تغييرات صامتة وجذرية في الـ(CIA) بعد عقود من الفشل
4 ذو الحجه 1425

على خلاف ما تنشره وسائل الإعلام الأمريكية من نجاحات لوكالة الاستخبارات الأمريكية خلال حروبها العالمية الطويلة، وخلافاً لما جرت إليه العادة من تصريحات ونشر كتب وتمرير معلومات إلى وسائل الإعلام تتحدث عن تحقيق اختراق أو اغتيال أو تجنيد أو الحصول على معلومات خطيرة وهامة عن دول أخرى.. شهدت وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) خلال المدة السابقة تغييرات وتعديلات هي الأولى من نوعها منذ عشرات السنين.. نتيجة لجملة من الأخطاء والفضائح والتجاوزات تمت بعيداً عن أعين وسائل الإعلام وتمت تصفيتها بأقل قدر من الأضواء والإثارة.<BR><BR>هذه المرة لم تحقق الوكالة الأمريكية فوزاً كبيراً ولم تكن قوية بالقدر الكافي لئن تواجه التطورات التي شهدها ويشهدها العالم، وبدل أن نسمع عن انتصارات متلاحقة.. بتنا نسمع أصواتاً خافتة تتحدث بين الحين والآخر عن فشل أو فضيحة أو خلافات داخلية.<BR>أما الأخلاقيات التي كانت تنادي بها وتعلن تمسكها بها فقد ذهبت أدراج الرياح؛ لأنها في الحقيقة لم تكن موجودة أبداً، فالاستخبارات عمل قريب من كل شيء إلا الأخلاق.!<BR><BR><font color="#0000FF"> التغيير يبدأ من الأعلى؟ </font><BR>شهدت وكالة الـ(CIA) خلال السنوات القليلة الماضية أسوأ عصر لها منذ نشأتها.. تعرضت خلالها لعدة هزات أفقدتها وزنها الدولي وربما أفقدت العاملين فيها الثقة بالعمل فيها.<BR><BR>ووصلت الأمور حداً جعلت (الرئيس الأمريكي) جورج بوش يعين أحد العاملين القدامى في ذات المجال رئيساً لجهاز المخابرات المركزية، هو "بورتر جوس" (عضو الكونغرس الجمهوري من ولاية فلوريدا)، والذي يعد أحد أعضاء الوكالة القدامى الذين شاركوا في عدد من العمليات السابقة خلال مدة ازدهار الـ(CIA).<BR>هذا الاختيار يعيد للأذهان التاريخ السابق للوكالة، وهو ربما ما يأمله بوش، والإدارة الأمريكية في استرجاع العصر الذهبي السابق لها..<BR><BR>جاء تعيين جوس في شهر أغسطس الماضي بعد أن أجبرت الإدارة الأمريكية رئيس الوكالة؛ جورج تينيت على الاستقالة بسبب جملة من الفضائح والأخطاء.<BR><BR>وفور تقلده المنصب الجديد.. أطلق بوش يد جوس إلى أبعد الحدود لإصلاح الوكالة وتجديد جهازها القديم وإحداث تغييرات جوهرية في عملها وأسلوب تنظيمها قبل أن يوافق على زيادة عدد عملاء الـ(CIA) بنسبة 50% خلال 3 أشهر، وهو ما يعد مهمة كبيرة تلقى على عاتق جوس الذي يمتلك جهازه نحو 4500 موظف وعميل.. خاصة وأن التجنيد الواسع يجب أن يبقى سرياً!!<BR><BR><font color="#0000FF"> من هو جوس؟ </font><BR>تخرج بورتر جوس من جامعة (يال) الأمريكية عام 1960م قبل أن ينضم إلى الجيش الأمريكي ويقوم بمهام قصيرة في وحدات المخابرات التابعة للجيش، وفي عام 1962م انتقل جوس إلى وكالة الـ(CIA) للعمل فيها كعميل سري.. واستمر حتى عام 1972م، اشترك خلالها في العديد من المهام الداخلية والخارجية.. في المكسيك وجمهورية الدومينكان وهايتي وأوروبا الغربية.