الانتخابات التونسية وأحلام الديموقراطية الموعودة !
2 شوال 1425

استحوذت الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت في تونس مؤخراً على متابعة اضطرارية لرصد ما إذا كان هناك مؤشرات - ولو شكلية - ستحملها معها، بسبب اعتبار تونس منطلقاً للتبشير بـ"الديمقراطية الجديدة"!!، التي بشر بها (الرئيس الأميركي) جورج بوش العالم العربي والإسلامي في إطار مشروع "الشرق الأوسط الكبير".<BR><BR>حيث اتخذت الإدارة الأمريكية من تونس مقراً إقليمياً للشروع في إصلاح مجموعة الدول "المتخلفة والمستبدة"، حسب المفهومات الأمريكية.<BR>والكل يتذكر الدور الذي لعبته السلطات التونسية في إرجاء عقد القمة العربية ربيع هذا العام على خلفية النزاع بشأن مشروع الإصلاحات هذه، حيث تبين أن الحكومة التونسية أدت دوراً أميركياً لفرض جدول أعمال للقمة فيما يتعلق بالإصلاح، كمفهوم وكآليات تطبيقية. <BR><BR>لكن نتائج الانتخابات التونسية جاءت استكمالاً لمسارٍ عامٍ للحياة السياسية في هذا البلد الذي لم يشهد منذ استقلاله سوى رئيسين، هما: السابق الحبيب بورقيبة، والحالي زين العابدين بن علي.<BR>وتكرس الأخير رئيساً لولاية رابعة من خمس سنوات بنسبة أصوات بلغت أربعة وتسعين فاصل ثمانية وأربعين في المئة من المشاركين في الاقتراع، فيما حصل المنافسون الثلاثة على أقل من ستة في المئة، ولم تكن تركيبة البرلمان التونسي، بعيدة عن هذه النتيجة حيث حصد التجمع الدستوري الحاكم ثمانين في المئة من مقاعده (152 مقعدا من أصل 189) فيما حصلت الأحزاب المصنفة معارضة على عشرين في المئة، معظمها لأحزاب مصنفة مؤيدة للسلطة وتحظى برعايتها.<BR><BR>طبعا لم يكن المتوقع غير ذلك، ولم تقدم أو تؤخر اعتراضات المشاركين كمعارضين، عندما اعتبروا النتيجة "إهانة لذكاء التونسيين"، أو عندما ردت السلطة بأنها "انتخابات شفافة وديمقراطية"، أو إشادة بعثة مراقبة الجامعة العربية بأنها "لم تشهد تجاوزات كبيرة تؤثر في شيء من صدقيتها".!<BR><BR>وتؤكد شخصيات سياسية في تونس على أن هذه الانتخابات لم تحمل أية مفاجأت، وأنها انتخابات من غير مفاجأة ليست انتخابات حقيقة؛ لأن الانتخابات ليس مجرد عملية يذهب فيها المواطنون إلى صناديق الاقتراع ليجدوا أنفسهم أمام خيار وحيد، هو: إما أن يجددوا البيعة للحاكم القائم، أو أنهم يجدون أنفسهم أمام خيارات كلها صعبة، أقلها أن يطرد من عمله، وأن تصادر تجارته، وأن يحرم من أي امتياز كمواطن، وأقصاها، لا شك، أن يتعرض لشتى العقوبات.<BR><BR>فمنذ نصف قرن تقريباً، أي منذ عام 1956م والبلد يحكم بالحزب الواحد، بنفس الحزب ورئيس الحزب بنفس هذه النسبة، ومؤسسات الدولة كلها بيد الحزب.<BR>وهو ما وصفه البعض بأنه "تمثيلية هزلية سيئة التأليف والإخراج".<BR><BR><font color="#0000ff">حقيقة المعارضة والمنافسة بتونس:</font><BR><BR>يرى (رئيس حركة النهضة الإسلامية التونسية المعارضة، في لندن) الشيخ راشد الغنوشي، بأن هذه الانتخابات مصنوعة على قياس الرئيس وحزبه، فقوانينها، منذ البداية قوانين تقوم بالفرز بين من يحق له أن يشارك وبين من لا يحق له أن يشارك، فالأحزاب المعترف بها والتي سمح لها بمنافسة الرئيس هي التي لا تشكل أي منافس للرئيس وحزبه، وإنما مهمتها إعطاء شهادة زور على أن هنالك انتخابات وهنالك ديموقراطية.