مخاطر رفض ضم تركيا لاتحاد النادي المسيحي الأوروبي
21 ذو القعدة 1425

رغم أن القرار الذي اتخذته قمة دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم 17 ديسمبر 2004م ببدء مفاوضات حول انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2005م، لا يعني عملياً ضمان انضمام تركيا للاتحاد؛ لأن المفاوضات حول هذا الأمر قد تستمر عشرة أعوام، فقد بدأت الأصوات المعارضة في أوروبا تخرج من عدة دول وخرجت مظاهرات فعلية في إيطاليا وغيرها، وعادت نغمة الضرب على وتر الطائفية والتساؤل: كيف نسمح لدولة مسلمة بالانضمام للنادي المسيحي الأوروبي؟!.<BR><BR>ورغم المحاولات الرسمية الغربية للظهور بمظهر التحضر وعدم التمييز أو العنصرية ضد المسلمين وتأكيد أن الاتحاد الأوروبي اتحاد ديموقراطي لا ديني، فقد خرجت مظاهرات تطالب قادة الاتحاد الأوروبي برفض ضم تركيا له، ووصل الأمر بحكومات – مثل فرنسا وهولندا - للحديث عن إجراء استفتاء شعبي على ضم تركيا للاتحاد.<BR><BR>حيث شهدت الساحة السياسية الفرنسية على سبيل المثال انقساماً بشأن الطلب التركي الانضمام للاتحاد الأوربي، وطرحت وجهات نظر دينية، مما دفع (الرئيس الفرنسي) جاك شيراك والحزب الاشتراكي - أبرز أحزاب المعارضة الفرنسية- إلى إجراء استفتاء عام لحسم الموقف النهائي من هذه القضية، بعدما أظهر أحدث استطلاع للرأي أجراه معهد "إيبسو" الفرنسي أن غالبية الفرنسيين يعارضون انضمام تركيا للاتحاد.<BR><BR>ورويداً رويداً عاد سر الرفض الحقيقي (القديم) لضم تركيا للاتحاد الأوروبي على مدار أكثر من 40 عاماً مضت للظهور، عندما كان رؤساء دول وكنائس غربية يقولون علناً: إن الطلب التركي مرفوض؛ لأن تركيا دولة ذات أغلبية سكانية مسلمة رغم محاولات حكومتها التركيز على البعد العلماني، وأن هناك مخاوف من ضم دولة إسلامية لتجمع مسيحي.<BR><BR>والغريب أنه رغم السعي الأوروبي للتبرؤ من تهمة العنصرية الدينية وتأكيد أنه لا توجد حساسية من ضم دولة إسلامية للاتحاد – بدليل مطالبة رئيس النمسا بضم دولة البوسنة ذات الأغلبية المسلمة أيضا للاتحاد مع تركيا – والإشارة إلى أن دول الاتحاد رفضت النص في دستور الاتحاد الأوروبي الذي أقر في نوفمبر 2004م على "الطابع المسيحي للاتحاد الأوروبي"، فقد ظهرت مواقف مريبة من مسألة انضمام تركيا رغم وفاء حكومة حزب العدالة ذي الجذور الإسلامية لكافة الشروط الأوروبية.<BR><BR>والخطورة هنا في حالة رفض الطلب التركي أو استمرار وضع العراقيل أمامه مع بدء مفاوضات العام القادم، أن الخسائر لن تكون قاصرة فقط علي أوروبا وحوار الحضارات بين العالمين الإسلامي والمسيحي في ظل الإصرار الغربي على إقصاء كل ما هو إسلامي، ولكن الخطورة سوف تتعدى هذا كله لتطول تجربة الديمقراطية التركية نفسها ونجاح حزب العدالة والتنمية –لأول مرة في تاريخ تركيا الحديث – في تحجيم نفوذ الجيش التركي ضمن سياسة السعي لتوفير مطالب الانضمام للاتحاد الأوروبي، ففي هذه الحالة سوف يعود الجيش التركي بقوة ويعصف بالتجربة ككله وينتقم من الحزب الإسلامي طالما أن مبرر التحجيم – وهو الانضمام لأوروبا – فشل!؟