النفط العراقي.. المعركة الجديدة بين الاحتلال والمقاومة
7 رمضان 1425

تحدثت العديد من وسائل الإعلام الغربية والعربية، عن أهداف احتلال القوات الأمريكية للعراق، مؤكدة أن النفط يأتي في المقام الأول -بلا منازع- وأنه الحلم الذي ظل يراود الإدارات الأمريكية المتلاحقة بشكل كبير.<BR><BR>وذهبت بعض الوسائل الإعلامية، والكثير من المحللين السياسيين والاقتصاديين وذوي الخبرة التاريخية إلى تأصيل هذا الهدف في الإدارات الأمريكية المتلاحقة، والتي سعت إلى امتلاك حصة كبيرة من نفط الشرق الأوسط، وإيجاد قاعدة عسكرية ضخمة لحماية النفط في المناطق المجاورة، مشيرين إلى أن العراق كانت الحلقة الأضعف في المنطقة، خاصة بعد وقوع صدام حسين في فخ احتلال الكويت بتدبير أمريكي، ووقوف معظم دول العالم موقف العداء من عراق صدام حسين، وسنوات الحصار التي أثقلت العراقيين بالفقر والضعف والزعزعة النفسية.<BR><BR>الهدف الحقيقي كان واضحاً، واتضح أكثر بعدما تم احتلال العراق، حيث تم تأمين وزارة النفط دون غيرها من الوزارات العراقية، وأقام الاحتلال الأمريكي خطة للاستيلاء وحماية مراكز النفط العراقية على الفور، وبدأ في إنتاج النفط وتصديره قبل أن يبدأ بتأمين الماء أو الكهرباء لأي منطقة عراقية.<BR><BR>الحلم الأمريكي على ما يبدو للكثيرين قد تحقق، ولكن قلة هم الذين يعرفون تماماً ماذا يواجه الأمريكيون من صعوبات وعقبات من أجل تحقيق هذا الحلم بالفعل.<BR>فالمقاومة العراقية التي لم تكن على قائمة الخطة الأمريكية المحكمة (!!) لاحتلال البلاد، قلب موازين الكثير من القضايا والأهداف.<BR>وطالما أن الهدف الأكبر للاحتلال كان النفط، فإن النفط ذاته كان أكبر المشاكل التي تواجه الاحتلال الأمريكي.<BR><BR><font color="#0000FF"> من يدفع الفاتورة: </font><BR>فاتورة الاحتلال الأمريكي على العراق، بلغت مئات مليارات الدولارات، واحتاج جورج بوش لدعم غير عادي، وعدة محاولات، لأخذ الموافقة من الكونغرس الأمريكي على تخصيص المليارات الـ87 بعد احتلال العراق في العام الماضي، وتخصيص 151.1 مليار دولار هذا العام، من أجل الاستمرار في السيطرة على العراق.<BR>وحسب (المحللة العسكرية الأمريكية) فريدا بريغان، فإن الولايات المتحدة سوف تنفق 1.15 مليار دولار يومياً على الأنشطة العسكرية بحلول عام 2005م، أي حوالي 11 ألف دولار في الثانية الواحدة، يذهب قسم كبير منها إلى العراق.<BR><BR>الولايات المتحدة كانت تأمل أن تدفع القسم الأكبر من فاتورة الحرب من النفط العراقي، الذي كان ينتج 3.5 مليون برميل في اليوم، عام 1990م، حسب تقرير صادر عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.<BR>وحسب التقرير الأمريكي، فإن إنتاج النفط العراقي بدأ بالتدهور بعد فشل احتلال الكويت عام 1990م إلى 300 ألف برميل فقط ثم بدأ في الارتفاع تدريجياً ليصل إلى حد 2.5 مليون برميل في اليوم مع حلول شهر فبراير 2002م.<BR><BR>وكان الاحتلال يأمل بأن يستمر إنتاج النفط بذات الكمية التي ستؤمن دخلاً عالياً، يساهم في دفع تكاليف جزء كبير من عملية احتلال العراق.<BR><BR><font color="#0000FF"> الخسارة المزدوجة: </font><BR>نسبة الخسائر الأمريكية التي تعرضت لها في العراق، تضاعفت مرتين، مرة حين واجهت مقاومة متصاعدة أدت إلى استمرار دفع المليارات لمواجهة المقاومة، ومرة حين استهدفت المقاومة النفط ، ما أثر سلباً في الدخل المالي على الأمريكيين.