<BR><BR>وخلال عام 1988م انتخب نائباً في الكونغرس عن المنطقة الرابعة عشر من ولاية فلوريدا، وخلال سنوات الممتدة من 1997 ولغاية 2004م استلم جوس منصب رئيس لجنة مراقبة المجلس التشريعي الدائم على المخابرات.<BR><BR>وما أن استلم جوس منصبه على رأس وكالة الاستخبارات الأمريكية.. حتى بدأت رحى التغيير تدور في الوكالة.. في محاولة لإحداث تغيير واسع فيها.. ما يشير إلى حجم الفساد والسلبيات داخل الوكالة..<BR><BR><font color="#0000FF"> رحى التغيير: </font><BR>بعد تغيير الرئيس العام.. وخلال مدة قصيرة.. قدّم اثنان من كبار قادة الـ(CIA) استقالتيهما من العمل.. وسط أنباء عن حدوث خلافات بين الرئيس الجديد وأنصار النظام السابق للوكالة.. الاستقالة قدمها كل من ستيفن كابيز (نائب مدير عمليات الوكالة) ومساعد الرئيس مايكل سليك.<BR><BR>وطبقاً للتقارير التي نشرتها وسائل إعلام أمريكية فإن أكثر من 20 مسؤولاً في الوكالة قد قدّموا استقالاتهم منذ تولي جوس زمام الأمور.. مع ملاحظة أن تقديم الاستقالة هو الشكل المعلن لحالات الطرد والاستبعاد في الـ(CIA).<BR><BR>وتتمثل طريقة عمل جوس الجديدة في الوكالة بشن "حملة أكثر عدوانية عبر استخدام ضباط سريين جدد لاختراق الجماعات (الإرهابية) والحكومات المعادية وبزيادة عدد أفراد الوكالة والاعتماد على الغطاء الغير رسمي والحصول على معلومات من الأجانب" وفق ما ذكره الكاتب الأمريكي توماس جونز.<BR><BR>بعد عدد من التغييرات في قيادة الوكالة، وقع الرئيس الأمريكي بتاريخ 17 ديسمبر 2004م، قانوناً ينص على إجراء أوسع إصلاحات لأجهزة الاستخبارات الأمريكية منذ حوالي 60 عاماً.<BR>وتحدث وسائل الإعلام عن أهداف "لسد الثغرات التي أسفرت عن إخفاقات كبيرة في الوكالة".<BR><BR>وقال بوش خلال حفل التوقيع: " بموجب هذا القانون الجديد، ستصبح أجهزة استخباراتنا الواسعة أكثر توحداً وتنسيقاً وفاعلية (!!)، وسيمكننا من تحسين أداء واجبنا وهو حماية الشعب الأمريكي". <BR><BR>وكالعادة، بحثت الإدارة الأمريكية عن سبب لتبرير هذه التغييرات بعيداً عن الاعتراف بالفضائح والانتكاسات في الوكالة، فأشارت إلى "هجمات الحادي عشر من سبتمبر" كشماعة لتعليق كل ما حصل !<BR>لذلك قرر بوش استحداث منصب (مدير الاستخبارات الوطنية) للإشراف على أجندة وميزانية إجهزة الاستخبارات الأمريكية، واستحداث مركز وطني لدمج وتحليل كافة المعلومات الاستخباراتية الأمريكية حول التهديدات.<BR><BR><BR>وقال بوش خلال الإعلان عن التغييرات واستحداث المنصب الجديد: " إن أحد الدروس الرئيسة من هجمات سبتمبر؛ هو أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية يجب أن تعمل معاً وبشكل موحد".<BR><BR><font color="#0000FF"> الأخطاء السابقة في الـ(CIA): </font><BR>خلال السنوات القليلة الماضية، نشرت وسائل الإعلام العالمية فضائح متلاحقة حول الاستخبارات الأمريكية التي فشلت عدة مرات وفي عدة مناطق من العالم، ورغم التحفظ الكبير من قبل الإدارة الأمريكية ومحاولة وسائل الإعلام الأمريكية التغاضي قدر المستطاع عن هذه المعلومات.. إلا أن الكثير منها وجد طريقه للنشر في وسائل إعلام عالمية.