<BR><BR>وربما سعى (رئيس الوزراء التركي) رجب طيب أردوغان ضمناً لتحذير أوروبا من هذه العنصرية الدينية وهذا الاختيار الطائفي لأعضاء الاتحاد عندما وجه تحذير للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قبيل قمة الاتحاد الأخيرة التي قبلت التفاوض مع تركيا، من أن إغلاق الباب في وجه بلاده سيفهم على أنه "تمييز ضد العالم الإسلامي والمسلمين "، وقال ‏عقب الموافقة على بدء التفاوض حول انضمام تركيا: إن تركيا بهذا القرار ستكون جسراً بين العالمين في حالة انضمامها الفعلي للاتحاد الأوروبي.<BR><BR>فقد ظلت عدة دول، مثل: بولندا وإيطاليا تحاول قبل إقرار الدستور الأوروبي الأخير تضمينه عبارة "الطابع المسيحي للاتحاد الأوروبي" في مشروع الدستور الأوروبي، إلا أن معارضة عدد كبير من الدول، بينها فرنسا، كانت قوية جداً، فغاب ذكر المسيحية بنص الدستور، وتوصلت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق حول أول دستور للاتحاد لم يتضمن إشارة للمسيحية.<BR><BR>ولكنهم مع ذلك أشاروا في الدستور إلى "الميراث الثقافي والديني لأوروبا التي ما زالت قيمها موجودة في تراثها"، وقال رئيس وزراء بولندا – بإيعاز من بابا روما البولندي الأصل -: إن هذه المقدمة تتحدث عن التقاليد الأوروبية "ويجب أن يكون ضمن هذه التقاليد دون أدنى شك المسيحية"، وطالبت بالأمر نفسه (وزيرة الخارجية الأسبانية) آنا بلاثيو، ونفت الاتهامات بأنها تحاول تحويل أوروبا إلى "ناد مسيحي"، مشيرة إلى أن الهدف هو فقط "إبراز " الميراث المسيحي دون استثناء "الديانتين اليهودية والمسلمة". <BR><BR><font color="#0000FF"> استمرار العراقيل..غير الدينية: </font><BR>ويبدو أن الخلافات الأوربية حول انضمام تركيا للاتحاد، وتحذير تركيا رسمياً من أن عدم قبولها سيعد تأكيداً لمسيحية نادي الاتحاد الأوروبي وعدم ديمقراطيته، فضلاً عن حديث بعض الدول – مثل هولندا – عن مزايا انضمام دولة كبري مثل تركيا مستقبلاً في زمن العولمة والتكتلات بما يقوي الاتحاد سكانياً وعسكرياً واقتصادياً، دفع باتجاه قبول فتح الباب أمام تركيا لإظهار الاتحاد بمظهر إيجابي، مع وضع عقبات أخرى غير دينية في وجه تركيا!!<BR><BR>فقد أصيبت تركيا بخيبة أمل عندما اتفقت دول الاتحاد الـ25 على بدء مفاوضات الانضمام مع تركيا، وفرضت في الوقت نفسه على تركيا الاعتراف بالجمهورية القبرصية اليونانية كشرط مسبق لذلك، بسبب الانقسام التركي الداخلي حول هذا الأمر ليس فقط بين حزب العدالة والجيش الذي ظل يحمي قبرص التركية سنوات، ولكن بين الأحزاب التركية نفسها التي تعد الاعتراف بقبرص اليونانية تضحية بقبرص التركية وتخلي عن مسلميها خصوصاً في ظل رفض القبارصة اليونانيين المسيحيين الاتحاد مع الشطر المسلم من قبرص.