دحلان واليد الخفية في الأزمة الفلسطينية الأخيرة
3 جمادى الثانية 1425

"السيد ياسر عرفات أصبح يَعُد أيامه الأخيرة، ولكن دعونا نُذيبه على طريقتنا وليس على طريقتكم، وتأكدوا أيضاً أن ما قطعْتُهُ على نفسي أمام الرئيس بوش من وعود فإنني مستعد لأدفع حياتي ثمناً لها"<BR><BR>كلمات واضحة في رسالة نشرتها العديد من وسائل الإعلام الفلسطينية، وجهها العقيد محمد دحلان إلى (وزير الدفاع الإسرائيلي) شاؤول موفاز العام الماضي.<BR>كانت الرسالة تتحدث عن التزام دحلان بما وعده للإسرائيليين من القضاء على من أسماهم "بعصابات المافيا"، التي " تنشر الفوضى في صفوف شعبنا وتثير النزاع والأحقاد" بين الفلسطينيين والإسرائيليين!!!<BR><BR>العام الماضي، عندما كانت تشرف حياة حكومة أبي مازن " محمود عباس" على النهاية، بعث (وزير الداخلية المفوض) محمد دحلان، رسالة إلى موفاز، يستصرخ بها حكومة شارون بأن تمنع عرفات من سحب الثقة عن حكومته، التي تشكلت بضغوط إسرائيلية.<BR>وقد أكد دحلان لموفاز بالحرف أنه يقوم " بمحاولة استقطاب الكثير من أعضاء المجلس التشريعي من خلال الترهيب والترغيب (!!) حتى يكونوا بجانبنا وليس بجانبه (عرفات)، لكننا نخشى من المفاجآت".<BR><BR>الآن وبعد عام على الرسالة المؤرخة بـ13/7/2003م، تعيش الأراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية؛ أياماً صعبة وقاسية، لم تكن لتعيشها من قبل، فالصراع مع الإسرائيليين هو صراع مبدئي وقديم ومتجدد، ولن يفضي إلا إلى "إحدى الحسنيين"، أما الصراع الفلسطيني الداخلي، فهو قتل المسلم بيد المسلم، ولن يجني منها الفلسطينيون (مهما كانت الأسباب) إلا العار والإثم.<BR><BR><font color="#0000FF"> علاقة دحلان مع أجهزة الأمن والجماعات المسلحة: </font><BR><BR>العديد من وسائل الإعلام الفلسطينية والإسرائيلية أكدت على أن يد دحلان واضحة في تأزيم الموقف الفلسطيني والوصول إلى عمليات الخطف وإطلاق النار والاستقالات، مؤكدين على أن دحلان أراد بهذه الطريقة إفهام الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات (الذي دخل معه في صراعات شخصية وحكومية عديدة) أنه الرجل الأقوى في الشارع الفلسطيني، وأنه يستطيع اللعب بالأوراق الأمنية، وقت يشاء، وبالطريقة التي يريدها.<BR><BR>ولكن كيف لدحلان الذي ترك منصبه الأمني كرئيس لجهاز الأمن الوقائي، ووزير الداخلية الفلسطيني المفوض في الحكومة السابقة؛ أن يدير مثل هذه الأزمة، وأن يؤثر بهذا الحجم على الشارع الأمني الفلسطيني ؟!<BR><BR>لا تخفي الكثير من الجماعات المسلحة الفلسطينية علاقتها المميزة مع محمد دحلان منذ أن كان في منصبه السابق، كما لا يخفى على الفلسطينيين العلاقة المميزة التي تجمع دحلان مع شخصيات أمنية فلسطينية، ولن يكون الأمر مستغرباً الآن بأن يكون الأشخاص والجماعات الذين ساهموا في تأزيم الموقف الأمني الفلسطيني هم (تحديداً) أولئك الذين تربطهم علاقات مميزة مع دحلان.<BR><BR>باعتباره أحد أعضاء حركة (فتح) الفلسطينية، فإنه على علاقة مع أعضاء التنظيم مثل: "كتائب شهداء الأقصى" الذراع العسكري لفتح، بإجماع الفلسطينيين والإسرائيليين.<BR>فبحسب مصادر في فتح، فإن أكثر من 70 في المئة من رجال الحركة في غزة موالون لمحمد دحلان، ومعدل التأييد هذا يضم أيضاً "النواة الصلبة": كتائب شهداء الأقصى ورجال "لجان المقاومة الشعبية".