<BR>على سبيل المثال.. تذكر صحيفة (آسيا تايمز) ثلاثة أخطاء وقعت بها وكالة الاستخبارات الأمريكية، هي:<BR>1 – عندما كانت الولايات المتحدة تدعم المجاهدين الأفغان في حربهم ضد الاحتلال السوفيتي خلال مدة الثمانينات.. لم تمتلك الـ(CIA) بُعد نظر للأحداث التي قد تقع لاحقاً، ولم تهتم بإنشاء علاقات وثيقة وزرع عملاء ضمن أوساط المقاتلين القريبين من أسامة بن لادن، وبالتالي لم تستطع الوكالة الحصول على معلومات حول هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، رغم قربها السابق من منفذي الهجمات.<BR><BR>2 – خلال الحرب العراقية الإيرانية التي جرت في الثمانينات أيضاً.. كانت الولايات المتحدة تدعم صدام حسين ضد المعسكر الإيراني المدعوم من قبل الاتحاد السوفيتي، ولم تستطع وكالة الاستخبارات الأمريكية زرع عملاء لها داخل النظام العراقي السابق.. أو عملاء مرافقين لصدام حسين شخصياً.. وبالتالي لم تستطع الوكالة الحصول على جميع المعلومات التي احتاجتها حول العراق منذ تلك المدة!!<BR><BR>3 – خلال مدة التسعينيات، شهدت العلاقات العراقية العالمية برنامج "النفط مقابل الغذاء" ولم تستطع الوكالة الأمريكية الاستفادة من تلك الفرصة لجمع معلومات دقيقة حول تفاصيل كثيرة للنظام العراقي السابق...<BR><BR>أما الخطأ الأكبر الذي لحق بالوكالة، فهو عدم مقدرتها على تقييم حجم التهديدات الموجودة قبل سبتمبر 2001م، ما أدى إلى حدوث هجمات على مستوى عال من الخطورة والتنسيق، كشف حجم الثغرة المعلوماتية والاتصالية بين أجهزة الاستخبارات الـ15 التي تتألف منها وكالة الـ(CIA).<BR>وزادت التقارير التي تحدثت عن معرفة ومراقبة مسبقة لبعض العناصر الـ19 الذين شاركوا بالهجمات، حجم اللوم على الوكالة، التي أدينت بفشل ذريع أمام مخططات أجريت في دول تبعد آلاف الكيلومترات عن أمريكا، وحققت نصراً كبيراً بمهاجمة عدة أماكن في آن واحد.<BR><BR>بالإضافة لفضيحة أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة، والتي ادعت وكالة الاستخبارات أن لديها معلومات موثقة حول وجود أسلحة دمار في العراق، ما شكّل الأساس الرئيس لإقناع دول العالم بشن الحرب على العراق، ليتضح فيما بعد كذب هذه المعلومات، وبعدها عن وجود أي دليل لذلك.<BR><BR><font color="#0000FF"> انتهاكات حقوق المعتقلين والأسرى: </font><BR>شكلت الفضائح الخاصة بانتهاك حقوق الأسرى والمعتقلين في السجون الأمريكية المنتشرة بالعراق وأفغانستان وغوانتانامو وغيرها، فصلاً واسعاً من فصول الفضائح التي لحق بالوكالة.<BR>كان من أهمها الكشف عن صور معتقلات أبي غريب في العراق، ودور عناصر الوكالة في تلك الانتهاكات، ودورهم في مقتل عشرات المعتقلين العراقيين خلال التعذيب والتحقيق، وهو ما أفردت له وسائل الإعلام العربية والعالمية قسماً كبيراً قبل عدة أشهر.<BR><BR>كما كشفت صحيفة (واشنطن تايمز) في عددها الصادر بتاريخ 13 ديسمبر 2004م، دور عناصر الاستخبارات الأمريكية في مقتل 8 أفغان خلال التحقيق والتعذيب في أحد المعتقلات الأفغانية.