<BR><BR>ويقول: " نحن أمام نظام ديكتاتوري بوليسي فردي، وأمام مافياً تحكم البلد بالحديد والنار، وتحتكر الثروة والسلطة والثقافة وتلوح بغشاء منحرف من الحداثة والديموقراطية لتصدر تونس إلى الخارج".<BR><BR>كما يؤكد المراقبون أن الذين شاركوا في العملية الانتخابية ضد الرئيس ابن علي، لم يمثلوا جميعهم منافساً حقيقياً، ولم يحصلوا إلا على 4% أو 5% مجتمعين، بينما الأحزاب الأخرى حتى بعض الأحزاب المعترف بها؛ لأن بعضها بدأ يرسل خطاباً "نقدياً" لسياسات السلطة مثل حزب "نجيب الشابي"، وهو لم يسمح له بالمشاركة لا في الانتخابات الرئاسية ولا التشريعية مع أنه معترف به، وأحزاب أخرى، مثل: "المؤتمر من أجل الجمهورية" للدكتور مرزوقي لم يعترف به، ولم يشارك لا في انتخابات رئاسية ولا تشريعية.<BR><BR>فضلاً عن "حركة النهضة" التي تدور عليها منذ ربع قرن رحى الاضطهاد باعتبار أنها تمثل منافساً كفأً للسلطة.<BR> وعندما شاركت في انتخابات 1989م كانت أول انتخابات يحصل فيها تنافس حقيقي، ويجد الحزب الحاكم نفسه أمام منافس كفء، ولذلك عوقبت النهضة بالاستئصال. <BR><BR>ونقل مراسل موقع (المسلم) عن المعارضة التونسية قولها: " كيف تكون هناك انتخابات في مثل هذه الأجواء؟ والسجون ممتلئة، حيث يوجد أكثر من 600 سجين مضى عليهم عقد ونصف، وهم تحت خطة موت بطيئة، منهم نحو 40 شخصا في سجن العزلة "الانفرادي".<BR><BR>كما أن الصحافة كلها بيد السلطة من إذاعة وتلفزة وصحف، وبذلك تحول البلد إلى معتقل كبير في الحقيقة، فضلا عن آلاف المهاجرين السياسيين التونسيين. إذن تدور الانتخابات في مناخات من القمع والرعب والإقصاء لكل منافس.<BR><BR><font color="#0000ff">الهدنة المفقودة مع الحكومة:</font><BR><BR>يقول الشيخ الغنوشي: " ليس وارداً ن تحاور السلطة أحداً، السلطة التي قامت في تونس منذ نصف قرن لم تعترف بالمجتمع، ودائماً تعاملت معه من فوق وأنه مريض، وهي الطبيب الذي ينبغي أن يفرض عليه ما شاء من الجراحات، هي لا تثق في الناس وحملت في زمن بورقيبة رسالة تحديث مثل التي حملها أتاتورك وأمثاله، اعتبروا أن هذا المجتمع متخلف وجاهل، ولأن مجتمعاتنا حافظت على هويتها العربية الإسلامية لم تقبل هذه العلاجات وظلت تقاوم، وبالتالي لا مجال للديموقراطية في مثل هذه الأنظمة".<BR><BR>ويؤكد مراسل موقع (المسلم) في لندن، أن السلطة لم تتحاور مع أحد من الأحزاب المعارضة أو المنافسة؛ لأنها فقط تقوم بعملية احتواء، فكل جسم سياسي؛ لأنه ضئيل قابل للاحتواء عن طريق الإغراء وإعطاء بعض المناصب، فهؤلاء هم الذين تتعامل معهم السلطة، أما الذين يرفضون الاحتواء، ويتصرفون من موقع أن هذا الوطن ليس ملكاً لحزب ولا ملكاً لعائلة "بن علي" ولا غيره، وإنما ملك لكل أبنائه.