<BR>وبالتالي كان على أمريكا أن تزيد الدفعات لإبقاء قواتها في العراق، في الوقت الذي كانت تعاني فيه من نقص الأموال القادمة من النفط الشحيح.<BR><BR>واجهت قوات الاحتلال الأمريكي العديد من المصاعب لاستخراج النفط العراقي، عبر وجود آلاف الكيلو مترات من خطوط أنابيب النفط، ومحطات التكرير ومحطات الضخ.<BR>وتكمن المشكلة في أن هجمات المقاومة يمكن أن تحدث بشكل مفاجئ، ويمكن أن تصيب العديد من أجزاء هذه الخطوط النفطية.<BR><BR><font color="#0000FF"> شركات الأمن الخاصة: </font><BR>وهذه التحديات الخطيرة لا تواجه فقط الإدارة العسكرية الأمريكية، بل تواجه أيضاً شركة الأمن الخاصة "لند إرينيس"، والتي تتولى حماية خطوط أنابيب النفط في العراق.<BR><BR>الشركة حصلت على عقد أمريكي بقيمة 40 مليون دولار في أغسطس 2003م لتزويد وتدريب 6500 حارس مسلح، يتولون حماية 140 بئر نفط عراقي و7 آلاف كيلو متر من خطوط أنابيب النفط ومحطات التكرير، والمولدات والمصادر المائية لوزارة النفط العراقية.<BR><BR>ومع مرور بضعة أشهر تبين أن هذا العقد لا يكفي للوقوف في وجه المقاومة العراقية المتنامية، حيث عدّلت هيئة إمداد قوات الاحتلال (سي بي إيه) العقد ليشمل زيادة عدد القوات المسلحة في المراقبة، وإضافة مراقبة جوية.<BR>لذلك فإن العقد ارتفع فيما بعد ليصل إلى مبلغ 100 مليون دولار لشركة "إرينيس" ذاتها من أجل حماية البنية التحتية للنفط العراقي الحيوي.<BR><BR>وحسبما أوردت صحيفة "نيوز داي" في عددها الصادر بتاريخ 25 يوليو 2003م فإن العروض المقدمة من قبل هيئة إمداد الاحتلال لشركة "إرينيس" لم تستطع حتى الآن القيام بدورها بالشكل المطلوب منها، خاصة وأن الشركة لم تقم حتى الآن بمثل هذا العمل الضخم في أي بقعة في العالم.<BR><BR>بعض تفاصيل العقد المبرم بين (سي بي إيه) وشركة الأمن الخاصة، تم نشرها عندما عقد جون هولمز (المدير المساعد في شركة "إرينيس") ندوة في لاهاي في يونيو الماضي.<BR><BR>حيث قال هولمز: " إن عقد الشركة يتضمن حماية 285 موقعاً في العراق، ويتضمن نشر 12165 حارساً مسلحاً، أغلبهم من المواطنين العراقيين(!!!) بينهم 100 جندي أجنبي فقط، ومهمتهم هي العمل المسلح في تأمين المواقع والأنابيب النفطية والموظفين الذين يعملون في تلك المنشآت".<BR>ويتابع هولمز أن القوة المسلحة ارتفعت خلال المدة الماضية إلى حد قياسي، وهو 14500 مسلح، فيما انخفض الآن إلى 14000.<BR>مشيراً إلى أن معظم الذين انخرطوا في هذه الوظيفة هم من الجيش العراقي السابق !!<BR>ووظيفة هذه المجموعات المسلحة هي صد أي هجوم على أي من منشآت النفط العراقية، وإجراء الاتصالات لوصول دعم أمريكي أو أمني إلى الموقع المهاجَم للقضاء على المهاجمين.<BR>لذلك فإن وظيفة الحراس هي (الحراسة والقتال) في نفس الوقت.<BR>في النهاية فإن هذا يعني أن شركة الأمن الأجنبية استأجرت عراقيين لتأمين خطوط النفط العراقية!<BR><BR>وهذا الأمر يحتمل تناقضاً واضحاً، ففي نفس الوقت الذي يتم فيه استئجار عراقيين بأثمان بسيطة لحماية حقول النفط، والوقوف في وجه المقاومة العراقية، فإن ذلك يفتح مجالاً واسعاً للتعاون بين الحراس والمقاومة في استهداف أنابيب ومحطات النفط !