العدو يدنس الحرم القدسي
25 جمادى الثانية 1425

تحاول الدوائر اليهودية المتطرفة في هذه الأيام تمهيد السبيل أمام تعزيز المظاهر اليهودية في ساحة الحرم القدسي الشريف، وتسعى جاهدة وبصورة استفزازية إلى فتح حرم المسجد الأقصى المبارك أمام زيارات اليهود، والذي وصل إلى حد التنادي إلى الاستيلاء عليه بالكامل وتهويده بتدميره وبناء هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه، لتستكمل بذلك تهويد البلدة القديمة ومحو معالم الحضارة العربية الإسلامية فيها، لتكرار مشهد إقدام أرييل شارون على اقتحام باحات الأقصى المبارك – أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وموئل الإسراء والمعراج – أواخر سبتمبر من عام 2000م، والذي بسببها اندلعت انتفاضة الأقصى والتي مازالت مستمرة حتى الآن.<BR> <BR>وتنامت دعوات اليهود التحريضية لاقتحام المسجد الأقصى، من قِبل رجال الدين اليهود والساسة الإسرائيليين بشكل لافت، وزاد مدى الخطر الذي يشكه أمثال هؤلاء مع وجود 24 منظمة إسرائيلية متطرفة تخطط لمهاجمة المسجد الأقصى _حسب ما قال مندوب فلسطين الدائم في جامعة الدول العربية السيد محمد صبيح_، ويعتقد بعضها أن عام 2005م هو العام الذي إن لم يقم فيه اليهود ببناء الهيكل الثالث فسينزل عليهم " غضب الرب"، فقد دعا زعيم جماعة ( أمناء جبل الهيكل) اليهودية المتطرفة التي خططت سابقاً لتفجير قبة الصخرة المشرفة إلى أن " تفجير المسجد الأقصى ضروري ، وأنه " لإقامة الهيكل الثالث يجب إزالة قبة الصخرة، والذي سيقود إلى ثورة قيمية وثقافية "، وهدد بشن هجوم على المسجد الأقصى بطائرة بدون طيار تحمل متفجرات أو أن يقوم طيار انتحاري يهودي بالارتطام بطائرته بجموع المسلمين المصلين في ساحة المسجد، وتدعي هذه المجموعة المتطرفة أن بناءها للهيكل المزعوم مكان قبة الصخرة والمسجد الأقصى " لن يزعج المسلمين الذين يصلون إلى قبلتهم في مكة المكرمة".<BR><BR>وتلتقي هذه الدعوات مع ما حث به حاخام الدولة العبرية سابقاً في أغسطس 2002م اليهود إلى الزحف إلى المسجد الأقصى لتطهيره مما أسماه دنس العرب والمسلمين ، وأن الوقت قد حان لاجتثاث هذا الوباء .. فالتوراة تحرم علينا الرحمة والرأفة بالقساة والقتلة .. وزعم أن المسجد الأقصى "عبارة عن سرطان بدأ يتفشى، ويجلب علينا الويلات، وواجبنا حسبما تحتم علينا التوراة تطهير هذا المكان من العرب والمسلمين".<BR><BR>في سياق تهيئتها لأجواء العدوان على المسجد الأقصى، عمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلية إلى نشر عدد كبير من قواتها داخل الحرم القدسي وفي محيطه وفي أحياء البلدة القديمة، وكثفت الشرطة من حضورها بالقرب من "حائط البراق" الذي يسميه اليهود افتراء بـ"حائط المبكى"، وشرع المسؤولون الإسرائيليون في ذات الوقت إلى الترويج لتخطيط متطرفين يهود لاقتحام الأقصى أو المسّ به بذريعة عرقلة الانسحاب الإسرائيلي من غزة، وخلق ردود فعل فلسطينية غاضبة تحدث نوعاً من الفوضى في المنطقة، على أمل إحداث بلبلة على تنفيذ الانسحاب، معتبرين أن ضمان حماية المسجد الأقصى يفوق صعوبة حماية " شارون"، وأنه يمكن تأمين مراقبة إلكترونية في القطاعات التي لا يمكن نشر قوات شرطة الاحتلال.<BR><BR>وبلا شك فإن التحذيرات التي يثيرها مسؤولون إسرائيليون سنوياً من مثل هذا هجوم على المسجد الأقصى تنفذه جماعات يهودية، ترمي في جزء منها إلى تمرير مخطط صهيوني لإحكام السيطرة على باحات الحرم القدسي بذريعة حمايته من المتطرفين اليهود، ولتضع في وقت لاحق إجراءات عقابية على المسلمين وتمنعهم من الدخول إليه. غير أن التقديرات ترجح أنه يمكن أن ينتج عن فتح الحرم أمام الجماعات اليهودية حوادث عنيفة وردود فعل غاضبة من قبل الفلسطينيين وإمكانية حدوث مواجهات دامية قد تتطور في المنطقة بأسرها.