لماذ يدمر اليهود غزة؟
20 رجب 1425

لماذا هذه الهجمة الإسرائيلية الشرسة والمتواصلة على قطاع غزة في الآونة الأخيرة، علماً أن "إسرائيل" بغالبيتها تؤيد الانسحاب الكامل منه؟ ما دوافع هذه الهجمة والعوامل الإسرائيلية المبتدعة والمختلفة لتبريرها أمام الرأي العام العالمي؟ وما المتوقع خلال الأشهر القليلة القادمة؟<BR>هذه التساؤلات تطرح في هذه المدة بعد عمليات الاجتياح العديدة لمناطق مختلفة في قطاع غزة، وبعد تشديد إجراءات الحصار على القطاع، والتي أدت إلى إغلاق معبر رفح لثلاثة أسابيع متتالية، مما أدى إلى تسليط الأضواء على معاناة آلاف المنتظرين للعبور على الجانب المصري، والذين عانوا الأمرين، وواجهوا العديد من الصعاب أدت إلى تدخل العديد من دول العالم ومنظمات إنسانية وحقوقية لتناشد "إسرائيل" أن تعيد فتح هذا المعبر الذي أغلق بذريعة أن هناك محاولة فلسطينية لحفر نفق تحته وبالتالي نسفه، وكأن المقاومة الفلسطينية تسعى إلى نسف جسور العبور من وإلى العالم العربي، وتوفر الذريعة لإسرائيل كي تغلق هذا المنفذ الحيوي لأبناء قطاع غزة.<BR>ويمكن للمتابع لهذه الإجراءات والهجمات الشرسة والأحداث الجارية على مختلف الساحات الإسرائيلية والفلسطينية، والاقليمية والدولية أن يقول: أن هناك ارتباطات بين هذه الهجمة وما يحدث هنا وهناك سواء من قريب أو بعيد.<BR>فالأحداث على الساحة الإسرائيلية هي الأهم، ولذلك فإن شارون أصدر تعليماته بتصعيد الهجمة على القطاع لعدة أسباب، ومن أهمها:<BR>1. مواصلة تطبيق سياسته في محاربة ما يسميه بـ "الإرهاب" الفلسطيني، أي: المقاومة الفلسطينية، وتوجيه ضربات متتالية إلى هذه المقاومة حتى تلبي عدة مطالب، ومن أهمها: وقف جميع عملياتها المقاومة للاحتلال، ونزع أسلحتها وتخليها عن خيار المقاومة، والقبول بالمقترحات الإسرائيلية حول الحل المفروض على الشعب الفلسطيني.<BR>2. تأجيل تطبيق خطة الانفصال أحادي الجانب حتى أواخر عام 2005م القادم.<BR>3. إرضاء اليمين الإسرائيلي بأن جيش الاحتلال يضرب بيد حديدية المقاومة الفلسطينية التي تشكل خطراً على الأمن الإسرائيلي، وبخاصة المقاومة التي توجه القذائف إلى داخل "إسرائيل".<BR>4. ممارسة المزيد من الضغط على أبناء غزة حتى يقبلوا بما يعرض عليهم من حلول حتى تتوقف معاناتهم اليومية الناتجة عن هذه الهجمة الشرسة.<BR>5. استغلال اهتمام العالم كله بما يجري على الساحة العراقية، ومن تصعيد دولي ضد السودان ليوجه المزيد من الضربات ويحقق العديد من الأهداف الإستراتيجية، وأهمها: أن الانسحاب من قطاع غزة لن يتم إلا إذا تم القضاء نهائياً على المقاومة الفلسطينية وتم إسكات صوتها.<BR>6. محاولة إظهار للعالم كله أن هناك "إرهاباً" في قطاع غزة، وهذا "الإرهاب" الفلسطيني هو الذي يعرقل خطة "إسرائيل" في الانسحاب من قطاع غزة.<BR>7. التأكيد للسلطة الفلسطينية أنها ليست الشريك في المفاوضات القادمة من خلال عدم قدرتها على وقف الهجمة المتواصلة، وبالتالي القبول بالشروط الإسرائيلية حتى تصبح شريكاً فعلياً لأية مفاوضات قادمة.