انتخابات العراق : هل أخطأ السنة بالمقاطعة ؟
20 ذو الحجه 1425

بدأت اليوم 30 يناير أول انتخابات تعددية عراقية منذ 46 عاماً عبارة عن ثلاثة انتخابات في وقت واحد لكل من : الجمعية الوطنية العراقية والمجلس الوطني لإقليم كردستان ومجالس المحافظات العراقية الثماني عشرة وسط منافسة حادة بين تيارين من شيعة العراق، هما : العلمانيون المتعاونون مع الاحتلال الأمريكي وعلى رأسهم إياد علاوي (رئيس الوزراء) ، وتحالف الأحزاب الإسلامية التي تمثل الحوزة الدينية ، ومقاطعة شبة تامة من سنة العراق .<BR><BR>ورغم أن هذه الانتخابات تفتقر للمصداقية للقانونية والشرعية ، ولا تتوافر لها أدنى معايير الوضوح ، فقد أصر الاحتلال الأمريكية وأعوانه من العراقيين على إجراء الانتخابات لأسباب تتعلق بتحقيق مصالح كل طرف ، حيث إن إجراء الانتخابات تقدمه إدارة (الرئيس الأمريكي) بوش للأمريكان لخداع الشعب الأمريكي كمبرر وثمن لأرواح الجنود الأمريكيين الذين يتساقطون يومياً ، كما أن إجراءها سيكون مصلحة لأعوان الاحتلال للوثوب إلى سدة الحكم بدعوى أنهم فازوا في انتخابات ديمقراطية .<BR><BR>ولأن الأمر بات منتهياً ، وهناك إصرار أمريكي على السير في خطوات "شرعنة" الاحتلال بصرف النظر عن صعوبة إجراء انتخابات بدون مشاركة السنة ، وبدون توافر الأمن النسبي لإجرائها سوى في 10 محافظات من 18 ، وبالتالي بات فوز الشيعة بأغلبية مقاعد المجلس الوطني ، وفوزهم بأغلبية مقاعد الحكومة المقبلة ، فمن المنطقي أن نناقش مستقبل العراق من الآن .<BR> هل كان من مصلحة المسلمين السنة مثلا رفض المشاركة في هذه الانتخابات ؟ أم أن المشاركة أفضل لهم ؟ وهل عدم مشاركتهم مكسب أم خسارة للاحتلال ؟ وهل يؤدي ذلك لتغيير التركيبة السياسية في العراق القائمة منذ القرن الـ18، والتي تقوم على سيطرة الأغلبية السنية على الحكومة والبرلمان خصوصاً أن مصادر سنية تحدثت عن مليون شيعي أدخلتهم إيران للعراق وزورت لهم بطاقات تموين (هي بطاقات الهوية الحالية في ظل عدم وجود تعداد) ؟<BR>ثم ما هو المطلوب من سنة العراق للتعامل مع حكومة العراق الشيعية الجديدة ؟ وهل يختلف تعاملهم مع هذه الحكومة الشيعية القادمة سواء كان وزراؤها من العلمانيين الشيعة أو من تيار الحوزة الدينية التابع للمرجع الشيعي السيستاني ؟! <BR>ثم كيف ستتعامل حكومات دول الجوار السنية مع مثل هذه الحكومة الشيعية، خصوصاً دول الخليج وعلى رأسها السعودية خصوصاً أن هناك أقليات شيعية في هذه الدولة ؟ وكيف ستتعامل معها حكومات مثل سوريا وإيران ؟<BR><BR>هل يتم تهميش السنة ؟ <BR>بداية يجب إيضاح أن الاحتلال سعى بالترغيب والترهيب لإقناع السنة بالمشاركة كي يعطونه صك شرعية الوجود في العراق ، وأشاع أن القوى التي تقاطع الانتخابات ومنها أغلب الهيئات السنية سوف يتم تهميشها ، ولكن هذا أمر غير حقيقي .. فعقب الغزو قالوا نفس الحديث عن المقاومة بهدف دفعها لإلقاء السلاح ، وقالوا: إنه سيتم تهميش من يرفع السلاح وهو ما لم يحدث<BR>وبالتالي فالحديث عن تهميش القوى السنية والقوى الأخرى المقاطعة حديث مضلل ولن تهمش في حال مقاطعتها الانتخابات؛ لأن الخطاب الذي ساد بعد أيام من احتلال العراق كان يؤكد على أن القوى التي تحمل السلاح ستهمش نفسها إلا أن الواقع أكد أن تلك القوى نجحت في فرض نفسها على الواقع العراقي، بل وكانت اللاعب الأساسي في تغير الكثير من المخططات الأمريكية مثل إجبار قوات الاحتلال- رغم إعلانها الصريح في البداية أنها ترغب في حكم العراق حكماً عسكرياً مباشراً - على تشكيل مجلس حكم ثم حكومة عراقية بالقرار رقم 1546 ثم مجلس وطني ثم الآن حكومة مؤقتة .<BR><BR>وما يقال عن تهميش السنة والقوى الأخرى ، يقال أيضاً عن قرار السنة مقاطعة الانتخابات، وأنه قرار خاطئ سيؤدي لإبعادهم عن الحياة السياسية وتهميش دورهم .. صحيح أن الاحتلال عاد ليغير خططه المتعلقة بترغيب السنة علي المشاركة بعدما وجد منهم رفضاً قاطعاً ، وقرر "تعيين" نسبة من السنة في الحكومة العراقية الجديدة الموالية للاحتلال ( ما يشير لاضطراب موقفه) ، ولكن الصحيح أيضاً أن مكاسب السنة من مقاطعة الانتخابات أكثر من خسائر المقاطعة إذا جاز الحديث عن خسائر .<BR><BR>وصحيح أن هناك مخاوف من أن عدم مشاركة السنة في الانتخابات سوف يترتب عليه انتخاب برلمان وحكومة عراقية متعاونة بالكامل مع الاحتلال ، وقيام هذا البرلمان وهذه الحكومة بالتورط في التوقيع على اتفاقيات مع دولة الاحتلال الأمريكية اقتصادية وتجارية وقانونية وسياسية ربما يكون أخطرها قوانين إسقاط التعويضات للعراقيين عن جرائم الاحتلال التي وضعها الحاكم الأمريكي السابق بول بريمر . <BR>بل إن هناك مخاوف أخرى من أن تكون الانتخابات فرصة تاريخية" للشيعة للفوز وتولي المناصب الكبرى وتغيير المعادلة القديمة الخاصة بسيطرة السنة علي غالبية المناصب السياسية والعسكرية في العراق رغم أن نسبة السنة – وفق تقديرات سنية - تبلغ ما بين 52-54% من السكان ، والشيعة 48% والباقي تركمان ومسيحيين وغيرهم ، وأن يؤدي ذلك لزيادة الفرز والاستقطاب بين القوى الدينية والطائفية العراقية خصوصاً السنة والشيعة ، ما قد يسهم في زيادة فرص الحرب الأهلية في العراق .<BR>ولكن المكاسب أكبر خصوصاً إذا وضعنا في الاعتبار أن الحديث يدور عن انتخابات غير حقيقية وقانون انتخابي عجيب ، وخطط أمريكية لإنجاح أنصار الاحتلال من العراقيين تحت غطاء ديمقراطي ، وإعلان سرية غالبية مراكز الاقتراع لمنع ضرب المقاومة لها حتى اللحظات الأخيرة من الانتخابات خصوصاً في المدن السنية المدمرة مثل الفلوجة !! <BR><BR>فأحد أهم مكاسب السنة من المقاطعة هو كشف حقيقة الاحتلال الأمريكي ، ودمغها بعدم الشرعية ، وإلقاء الضوء على مشكلة العراق الحقيقية وهي الاحتلال لا الانتخابات ، كما أن الإصرار الأمريكي على إشراك السنة طوعاً أو كرهاً ، أظهر قوة سنة العراق وأنهم ليسوا مجرد نسبة مئوية يمكن تمثيلهم بعدد من مقاعد الحكم ، ولكنهم رمانة الميزان.