<BR><BR>وترى المعارضة التونسية أن الجميع في تونس أمام سلطة بوليسية فردية، مدعومة من الخارج؛ لأنها تحت شعار محاربة (الإرهاب)، وهي في الحقيقة محاربة الإسلام، حيث تتلقى دعماً ولا تزال من الخارج، من أوروبا وأميركا، برغم أن هؤلاء يتحدثون عن إصلاحات سياسية وجعلوا من تونس مكتباً إقليمياً لنشر الديموقراطية، وهذه فضيحة للغرب كله وخاصة لأميركا وفرنسا أن يكون هذا النموذج هو المبشر بالديموقراطية وبالإصلاحات في العالم العربي.<BR><BR>ويشير مراقبون سياسيون إلى أن هناك في الحقيقة حالة إفلاس ديموقراطي تمثله هذه الانتخابات التي تنطلق من مجرد تنويهات في أن هناك حياة سياسية، وأن هناك حداثة في تونس.<BR><BR><font color="#0000ff">الديموقراطية كما تراها أمريكيا:</font><BR><BR>يشير مراسل الموقع على تصريحات إدارة جورج بوش التي أثنت على الديموقراطية التونسية (!!) خلال الانتخابات غير النزيهة، لافتاً إلى حرص أمريكيا على تصدير هذه الديموقراطية إلى العالم في إطار تشكيل الشرق الأوسط الجديد.<BR><BR>وينقل المراسل عن لسان الشيخ الغنوشي قوله: " هذه الانتخابات تمثل فضيحة للإصلاحات الديموقراطية ولنظام الشرق الأوسط كما تدعو له الإدارة الأميركية، ومعلوم أن "بن علي" زار الولايات المتحدة في بدايات هذه السنة وتلقى توصيات بتوسيع قاعدة الحكم وإجراء انتخابات نزيهة، وأصبحت تونس تؤوي مكتباً إقليمياً لنشر الإصلاحات الديموقراطية على النمط الأميركي في المنطقة كلها".<BR><BR>ويضيف " هذه الانتخابات تشهد أن الدعوات الأميركية للإصلاح ليست جادة، وإنما هي أسلوب في ابتزاز الحكام العرب. أميركا تطالب حكاما تدرك أنهم غير قادرين على أن ينجزوا انتخابات حقيقية، ولذلك تضغط عليهم وتلوح لهم بالانتخابات من أجل ابتزازهم. تقول لهم: نريد منكم انتخابات، يجيبونها أننا مستعدون للانفتاح على الإسرائيليون والتطبيع معها، ومستعدون أن نعرقل الوضع العربي، ونفتح أسواقنا لشركاتكم لكن اتركونا من هذه الديموقراطية".<BR><BR><BR>ويرى المراقبون السياسيون أن موضوع الإصلاحات الديموقراطية ليس إلا إدارة لابتزاز الأنظمة العربية ومنها النظام التونسي، مشيرين إلى اللقاء الذي جرى مؤخراً على هامش دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة بين وزير خارجية تونس ووزير الخارجية الصهيوني، وجرى تبادل للود ولكلمات الحب، حتى أن وزير الكيان الصهيوني اعتبر أن تونس هي البلد الوحيد الذي لديه وزيران للخارجية، هو أحدهما (!!) باعتبار أن سيلفان شالوم أصله تونسي !<BR><BR>أيضاً تحدثت وسائل الإعلام عن تضاعف حجم التبادل الاقتصادي بين تونس والكيان الصهيوني عدة مرات، السنة الأخيرة، برغم أنهم لا يزالون يقولون: إن العلاقات الدبلوماسية بين تونس والكيان الصهيوني قطعت بسبب ضغوط الانتفاضة عام 2000م.<BR><BR><font color="#0000ff">الواقع التونسي في ظل الرعاية الأمريكية:</font><BR><BR>تؤكد المعارضة التونسية على أن الشعب التونسي، شعب واع ورافض، وأن الرعاية الخارجية لنظام قمعي ليس من شأنها إلا أن تصعد الكراهية للسياسات الغربية باعتبار أن هذه السياسات تدعم الكيان الصهيوني، كما تدعم الأنظمة الديكتاتورية، وذلك سبب من أسباب تصاعد الكراهية للسياسات الأميركية والغربية في بلادنا، في بلاد العرب والمسلمين والعالم.