<BR><BR>وكان الحاخام اليهودي شلومو غورين قد قام مع عشرين من جماعته بأداء صلاة يهودية داخل الحرم القدسي بتاريخ 15 أغسطس / آب من عام 1967م، وفي 28 يناير/ كانون الثاني من عام 1976 أصدرت قاضية محكمة صلح إسرائيلية في القدس قراراً يقضي بإباحة الصلاة لليهود في الحرم القدسي الشريف، وكانت شرطة الاحتلال الإسرائيلية قد سمحت مع بداية شهر يوليو/ تموز من عام 2003م لمجموعات صغيرة من السائحين اليهود والمسيحيين وللإسرائيليين بدخول الحرم القدسي. <BR>وما يجعل من التهديد مسألة خطيرة هو ما تقدمه الشرطة الإسرائيلية من تسهيلات للمتطرفين للوصول إلى الحرم القدسي الذين يدخلون مرتدين ثياباً تسيء إلى حرمة المسجد الأقصى، مقابل تشديد التفتيش على العرب عن أبوابه، وبالتالي فإن تعدد السيناريوهات للمساس بالمسجد الأقصى حتى وإن لم تحدث فإنها لا تلغي وجود خطر تهدده بشدة.<BR><BR>ومن جانبها دعت الهيئات الإسلامية الفلسطينية المسلمين في كل مكان إلى الوقوف بوجه التهديدات بالمساس بالمسجد الأقصى، فقد دعت هيئة العلماء و مجلس الأوقاف و الهيئة الإسلامية العليا المسلمين في كل مكان إلى الوقوف وقفة واحدة في وجه التهديدات الصهيونية ودعت المسلمين إلى تأدية الصلوات الخمس في المسجد الأقصى المبارك، و خاصة سكان القدس و الخط الأخضر، وحذرت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة - التي كثفت حضور حراسها في محيط وداخل المسجد تحسباً لأي طارئ - من انتشار شرطة الاحتلال الذي وصفته بأنه مشبوه، مؤكدة أن منع هؤلاء للمتطرفين من تدنيس الأقصى، إذا كانوا جادين بالفعل، لقاموا بذلك من خارج أسوار الحرم القدسي، ومن جانبه حذر (قاضي قضاة فلسطين) الشيخ تيسير التميمي من مخاطر تحيق بالأقصى مؤكداً أن مساعٍ تهويده حقيقة.<BR><BR>وتسعى دوائر يهودية متطرفة في كل عام إلى محاولة اقتحام أبواب الحرم القدسي بغرض وضع حجر أساس لبناء الهيكل الثالث في منطقة الحرم القدسي، فيما يسمى يوم التاسع من آب -حسب التقويم العبري- الذي يحيي فيه هؤلاء ما يسمى بـ"خراب الهيكل" على أيدي البابليين عام 586 ق.م ، حيث يقولون عنه بأنه الهيكل الأول، كما يدعون أن الرومانيين قد دمروا هيكل هيرودوس (الهيكل الثاني حسب زعمهم) في عام 70 للميلاد.<BR><BR>ويشير اليهود في لغة خاصة لهم إلى المسجد الأقصى بوصفه (شناعة الخراب)، حيث يريدون هدمه وبناء هيكل مكانه رغم أن الأثريين الإسرائيليين المعاصرين فشلوا في تحديد هيكل سليمان، الذي كان رغم كل الدعاية التي تنسج حوله مجرد معبد ملحق بقصر سليمان، وقد بناه بمساعدة ملك صور الفينيقي حيرام طبقاً للدراسات الأركيولوجية.<BR><BR>وفي المقابل أصدرت جماعة من رجال الدين اليهودي حكماً دينياً بمنع اليهود من دخول الحرم القدسي الشريف، وأيد هذا الحكم الديني الحاخامات المتدينون والحاخامات المرتبطون بالحركة الدينية الصهيونية، وقد أدى هذا الحكم الديني إلى هوة كبيرة بين اليهود ومكان الهيكل المزعوم وإلى اقتناع متزايد بين اليهود بأن جبل الهيكل ملك للعرب، وأن حائط المبكى ملك لليهود، وتأييدهم للتوصل إلى حلول وسط بشأن الحرم القدسي بما في ذلك التخلي عن السيادة اليهودية على هذا المكان.<BR><BR>ورغم استمرار حملات العدوان الإسرائيلي على الأرض والسكان والأماكن المقدسة في القدس والسعي الحميم على تهويد المدينة منذ احتلالها ومحو معالم الحضارة العربية الإسلامية فيها، وتسارعه في الوقت الحالي مستغلاً التطورات الأساسية التي تعيشها القضية الفلسطينية في ظل انتفاضة الأقصى من أجل خلق واقع لا يمكن عكسه، فإن النضال العربي الإسلامي استمر وتوحدت مواقف الأمة العربية والإسلامية على ذلك، وأصبح استرجاع القدس المحتلة، كما هو الحال مع أرض فلسطين إلى بعدها الإسلامي كأمة عربية إسلامية مطلب أساسي، وهو ما يجعل من الحق الفلسطيني امتداداً طبيعياً من الحق العربي والإسلامي.<BR><br>