<BR>أيضاً عدم المشاركة في الانتخابات يعطي المقاومة (وغالبيتها سنية) مبرراً للاستمرار في القتال بل وتصعيد العمليات لحين انتهاء الاحتلال وإجراء انتخابات حقيقية حرة ، أما مشاركة ولو قسم ضئيل من السنة فمعناها الترويج لمقولات الاحتلال بأن المقاومة ليست سوى مجموعات من الإرهابيين طالما أن كفة فصائل الشعب العراقي تشارك في الانتخابات والسلطة .<BR><BR>أيضاً عدم المشاركة يفوت على الاحتلال وأنصاره فرصة إعادة تقسيم السلطة والنفوذ في العراق لصالح المتعاونين معه؛ لأن أهم طرف في المعادلة الثلاثية (سنة – شيعة- أكراد) لن يشارك .. وقد ألمح لهذا د. مثنى حارث الضاري (المتحدث باسم هيئة علماء المسلمين في العراق) عندما تحدث – في لقاء معه بالقاهرة - عن "مخطط " يحاك للإيقاع بالقوى الوطنية الشريفة المناهضة للاحتلال كي تساعد في ترسيخ أمر واقع ، بحيث يجري تشجيعها على المشاركة في الانتخابات ثم منعها من الفوز بقصد إضفاء الشرعية على المحتل ومن سيمثل المحتل بعد هذه الانتخابات ، وشدد علي أن النتائج محسوبة ومحسومة مقدماً لمن يريدهم المحتل من المتعاونين معه !<BR><BR>وأخيراً فإن عدم مشاركة السنة يجعل قرارهم السياسي حراً ، ويمكن أن يكون لهم تأثير على مستقبل العراق السياسي من خلال حق النقض (الفيتو) إذا أرادوا؛ لأن القوانين تقول: إنه إذا صوتت ثلاث محافظات من بين 18 محافظة عراقية ضد الدستور المنتظر في أكتوبر المقبل فلن يمكن إقرار الدستور الجديد (وهناك سبع محافظات عراقية سنية خالصة وثلاث أخرى نصفها سنة ) ، ومن شأنه أيضاً أن يقلل من مصداقية البرلمان العراقي الجديد ومن الدستور الذي سيضعه وبالتالي من شرعية العملية السياسية ككل وشرعية الاحتلال .<BR><BR> المقاطعة وطنية لا سنية فقط <BR>من أكاذيب المحتل أنه يروج أن السنة فقط هم الذين يقاطعون الانتخابات ليوحي أن المقاومة السنية إرهابية ويؤلب العراقيين ضدها ، ولكن الحقيقة التي كشفها وفد "القوى الوطنية العراقية المناهضة للاحتلال " الذي زار الجامعة العربية في نهاية العام الماضي 2004م هي أن "هيئة علماء المسلمين" السنة ليست وحدها التي تعارض موعد إجراء الانتخابات لظروف الاحتلال وانعدام الأمن وغيرها (رغم قبولها بمبدأ الانتخابات عموماً ) ، ولكن دائرة القوى العراقية المناهضة للانتخابات والمقاطعة للانتخابات تتسع بين يوم وآخر .<BR><BR>فقد ضم هذا الوفد فهناك أكثر من 175 شخصية وتنظيماً عراقياً لها حضور شعبي كبير ومثل مختلف الأطياف وقعوا على بيان في 17 نوفمبر 2004م أعلنوا فيه مقاطعة الانتخابات، وأربع من هذه القائمة هم شخصيات شيعية ، إضافة إلى تركمان وأكراد ، ومن المعارضين مرجعيات شيعية كبرى لها حضور كبير بين العراقيين، مثل: أحمد الحسن البغدادي ومكتب "آية الله" قاسم الطائي ، وهناك تيار رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر الذي يعارض أيضاً الدخول في العملية الانتخابية، وله شروط معينة لعقدها وهو يمثل ثلث الشيعة العراقيين.<BR><BR>حكومة الشيعة .. ماذا ستفعل ؟ <BR>ويبقى السؤال الأهم : ما لون الحكومة الشيعية المقبلة؟ وهل ستكون مشكلة من تيار العلمانيين الشيعة من جماعة إياد علاوي وأنصاره الذين شكلوا قائمة موحدة تضم ستة أحزاب علمانية بالكامل ، وقامت على أكتافهم حكومة الاحتلال المؤقتة والمنتظر منهم دور أكبر في ترسيخ تعاون استراتيجي بين بغداد وواشنطن يخدم المصالح الأمريكية ، أم الحوزة العلمية وجماعة السيستاني وحزب الدعوة الذين تقدموا بقائمة موحدة كبيرة غالبيتها من الأحزاب الدينية ليضمنوا السيطرة على برلمان وحكومة العراق ؟ <BR><BR>لا شك أن قيادة الاحتلال تواجه – بالإضافة لمأزق رفض السنة المشاركة - مأزقاً آخر في التعامل مع الشيعة كمجموعات منفصلة ومتناقضة الأهداف، سيترتب عليه تحديد علاقتها بالعراق مستقبلاً، فهي تفضل البديل العلماني الشيعي وتضع الخطط للتمكين له في الحكم ، ولكنها بالمقابل تخشى أن تُغضب تيار المراجع الدينية وعلي رأسها جماعة السيستاني ، كي لا يتجه هذا التيار بدوره نحو المقاومة ليتكامل مع المقاومة السنية ويحيل حياة الاحتلال إلى جحيم!!<BR><BR>والاحتلال يدرك أن هذا التيار الديني الذي تمثله المراجع والحوزات الشيعية بزعامة السيستاني يسعى لنوع من المهادنة مع الاحتلال بهدف تمرير الانتخابات والفوز بها وتشكيل دولة شيعية في نهاية الأمر ليست بالضرورة تابعة لإيران للتضارب والتنافس في شؤون المرجعيات الدينية بين طهران وبغداد ، ولهذا يسعى لفوز علاوي واستمراره بعدما أثبت ولاءه في خدمة الاحتلال .<BR><BR>ويبدو أن الخيار المتوقع سيكون "خياراً توافقياً" بين الشيعة (تيار السيستاني) والاحتلال بهدف تلبية مصالح الطرفين والموازنة بينها .. فكلاهما له مصلحة في عدم الصدام في هذه المرحلة التي يتعاظم فيها دور الجيش الإسلامي السني في العراق، والذي خلق تقريباً نوعاً من التوازن في العراق مع الميليشيات الشيعية القادمة من إيران .<BR><BR>وكلاهما يدرك أن الصدام معناه فشل خطط كل طرف للسيطرة على الحكم وتنفيذ مصالحه الخاصة ، كما يدركان أن صراعهما في صالح دول الجوار السنية (دول الخليج وسوريا) ويتعارض مع هدف أمريكا تجاه إيران ، التي تخشى في حالة الدخول في صراع مع شيعة العراق أن يقوي هذا إيران الشيعية ويجهض خطط حصار إيران .<BR>وربما لهذا يغض مسؤولو الانتخابات الطرف عن استغلال أنصار علاوي للسيارات الحكومية والطائرات وأموال الحكومة في الدعاية لقائمته الانتخابية ، وعن قيام جماعة السيستاني – كما قال فريد ايار (المتحدث باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق) باستغلال صور زعماء دينيين شيعة في ملصقات انتخابية بالمخالفة للقواعد الانتخابية !! <BR><BR>الانتخابات قد لا تكون كلها بالتالي شراً .. فهي ستفضح الاحتلال في نهاية الأمر وتظهر شرعيته منقوصة ، كما ستكشف مخططات الشيعة والأكراد الحقيقية في العراق ، وتفضح بشكل أوضح أنصار الاحتلال الذين سيتكالبون على المناصب ، ما يسمح بفرز صحي أكثر للقوي الوطنية العراقية عن أعوان الاحتلال ويصعد المقاومة.<BR><br>