<BR><BR>فتركيا هي الدولة الوحيدة التي لا تعترف بالجمهورية القبرصية القائمة في الشطر الجنوبي من الجزيرة، وطرح حزب العدالة لأول مرة خطط تطالب بتسوية النزاع الذي أدى إلى تقسيم الجزيرة عام 1974م إلى كيانين قبرصي يوناني وقبرصي تركي، ولكن رفض القبارصة اليونانيين للخطة التي طرحتها الأمم المتحدة في هذا الصدد، وانضمام قبرص للاتحاد أصبحا يشكلان عقبة أمام انضمام تركيا نفسها للاتحاد الأوروبي. <BR><BR>والملفت هنا أن رئيس الوزراء التركي تعامل مع التصرفات الأوروبية فيما يخص ملف تركيا في الاتحاد الأوروبي بشكل يحفظ ماء وجه تركيا، ولم يبد تهافتاً على الانضمام بشروط أو مطالب تقلل من هيبة تركيا، وحرص على إبلاغ الأوروبيين أنهم سيكونون هم الخاسرون من رفض ضم تركيا للاتحاد لا بلاده.<BR><BR>كما أكد الأتراك أنهم على استعداد لمحاولات أخرى لحل مشكلة قبرص المقسمة قبل البدء بمفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في الثالث أكتوبر المقبل 2005م، رغم سبق رفض القبارصة اليونانيين في أبريل الماضي 2004 م اقتراح توحيد القبرصيتين.<BR><BR><font color="#0000FF"> هل يهدم الجيش المعبد علي أردوجان؟ </font><BR>وليس هناك من شك في أن استمرار الرفض الأوروبي ووضع العراقيل أمام انضمام تركيا سيكون له أثار خطيرة على التعامل بين الدول الإسلامية عموماً والاتحاد الأوروبي، وسيكون معناه تغليب فكرة صراع الحضارات، ولكن الخطورة الداخلية ربما تكون أكبر كأحد الآثار السلبية لهذا الرفض الأوروبي.<BR><BR>فحزب العدالة والتنمية الذي يقوده طيب أردوغان، ويمثل الجيل الثاني من الإسلاميين الأتراك يتبع استراتيجية ذكية للغاية لمعادلة دور الجيش التركي منذ وصوله للحكم أو على الأقل بهدف تحييد تهديداته بالانقلاب،والتي مثلت خطراً دائماً على التجربة الديمقراطية بتركيا وتنامي الدور السياسي للإسلاميين.. هذه المعادلة تقوم على استخدام ورقة الاتحاد الأوروبي والمعايير المطلوبة كشرط للانضمام لعضويته سنداً يؤمن لحزب العدالة إحداث التغييرات التدريجية في هيكل المجتمع التركي دون أن يتصدى لها الجيش كالمعتاد.<BR><BR>والمشكلة الآن أن رد فعل الجيش يظل مبهماً وغير معروف، ويتخوف كثيرون من أن يكون صمته هو مقدمة للعاصفة، فيما يرى آخرون أن الجيش لم يعد له حول ولا قوة، وأنه مضطر مع الوقت للرضوخ للأمر الواقع وإنهاء الديكتاتورية العسكرية التي ظل يحكم بها تركيا، وفي حالة ظهور بوادر فشل الانضمام للاتحاد الأوروبي أو ارتفاع سقف الشروط بدرجة تعجز عنها حكومة حزب العدالة فسوف يتدخل الجيش.<BR><BR>فهل يشارك الاتحاد الأوروبي في هدم الديمقراطية التركية الوليدة بعرقلة ضم تركيا لأسباب دينية أو قبرصية؟! مع ما يرافق هذا من ترسيخ حاجز طائفي يعرقل الحوار بين أوروبا والعالم الإسلامي، أم تتغلب أوروبا على عنصريتها الدينية وتلعب دوراً كجسر وعنصر وَصْل بين العالم الإسلامي والغربي في وقت تقطعت فيه أوصال العلاقات بينها نتيجة ممارسات اليمين المسيحي الصهيوني الذي يسيطر على إدارة بوش؟<BR><br>