حماس والانتخابات التشريعية : سر المشاركة !
3 صفر 1426

جاء قرار حركة حماس بالمشاركة في فعاليات الانتخابات التشريعية الفلسطينية المزمع إجراؤها خلال شهر يوليو 2005م مثيراً للدهشة لدى كثير من المراقبين، الذين وصفوا القرار الذي أعلنه (القيادي في الحركة) محمد غزال خلال احتفالية بنابلس بالضفة الغربية يوم السبت 12/3 تطوراً هاماً لمسار حماس السياسي.<BR><BR>ويأتي قرار المشاركة انطلاقاً من حرص الحركة على تعزيز نهجها في خدمة الشعب الفلسطيني في إطار سعي حماس مع القوى الفلسطينية الأخرى في حماية حقوق ومكتسبات الشعب الفلسطيني، والإسهام في بناء مؤسسات الوطن ومعالجة أوجه الفساد والخلل التي تسود في بعض مناحي الحياة الفلسطينية، والإسهام في تحقيق الإصلاح المنشود حسبما قال غزال.<BR><BR>ويمثل قرار حماس الاستراتيجي رؤية واقعية للحركة التي أكدت على عدم تخليها عن خيار المقاومة بإعلانها عدم قبولها بالتحول إلى حزب سياسي، وذلك لضمان ثباتها في مواقفها التي لا تقامر على الحقوق الفلسطينية الثابتة والمدرجة في برامج الحركة الأساسية حسبما أشار بيان الحركة، ومن ثم فإن مزاوجة حماس بين المقاومة المسلحة ضد المحتل وبين العمل السياسي يمثل تطوراً هاماً للحركة يضعها على الطريق الصحيح كما يفعل حزب الله على الساحة اللبنانية.<BR><BR><font color="#0000FF">خلفيات القرار: </font><BR>وفي الحقيقة لم يكن قرار حماس دخول المجلس التشريعي قراراً سهلاً، بل كان قراراً صعباً احتاج منها شهوراً كثيرة حتى وصلت إلى قرار دخول مؤسسة المجلس التشريعي، وجاء القرار معبراً عن رأي أغلبية مؤسسات الحركة في الداخل وفي الخارج وفي الضفة وغزة وجميع الأراضي الفلسطينية، وحتى المعتقلين والأسرى المنتمين للحركة.<BR><BR><font color="#0000FF">أوسلو ليست مرجعية القرار: </font><BR>وقد أثار القرار بعض التساؤلات المشروعة وغير المشروعة، حيث رفضت حماس المشاركة في الانتخابات التشريعية الوحيدة التي جرت في عام 1996م متذرعة بأنها تأتي في ظل اتفاق أوسلو الذي أفرغ القضية الفلسطينية من مضمونها إلا أن قرار حماس وكما أكد قيادياها: سعيد صيام ومحمد غزال لوكالات الأنباء العالمية لن يكون مظلة لاتفاق أوسلو أو تحت مرجعيته ، لذلك أكدت حماس أنها لا تستند في موقفها إلى أوسلو، وانتقدت الحركة مجرد الحديث عن أوسلو الآن بعد أن استعاض حتى موقوعه من السلطة الفلسطينية بمرجعيات أخرى كاتفاق الخليل واتفاق واي بلانتيشن، ثم تفاهمات ميتشل وخطة تينت .. ثم اتفاق شرم الشيخ الكارثي مؤخراً ، والتي أكدت جميعها أن الطرف الصهيوني لن يقدم أية تنازلات على صعيد القدس واللاجئين والدولة المستقلة وحق تقرير المصير وإنهاء الاستيطان.<BR><BR>كما أن موقف حماس يتوافق تماماً مع الواقع الفلسطيني الحالي (تمثلاً بأن الفتوى تختلف زماناً ومكاناً وحتى أشخاصاً)، حيث كان دور المجلس التشريعي عام 1996م مخصصاً لشرعنة ما تمليه عليه السلطة السياسية لاسيما أن معظم حركة فتح أو حزب السلطة ستحمي مشروعها السِّلْمي من خلال هذا المجلس؛ وبات واضحاً أن دخول حماس في هذا المجلس يعني تشريعاً لاتفاق أوسلو وتأميناً على مقرراته واعترافه بالكيان الغاصب وبأحقيته بثلثي أرض فلسطين .