<BR><BR><font color="#0000FF"> الحماية الجوية: </font><BR>بالإضافة إلى هذا العقد السخي مع شركة "إرينيس" فإن هيئة إمداد الاحتلال وقّعت عقداً آخر بقيمة 10 مليون دولار مع شركة "لاير سكان" (أمريكية ويوجد مقرها الرئيس في فلوريدا) لتأمين مراقبة جوية لمنشآت وخطوط أنابيب النفط.<BR>ويشمل العقد على مهام مراقبة ليلية لخطوط الأنابيب وللبنية التحتية للنفط العراقي، باستخدام كاميرات تلفزيونية "تعمل بالأشعة تحت الحمراء".<BR>كما يشمل العقد حق شراء المعدات من قبل الحكومة العراقية بعد سنتين من عملها في العراق، واستخدام طيارين عراقيين في أعمال المراقبة.<BR><BR>وتعد أعمال شركة "لاير سكان" مساندة لأعمال شركة "إرينيس" التي تنتشر فروعها الـ(14) الرئيسة بالعراق في الموصل وكركوك وبغداد والبصرة، مع وجود أنظمة اتصالات متطورة بين مختلف القيادات والفروع عبر أجهزة (HF) ذات التردد العالي، وبدعم من الأقمار الاصطناعية.<BR><BR><font color="#0000FF"> القبائل العراقية ومهام حماية النفط: </font><BR>فيما كان نظام صدام حسين السابق يعهد إلى القبائل العراقية لحماية أنابيب النفط، أصبحت الآن الحكومة العراقية المؤقتة تعتمد على هذه القبائل في حماية الخطوط البعيدة والصعبة الوصول، كما باتت شركة "إرينيس" بقيادة فريق من مهندسي الجيش الأمريكي المحتل تقوم بحماية البنية التحتية النفطية على مدار الساعة، نيابة عن وزارة النفط العراقية التي لا يسمع صوتها في ظل هيمنة القيادة العسكرية الأمريكية على النفط العراقي.<BR><BR><font color="#0000FF"> قوات الأمن الخاصة في مرمى المقاومة: </font><BR>يأتي كل هذا الدعم المالي والتقني المقدم من قبل الاحتلال لشركة الأمن الخاصة بسبب الطبيعة الخطرة التي تقوم عليها مهام هذه الشركة.<BR>ورغم كل ذلك الدعم، إلا أن نحو 21 موظفاً من الشركة قتلوا حتى الآن في العراق، كما أصيب أكثر من 26 آخرين بجروح جراء هجمات للمقاومة العراقية.<BR>ومن بين تلك الهجمات ( وفق ما بثت وكالات الأنباء العالمية في حينها):<BR>• 11 نوفمبر 2003م: وقعت مهاجمة فريق من "أرينيس" خلال سفرهم من اللطيفية إلى بغداد، ما أسفر عن مقتل جيمس ويلشاير، ومجيد حسين جاسم، وجرح حارس شخصي.<BR>• 28 يناير 2004م : قتل فرانسوا ستريدوم خلال انفجار قنبلة محلية الصنع قرب فندق شاهين في بغداد.<BR>• 12 أبريل 2004م: مقتل هندريك فيس فيساجي (29 عاماً) خلال كمين مسلح في بغداد.<BR><BR><BR><font color="#0000FF"> مشاكل أخرى: </font><BR>ورغم أهمية وخطورة الهجمات المسلحة على البنية التحتية للنفط العراقي، إلا أن هناك مشاكل أخرى تعيق امتصاص الأمريكيين للنفط ، منها خزانات الزيت الرديئة، وتآكل معدات وخزانات النفط المختلفة، وتدهور مرافق الضخ المائي الدائمة لاستخراج النفط، ونقص قطع الغيار والموارد والمعدات، بالإضافة إلى أضرار في النفط نفسه بسبب سنوات من التخزين الرديء في بعض الخزانات العملاقة.<BR><BR>إلا أن الهجمات المسلحة للمقاومة العراقية تبقى هي أساس المشكلة التي تواجه استغلال نفط العراق، رغم وجود الآلاف من الحراس المسلحين.<BR>فخطوط أنابيب النفط شكلت هدفاً رئيساً للمقاومة العراقية منذ احتلال العراق في أبريل 2003م، من أجل إثبات عدم شرعية الحكومة الحالية ومنع الأمريكيين من استغلال وسرقة النفط العراقي، وبالتالي يجب على أمريكا أن تدفع ثمن الحرب على العراق، لا الشعب العراقي.