<BR>كما تربط دحلان علاقة قوية مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والذين قدم دحلان استقالته من حركة فتح بتاريخ 5 نوفمبر 2001م احتجاجاً على سياسة السلطة الفلسطينية في القبض على أعضاء الجبهة والجهاد.<BR><BR>وبحسب مصادر فلسطينية أيضاً، فإن كبار مسؤولي أجهزة الأمن الفلسطينية ترى في دحلان شخصية تمثلهم.<BR>ومن بينهم بالطبع رشيد أبو شباك (قائد الأمن الوقائي)، وأمين الهندي (قائد المخابرات العامة)، الذين قدما استقالتهما لعرفات بعيد أحداث خطف الجبالي، التي بدأتها لجان من "الأقصى"، والتي تجمع الكثير من المصادر الفلسطينية أن استقالتهما جاءت في أعقاب أمر صدر عن دحلان شخصياً.<BR><BR><font color="#0000FF"> لماذا الأزمة الآن ؟: </font><BR><BR>بعد الأزمة السابقة بين دحلان وعرفات أيام حكومة أبي مازن الماضية؛ اختفى أي أثر للمشاكل بين الشخصيتين خلال عام كامل، قضى خلالها دحلان وقتاً طويلاً في لندن!!<BR>وبعد عودته، بدأ دحلان يستعيد علاقاته ونفوذه بين الأوساط الأمنية والمسلحة الفلسطينية، ولا تخفي وسائل الإعلام الداخلية حديثاً في الشارع الفلسطيني حول ترتيبات بين دحلان ومحمود عباس (رئيس الحكومة السابق) الذي كان يعمل فيها دحلان، مشيرة إلى أن هذه الترتيبات تنصب في إعادة دور سلطوي لهما في المرحلة المقبلة!<BR>ولكن لماذا في هذا الوقت بالذات ؟!<BR><BR>الحكومة الإسرائيلية أنهت استعداداتها الدبلوماسية والداخلية والأمنية للانسحاب القادم من الأراضي الفلسطينية عبر خطة ( فك الارتباط أحادية الجانب) التي يتبناها شارون، والتي تدل التصريحات الإسرائيلية أنها ستدخل حيّّز التنفيذ في شهر مارس 2005م.<BR><BR>إلا أن مشكلة هامة لا زالت تؤرق الإسرائيليين، وهي أي الجهات المسلحة ستقوم بالسيطرة على الأراضي المحررة.<BR>الخوف الأساسي قادم من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي، اللتين ساهمتا بشكل فعال وكبير في رسم ملامح الصراع المسلح الحقيقي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي أدت بالتالي إلى جملة من الإجراءات الإسرائيلية لضمان أمن المستوطنات، من بينها الانسحاب من أراض فلسطينية محتلة.<BR><BR>لذلك فإن جملة من الحلول الأمنية ظهرت على ساحة "الشرق الأوسط" من بينها تدخل أمني من دول عربية مجاورة وجدار الفصل العنصري وتهيئة قوى فلسطينية للسيطرة على تلك الأراضي بما يحقق للإسرائيليين الأمن ومنع العمليات الفدائية الفلسطينية.<BR><BR><font color="#0000FF"> دحلان والإسرائيليون: </font><BR><BR>الإسرائيليون لهم سابق تجربة مع دحلان، عندما كان في الحكومة السابقة، حيث دخل ومعه معظم الجماعات الفلسطينية المسلحة في هدنة أمنية مع الإسرائيليين، وقدمت إسرائيل له ولحكومته العديد من المزايا من بينها إطلاق سراح مئات المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال.<BR><BR>وليست هذه المرة الأولى التي يتفاوض فيها دحلان مع الإسرائيليين، إذ سبق له اللقاء مع مسؤولين من قوات الدفاع الإسرائيلية وجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) في روما خلال يناير 1994م من أجل وضع خطة لاحتواء حركة المقاومة الإسلامية حماس.