<BR>8. التأكيد على أن السيادة الأمنية الشاملة على القطاع ستبقى بيد "إسرائيل" حتى في حالة تطبيق خطة الانفصال من جانب واحد، وبالتالي الانسحاب من قطاع غزة.<BR>9. إبقاء قادة الفصائل والمقاومة يعيشون في حذر تحت تهديد التصفية الجسدية لكل واحد منهم؛ لأنهم يشكلون خطراً على أمن "إسرائيل".<BR>10. محاولة خلق فتن داخل الأوساط الفلسطينية في قطاع غزة من أجل إيقاع خلافات، وبالتالي القول والادعاء للعالم بأن السلطة الفلسطينية غير مسيطرة على قطاع غزة.<BR>11. تدمير البنى التحتية في قطاع غزة؛ لإشغال السلطة بعد الانسحاب في إعادة إعمار هذه البنى، والتي تحتاج إلى مدة زمنية طويلة لإعادة إعمارها.<BR>12. تدمير المحاصيل الزراعية وكل الإمكانيات الزراعية حتى يبقى القطاع في حالة الانسحاب ضعيفاً وتحت رحمة الاقتصاد الإسرائيلي أو تحت رحمة "إسرائيل" في السماح بدخول مساعدات ومنع القيام بمشاريع اقتصادية أو استثمارية في القطاع إلا بعد تحقيق المطالب والرغبات الإسرائيلية.<BR>13. استغلال "إسرائيل" للخلافات الفلسطينية داخل قطاع غزة لتعطيل أو تأجيل تطبيق أية خطة سلمية، وبخاصة بما يسمى خطة شارون للانسحاب أو الانفصال أحادي الجانب.<BR>14. "إشغال" السلطة والعالم وإرباكهم جميعاً أمام العديد من الجبهات المفتعلة لتغطية الاستمرار في بناء الجدار العازل في الضفة الغربية رغم قرار محكمة العدل الدولية وإقرار الجمعية العامة لهذا القرار القضائي الدولي، فإسرائيل تغلق معبر رفح تارة، وتجتاح خان يونس تارة أخرى، وتجتاح مناطق أخرى مثل بيت حانون وبيت لاهيا والعديد من المناطق، واجتياح لمخيمات ومناطق في الضفة ومواصلة الاعتقالات والتصفيات الجسدية للقادة الميدانيين.<BR>15. حصول شارون على مزيد من الوقت لترتيب أوراقه في الحكومة وفي حزب الليكود وفي الأمور الذاتية؛ لأن الانسحاب من قطاع غزة مشكلة كبيرة له وعدم الانسحاب مشكلة أخرى، ولهذا عليه أن يواصل هجماته وضرباته كي ينشغل بأموره الداخلية المعقّدة والصعبة، وبخاصة فيما يتعلق بائتلافه الحكومي الذي يقلقه كثيراً.<BR>16. وضع حجرات عثرة أمام أي دور مصري لإعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ولإغلاق الأبواب أمام أي قرار للجنة الرباعية من خلال الادعاء أن الهدوء لم يعد إلى قطاع غزة، ولا مجال للحديث عن أية مبادرة سلمية في الوقت الحاضر.<BR>17. إبقاء المستوطنين في قطاع غزة يعيشون ظروفاً صعبة حتى يقبلوا بالانسحاب من القطاع ، إذ إن تواصل الهجمات ورد المقاومة عليها من خلال قصف المستوطنات سيضع هؤلاء المستوطنين في وضع معيشي يومي صعب، وبالتالي يجبرهم على القبول بعروض الحكومة الإسرائيلية للتعويض لهم، ومغادرة مستوطنات القطاع.<BR>18. إرضاء المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من خلال إطلاق يدها في اتخاذ ما تريده من إجراءات ضد القطاع.