في العراق : الشرطة في خدمة الاحتلال
8 جمادى الثانية 1425

يتفق أكثر المراقبين والمحللين السياسيين على أن مهمات أجهزة الشرطة في الوطن العربي والعديد من بلدان العالم الثالث تختلف عما هي عليه في البلدان المتقدمة، حيث تضطلع الشرطة هناك بحماية المواطن والمجتمع من الجريمة والسرقة والاستغلال والفوضى بينما تختص الشرطة في أقطارنا العربية بمهمات حماية السلطة وقمع المواطنين ، وملاحقة أصحاب الرأي . <BR>ورغم الهوة العميقة التي تفصل بين الناس والأجهزة الأمنية إلا أن شوارع وساحات الوطن العربي تعج بـ " اللوحات " الكثيرة والكبيرة التي تؤكد على أن " الشرطة في خدمة الشعب " في الوقت الذي اعتاد الناس على التهكم و السخرية من هذه الشعارات؛ لإدراكهم بأنها ليست غير شعارات دعائية زائفة لا مضمون لها ، ولا تمت لواقع الأمر بصلة.<BR> <BR><font color="#FF0000"> الشرطة في العراق: </font><BR><BR> من المعروف أن الشرطة في العراق تأسست في عام 1923 م، وكان يطلق على أفرادها " الجندرمة " باللغة العثمانية، التي كانت سائدة في ذلك الوقت، ولكي نكون أكثر دقة، فإنها تأسست في وقت الاحتلال البريطاني للعراق ، تماماً كما هي حالها اليوم إذ يعاد تأسيسها في ظل الاحتلال الأمريكي وكأن التاريخ يعيد نفسه ..<BR> <BR>إلا أن هذا الجهاز العريق لم يكن موضع ثقة المواطنيين العراقيين طيلة السنوات الماضية ، ولاسيما منها التي سبقت الحرب العدوانية الأخيرة على العراق ، وتحديداً إبان وقت الحصار الدولي الجائر الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق بتحريض من الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث مارس جهاز الشرطة ضغوطاً مؤذية على العراقيين بهدف الرشوة والابتزاز تحت ذريعة قلة الرواتب الحكومية . إلا أن كره العراقيين للشرطة تفاقم بعد الاحتلال الأمريكي بشكل خاص ، بعد أن تحول هذا الجهاز إلى درع لحماية القوات الأمريكية المحتلة جراء زجه من قبل وزارة الداخلية ومجلس الحكم وسلطات الاحتلال للمساهمة مع القوات الأمريكية والبريطانية الغازية في عمليات الدهم والتفتيش والقمع ضد عناصر المقاومة العراقية ، مما أثار حفيظة العراقيين وغضبهم ، معتبرين أن أجهزة الشرطة المحلية قد تحولت إلى أداة لتنفيذ مآرب وأهداف العدو الغازي ضد أبناء العراق خدمة للمخططات الصهيونية الأمريكية والعملاء الذين نصبهم المحتل حكاماً على العراق .<BR> <BR>لقد أصبحت القوات الأمنية العراقية هدفاً للمجموعات المسلحة ومنذ تشكيلها ، وتعرض العديد وما زال من مراكز الشرطة ونقاط التفتيش وقواعد قوات الدفاع الوطني ومراكز التجنيد بشكل دائم للهجمات المختلفة ، وهي في تزايد متواصل، حيث ترى المجموعات المسلحة المناهضة للوجود الأمريكي في العراق أن القوات الأمنية العراقية متعاونة مع قوات الاحتلال .. وقد أصدرت مجموعة مسلحة ادعت أنها تابعة لـ " أبي مصعب الزرقاوي " بياناً قالت فيه :" نحن نهاجم الجيش العراقي والشرطة العراقية؛ لأنهم متعاونون مع قوات الاحتلال "، وقد رد " فلاح النقيب (وزير الداخلية العراقي) بقوله :" نحن نأخذ تلك التهديدات على محمل الجد " . <BR><BR>وعلى ذلك فقد وضعت الشرطة العراقية نفسها في صف المحتل الدنس الأرض والعرض ، وبذلك استحقت حسب قناعة القوى الوطنية وفصائل المقاومة العراقية العقاب المناسب، وتحولت مراكز الشرطة ومقارها إلى بؤر لتعذيب المواطنين وسجنهم، وممارسة أبشع أنواع القمع والاضطهاد ضدهم