<BR><BR>أما الآن فقد بات واضحاً أن المجلس التشريعي بعد انتفاضة الأقصى لم يكن ذا تأثير في مسيرة التفاوض، وأنه كان مسيّراً بإرادة حزبية ذات مصالح للصمت عن كل أخطاء التفاوض وعن كل الفساد في السلطة رغم أن بعض الأعضاء حاولوا أن يعطوه دوره "الشرعي" في مجال الرقابة والمحاسبة السياسية والاقتصادية والأمنية لكن بلا جدوى .<BR>كما استغلت حماس من خلال فقهها للواقع الفلسطيني التعديلات الأخيرة في القانون الانتخابي وفي طبيعة المجلس التشريعي وفي زيادة عضويته بحيث بدا أنه لم يعُد يتحرك عبر مرجعية بنود أوسلو التي تنص على عضوية محددة مما يعني أنه يمارس سلطة خاصة به كان على حماس أن تلقط تلك الورقة لممارسة دورها الوطني في الرقابة والمحاسبة ومواجهة الفساد المتصاعد في السلطة الفلسطينية يوماً بعد يوم.<BR><BR><font color="#0000FF">الجمع بين المقاومة والعمل السياسي: </font><BR>ولعل القراءة الدقيقة لقرار حماس تنم عن نجاح الحركة في المزاوجة بين العمل السياسي والاجتماعي الهادف لخدمة الشعب الفلسطيني وحماية حقوقه وبين الجهاد المسلح ضد العدو الصهيوني إذ إن حركة حماس أصبحت حركة كبيرة وذات امتدادات شعبية ضخمة، وقد أثبتت قدرتها الاجتماعية ووضعها السياسي في المرحلة والأولى والثانية من الانتخابات البلدية في الضفة والقطاع، ومن ثم فإن من حق الشعب الفلسطيني الذي يقدم الشهداء يومياً على حماس ومشروعها الجهادي أن تمارس دورها في حمايته سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وأمنياً، كما مارست دورها في مواجهة الاحتلال والعدوان الصهيوني، لاسيما أن الانفلات الأمني بلغ مداه وتدعمه حالة الفساد المستشرية في أوساط السلطة وكلاهما "أي الانفلات والفساد" يأكل مقدرات الناس وأقواتهم ويعتدي على أمنهم واستقرارهم كما يفعل الاحتلال . إذ لا يُعقل أن تقدم حماس كل هذه الدماء بينما لا تستطيع أن توقف أي اتفاق سياسي ظالم تقوم به سلطة تمثل تياراً واحداً لدى الشعب الفلسطيني يؤمن بالحل السلمي وسياسة التنازلات ؛ لأنه فقط هو السلطة الشرعية المعترف بها أمام العالم !<BR><BR><font color="#0000FF">الاختبار الحقيقي في يوليو: </font><BR>ويظل قرار حماس الذي اتخذته بعد دراسة طويلة –والذي رحبت به السلطة الفلسطينية ذاتها-محل اختبار حتى موعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية ، إلا أن القرار يفرض على حماس تفعيل قدراتها السياسية للتفاعل مع استحقاقات قرارها .<BR>من توضيح برنامجها السياسي ومواجهة الاتهامات العالمية التي تضعها تحت طائلة ما يسمونه قانون مكافحة الإرهاب ، وفي حالة نجاحها في الانتخابات فعليها أن تحقق التوازن بين العمل السياسي في إطار المجلس التشريعي وبين مقاومة الاحتلال الصهيوني وأن تخلق حالة انسجام بين السلطة والمقاومة، كما عليها أن تعمل على صياغة واقع سياسي جديد يمنع السلطة من الانحدار ويرفع سقفها التفاوضي إلى سقف " الحقوق الفلسطينية" ، ويحقق رقابة صارمة على أداء السلطة السياسي والأمني والاقتصادي وفي كافة المجالات . <BR><BR>ويبقى الاختبار الأهم الذي يحاول كثير من المناوئين لها على جرها إلى نفق التحول لحزب سياسي تمهيداً لضمها للسلطة الفلسطينية لفرض التزامات السلطة عليها ، الأمر الذي ترفضه حماس على طول الخط ، وذلك في ضوء مرونتها وحنكتها السياسية في التهدئة والتصعيد والحوار مع السلطة وعدم تقديم تنازلات تضر بالحقوق والثوابت الفلسطينية. <BR><br>