عهد القطبين الاجتماعيين داخل الكيان: اليهود الغربيين (الاشكنازيم) واليهود الشرقيين (السفراديم) بعد أن أضافت قطباً ثالثا يعد الأكثر تماسكاً وتبلوراً. <BR><BR>ويظهر هذا البحث الشامل أن ما يزيد عن 30% من القادمين الروس هم من النصارى والمسلمين، ما يكشف حقيقة ضعف الهجرة من روسيا إلى الكيان الصهيوني إلى حد التوقف اليوم، حيث تراجعت سلطات الاحتلال عن عمليات استقدام المهاجرين بعد أن أصبحت تخشى على هوية الدولة اليهودية جراء قدوم غير اليهود، ويؤكد البحث أن 50% من المهاجرين الروس الذين قدموا إلى فلسطين في السنوات الثلاث الأخيرة كانوا من غير اليهود، ومن ضمن المعطيات المثيرة التي يكشفها الكتاب ظاهرة زواج الفتيات الروسيات من المواطنين الفلسطينيين واعتناقهن الدين الإسلامي في حالات كثيرة، إضافة إلى قيام القادمين الروس ببناء الكثير من الكنائس لهم داخل المدن اليهودية، واعتبار أنفسهم "أصحاب قومية إسرائيلية أو يهودية وديانة مسيحية"، كما يبرز بوضوح داخل مدينة أشدود التي تشمل اليوم 6 كنائس. <BR><BR>وأكد الباحث د. الحاج أنه خصص جهوداً وأبحاثاً ميدانية شاملة لقراءة وفهم المجموعة الروسية التي تشكل 20% من المجتمع الصهيوني، معتبراً ذلك شرطاً هاماً لفهم مستقبل"الدولة العبرية"، التي سيستبدل فيها الروس اليهود الغربيين كنخبة مسيطرة في مجالات حيوية عديدة، ويعتمد هذا الكتاب على سلسلة من الأبحاث الميدانية قام بها الباحث على مدى عقد من الزمن منذ قدوم الموجة الأولى من هؤلاء المهاجرين إلى الكيان الصهيوني، في أوائل التسعينيات من القرن الماضي. <BR><BR>يبدأ الكتاب بمقدمة نظرية يستعرض فيها الكاتب العلاقة بين الهجرة والصراعات الاثنية في مجتمعات شديدة الانقسام، ويقدم الفصل الثاني خلفية حول المبنى الاجتماعي للمجتمع الصهيوني، والطروحات السائدة بالنسبة للهجرة اليهودية في دولة الاحتلال، والتي تستند إلى الأيديولوجية الصهيونية. يستعرض هذا الفصل المميزات الأساسية للثقافة السياسية في إسرائيل التي أنتجت جهازاً طبقياً يتم فيه استثناء المجموعات المهمشة على محورين: المحور الاثني، الذي يستثني اليهود الشرقيين، والمحور القومي الذي يسثني العرب، ويخلص الباحث إلى أن طابع الدولة اليهودي-الصهيوني، وضرورة إنتاج إجماع قومي يهودي في ظل الصراع العربي-الصهيوني قد أدى إلى تهميش المحور الاثني ووضع، العرب وحدهم خارج حدود الشرعية.<BR> <BR>ويتطرق الفصل الثالث إلى البعد التاريخي للمجتمع اليهودي في روسيا والهجرات المختلفة من روسيا إلى فلسطين بما في ذلك الموجة الثانية من الهجرة، أما الفصول 4-8 فتستند إلى تحليل معطيات البحث الميداني حول المهاجرين الروس، ويبرز سعيهم إلى التعددية الثقافية؛ لأنهم لم يتنازلوا عن ثقافتهم الأصلية وينظرون إلى الثقافة الإسرائيلية نظرة ازدراء، ولذلك تربطهم مع روسيا علاقات متينة، ولديهم اليوم 52 صحيفة ونشرة ناطقة باللغة الروسية إلى جانب المسارح والقنالات والإذاعات الروسية ما ساهم في تكوين وتكريس شتات روسي في الكيان.