من خلال عمليات مشتركة بين عناصر الشرطة وقوات الاحتلال. <BR><BR>ومن هنا فان المقاومة العراقية بدأت باستهداف هذه المراكز، وقامت بتفجير عدد كبير منها أو الهجوم عليها بالقنابل وقذائف المورتر بين الحين والآخر ، تأكيداً لمبدأ : أن من يدعم المحتل ويقدم له التسهيلات، ويغطي على جرائمه إنما هو أكثر استحقاقا حتى من الأجنبي . <BR><BR><font color="#FF0000"> عار الانتماء إلى الشرطة: </font><BR><BR>بالرغم من أن الكثير ممن ينتمون إلى الشرطة في ظل الاحتلال هذه الأيام يحاولون إخفاء ذلك الانتماء ، ويحاولون تبرير ذلك العمل الشائن بأنه اضطرار بسبب الحاجة الماسة إلى تأمين العيش لهم ولعوائلهم بعد أن تفشت البطالة وتوقفت معظم المصانع والأعمال ، خاصة وأن سلطات الاحتلال خصصت لهم رواتب مغرية .. <BR><BR>يقول رجل شرطة رفض الكشف عن اسمه : " مع أنني هنا من أجل أن أكسب لقمة العيش ، وإن صاحبتها المخاطر فقد تطوعت في سلك الشرطة بعد أن ضاقت بي الدنيا، ولم أجد من يساعدني، وكدت ألجأ إلى السرقة؛ لأن الجوع أغلق علي منافذ الحياة، ولكني اليوم أتقاضى راتباً جيداً، وأصبحت أشعر بأنني صاحب شأن في هذه الدنيا ، ولا أحتاج إلى أحد _بإذن الله_ . <BR>ورغم صعوبة الظروف وانتشار البطالة إلا أن مئات الآلاف من شباب العراق مازالوا ينظرون إلى الانخراط في صفوف الشرطة بأنه أمر معيب يجلب الخزي والعار لأهلهم وعشائرهم ، وهم يتهمون هذا الجهاز بأنه ذيل تابع لقوات الاحتلال مهمته قمع الناس وملاحقة عناصر المقاومة الباسلة، كما تنظر الكثير من العوائل العراقية إلى هذا الجهاز في الوقت الحاضر وتحت نير الاحتلال بأنه لا يختلف عن قوات الاحتلال ، بل إنه أكثر جرماً وخيانة . <BR><BR><font color="#FF0000"> المرتزقة يدربون شرطة العراق: </font><BR><BR>كشفت تقارير نشرت مؤخراً على أن جنوداً وضباطاً مرتزقة يسهرون على أمن الموظفين البريطانيين في العراق وتدريب جهاز شرطته الجديد، وأشارت هذه التقارير إلى أن بعض هؤلاء المرتزقة البريطانيين والجنوب أفريقيين قد تورط في اغتيال معارضي نظام التمييز العنصري (الابارتيد) السابق في بريتوريا، والتخطيط لانقلابات عسكرية في أفريقيا، وقالت: إن الخارجية البريطانية تدفع مليون جنيه استرليني أسبوعياً لشركتين تزودان دبلوماسييها في العراق بحراس شخصيين بينهم مرتزقة، فيما بلغت فاتورة وزارة التنمية الدولية البريطانية لقاء خدمات مشابهة خلال بضعة اشهر 9 ملايين جنيهأ وأكدت الصحف أن أجور المرتزقة شهدت ارتفاعاً كبيراً بعد مسرحية ما يسمى" إعادة السيادة للعراقيين منذ أواخر يونيو "حزيران "الماضي.<BR> <BR>وقالت صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية: إن اثنين من أصحاب شركة تقدم الحماية في العراق لموظفي وزارة التنمية الدولية يمكثان في السجن بتهمة تدبير انقلاب كانت ستنفذه قوات مرتزقة أجنبية في جمهوية غينيا الاستوائية، وأوضحت أن لورينس هورن، الذي كان ممثل شركة «ميتوريك تاكتيكال سولوشينز» في العراق قد اعتقل في زيمبابوي مع أحد شركائه لتورطهما في شراء كميات من الأسلحة والذخائر، وأضافت أنه كان من المفترض أن توزع الأسلحة على 70 مرتزقاً كُلفوا تنفيذ المخطط الانقلابي في الدولة الغنية بالنفط، ولفتت إلى أن الشركة الأمنية التي تتخذ من بريتوريا عاصمة جنوب أفريقيا مقراً لها، قد وقعت عقداً بقيمة 250 ألف جنيه مع وزارة التنمية الدولية لحماية موظفيها في العراق. <BR><BR>وجدير