<BR>حيث أشارت الصحيفة إلى تقرير صادر عن البنتاغون، يشير إلى أن التحقيقات العسكرية أفضت إلى تأكيد دور عناصر الاستخبارات في موت الأفغان الـ 8 (من بينهم جندي أفغاني) توفي خمسة منهم في 28 أغسطس 2002م، وثلاثة في مارس 2003م، بسبب "الضرب المفضي إلى الموت" حسب التقرير الأمريكي، والذي أشار إلى أن 23 حالة وفاة قيدتها الوزارة في المعتقلات الأمريكية بأفغانستان، فيما توجد عشرات، وربما مئات الحالات المماثلة التي لم تكشف عناصر الاستخبارات عنها.<BR><BR>ونتيجة لجملة الفضائح المتعلقة بانتهاكات حقوق الأسرى، والعنف المتبع ضد المعتقلين على يد أفراد وكالة الاستخبارات الأمريكية، صدرت قوانين خاصة من الجيش الأمريكي، بعدم إشراك عناصر الوكالة في التحقيقات التي تجرى مع المعتقلين.<BR><BR>وكشفت وثائق الجيش الأميركي، التي حصلت عليها أولا صحيفة (دنفر بوست)، عن أن أول معتقل عراقي وجد ميتاً كان في شهر يونيو 2003م في موقع سري مخصص للتحقيقات استخدمته وحدات "العمليات الخاصة" في بغداد بعد شده على كرسي أثناء استجوابه ثم تعرضه لضغط جسدي ونفسي. <BR>وأكد تشريح لجثة المعتقل أن سبب موته يعود إلى "ضربة قوية وسريعة" وجِّهت إلى رأسه، حسبما ذكرت الصحيفة في الربيع الماضي.<BR><BR>وأرسلت قيادة وكالة الاستخبارات أوامر إلى عناصرها العاملة في العراق، بتاريخ 8 أغسطس 2003م، بعدم التحقيق مع المعتقلين، مؤكدة أن "المعتقلين في العراق هم في عهدة الجيش، وإنه إذا كانت هناك حاجة بالنسبة لوكالة الاستخبارات المركزية كي تجري تحقيقاً معهم؛ فإن من اللازم الإقرار بأننا لا نملك حق التحكم بهم أو الإشراف على ظروف احتجازهم"، حسبما نقلت صحيفة (نيورورك تايمز).<BR>وحسب الأوامر التي وصلت إلى عناصر الوكالة في العراق، فإن على العناصر ألا يقترحوا أية أساليب للتحقيق، أو يتعاونوا في تنفيذها إذا كانت تتجاوز طرح الأسئلة على المعتقلين والإجابة عنها من قبلهم"<BR><BR>بالإضافة إلى فضائح أخرى كثيرة ومتنوعة، منها على سبيل المثال: فضيحة تسريب اسم أحد ضباط المخابرات في وسائل الإعلام الأمريكية، وهي الضابط فاليري بليم، التي لا تزال التحقيقات جارية حتى الآن للكشف عن أسماء موظفي البيت الأبيض، الذين سربوا اسمها وفضحوها كعميلة سرية لـ(CIA) وسط أنباء عن النيل من زوجها جوزيف ويلسون (السفير السابق)، والذي أكدت تقارير لبوش حول محاولة العراق شراء يورانيوم من نيجيريا.<BR>ومنها أيضاً فضيحة فصل أحد ضباط الوكالة بسبب عدم موافقته على تزوير تقارير تدعي امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل.<BR>ومنها تأكيدات أمنية باكستانية أن أجهزة المخابرات الأمريكية كانت تقدم معلومات خاطئة في معظم الأحوال حول العناصر المشتبه بها من تنظيم القاعدة وأماكن اختبائها. <BR>حيث نشرت صحيفة (دون) الباكستانية الشهيرة، على صفحتها الأولى، نقلاً عن المصادر الأمنية تقريراً كشف أن من بين 44 معلومة حصلت عليها الحكومة الباكستانية من أجهزة تنصت أمريكية عبر الأقمار الصناعية منذ مارس الماضي حول عناصر القاعدة أثبتت العمليات العسكرية التي قامت بها القوات الباكستانية المنتشرة في منطقة القبائل أن 3 منها فقط كانت صحيحة، مقارنة بـ41 خاطئة، ما يمثل نسبة 90 % من المعلومات.<BR><br>