في انتظار مجزرة الفلوجة الثانية!!
5 رمضان 1425

يبدو أن مدينة الفلوجة العراقية التي استعصت على قوات الاحتلال الأمريكية منذ بداية الغزو في انتظار مجزرة أمريكية ثانية بعد المجزرة الأولى، التي جرت في أبريل الماضي وقتل فيها أكثر من 700 عراقي وجرح الآلاف؛ لأن هناك ثأراً بين قوات الاحتلال وأهل هذه المدينة الذين منعوا أي جندي أمريكي من الاقتراب منها على مدار عام كامل، ولهم دور هام في ارتفاع عدد القتلى الأمريكان في العراق.<BR><BR>ويبدو أن هذه المجزرة تتسارع وتيرتها لعدة أسباب أبرزها: أن هناك رغبة أمريكية في رفع الروح المعنوية لقوات المارينز التي انهارت نتيجة المقاومة الباسلة في الفلوجة، خصوصاً بعد النجاح في تدمير مدن مقاومة أخرى على أهلها ودخولها كمدن سامراء والناصرية والرمادي.<BR><BR>أيضاً تسعى قوات الاحتلال لتوفير أجواء كاذبة من الهدوء النسبي في المدن العراقية المقاومة كنوع من الدعاية الانتخابية للرئيس بوش في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإظهار نجاح حملته العسكرية، إضافة للاستعداد للانتخابات العراقية المقبلة أوائل العام القادم التي تعول عليها قوات الاحتلال للدعاية بأنها حولت العراق إلى دولة ديمقراطية وأعادت الشرعية لأهله.<BR>والأهم من ذلك أن الأمريكان بدؤوا حملة إعلامية لإيهام العالم أن الفلوجة هي وكر للإرهابيين من جماعة أبي مصعب الزرقأوي، وبثت استخباراتهم بيانات ملفقة عبر الانترنت تزعم إعلان الزرقاوي ولائه لابن لادن إمعاناً في توفير أجواء القبول للمجزرة المقبلة رغم أن أهل الفلوجة يعلنون كل صباح مساء أمام كاميرات الفضائيات أنهم لا يعلمون شيئاً عن الزرقاوي، وأنه مجرد كذبة أمريكية جديدة ككذبة أسلحة الدمار الشامل بهدف توفير غطاء لتدمير المدينة بأي شكل!؟<BR><BR>ولأن خطة تركيع الفلوجة والانتقام منها جاهزة وبدأ تنفيذها بالفعل عبر الضربات الجوية العشوائية في كل مناطق المدينة لإشعار سكانها بعدم الأمن وتحطيم معنوياتهم قبل الغزو البري الذي حشدوا له أكثر من ألف جندي أمريكي وقرابة ألفي جندي عراقي موال لهم، فقد كان من الطبيعي أن تفشل المفاوضات بين وفد من وجهاء المدينة وأعضاء في الحكومة العميلة برئاسة إياد علاوي. <BR><BR>فمن الغريب أنه في الوقت الذي كانت تجري فيه مفاوضات مع سكان المدينة، أطلق علاوي تصريحات نارية يهدد فيها باجتياح المدينة وتدميرها، رغم أنه كرئيس وزراء "وطني" يفترض فيه أن يحمي مواطنيه لا أن يشجع على قتلهم بواسطة قوات الاحتلال، بل ووضع علاوي شرطاً تعجيزياً هو تسليم شخص وهمي اسمه الزرقاوي للسلام..وهو ما يظهر أن حكومة علاوي مجرد دمية في يد الاحتلال.<BR><BR>وقد أحسن وفد مدينة الفلوجة صنعاً عندما أعلن تعليق المفاوضات مع حكومة علاوي بعدما استشعروا أن المجزرة قادمة..قادمة، وأن ما يجري مجرد إعداد لمسرح الجريمة، والدليل الأوضح على ذلك أن قوات الاحتلال اعتقلت كبير المفاوضين في الفلوجة فيما بعد ومعه عدد من قيادات المدينة وحتى شرطة الفلوجة!!<BR><BR>والحقيقة أن ما يجري في الفلوجة يشبه سيناريو مدينة سامراء التي تحولت إلى دماء وأشلاء ودمار، فقد اتفق وجهاء المدينة مع حكومة علاوي على تسوية سلمية تسمح بعودة قوات الشرطة العراقية وعودة الهدوء والأمن، ورفضوا دخول قوات أمريكية للمدينة، ولكنهم فوجئوا بالطائرات الأمريكية تغدر بهم وتقصف مدينتهم دون رحمة، وتقتل قرابة 200 مدني وتجرح المئات، وفي الفلوجة أيضاً أصر أهلها على عدم دخول قوات الاحتلال والاكتفاء بقوات الشرطة العراقية فجاءتهم الطائرات تقصفهم وتمهد للمجزرة!! <BR><BR>لقد هاجم المحتلون الفلوجة في أبريل الماضي بالطائرات والدبابات ودمروها وقنصوا كل من كان يمشي في شوارعها حتى عجز أهلها عن دفع ضحايا القتل الأمريكي فحفروا مقابر جماعية في حدائق المستشفيات جديدة وملعب كرة القدم (!)