في ذكرى حرق الأقصى ..الجريمة مستمرة
8 رجب 1425

منذ أن وقعت مدينة القدس تحت وطأة الاحتلال الصهيوني الغاشم عام 1948م، واليهود ماضون في سعيهم الحثيث لتغيير معالم المدينة المقدسة والعبث بتراثها الحضاري الإسلامي العربي، في تحد سافر لمشاعر أبنائها بل وللأمة الإسلامية بأسرها لغرض إلغاء هويتها وتهويدها. <BR><BR>وهذا الأمر كان ولا يزال موضع استنكار دولي عارم عبرّت عنه سلسلةٌ من القرارات الدولية المتلاحقة والمتسارعة التي صدرت عن منظمة الأمم المتحدة، إلى جانب الاستنكار الإسلامي والعربي، وبالأخص الفلسطيني الذي ما برح يعبّر عن ذاته بشتى أنواع الصور والوسائل، بما فيها المقاومة التي تمثلت بالعديد من الانتفاضات الشعبية العارمة والتي كان آخرها انتفاضة الأقصى المباركة التي تفجرت في 29 سبتمبر 2000م ولا تزال تحافظ على توهجها حتى هذه اللحظة رغم كل الظروف الإقليمية والدولية المعقدة.<BR><BR>وقد كان المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، أحد أهم أهداف التغيير بالنسبة لليهود، الذي عبروا عنه من خلال حملات التدنيس والعبث والتحدي الصارخ التي تتصاعد بشكل مجنون حتى يومنا هذا.<BR><BR> فمنذ بدء الاحتلال تعمد اليهود إلى اقتحام ساحة المسجد الأقصى من وقت لآخر وتدنيسها من خلال الرقص والغناء وإقامة الحفلات الخلاعية والماجنة فيها، ولعل اقتحام ارئيل شارون وبعض أعوانه في 28 سبتمبر 2000م هو الأسوأ في تحدي مشاعر المسلمين عامة والفلسطينيين خاصة، إذ أدى ذلك الاقتحام للمسجد المبارك إلى الانتفاضة الشعبية الجارية. هذا إلى جانب الاعتداء على المصلين وهم في ذروة خشوعهم بين يدي الخالق _عز جلاله_ أو الحيلولة دون وصولهم إلى المسجد لمنعهم من إقامة صلواتهم الجماعية فيه، ولم يدخر الصهاينة وسيلة وحشية إلا واستعملوها بما في ذلك إطلاق الذخيرة الحية والقنابل الدخانية والاعتقال والتوقيف والتعذيب لغرض فرض واقع جديد يخدم سياسة التغيير والتهويد.<BR><BR>بدأت حملات اليهود التغيرية والتهويدية منذ بداية الاحتلال، واستمرت في ظل اتفاقية أوسلو وما تبعها من مفاوضات وتفاهمات عقيمة، واستمرت في ظل حرب الإبادة الجماعية التي يشنونها ضد الفلسطينيين منذ حوالي أربع سنوات، وحصل كل ذلك قبل البدء ببناء جدار الفصل العنصري بأمد طويل، واستمر في خضم بنائه، ولا يبدو أن هناك مستقراً لذلك طالما أن واشنطن باقية على انحيازها الأعمى للسياسة الصهيونية العدوانية، وطالما أن العرب والمسلمين على ما هم عليه من استكانة وانصياع كامل للإملاءات الأميركية، وحتى الصهيونية.<BR><BR>وقد لبست تلك الحملات اليهودية الغاشمة العديد من الأقنعة، كما شهدت العديد من المحطات الهامة التي تركت بصماتها الأليمة التي يصعب محوها من ذاكرة المسلمين والعرب وبالأخص الفلسطينيين. وربما كانت أبرزها محاولة إحراق المسجد الأقصى في 21 أغسطس 1969م، والتي تتصادف ذكراها الخامسة والثلاثون هذه الأيام. تلك المحاولة الدنيئة التي وقف وراءها نفر من اليهود المتعصبين والمتزمتين الذين اعتادوا ألا يعرفوا غير الحقد والكراهية للمسلمين والعرب، بتشجيع من الدوائر السياسية والأمنية الصهيونية الرسمية.<BR><BR><BR>في ذلك اليوم المشؤوم تم إحراق المسجد الأقصى المبارك بطريقة لا يمكن لسلطات الاحتلال أن تكون بمنأى عنها، فقد قامت هذه السلطات بقطع المياه عن منطقة الحرم فور ظهور الحريق، وحاولت منع المقدسيين وسيارات الإطفاء التي هرعت من البلديات العربية عن الوصول إلى المنطقة والقيام بعملية الإطفاء، وكاد الحريق أن يلتهم قبة المسجد المبارك لولا حماية الله _سبحانه وتعالى_ له، واستماتة المقدسيين الأبرار في عمليات الإطفاء، فقد اندفعوا عبر النطاق الذي ضربته قوات الاحتلال، وتمكنوا من إطفاء الحريق، ومع ذلك فقد أتى الحريق على منبر المسجد وسقوف ثلاثة من أروقته وجزء كبير من سطحه الجنوبي.