رفيق الحريري.. رجل المال والسياسة
6 محرم 1426

يعد رفيق الحريري، من أهم الأسماء التي لعبت دوراً بارزاً ومؤثراً في لبنان بعد الاستقلال وخروج القوات الإٍسرائيلية منه، ومن أهم الرموز الاقتصادية والسياسية والشعبية، التي حظيت بالاحترام والتقدير خلال مسيرة يراها معظم اللبنانيين وغيرهم أنها كانت تخدم لبنان بالدرجة الأولى.<BR><BR>وعلى الرغم من اشتغاله بالسياسة على مدى سنوات طويلة، إلا أنه كان أحد رموز الأعمال ورجال الاقتصاد اللبنانيين، الذي استطاع أن ينشئ لمؤسساته مكانة بالغة الأهمية في لبنان الجديد.<BR><BR><font color="#0000ff">رجل المال والعمل:</font><BR><BR>ولد رفيق الحريري في مدينة صيدا الواقعة في الجنوب اللبناني، عام 1944م.<BR>وعمل في مجال المال منذ صغره، حيث كان يعمل "محاسباً" في بيروت، خلال دراسته الجامعية في كلية التجارة بجامعة بيروت العربية، قبل أن ينتقل للعمل في المملكة العربية السعودية، عبر (إعلان) قرأه في جريدة ذات مرة.<BR>وبعد أن عمل في التدريس برهة من الزمن، عاد الرجل الاقتصادي الجامعي للعمل في مجال المحاسبة في السعودية.<BR>وفي عام 1970م، دخل في مغامرة اقتصادية، في عالم المال والأعمال، عندما أسس شركة صغيرة أسماها "سيكونيست"،<BR>وقد عمل خلال وجوده في السعودية بنشاط وهمة، مكنته من أن يقود شركته للانضمام إلى شركة (أوجيه) الفرنسية الكبيرة عام 1977م، عبر مغامرة جديدة، لإقامة فندق في مدينة (الطائف) السعودية.<BR>ولاقى أول نجاحاته على الصعيد العالمي عندما أسس شركة (سعودي أوجيه)، التي ولدت بدمج شركة "سيكونيست" مع "أوجيه".<BR>وخلال عام 1987م، حصل رفيق الحريري على الجنسية السعودية.<BR><BR>وخلال السنوات اللاحقة، استطاع الحريري أن ينشئ العديد من المراكز الاقتصادية الهامة، منها فندق انتركونتيننتال في مكة المكرمة، مركز الشروق الحكومي في الظهران، المركز الحكومي في الرياض بتكلفة 3 مليارات ريال سعودي، مشروع "الفا" في الرياض، فندق "المسرة" الدولي في الطائف، المدينة الحكومية في الدمام، وقصر الأمويين في دمشق، والاستثمارات العقارية التي تتجاوز المنطقة العربية إلى أوروبا، والامتداد تباعاً إلى القطاع المصرفي العربي عبر الملكية التامة لمجموعة البحر المتوسط التي تضم "بنك البحر المتوسط" و"البنك اللبناني السعودي" وملكية بنسب متفاوتة لأسهم في بنوك عربية وأوروبية منها "البنك العربي" و"اندوسويز" واستثمارات موازية في القطاع المالي والأوراق المالية المصدرة في البورصات العالمية والعائدة لمؤسسات تعمل في حقول مختلفة، واستثمارات سياحية على غرار فنادق "شيراتون" في السعودية، ثم الاستثمارات الإعلامية التي بدأت بتأسيس شبكة تلفزيون "المستقبل" وشراء "إذاعة الشرق" التي تبث من باريس منذ عام 1981م، وامتلاك امتياز مجلة "المستقبل" وجريدة "صوت العروبة" وإصدار جريدة "المستقبل" وامتلاك نسبة أسهم في دار "النهار" العريقة.<BR> وآخر الاستثمارات المعلنة الإسهام بتأسيس الشركة العربية القابضة في سورية برأس مال قدره 100 مليون دولار بالاشتراك مع ثلاث مجموعات سعودية كبرى.<BR><BR><font color="#0000ff">الحريري .. شعبية واسعة في الداخل:</font><BR>بالنسبة لبعض ما قدمه الحريري في لبنان، إنشائه في عام 1979م "مؤسسة الحريري"، وهي منظمة لا تبغي الربح ساهمت في تعليم أكثر من 30 ألف طالب لبناني في الجامعات الرسمية والخاصة في لبنان وفي جامعات أوروبا وأميركا.<BR>كما تؤمن المؤسسة أيضاً خدمات صحية واجتماعية وثقافية.<BR><BR>ومع تغليب شخصية السياسي على شخصية رجل الأعمال، بدأ التحول في شخصية الحريري والاهتمام بالشؤون اللبنانية مبكراً أيضاً، وبدأ ظهوره "السياسي" على ساحة الأحداث عام 1982م، لكن من الباب الاقتصادي.<BR><BR>فبعد أن انتهى النزاع المسلح في لبنان، تولى رفيق الحريري إصلاح بلدته نفسه، لمسح ما لحق بها من آثار وأضرار خلال الاجتياح الإسرائيلي والصراع اللبناني الداخلي.