فلسطين والاحتلال.. مكانك سر!
1 صفر 1426

باستثناء الحوارات الداخلية المكثفة، وما تلاها في ما حدث في قمة شرم الشيخ من إعلان رسمي متبادل لوقف اطلاق النار، والتهدئة الجارية في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي لم ترق بعد حتى إلى الحال التي سارت إبان الهدنة المعلنة خلال مدة رئاسة أبي مازن للوزراء في يونيو 2003م، لم يشعر الفلسطينيون بأي تغيير جدي ملموس على حياتهم منذ انتخاب (الرئيس الجديد) محمود عباس.<BR><BR>على الصعيدين الداخلي والخارجي ما زالت الأوضاع الفلسطينية تراوح في مكانها، فالحكومة ولدت عبر مخاض عسير في ظل ضغوط عنيفة من المجلس التشريعي كي تكون حكومة إنقاذ وطني وليست كالتي قدمها أبو علاء في الجلسة الأولى مساء 21 فبراير الماضي، وكان قد استغرق في تشكيلها أكثر من خمسة أسابيع، وهي المدة القانونية الممنوحة له دستوريا لتشكيل حكومة، لم تختلف كثيراً عن أي حكومة سابقة، وكأنها تعديل وزاري شمل تنقلاً بين الوزارات وإضافات قليلة لم تحقق الطموح، والرهان على مرحلة جديدة وعدت حركة فتح و مرشحها محمود عباس الناخبين والجمهور الفلسطيني ببدئها.<BR><BR>من الواضح أن بعض أعضاء المجلس التشريعي يريدون إظهار أهمية دورهم وإمكانية أن يضغطوا على الحكومة أو السلطة التنفيذية، أملاً في إعادة انتخاب من ينوي ترشيح نفسه مجدداً منهم في الانتخابات المقبلة.<BR><BR>كما يبدو أن المجلس التشريعي عبر جدله العميق حول الحكومة، وإجباره قريع على تغييرها خلال مدة وجيزة، يحاول أن يستعيد دوره المهمش منذ تأسيسه لصالح السلطة التنفيذية، والتي كان يهيمن عليها شخص (الرئيس الراحل) ياسر عرفات.<BR><BR><font color="#0000FF"> "فتح" تجدد نفسها: </font><BR>ولكن في ضوء حالة المنافسة الشديدة التي تشهدها الساحة الفلسطينية بين فتح وحماس على أصوات الناخبين، مع قرب الموعد المحدد لانتخابات المجلس التشريعي، وكذلك الانتخابات البلدية، فإن فتح وجدت نفسها أمام خيارات محدودة، إذ عليها تجديد نفسها وإقناع الناخب الفلسطيني أن ثمة شيئاً يتغير في هذه الحركة، وأن هناك توجهاً جدياً نحو الإصلاح، ويبدو أن هذا السبب نفسه الذي أخرج المئات من كوادر هذه الحركة في غزة مؤخراً أمام المجلس التشريعي للمطالبة بإقصاء قريع، وتشكيل حكومة تكنوقراط جدية، تنقذ ما يمكن إنقاذه من سمعة الحركة وأدائها خلال الأشهر القليلة المتبقية حتى شهر يوليو المقبل، الموعد المقرر لإجراء الانتخابات التشريعية، وكذلك الانتخابات البلدية في البلديات الكبرى.<BR><BR>ويبدو أن حكومة فتح ارتأت، بعد عقد مجلسها الثوري، الذي تلا الهزيمة التي منيت بها في انتخابات المرحلة الأولى من البلديات في غزة والضفة، ضرورة تحقيق خطوات إصلاح جدية يلمسها المواطن الفلسطيني وشكلت لذلك عدة لجان، سواء لاختيار المرشحين أو لضبط الوضع التنظيمي والاستعداد للمؤتمر السادس المقرر عقده في أغسطس القادم، ومن المرجح أن تحاول الحركة تمديد موعد إجراء الانتخابات التشريعية إلى ما بعد هذا المؤتمر تحت العديد من الأسباب المقنعة، وربما غير المقنعة والتي تصب بالنهاية في محاولة دؤوبة للظهور بمظهر جديد غير الذي ألفها به الجمهور الفلسطيني، فهي أمام أمرين، إما تكريس الفصل بينها وبين السلطة وهو أمر صعب في هذه المرحلة، التي تسيطر فيها على كل شيء أو تحاول استغلال هذه السيطرة عبر تحقيق بعض الإنجازات على الصعيد الداخلي أو الخارجي من أجل كسب رضا المواطنين.