بالذكر أن هذه الشركة قد أبرمت عقدين آخرين مع سلطات بغداد للمساهمة في تدريب الشرطة العراقية، ولفتت الصحيفة إلى قلق الأوساط السياسية البريطانية من تغلغل قوات المرتزقة في العراق، وأشارت في هذا السياق إلى أن غراي برانفيلد، وهو جنوب أفريقي لقي مصرعه أثناء عمله في جنوب البلاد لصالح شركة خدمات أمنية بريطانية، قد قام باغتيال عدد من معارضي نظام الابارتيد، وذكرت أن هذه الشركات ترسل إلى العراق مجموعات تغص بأعضاء الأجهزة الأمنية وفرق الاغتيالات الجنوب أفريقية السابقة ممن ارتكبوا انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وقالت: إن أكبر شركات الخدمات الأمنية البريطانية العاملة في العراق تسمى" غلوبال ريسك ستراتيجي"، وأضافت أن هذه الشركة أرسلت ألفاً من موظفيها إلى العراق لمساعدة الحكومة على وضع نظم جديدة لأجهزة الأمن والشرطة، وزادت أن الشركة ستوفد 200 موظف آخر إلى العراق قريباً.<BR><BR>أما صحيفة «الاندبندت أون صنداي» البريطانية فذكرت أن الخارجية قد رصدت ثلاثة أضعاف المبالغ التي دفعتها سابقاً لتوفير الحماية لموظفيها العاملين في العراق، وأرجعت ذلك إلى تفاقم الخوف من تعرض هؤلاء البريطانيين لضربات «إرهابية» أشد قسوة بعد " مهزلة " تسليم السيادة، وأشارت إلى أن الخارجية تدفع حالياً لشركتي «كونترول ريسكس» و«آرمور غروب» مقابل هذه الخدمات الأمنية مليون جنيه أسبوعياً، الذي يمثل ثلث المبلغ الذي كانت تقدمه لهما قبل أشهر، وأفادت أن بين الشركات الأمنية العاملة في العراق واحدة يرأسها الكولونيل البريطاني المتقاعد تيم سبايسر، الذي اتهم بالتخطيط لانقلاب في سيراليون في 1999م، وقالت: إن وزارة الدفاع الأميركية وقعت مع سبايسر أخيراً عقداً بقيمة 280 مليون جنيه <BR><BR><font color="#FF0000"> معنويات منهارة: </font><BR> <BR>اهتمت الصحف الغربية بالشأن العراقي فنشرت التايمز البريطانية موضوعاً عن الأمن تقول فيه: إن معنويات الشرطة العراقية منخفضة للغاية بسبب نقص المعدات واللوازم الأساسية لعملهم بالإضافة إلى المخاطر التي يواجهونها بشكل مستمر، والتي تهدد حياتهم، وتنقل التايمز عن البعض تشاؤمهم من الأوضاع وعن آخرين من الشعب العراقي قولهم: إن الأوضاع الأمنية في تحسن إلا أن الأمر سيستغرق ستة أشهر على الأقل أو عام قبل أن توصف الأوضاع بأنها آمنة، وفى صحيفة الفاينانشيال تايمز مقال تحت عنوان "العراق لا يزال القضية المسيطرة على الانتخابات شرق وغرب الأطلنطي" في إشارة للولايات المتحدة وبريطاني، وتقول الصحيفة: إنه بالرغم من استمرار ورود الأخبار السيئة من العراق، والتقارير الخاصة بفشل الاستخبارات في البلدين في نقل الصورة الصحيحة عن الأسلحة العراقية قبل الحرب، إلا أن كذب الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني، وإصرارهما على تحسن الأوضاع الجديدة في العراق لم يقلل من فضيحتهما مما سبب تراجعاً واضحاً في نسبة المؤيدين لسياستهما في العراق . <BR><BR><font color="#FF0000"> الجريمة تتصاعد: </font><BR><BR> بالرغم من أن الشرطة العراقية بدأت في الآونة الأخيرة عمليات تفتيش واسعة ، وانتشار في شوارع بغداد في محاولة منها لتوفير الأمن إلا <BR>أن جرائم الاغتيالات والنهب والتسليب ما زالت منتشرة بشكل واسع فقد ازدهرت في العراق عموماً، وفي بغداد خصوصاً منذ إطاحة النظام مهنة تجارة المخدرات والحشيش و"الكبسلة" (كبسولات المخدرات) وتجارة الرقيق الأبيض