<BR><BR>ويتطرق الفصل الخامس إلى مواقف المهاجرين الروس بالنسبة لقضايا الديمقراطية والتعددية الثقافية، وحرية الرأي والمجتمع المدني، كما يبحث أيضاً الرؤيا التي طورها المهاجرون تجاه طابع الدولة اليهودي، فيما يتطرق الفصل السادس إلى التنظيم السياسي لديهم، والذي ينعكس من خلال أنماط التصويت في الانتخابات البرلمانية والمحلية، وحصر معظم أصواتهم بالأحزاب الروسية. ويبحث الفصلان السابع والثامن في علاقات المهاجرين مع المجموعات المختلفة داخل المجتمع الصهيوني، وفيهما يقول الكاتب: إن المهاجرين الروس يكنون العداء الكبير للعرب عامة نتيجة عدة أسباب، أهمها: مواظبة الوكالة اليهودية ووزارة الهجرة على تعبئة القادمين الجدد ضد كل ما هو عربي وتغذيتهم بالكراهية، إضافة إلى أنهم يستخدمون هذه الكراهية، بطاقة دخول للإجماع الصهيوني، كما يشير الكتاب إلى إصابة أوساط من المهاجرين بـ" الإسلامفوبيا" بسبب قدومهم من بلاد قامت عليها حتى الأمس القريب إمبراطورية قوية لا تؤمن بإعادة الأرض لأحد، وبنفس الوقت يلفت الحاج إلى تميز المهاجرين الروس بالبراغماتية، فعندما يشعرون أن استمرار الصراع سيمس بمصالحهم فهم يستعدون للتنازل، ولذلك فإن نسبتهم في المستوطنات داخل الأراضي المحتلة عام 1967م قليلة جداً بحسب الكتاب.<BR> <BR>كذلك يلفت الكتاب إلى تغير مواقف المهاجرين الروس تجاه العرب، كما ينعكس في ازدياد ظاهرة الزواج المختلط مع العرب، واعتناق الفتيات الروسيات للديانة المسيحية أو الإسلامية بعد زواجهن من العرب، ومن ضمن الأمثال التي يقدمها ما حصل في قرية ترشيحا في الجليل الغربي، حيث تزوجت أربع سيدات روسيات من شبان مسلمين وهن يلبسن اليوم الزي الشرعي أيضاً، ويفسر الحاج هذه البراغماتية بعدم وجود كراهية أيدولوجية للعرب، إنما هي نتجت عن الجهل والأفكار المقولبة والتحريض، لافتاً إلى أن الاحتكاك اليومي مع العرب يساعدهم في اكتشاف ما تعرضوا له من شطف دماغ. <BR><BR>يعد هذا الكتاب الأول من نوعه، إذ إنه للمرة الأولى يقوم باحث عربي بدراسة عميقة لموضوع الهجرة اليهودية إلى الكيان الصهيوني بناء على أبحاث ميدانية علمية، واستناداً إلى مصادر أولية مستقاة من سلسلة من استطلاعات الرأي العام، ومقابلات شخصية مع مجموعات تمثيلية من المهاجرين، وتحليل للصحف اليهودية باللغات الثلاث(الروسية والعربية والعبرية)، بالإضافة إلى استعراض لجميع الأبحاث التي أجريت حتى الآن في هذا المجال. وفي حديث لـ"المسلم" عدّ الحاج الهجرة الروسية ظاهرة عامة تشبه الكثير من موجات الهجرة العالمية، والتي تقف وراءها دوافع اقتصادية واجتماعية وليست دوافع أيديولوجية، وأن محاولة وصف الهجرة على أنها ظاهرة فريدة من نوعها هو جزء من بناء الأيديولوجية الصهيونية التي تعد اليهود في كل مكان في العالم بمثابة الشتات الذي سيبقى غريباً حتى يعود إلى الوطن الأم (إسرائيل)!<BR><br>