<BR><BR>في ضوء هذه المحاولات تتعثر الخطوات هنا وهناك فمنذ التاسع من يناير الماضي، حين انتخب أبو مازن، لم تهدأ الساحة الفلسطينية الداخلية، وخاصة في حوادث الانفلات الأمني والتي كان أبرزها خلال هذه الأسابيع القليلة اقتحام سجن غزة المركزي وقتل ثلاثة من المعتقلين فيه، وإغلاق إحدى العائلات الفلسطينية لشوارع مدينة غزة الرئيسة بعد مقتل أحد أبنائها في شجار مع عائلة أخرى، واحتلال مبنى المجلس التشريعي في غزة من قبل بعض المتظاهرين من عائلات قتل أبناؤها في حوادث متفرقة في غزة، وأخيراً مقتل ضابط في جهاز الاستخبارات العسكرية بعد خطفه في غزة، فيما تواصلت عملية الاعتداء على الصحفيين بخطف وضرب ثلاثة صحفيين يعملون في إذاعة محلية وسط احتجاج كبير في الوسط الصحفي على تزايد عملية الاعتداء عليهم دون كشف أو اعتقال الفاعلين في أي حادثة.<BR><BR>ورغم محاولة أبي مازن إظهار نوع من الحسم في هذه القضايا عبر إرساله ملفات المحكومين بالإعدام إلى المفتي، وتسرب معلومات بنيته المصادقة على هذه القرارات، والتي يمس بعضها عددا من المتهمين بالتخابر مع الاحتلال والتسبب في مقتل فلسطينيين أو المحكومين بالإعدام على خلفية حوادث قتل داخلية، إلا أن الكثير من حالات تجاوز القانون لم يجر الحديث عنها بعد، وبعضها يتعلق بمتهمين من العاملين في أجهزة أمنية، وهي لا تزال تسبب غصة في محاولات الإصلاح التي يحاول القيام بها.<BR><BR>وقد اتهم العميد صائب القدوة (مدير المحاكم العسكرية في فلسطين) جهات لم يسمها بأنها تسعى لإبقاء حالة الانفلات الأمني عبر توفير الحماية للمتجاوزين، وطالب بتكريس مبدأ سيادة القانون للجميع.<BR>أيضاً لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بين السلطة والفصائل، سواء بوثيقة شرف أو برنامج سياسي تجمع عليه كافة الأطراف ما يجعل من إمكانية الخلاف قائمة في أي لحظة وتهدد بإفشال أي محاولات سياسية قد يقوم بها أبو مازن رغم ما أعلن عن اتفاق بين الفصائل بعدم القيام بخطوات أحادية قبل إجراء الانتخابات التشريعية يمكن أن تمس بمجمل المستقبل الفلسطيني.<BR><BR>يبدو أن في الأفق بوادر اتفاق فلسطيني - فلسطيني قادم من مصر، خاصة بعد الإعلان المفاجئ عن استئناف الحوار في القاهرة رغم تركز الحوار المدة السابقة في غزة، ما يشير إلى أن الضغوط التي تواجهها بعض الدول الإقليمية، وخاصة سوريا بعد اغتيال (رئيس الوزراء اللبناني السابق) رفيق الحريري قد أدت إلى تحريك الحوار في الخارج بما يصب بمزيد من التقارب بين الفصائل المعارضة، خاصة الموجودة في سوريا مثل حماس والجهاد والجبهات المختلفة وبين السلطة الفلسطينية وتحديداً حركة فتح، ولكن برعاية مصرية هذه المرة قد تتوج باتفاق واضح المعالم يتضمن برنامجاً سياسياً ملزماً للجميع وممهداً للانتخابات المقبلة، التي ستكون العامل الحاسم في قضية الشراكة السياسية بالحجم الحقيقي لكل فصيل.