، واليوم يستعدون لمجزرة ثانية أخطر يتوجون بها انتصارهم الوحشي في سامراء والناصرية والرمادي، فأين الأمم المتحدة، بل أين الأمم العربية والإسلامية؟!<BR><BR><font color="#0000FF"> سنة العراق مستهدفون قبل الانتخابات: </font><BR>ومن الواضح أن استهداف الفلوجة شأنه شأن بقية المدن التي تم استهدافها مؤخراً جاء بهدف واضح هو كسر شوكة المقاومة السنية في العراق التي تلعب الدور الرئيس في مقاومة الاحتلال بعدما تعاونت غالبية قيادات الشيعة مع الاحتلال أو قبلت نوعاً من التعامل معه، كما أن استهداف السنة عموماً يرمي لكسر شوكتهم عموماً قبل الانتخابات العراقية التي يرفضونها أو يطالبون بدور سياسي كبير في الحياة السياسية كما كان الوضع في ظل حكومة (الرئيس المخلوع) صدام حسين.<BR><BR> صحيح أن قادة المسلمين السنة شككوا في الانتخابات العامة التي يتوقع أن تجرى أواخر يناير 2005م بشكل أقلق سلطات الاحتلال، ولكن ما يقلق الاحتلال أكثر أن تتحول الانتخابات إلى انتخابات من جانب واحد يشارك فيها قسم من الشعب العراقي دون الآخر لأسباب دينية ما يدل على أن الحكومة المقبلة لا تعبر عن العراقيين.<BR><BR>وصحيح أن رفض سنة العراق لهذه الانتخابات معناه قبولهم بأيديهم تهميش دورهم السياسي في العراق، ولكن الصحيح أيضاً – كما قال المتحدث باسم هيئة علماء السنة محمد بشار الفيضي - أن "التهميش بدأ مع الاحتلال وكان مقصوداً ومتعمداً من جانبه".<BR><BR>لقد أكد حارث مثنى الضاري (رئيس هيئة علماء المسلمين) أن "الظروف غير متوافرة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وعادلة"، واعتبر أنه سيخرج منها "مجلس وطني شبه معين يشكل حكومة تفعل ما يطلبه منها الاحتلال".<BR><BR>وألمحت هيئة علماء المسلمين إلى أن قمع المدن السنية هدفه الانتخابات، قائلة - في بيان مؤخراً -: "إن اتخاذ الحديد والنار سبيلاً لإجراء الانتخابات يبقى محض مغالطة"، كما ذكر ممثل الهيئة في سامراء الشيخ أحمد مهدي أنه "كان بالإمكان إجراء الانتخابات حتى مع وجود المسلحين".<BR><BR>ويبدو أن الأمريكان يستشعرون هذا الخطر من استبعاد السنة عن الحكم، بدليل أن مسؤولاً سياسياً أميركياً رفيع المستوى في العراق قال: "يجب إقناعهم بأن لهم دوراً (سياسياً)، وإنه "لا يمكننا الوصول بواسطة القمع الذي يؤدي مؤقتاً إلى مرحلة من الهدوء للمشاركة السياسية"، ولكنه سعى لإلصاق عيوب بالسنة قائلاً: إن ما أسماه "الانقسام" سائد بين صفوف السنة حالياً بشكل لا يصدق، فليس عندهم مرجع كبير، مثل: السيستاني أو حتى قائد، مثل: مقتدى الصدر، الذي يؤيده كثيرون".<BR><BR>وليس مفهوماً هل هذه التصريحات مقدمة لاستهداف السنة عسكرياً أم هي تبرير لتقلص دورهم السياسي بدعوى أنهم هم الرافضون، وأنه لا يمكن عادة السيطرة والسلطة القديمة لهم؟ <BR><BR>إن مجزرة الفلوجة المقبلة تستهدف بلا ريب العمود الفقري للمقاومة السنية، ومن ثم الدور السياسي المرتقب للسنة في العراق، إذ يتصور الأمريكان أنه بدون قوة المسلمين السنة العسكرية سيقبلون مضطرين لأي مناصب ثانوية تعرض عليهم، كما يتصورون أن ضرب المقاومة وترويع السنة في مدنهم عنصر ضغط.<BR><BR>ولكن الحقيقة التي يعترف بها القادة الأمريكان أنفسهم هي أن ضرب السنة والمدن العراقية يؤجج المقاومة أكثر ويوزعها على العديد من المدن بدلاً من تمركزها في مدن معينه.<BR><BR>فمن يوقف مجزرة الفلوجة المقبلة؟ وهل تكفي بعض الصيحات التي يطلقها مسؤولون عرب لإقناع الأمريكان بوقف العدوان؟ وهل بقي للحكومة العراقية العملية أي شرعية، وهي تطالب قوات الاحتلال بضرب أبنائها وقتلهم وتبارك الضربات الجوية العدوانية الأمريكية؟<BR>والأهم: هل تؤثر الضربات العسكرية للمقاومة – ذات الأغلبية السنية – على الدور السياسي القادم للمسلمين السنة في العراق مستقبلاً؟<BR><br>