<BR><BR>يومها ادعت قوات الاحتلال أن التماساً كهربائياً كان السبب في الحريق ، لكن تقارير المهندسين الفلسطينيين كذبت ذلك الادعاء حين أكدت أنه تم بفعل أيد مجرمة أقدمت على تلك الفعلة الشنيعة عن سابق إصرار وتصميم وترصد، الأمر الذي أجبر اليهود على التراجع والادعاء بأن شاباً أسترالياً يدعى "دينيس مايكل وليام أوهان" وقف وراء الحادث. اعتقلت سلطات الاحتلال الشاب وكان يهودياً صهيونياً، وتظاهرت بأنها ستقدمه للمحاكمة، إلا أنها بدلاً من ذلك أطلقت سراحه مدعية أنه معتوه، وهكذا قيد اليهود جريمتهم الإرهابية النكراء ضد معتوه، كعادتهم بعد كل جريمة يرتكبونها بحق الفلسطينيين وأملاكهم وأوقافهم الإسلامية.<BR><BR>ويومها عبر العالمان الإسلامي والعربي عن هياجهما استنكاراً للجريمة المتعمدة بحق واحد من أهم مقدسات المسلمين في العالم، وأحد أبرز معالم الحضارة الإنسانية، وجاء الرد عبر قرار مجلس الأمن 271 الذي دان "إسرائيل" لتدنيسها المسجد الأقصى المبارك، ودعاها إلى إلغاء جميع التدابير التي من شأنها المساس بوضعية المدينة المقدسة ليخفف ذلك الهياج بعض الشيء، وقد عبّر القرار عن حزن المجلس للضرر الفادح الذي ألحقه الحريق بالمسجد في ظل الاحتلال العسكري الصهيوني الغاشم.<BR><BR><BR>وبعد أن استذكر القرار جميع القرارات الدولية السابقة التي أكدت بطلان إجراءات "إسرائيل" التي استهدفت التغيير في القدس المحتلة، دعاها إلى التقيد بنصوص اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الذي ينظم الاحتلال العسكري ، كما دعاها إلى الامتناع عن إعاقة عمل المجلس الإسلامي في المدينة الخاص بصيانة و إصلاح وترميم الأماكن المقدسة الإسلامية، واتخذ القرار الدولي بأغلبية إحدى عشرة دولة، وامتناع أربع دول من بينها الولايات المتحدة الأمريكية.. بالطبع.<BR>حريق المسجد الأقصى شكل مفصلاً من مفاصل الإرهاب الصهيوني، ومحطة من محطات هذا الإرهاب البغيض الذي طالما مورس بحق الفلسطينيين وأملاكهم وأوقافهم تحت سمع وبصر العالم، بما فيه النظام الرسمي العربي الذي فرض عليه أن يظل نزيل غرفة الإنعاش بإرادة أميركية صهيونية مشتركة.<BR><BR>فمنذ احتلال القدس وحتى اللحظة الراهنة، لم يوقف اليهود مجازرهم بحق المصلين في المسجد الأقصى الشريف، وكانت مجزرة عام 1990م واحدة من المجازر البربرية والوحشية التي ارتكبها هؤلاء بحق من اعتادوا أن يؤموا بيت الله من منطلق إيماني، وحرصاً على تأكيد هوية الأقصى والقدس الإسلامية. في تلك المجزرة أهدر الصهاينة دم 22 فلسطينياً غيلة وغدراً، ولم يوقف اليهود الحفريات حول المسجد المبارك وتحته وفي الأماكن المحيطة به لحظة واحدة، فقد تواصلت تلك الحفريات بشكل محموم بذريعة البحث والتنقيب عن آثار هيكل سليمان المزعوم وذرائع أخرى واهية.<BR><BR> وهي لم تستثن بيتاً عربياً ومحيطه ولا مدرسة أو داراً للعلم ومحيطها، وبموازاة ذلك فهم ماضون منذ عام 1968م بحفر الأنفاق تحت الحرم القدسي الشريف. <BR>ففي ذلك العام بدؤوا بنفق عميق وطويل أدخلوا إليه سفر التوراة وأنشؤوا في داخله كنيساً يهوديا، وبلغت عملية حقر الأنفاق ذروتها في سبتمبر 1996م عندما أقدموا على فتح نفق يمر أسفل السور الغربي للمسجد ويربط بين حائط البراق، الأمر الذي أثار في حينه حفيظة المقدسيين، وأدى إلى مواجهات مسلحة اتسعت رقعتها فشملت كل فلسطين.<BR> وأسفرت تلك المواجهات عن سقوط 65 شهيداً فلسطينياً، ومقتل 15 جندياً صهيونياً، وحصل كل ذلك في ظل تنامي الحديث عن السلام المزعوم الذي تواتر على خلفية مؤتمر مدريد واتفاقية أوسلو اللعينة.<BR><BR>ترى أين ستؤول الأمور في المسجد الأقصى الشريف بعد أن استكمل اليهود الحزام الاستيطاني حول مدينة القدس، وإذا ما قيض لهم استكمال جدار الفصل العنصري حولها _لا قدر الله_؟<BR>بل إلى أين ستؤول أمور المدينة المقدسة برمتها بما فيها المقدسيون في ظل غياب المشروع الوطني الفلسطيني، وفي ظل حالة التردي العربي والإسلامي والصمت الدولي المطبق؟<BR><br>