<BR>ولا بدّ من الإشارة إلى أن شارون والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية قد اتفقا على عدم الانسحاب من قطاع غزة إلا إذا:<BR>- كان القطاع خالياً من السلاح ومن المقاومة.<BR>2. أن تكون هناك سلطة قادرة على السيطرة على جميع القطاع، وتنسق جهودها الأمنية مع "إسرائيل".<BR>واتفق شارن وكل القادة العسكريين والسياسيين في "إسرائيل" أن الانسحاب من قطاع غزة سيكون خطيراً إذا بقيت المقاومة قوية هناك؛ لأنها بعد الانسحاب ستوجه ضربات للعمق الإسرائيلي، وبخاصة إذا تم التخلي عن مستوطنات شمال القطاع القريبة بضع كيلو مترات من محطة توليد الطاقة الكهربائية التي تزود ثلث "إسرائيل" بالكهرباء، فلا تريد "إسرائيل" أن تكون تحت رحمة هذه المقاومة مستقبلاً، وتريد أن تعرف من يحكم غزة وما هي طبيعة الأوضاع هناك؛ لأنهم لا يريدون ارتكاب خطأ الانسحاب من لبنان، إذ يشكل جنوب لبنان خطراً على أمن "إسرائيل"، وإن "إسرائيل" مضطرة في كثير من الأحيان إلى ضبط النفس وعدم الاعتداء على لبنان تجنباً أو خوفاً من صواريخ وقذائف يمتلكها حزب الله تستطيع ضرب العمق الإسرائيلي.<BR>وهناك من يقول في إسرائيل: إن شارون غير معني في الانسحاب من القطاع في الوقت الحاضر وهو يؤجله إلى أواخر العام القادم؛ لعدة أسباب ومن أهمها:<BR>- لا يريد الدخول في صراع حزبي مع منافسه (وزير المالية) بنيامين نتنياهو؛ لأن نتنياهو قادر على إسقاط شارون؛ لأن سبعين عضواً من أعضاء اليمين والمتدينين والليكود يقفون إلى جانب نتنياهو.. فإذا ذهب إلى الكنيست الإسرائيلي وطالب بالتصويت على خطته للانسحاب من قطاع غزة فإنه سيحصل على إقرار الكنيست؛ لأن اليسار الإسرائيلي سيصوت إلى جانبه، وكذلك أغلبية الشعب الإسرائيلي تؤيد هذا الانسحاب، ولكن نتنياهو الذي يؤيد الانسحاب لن يقف إلى جانب شارون وسيعمل على الإطاحة به كي يكون رئيس وزراء "إسرائيل" القادم، إذ لديه أغلبية لإسقاط شارون.. ومن هنا يريد شارون تجميد الصراع الحزبي لمدة زمنية أخرى حتى لا يقع في متاهة الخلافات الحزبية وبخاصة داخل حزبه إذ أنه ضعيف الآن أمام نتنياهو.<BR>- يريد إقحام حزب العمل في الائتلاف الحكومي حتى يضمن التصويت له في الكنيست، وحتى يربط مصيره بمصير (رئيس حزب العمل) شمعون بيرس، إذ إن شمعون بيرس وحزب العمل متورطان إلى جانب شارون في قضية الفساد المرتبطة بمارتين شلاف وسيريل كيرين، اللذين مدا حزب الليكود بأموال، وخاصة شارون شخصياً؛ لخوض غمار الانتخابات الماضية التي أدت إلى فوزه.<BR>- يتوقع شارون أن تصل المعركة القضائية أوجها في أواخر عام 2005م، موعد البدء في تنفيذ خطة الانسحاب من غزة، وهذه المعركة حول تورط شارون بالحصول على أموال بصورة شرعية من سيريل كيرين، و(المستشار القضائي) ميني معزوز لن يستطيع في هذه القضية - كما تؤكد أوساط إسرائيلية ذلك - تبرئة شارون، ولهذا فإن شارون يريد ضم حزب العمل إلى الائتلاف الحكومي من أجل سن تشريع في الكنيست يوفر الحماية لرئيس الوزراء وكبار المسؤولين