<BR>وقام بتعمير أجزاء رئيسية من مدينة بيروت، كما تولى إصلاح مدينة طرابلس (ثاني أكبر مدينة في لبنان).<BR><BR>وبعد الشعبية الكبيرة التي حضي بها، أدار الحريري معركة انتخابات نيابية على امتداد لبنان عبر تيار سماه (المستقبل).<BR><BR><font color="#0000ff">سنوات السياسة: </font><BR>في العام 1983م قام بمساع كبيرة بين مختلف فرقاء النزاع لوقف الاقتتال، وأسهمت جهوده وجهود الآخرين في العام 1987م لعقد مؤتمري جنيف ولوزان، سعياً لتوطيد وفاق وطني لبناني جديد.<BR>وفي العام 1989م أصبح مهندس (اتفاق الطائف) الذي وضع حداً للحرب الأهلية، وأرسى مبادئ الوفاق الوطني، وقد لقي هذا الاتفاق الذي أبرمه مجلس النواب اللبناني ورعته جامعة الدول العربية، دعم الأسرة الدولية بمجملها.<BR><BR>وفي عام 1992م، عين رئيساً للوزراء، حيث شكل حكومته الأولى التي حظيت بموافقة الأكثرية في لبنان، ونشط من خلالها في إقامة علاقات أكبر مع الدول العربية والغربية.<BR>وبسبب الثقة التي أولي لها من قبل اللبنانيين، وعلاقاته الجيدة مع دول الجوار، وبالأخص سوريا، وبسبب ترتيبات داخلية لبنانية، استمر الحريري في منصبه، حيث عهد إليه تشكيل الحكومة اللبنانية الثانية عام 1995م.<BR>واستطاع خلال مدة ترأسه للحكومة اللبنانية، من الحصول على دعم كبير من قبل دول أوروبية للبنان، من بينها فرنسا، كما ساهم في تأمين قروض مالية ضخمة للبنان من مجموعة دول أوروبية وعربية، عبر علاقات شخصية وسياسية.<BR><BR>وفي عام 2000م، أعيد مرة أخرى إلى منصب رئيس الحكومة، بعد أن كان وزيراً للاتصالات.<BR>وبقي في منصبه، إلى أن قدم استقالته خلال 2004م، بعد خلافات مع دمشق، حول تمديد مدة ولاية (الرئيس اللبناني الحالي) أميل لحود.<BR><BR>يحتفظ الحريري بعلاقات وطيدة ومميزة مع عدد من قادة الدول العربية والأجنبية، منها علاقته السابقة مع (الرئيس السوري الراحل) حافظ الأسد، ومنها علاقته المميزة جداً مع أخيه المبعد رفعت الأسد، الذي تربطه به علاقات وطيدة، ومنها علاقاته مع الأسرة الحاكمة في السعودية، كالأمير عبدالله بن عبد العزيز (ولي عهد المملكة العربية السعودية). <BR>وعلاقة حميمة مع (الرئيس الفرنسي) جاك شيراك، وغيرها.<BR><BR><font color="#0000ff">أشهر المعارضة القليلة: </font><BR><BR>خلال أيامه السياسية الأخيرة، دخل الحريري في منافسة مع الرئيس لحود، وبدأ بانتقاد النظام السوري الذي دعم تمديد لحود، متهماً دمشق بحكم لبنان والتدخل في شؤونها، بعد سنوات طويلة من العلاقات الحميمة.<BR><BR>وقد دخل الحريري في مفاوضات مع الرئيس لحود، ومع (رئيس المجلس النيابي) نبيه بري، دامت أكثر من شهر، لم تصل خلالها إلى نتائج إيجابية.<BR>وهو ما ساهم في تقديم إعلان الاستقالة.<BR>ووجد الحريري نفسه مضطراً لإعادة بحث وجوده السياسي في لبنان كنتيجة طبيعية لخلافه مع الرئيسين لحود وبري وهو خلاف حول إدارة البلاد، وأسلوب تشكيل حكومة (تحديات).<BR><BR>وشكلت الاستقالة الأخيرة للحريري، ضغطاً آخر على سوريا، إذ جاءت بعيد صدور القانون رقم 1559، الذي يطالب فيها مجلس الأمن القوات السورية، بالانسحاب من لبنان.<BR><BR>وخلال تحركه الأخير، بدأت بعض التيارات المعارضة اللبنانية تتحدث عن انضمام الحريري لها، وعن وقوفه في وجه التيار السوري داخل لبنان.<BR>إلا أن التحركات السياسية له على هذا الصعيد لم تكن قد ظهرت بعد.<BR><BR>وجاءت عملية اغتياله اليوم، لتثير العديد من التساؤلات، ولتفتح ملف التدخل السوري في لبنان على أوجه، بعد توقعات بأن تشهد الساحة اللبنانية اتهامات واسعة ضد الوجود السوري في لبنان على خلفية اغتياله.<BR>ومن المرجح أن تستغل شخصيات لبنانية معارضة هذه الحادثة، لإلقاء اللوم على سوريا، واتهامها بالوقوف خلف اغتيال الحريري، والمناداة بتطبيق القرار الدولي رقم 1559، الخاص بضرورة انسحاب القوات السورية من لبنان.<BR><br>