<BR>كما أنه عضو دائم في فريق التفاوض على القضايا الأمنية المتعلقة بإعادة الانتشار الإسرائيلي أثناء اتفاقيات أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين.<BR><BR>لذلك فإنه من المنطقي جداً أن تستفيد الحكومة الإسرائيلية من هذا الإرث السابق مع دحلان، والذي يعتمد على الثقة المتبادلة والإخلاص في التعامل (!!!)<BR><BR>ودحلان لا ينفي هذه الثقة المتبادلة مع الإسرائيليين، ففي ختام رسالته التي أرسلها لموفاز، قال: " في النهاية لا يسعني إلا أن أنقل امتناني لكم ولرئيس الوزراء شارون على الثقة القائمة بيننا، ولكم كل الاحترام" !!<BR><BR>وفيما يبدو، فإن الشخصيات الأمنية التي تعد الحكومة الإسرائيلية لها كي تتسلم قيادة الأراضي المحررة، يأتي على رأسها محمد دحلان.<BR> <BR>يقول روني شاكيد (أحد رجالات الشاباك السابقين، والمسؤول عن الشؤون الفلسطينية في صحيفة يديعوت أحرونوت حالياً): " إن هذه الأحداث ستنعكس على المستقبل السياسي، حيث ستبحث إسرائيل عن شريك يقنع الشعب الفلسطيني بشخصيته وإرادته وتواصله في مواجهة الفساد وإصلاح الوضع الذي ترى أنه غير موجود في شخص عرفات".<BR><BR><font color="#0000FF"> سنوات الخصام بين عرفات ودحلان: </font><BR><BR>أمضى دحلان وعرفات سنوات طويلة في حرب صامتة، تمثل بمحاولات استقطاب الهيمنة على أجهزة الأمن ومواقع النفوذ في فلسطين.<BR><BR>وخلفية الخلاف بينهما جاءت بعد أن كان دحلان يأمل بأن يعينه عرفات على رأس وزارة الداخلية، إلا أن الأخير فضّل عليه هاني الحسن، ما أثار حفيظة دحلان، الذي عمق صلاته واتصالاته مع الجانب الإسرائيلي في وقت كان فيه ياسر عرفات يأمل في إنهاء دور الحكومة الفلسطينية التي تشكلت بضغط إسرائيلي.<BR><BR>وخرجت مظاهرة بأمر من عرفات ضد الحكومة الفلسطينية، رددت شعارات موالية لعرفات، وتحدت حكومة أبي مازن، مؤكدة على أن مرجعية الفلسطينيين هي لعرفات وحده !!<BR><BR>وفي شهر مارس الماضي، أي: قبل أربعة أشهر من الآن، التقى عرفات في مقره برام الله مع دحلان بعد قطيعة استمرت ستة أشهر. <BR>فبعد موضوع الصلاحيات الأمنية لدحلان التي أدت إلى خلاف بين عرفات و(رئيس الوزراء السابق) محمود عباس، الذي استقال في 6 سبتمبر، لم يلتق عرفات ودحلان نهائياً.<BR><BR>وجاء اللقاء بين عرفات ودحلان من أجل " تهدئة التوترات التي ظهرت أخيراً في قطاع غزة بين الشرطة الفلسطينية وجهاز الأمن الوقائي الذي تولى دحلان قيادته قبل أن يصبح وزيراً في حكومة محمود عباس أواخر إبريل 2003م" حسب ما ذكرت مصادر في حركة فتح.<BR><BR>وهذا اللقاء الذي بدد الجليد، لم يكن كافياً لحل النزاع بين الاثنين، خاصة في وقت اتسعت فيه مساحة الانتقادات الداخلية والخارجية ضد عرفات، كان آخرها (مبعوث الأمم المتحدة) تيري رود لارسن، فيما لا يزال دحلان يحتفظ بعلاقات وطيدة داخلية وخارجية مع بعض الفصائل المسلحة الفلسطينية وأجهزة الأمن من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى.<BR><BR>والأحداث التي ستضع النقاط على الحروف، هي التطورات خلال الأشهر القليلة القادمة، وتدخل إسرائيل المرتقب في الأزمة، من أجل الضغط على الفلسطينيين لتعيين شخصية أو جماعة في مساحة الأمن الفارغة التي سيخلفها خروج الإسرائيليين من أراضي قطاع غزة المحررة والمأمولة.<BR><BR><BR><br>