تركيا تبحث عن دور لها في العراق
13 شوال 1425

شهدت العلاقات التركية – العراقية في السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً على كافة الأصعدة، وخصوصاً في المجال الاقتصادي ، ووصفت العلاقات بين البلدين ومنذ عدة سنوات في باقي المجالات بحالتي المد والجزر بين مدة وأخرى في الوقت الحالي تواجه الدبلوماسية التركية أزمة حقيقية صامتة تجاه الوضع في العراق والعلاقات المستقبلية مع هذا البلد، وتكاد تكون هذه الأزمة بحجم تلك التي واجهتها أنقرة قبيل الحرب الأميركية على العراق، وقد بدا ذلك واضحاً بعد قرار تركيا وضع خطة عمل لتوسيع نطاق شبكة المخابرات التركية في العراق لاحتواء أي محاولة لتغيير هوية كركوك باتجاه إقامة دويلة كردية في شمال العراق، وجاء الكشف عن التحرك المخابراتي عقب اجتماع لحكومة رجب طيب إردوغان مؤخراً لبحث كل السيناريوهات العراقية المحتملة، وقد زاد من هذه المخاوف بعد التصريحات التي صدرت من الزعيم الكردي مسعود البارزاني في أنقرة التي أشار فيها إلى أن مدينة كركوك هي قلب كردستان، وأن كركوك شأن داخلي عراقي إضافة للمصاعب الأمنية التي تواجهها الشركات التركية بالعراق دفعت برئاسة أركان الجيش التركي للقلق وعدم الارتياح، وطلب عقد اجتماع لكبار قادة ومسؤولي الدولة، وفي تطور بالغ الأهمية أعلنت رئاسة الأركان التركية بأنها وضعت قواتها المسلحة على أهبة الاستعداد للتدخل عسكرياً إلى العراق في حالة قيام الأكراد بتغير البنية الديمغرافية لمدينة كركوك العراقية، حيث ستدخل مدينة كركوك خلال 18 ساعة، وكشفت صحيفة ملييت العلمانية واسعة الانتشار النقاب عن خطة رئاسة الأركان التركية التي تقضى بدخول 40 ألف جندي من الجيش التركي إلى مدينة كركوك العراقية بعد استياء تركيا من تصرفات الأكراد الأخيرة وانزعاج أنقرة من نية الأكراد بتغير البنية الديمغرافية لمدينة كركوك، وقالت الصحيفة بأن إدارة (الرئيس الأمريكي) جورج بوش تدعم الخطة التركية للتدخل عسكرياً في كركوك بسبب بقاء مدينة كركوك الغنية بالنفط داخل المنطقة الكردية، وأشارت الصحيفة إلى أن مخاوف تركيا برزت على السطح عقب الزيارة التي قام بها (زعيم حزب الديمقراطي الكردستاني) مسعود البارزاني تركيا الشهر الماضي عندما أطلق تصريحات قال فيها بأن مدينة كركوك هي قلب كردستان، وخلصت الصحيفة القول بأن الفيلق الثاني من الجيش التركي على أهبة الاستعداد في انتظار الأوامر من القيادة العسكرية لتطهير المنطقة من عناصر منظمة حزب العمال الكردستانية الانفصالية، وعلى الرغم من نفي (نائب رئيس أركان الجيش التركي) الجنرال ايلكر باشبوغ خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في أنقرة صحة الأنباء الصحفية الدائرة عن إعداد الجيش التركي خطة تدخل عسكري في مدينة كركوك في حال تفاقم الأوضاع بالمدينة مؤكداً عدم وجود خطة كهذه إلا أن مراقبين سياسيين يرون بأن الجيش التركي في انتظار الضوء الأخضر للدخول إلى العراق.<BR><BR>تركيا وحرب العراق،،،<BR>ربما تكون مدة الحرب بالنسبة لتركيا قد تسببت لها في أضرار مادية وضاعفت بالتالي من أزمتها الاقتصادية غير أنها لا تبدو مستاءة كثيراً من إضعاف دور العراق السياسي في المنطقة أو حتى من احتمال خضوع العراق لاحتلال أميركي طويل الأمد أو دائم. ومع ذلك فمن المقطوع به أن تركيا لا تطمئن كثيراً للسياسات الأميركية تجاه العراق خاصة فيما يتعلق بمعالجتها للقضية الكردية هناك وهي قضية تعدها ماسة بأمنها القومي تشكل بالنسبة لها قضية حياة أو موت، وتدل الطريقة الذكية التي أدارت بها تركيا علاقتها بالولايات المتحدة خلال مدة الحرب خاصة وأنها تمكنت من الصمود في وجه الضغوط الأميركية دون أن تلحق أي ضرر حقيقي بعلاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة على إمكانية وجود فجوة بين المصالح الاستراتيجية الأميركية كما تعكسها سياسة الإدارة الأمريكية الحالية تجاه العراق- وبين المصالح الإستراتيجية التركية،غير أن تركيا تبدو في موقف يتيح لها أن تلعب دوراً لا غنى عنه بالنسبة للولايات المتحدة من ناحية ولا يتناقض في الوقت نفسه مع مصالح أهم دول الجوار العراقي -إيران وسوريا- من ناحية أخرى، ففي سياق مشروع "الشرق الأوسط الكبير" تبدو تركيا مرشحة للعب دور الدولة النموذج، وربما للقيام بأدوار سياسية مباشرة مطلوبة أميركيا، وتتطابق مصالح تركيا الاستراتيجية مع مصالح كل من إيران وسوريا، ومع مصالح الشعب العراقي وربما بقية دول المنطقة في رفض تفتيت الدولة العراقية ورفض قيام دولة كردية في شمال العراق قد تصبح نواة لدولة كردية أكبر في المنطقة تضم أكراد تركيا وإيران وسوريا معاً.<BR><BR>تركيا والمشكلة الكردية،،،<BR>حينما يأتي ذكر الأكراد فلا بد من ذكر تركيا باعتبار أن القضية الكردية تشكل قاسماً مشتركاً بين العراق وتركيا، وكثيراً ما مثلت حجر عثرة أمام أي محاولة لتطوير العلاقات بين البلدين، ودون الخوض في تفاصيل الخلفيات التركية تجاه الأكراد فإنه يمكن القول: إن مطلب انفصال الأكراد وقيام دولة كردية مستقلة دائماً ما يقابل برفض تركي جملة وتفصيلاً، وقد جاء أول رد فعلي تركي علي المطالب الكردية الأخيرة الداعية إلى انفصال كركوك على لسان (وزير الخارجية التركي) عبد الله غول، الذي حذر من مغبة تغيير الوضع السكاني والجغرافي لإقليم كركوك، وكثيراً ما رفضت تركيا انضمام كركوك لإقليم كردستان حتى لا تفقد أهميته الإستراتيجية كأول منفذ يتم من خلاله تصدير النفط العراقي إلى ميناء جيهان التركي، فضلاً عن كون الانفصال يصب في زيادة المساحة الممنوحة لأكراد كردستان واحتمالات مطالبة أكراد تركيا بوضع مماثل، كما وجهت تركيا تحذيرات جدية إلى الفصائل الكردية من أي محاولة لتوسيع حكمهم الذاتي في شمال العراق واحتمالات اللجوء للخيار العسكري لقمع أي محاولة من هذا القبيل.<BR><br>