إلى جانب تفشي ظاهرة السلب والنهب والسطو المسلح في رابعة النهار، وانتشرت هذه الظاهرة في أهم مناطق بغداد وأشهرها كونها المركز المدني والتجاري والاقتصادي للعاصمة بل وللعراق كله. <BR><BR>ويذكر العراقيون أن أكثر المناطق أمناً في كل ساعات الليل والنهار هي هذه المناطق التي تعاني الآن انفلاتاً أمنياً لا مثيل له، فما أن تعلن دقات الساعة في بغداد الرابعة عصراً حتى تلتقط شوارع الخلفاء والرشيد والسعدون والكفاح والشيخ عمر ومنطقتا باب المعظم وباب الشرقي وحي البتاوين والأحياء المحصورة بين الرشيد والخلفاء نماذج وأشكالاً وحكايات كانت إلى ما قبل 9 نيسان (أبريل) ضرباً من ضروب المستحيل إن لم نقل المحال، ويضيف أحد العراقيين : "كانت هذه المنطقة (شارع السعدون وساحة الباب الشرقي) من أشهر مناطق بغداد وأكثرها ازدهاراً، فإلى جانب كونها مركزاً تجارياً، فهي مركز سياحي تجد فيه المتعة البريئة أينما طلبتها وفي أي وقت. الآن الأمر مختلف فالموبقات وجدت فيها ملجأ، وفرضت العصابات المجال واسعاً لارتكاب أبشع وأسوأ الجرائم؛ أفلاماً إباحية لفنانات عراقيات وعربيات وأجنبيات وجلسات مجون لفنانين وشعراء عرب وعراقيين، وأكد أن لديه أفلاماً لليالي "الدخلة" (ليلة الزواج) وأفلام اغتصاب لفتيات صغيرات ومراهقات، بيد أنه أبدى ضجره من كثرة عصابات السلب والنهب التي تمنع السوق من الاستمرار في عملها. <BR><BR>وأكد لنا أحد الباعة المتجولين أن لا أحد يبقى في السوق بعد الساعة الرابعة مساءً، حيث تنتشر عصابات النهب والسلب والسرقات، مشيراً إلى وجود دوريات للشرطة بيد أنها غير مؤثرة. إلا أنه اعترف بتأثير "الكبسة" التي قامت بها وزارة الداخلية قبل أيام، وتمنى أن تتكرر، وذكر أن القوات الأميركية دخلت هذه الأماكن مرات واعتقلت عدداً كبيراً بيد أنها سرعان ما أطلقت سراحهم بعد أن دفعوا الرشاوى. <BR><BR>ويقول آخر رافضاً ذكر اسمه؛ لأنه يخاف عواقب ذلك: إن "حملة وزارة الداخلية الأخيرة لم تنجز سوى 50 في المئة من موضوع محاربة الفساد والمفسدين، فما زال المجرمون المحترفون يعبثون بالأمن. يقتلون وينهبون من دون رادع ومن دون رقيب". <BR>ومنذ الساعة الرابعة عصراً كل شيء في هذه المنطقة معرض للسرقة والخطف والقتل، كل ذلك والمدينة في صمت الموتى عالم بدا غريباً حاولنا اختراقه مع ساعات الغروب... والتمثال البديل للشخصية الوطنية المرموقة محسن السعدون بعدما سرق تمثاله الأصلي من زجاج نصبه عدد من المواطنين. دخلنا الأزقة والأسواق القريبة وتفاصيل الحياة، وكان واضحاً أن سلطة الدولة غائبة وفقدت هيبتها، وأن الباعة يفترشون أسواق البتاوين وأزقتها وشارع السعدون، ولكن عليك أن تحافظ على جيبك وأنت تسير بين المارة، فالأسواق كما قال أحد الباعة:"هي سوق الحرامية". <BR><BR>سعدون محمود (رئيس عرفاء في الجيش المنحل، يعمل في إصلاح أجهزة التلفزيون والفيديو)، ويقول: إنه حرم من فرصة استمراره في الجيش بعدما تم حله، والراتب لا يكفيه فامتهن هذه المهنة، بيد أنه غير راض عن عمله، فهو يرى أن معظم الأجهزة التي تصل إليه للتصليح مسروقة، ويؤكد أن معظم العاملين في هذه السوق من حملة الشهادات الجامعية، وبين ضياع الأمس وفوضى اليوم ورمادية المستقبل تتفاقم مشاكلهم وتختلط الأوراق في عيونهم، يحملون حقائبهم التي تحوي بعض متطلبات السوق يتوجهون إليه ليعلنوا عن بعض الخيبة وهم يرون كل حين صوراً لا تمت إلى بغداد وتاريخها بأدنى صلة.<BR><BR><br>