الإسرائيليين من التعرض للمحاكمة والاستجواب وهم في سدة الحكم كما هو الحال في العديد من دول العالم التي تمنح قوانينها وتشريعاتها حصانة ومناعة لرئيس الدولة أو رئيس الوزراء المتنفذ في الحكم كي لا تتعرض الدولة إلى أخطار ومشاكل وبخاصة عندما تكون هناك قرارات مصيرية، أو عندما تبدأ الدولة تطبيق اتفاقية سياسية معينة ومهمة تمس أمن الدولة في حال فشل تطبيقها من جانبها. أي مثل الانسحاب من قطاع غزة.<BR>- تأخير الانسحاب من قطاع غزة سيؤثر على الساحة الفلسطينية حسب توقعات ومعتقدات شارون للأسباب التالية:<BR>1. ستبقى الخلافات الفلسطينية - الفلسطينية قائمة؛ لأن الانسحاب قد يوحد الصفوف من أجل ترتيب البيت الفلسطيني.<BR>2. سيبقي طلبات "إسرائيل" من السلطة قائمة، وهي تجريد المقاومة الفلسطينية من السلاح، وتطبيق الجزء الأول من خطة خارطة الطريق التي لن تنفذها "إسرائيل" ما دامت هناك مقاومة فلسطينية، وما دامت معركة "إسرائيل" ضد المقاومة الفلسطينية سارية ومستمرة.<BR>3. سيبقي السلطة الفلسطينية ضعيفة، إذ إن مصادر الدعم المالي شحت في الآونة الأخيرة، و(الرئيس الفلسطيني) ياسر عرفات ما زال محاصراً وسيبقى محاصراً، وستبقى السلطة الفلسطينية منهمكة في قضايا داخلية وليست في قضايا سياسية تفاوضية مهمة مما قد يعطيها قوة أمام شعبها وأمام العالم.<BR>4. ستبقى الإدارة الأميركية داعمة لإسرائيل في تعاملها مع السلطة الفلسطينية، وستبقى مطالب الإصلاح الأميركية - الإسرائيلية قائمة، وكأن المجتمع الإسرائيلي خال من الفساد إذ إن الفساد منتشر داخل أوساط القادة السياسيين والمجتمع الإسرائيلي بشكل كبير، والقضايا القضائية العديدة ضد شارون ووزراء حاليين وسابقين وأعضاء كنيست خير دليل على ذلك.<BR>ومن هنا يمكن القول: إن تواصل الهجمات الشرسة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة تحديدا هو لتأخير وتعطيل الانسحاب من هناك، هذا إذا تم الانسحاب، ولتحقيق أهداف خاصة بشارون وبمن حوله من المتنفذين لدعم وجودهم وهيمنتهم ولإبقائهم على سدة الحكم.<BR>قد يقول مراقبون: إن شارون قد لا يصمد كثيراً، وقد تحدث مفاجآت داخل "إسرائيل"، وهذا أمر متوقع؛ لأن شارون ذاته يعيش حالة الدفاع عن النفس في المرحلة الحالية، والهجمة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين هي سلاح فعال يستخدمه للحفاظ على مستقبله السياسي الحاضر والقادم، والشعب الفلسطيني هو الذي يدفع الثمن أمام غياب دور إسلامي وعربي ودولي فعال في المنطقة، وأمام التشويه الإعلامي الذي تقف وراءه "إسرائيل" وأمريكا لحقيقة ما يجري في منطقتنا.<BR>ولهذا فمن المتوقع استمرار هذه الهجمة ما دامت تخدم "إسرائيل" بشكل عام ورئيس حكومتها بشكل خاص، وسيبقى الشعب الفلسطيني يعاني ويدفع الثمن الغالي إلى أن تتغير الظروف الدولية وتتغير الخريطة السياسية على الساحة الإسرائيلية، وهذا التغيير ليس مستحيلاً ولكنه من غير المتوقع أن يحدث في المستقبل القريب.<BR><br>