<BR><BR>وتتابع المعارضة بالقول: " لكن هذا الدعم الخارجي لم يشهد قط التاريخ بأنه منع تحولات في بلد توافرت أسبابها، تقديري بأن هذه السياسات القمعية لطموحات الشعب التونسي وشباب تونس، في العدل وفي الحرية وفي العيش وفق هويته العربية والإسلامية، هذا القمع ليس من شأنه إلا أن يصعد الغضب في الشارع التونسي وفي الأجيال الجديدة، وسيتجمع هذا الغضب كما فعل في مرات سابقة، وسينفجر لا محالة، ولا سيما نحن في زمن ثورة الاتصال، وحيث العالم التونسي كغيره يشاهدون ما يحصل في العالم، يشاهدون ما يحصل اليوم في روسيا البيضاء، حيث خرجت في موسكو العاصمة تظاهرات عارمة احتجاجاً على رئاسة لوكاشينكو؛ لأنه جدد لولايته الثالثة خلافاً للدستور، بينما رئيس تونس خلافا لما وعد به عندما دشن انقلابه على بورقيبه بأن رئاسة مؤبدة لم تعد تليق ببلد حديث، نراه بعد أن استهلك الولايات التي يسمح بها الدستور، يعبث بالدستور ويفتح الباب أمام رئاسة رابعة وخامسة: رئاسة مؤبدة".<BR><BR>وتتابع أن الشعب التونسي لم يقبل هذه الوضعية، ومستقبل تونس هو كغيرها من البلاد العربية والإسلامية، ونحن جزء من وضع عربي مهترئ وشرعيته اهترأت وتآكلت، ولا بد من دورة تغييرية تأتي للبلاد العربية مثلما أتت على دول أوروبا الشرقية. صحيح أن هذه الدول بسبب الدعم الخارجي تسارعت فيها وتيرة التاريخ، بينما منطقتنا بسبب الإعاقة الخارجية للديموقراطية يبدو كأن حركة التاريخ تتباطأ فيها، ولكن مع ذلك تمضي ولا بد أن تصل إلى لحظة تثور فيها شعوبنا على هذه الأنظمة الفاسدة المستبدة التي لم تحقق أي طموح من طموحاتها.<BR><BR><font color="#0000ff">محاربة الإسلام في تونس:</font><BR><BR>من المعروف، فإن تونس قد تعرضت خلال العشر سنوات الماضية، لتجفيف ينابيع الإسلام والثقافة الإسلامية، حيث منع الكتاب الإسلامي ومنع الحجاب ومنعت المساجد، وأطلق العنان لكل أنواع الفساد والإلحاد، ومع ذلك فوجئت قوى الشر بصحوة عارمة تنطلق إلى المساجد. <BR><BR>ويرى الشيخ النغوشي، أن المستقبل للإسلام وللحرية في تونس رغم كل ذلك، ويقول: " شعبنا اليوم يعود بشكل أقوى للتمسك بالإسلام. ونحن لا نرى لنا مستقبلا في تونس إلا ضمن المستقبل العربي والمستقبل الإسلامي، ومستقبل مرتبط ارتباطا مصيريا بالإسلام والأمة، الآن يتحسن إسلامها ويتعمق رأيها بالإسلام والالتزام به، والإسلام يزداد انتشاراً في العالم".<BR><BR>ويتابع " نحن بالإيمان متفائلون، نحن لا نيأس؛ لأن اليأس كفر لأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ونحن متفائلون عقلياً؛ لأن مؤشرات الواقع كلها تشهد على أن الحصار الذي يتعرض له الإسلام وتتعرض له أمتنا، والزحف الدولي عليها، ومع ذلك أمتنا في حالة صحو وفي حالة وعي، إسلامها يتحسن ووعيها في تحسن، وفكرة الحرية تتعمق في قلوب الأجيال الجديدة، فثورة الاتصالات جعلت منطق فرعون وحصر الناس وراء الجدار وقمعهم إعلاميا، أمرا غير متوافر في ثورة الإنترنت والفضائيات".<BR><BR>ويضيف أن هناك إحصائيات قامت بها مؤسسات رسمية في البلاد أظهرت أنه لا يتابع التلفزة التونسية في البلاد إلا 6% أو 7% من المواطنين، فذلك حركة تمرد على الاستبداد من خلال ثورة الإعلام القائمة.<BR><BR><BR><br>