<BR><BR><font color="#0000FF"> تحسن شكلي: </font><BR>أما على الصعيد الخارجي، أو المتعلق بالعلاقة مع الاحتلال "الإسرائيلي"، فما حصل لم يتعد حتى الآن الأمور الشكلية، سواء بإعادة جثامين 15 من الشهداء إلى ذويهم أو إعادة 16 مبعداً من أصل 54 موجودين في غزة إلى الضفة الغربية أو بإطلاق سراح 500 أسير وفق المعايير "الإسرائيلية" أو يفتح سن السفر لمن هم دون الخامسة والثلاثين من العمر وفوق السادسة عشرة.<BR><BR>فما زالت الحواجز العسكرية تجثم على صدور المواطنين، وتحد من حركتهم اليومية، وتفصل بين المواطن وعمله وبين الأخ وأخيه وحملات الاعتقال مستمرة وإن كان بأعداد أقل عما كانت قبل الإعلان المزعوم عن وقف إطلاق النار، فيما قل عدد الشهداء الفلسطينيين بشكل واضح رغم أن جنازاتهم لا تزال تسير في الشوارع الفلسطينية بين الفينة والأخرى وبرصاص "إسرائيلي" متعمد أو طائش، ومازالت التوغلات مستمرة في نابلس ورفح وخان يونس وغيرها من المدن، ولم تسلم بعد أياً من المدن الخمس التي جرى الاتفاق عليها في شرم الشيخ، ولم يطلق سراح أسير واحد من المعتقلين قبل اتفاق أوسلو أو أي أسير يخالف المعايير "الإسرائيلية"، ولم يعد مبعدو كنيسة بيت لحم، ولم توقف قوات الاحتلال مطاردتها لمن تصفهم بالمطلوبين، ولم يجر أي حديث جدي حول القضايا السياسية، فشارون يسير وكأنه لا يوجد شريك فلسطيني، تماماً كما في مدة الراحل ياسر عرفات، إذ صوتت حكومته على انسحاب أحادي من القطاع. وعلى استمرار بناء جدار الفصل العنصري مع تعديله، بل وزاد على ذلك بإعلان البناء في مستوطنة غوش عتصمون في الضفة الغربية، ما يجعل من إجراءات ما يسمى بناء الثقة حبراً على ورق.<BR><BR><font color="#0000FF"> مرحلة انتقالية: </font><BR>مع كل هذا التعثر، في الملفين الداخلي والخارجي بالنسبة للواقع الفلسطيني، إلا أنه من غير المستبعد أن تشهد المنطقة حالة من الإنطلاق المفاجئ في العديد من القضايا، سواء داخلياً، عبر اتفاق وطني كامل في القاهرة، سواء داخلياً عبر اتفاق وطني كامل في القاهرة، أو على صعيد الانتخابات والترميم الداخلي مع الحكومة الجديدة، التي يراد لها تحقيق بعض ما جاء في برنامج أبي مازن الانتخابي في الأشهر القليلة القادمة قبل الانتخابات التشريعية، وكذلك على الصعيد "الإسرائيلي" إذ ربما تسرع "إسرائيل" من وتيرة انسحابها من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، وتسلم مدنا عدة للسلطة الفلسطينية على الأقل في مناطق "أ"، وربما أجزاء من مناطق "ب" بما يشكل دافعاً لتيار أبي مازن خلال الانتخابات القادمة، إلا أنه من المؤكد أن شارون أو أبا مازن أو حتى الفصائل وحركة حماس تحديداً، لا يرغب أي منهم في التوصل إلى اتفاق شامل في هذه المرحلة، التي لا يتمتع فيها أي من الأطراف بالإمكانية المطلقة للحسم وكل ما تحتاجه هذه الأطراف هو مرحلة انتقالية لبلورة مواقف واضحة للمرحلة القادمة، والتي قد نشهد تصعيداً في المواجهة أو تهدئة لأعوام أخرى قد تقل أو تزيد قليلاً عن أعوام أوسلو السبعة.<BR><br>