<BR><BR><font color="#0000FF"> مخاوف الحكومة المؤقتة: </font><BR>كان من المقرر لشركة "إرينيس" أن تنهي عملها في العراق بتاريخ 31 ديسمبر، بعد أن تكون قد أنهت عقدها.<BR>إلا أن الحكومة العراقية المؤقتة باتت مقتنعة أن العراقيين لم يعطوها أية شرعية في الحكم وأن المقاومة ستستمر طالما بقي الاحتلال الأمريكي؛ لذلك فإن الحكومة تحاول الآن تمديد عقد الشركة.<BR><BR>فقد أكدت الحكومة المؤقتة عدم مقدرتها على حماية النفط العراقي، خاصة خطوط أنابيب حقول كركوك الشمالية الممتدة لمئات الكيلو مترات في الأراضي العراقية، والتي شكلت هدفاً سهلاً للمقاومة العراقية.<BR>ما أدى إلى توقف تدفق النفط إلى ميناء جيهان التركي لأوقات طويلة.<BR><BR><font color="#0000FF"> النقاط الصعبة: </font><BR>كما توجد نقطة صعبة أخرى في خطوط الأنابيب، وهي الموجودة حول مدينة (بيجي) شمال بغداد، حيث تعد إحدى الوصلات الرئيسة في خطوط أنابيب العراق، وفي نفس الوقت يقع جزء منها ضمن المثلث السني الذي يتجه إلى جنوب بغداد ثم الغرب ثم إلى تكريت.<BR><BR>وبعد أن كانت خطوط أنابيب النفط في الشمال هدفاً للمقاومة العراقية، باتت الآن المناطق الجنوبية التي تنتج نحو 90% من إنتاج النفط العراقي الحالي، الهدف الجديد والأسهل للمقاومة.<BR>وقد طورت المقاومة أعمالها في استهداف الأنابيب، حيث باتت تستهدف وصلات الأنابيب والنقاط الرئيسة فيها، والأنابيب القديمة السهلة التدمير.<BR><BR>ويمكن القول حسب آراء الخبراء الاقتصاديين: إن الهجمات المسلحة الشبه يومية على أنابيب النفط وخطوط الكهرباء (التي تمتد نحو 18 ألف كيلو متر في العراق) قد سببت خسائر في هذه السنة تقدر بنحو 1 بليون دولار.<BR>وطبقاً لمعهد تحليل الأمن العالمي (لجنة واشنطن)، فإن هذه الخطوط شهدت 12 هجوماً في يونيو و 17 في يوليو، و21 في أغسطس و12 في النصف الأول من سبتمبر.<BR><BR><font color="#0000FF"> الإنتاج الحقيقي للنفط العراقي: </font><BR>حسب تقييم خبراء صناعة النفط ، فإن العراق يجب أن يكون قادراً الآن على إنتاج 2.8-2.9 مليون برميل/اليوم، بطاقة تصدير تصل إلى 2.3-2.5 مليون برميل/اليوم.<BR>وعندما بدأت القوات الأمريكية هجماتها على العراق في مارس 2003م، كانت العراق تنتج نحو 2.7 مليون برميل.<BR><BR>ورغم أن (الحاكم المدني السابق للعراق) بول بريمر ادعى في أغسطس 2003م بأن حجم إنتاج العراق من النفط انخفض إلى 1.5 مليون برميل، إلا أن الحقيقة التي توردها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تؤكد أن الرقم الحقيقي هو 780 ألف برميل فقط، ونادراً ما كان يصل إلى 1 مليون.<BR>والسبب الواضح والأساس لهذا الانخفاض هو هجمات المقاومة العراقية المستمرة على خطوط الأنابيب.<BR><BR>وبحسب البيانات الصادرة عن قيادة الاحتلال والحكومة العراقية، فإن واردات النفط العراقية بلغت عام 2003م (8 بليون) دولار فقط، وسط توقعات بألا تصل إيرادات عام 2004م أكثر من 15 بليون دولار، وهو رقم أقل بكثير مما كانت تتوقعه إدارة (الرئيس الأمريكي) جورج بوش قبيل الحرب.<BR>ما ساهم بشكل كبير في إجبار الأمريكيين على دفع فاتورة الحرب على العراق.<BR><br>