تصدير الحضارات على ظهور الدبابات
10 جمادى الثانية 1426

من الشبه التي تثار على دين الإسلام بين فينة وأخرى هو أنه دين أُجبر الناس على اعتناقه بحد السيف، وقد كتب علماء الإسلام ومفكروه في رد هذه الفرية ما يكفي.<BR>وحسب القارئ الكريم أن يعلم أن الإسلام رغم الاستضعاف الذي نزل بأهله في هذه الأزمان هو أكثر الديانات انتشاراً وفقاً للإحصائيات، وأنى لمحمد _صلى الله عليه وسلم_ وهو رجل واحد بين أمم أهل الكتاب والمجوس والمشركين أنى له أن ينشر دعوته بالسيف بينهم، بل كيف يفعل ذلك أتباعه في أول أمرهم ولم يزل الأمر بكف الأيدي عن القتال يتنزل على رسولهم _صلى الله عليه وسلم_ قبل فرضه، نعم فرض القتال بعدُ ولكن ما كان لينتشر في أول أمره ولاحقه إن لم تكن لدعوته مقومات القبول والانتشار بين الناس، وإذا تأملت تلك الملاحم التي حدثت في عهد النبوة وقريب منها وجدت أن عسكر الإسلام وجند القرآن هم الأقل عدة وعدداً ومع ذلك فقل أن تكون دائرة إلاّ لهم وهذا يفيد بأن سبب نصرهم أمر زائد على حد السيف.<BR><BR>وقد دخل الإسلام أقطار آسيا الشرقية وغيرها من الأمم الأوربية مع أنه لم يصل إلى تلك الأصقاع جنود وعساكر! ولعلك اليوم لا تجد دولة في أرض الله ليس فيها مسلم، بل قد عهد في التاريخ الإسلام أمراً عجباً لعله لم يعهد في تاريخ الديانات الأخرى وهو دخول الغزاة المتغلبين على المسلمين في دين الله أفواجاً كما حصل أيام الغزو التتري على بلاد المسلمين.<BR><BR>وأنبه هنا إلى أن المسلمين لا ينكرون أهمية السيف والقتال، بل هم يعلمون أن القتال فريضة مكتوبة عليهم مع أنه كره كما قال الله _تعالى_: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم"، وهذا الجهاد قد يكون لحماية نفوذ الدولة المسلمة ورد الصائلين عليها، كما قد يكون لأجل تبليغ الدين إلى الأمم والشعوب التي حال ساستها دون بلوغ دعوة الحق إلى أهلها، فأهل الإسلام يرون أن استنقاذ تلك الشعوب واجب مناط بهم وإن أزهقت في سبيل ذلك أرواحهم مع أرواح الطغاة الحائلين بين الحق وعموم الناس، وكم من دواء قد كان مراً.<BR><BR>وهذان النوعان من الجهاد هما اللذان يسميهما فقهاء الإسلام بجهاد الدفع وجهاد الطلب.<BR>أما جهاد الدفع فلا يكاد يعارضه معارض بل هو غريزة جبل الله جميع الحيوانات عليها.<BR>وأما جهاد الطلب فمن شرطه عند أهل الإسلام أن يكون في سبيل الله، لأجل إعلاء كلمة الله والتي لا يعوز أهل الإسلام إثبات أنها الأصلح والأجدر بالسيادة، فجهاد الطلب لايشرع في قانون الإسلام لأجل تحصيل مصالح دنيوية أو مكاسب مادية باستغلال ثروات الشعوب وطاقاتها، وقد تُوعد من قاتل مع المسلمين فغل شملة بالنار، وقد سئل نبينا _صلى الله عليه وسلم_ عن الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، والرجل يقاتل حمية، فبين أن من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو الذي في سبيل الله. وقد حذر علماؤنا _رحمهم الله_ كما حذرت نصوص الشريعة من إرادة الإنسان بعمله الدنيا. ولهذا وغيره لا يبادر أهل الإسلام بالقتال قبل أن يُعرض منهج الإسلام ويُدعى إليه، فإن رضيه الآخر كان أخينا له مالنا يحرم دمه وعرضه وماله، وإن لم يرضه ولكنه أذعن لحكمه ولم يحل دونه ودون بلوغه غيره فهو في ذمة الله التي يتوجب على المسلم حفظها ورعايتها.<BR><BR>ولعل مبدأ القتال –من أجل إيصال الخير للناس وفقاً لما سبق- مبدأ نصت عليه كتب أهل الكتاب قبل كتب أهل الإسلام، كما أنه هو الواقع الذي حكمت به البلاد الشيوعية الحمراء أراض ممتدة عبر التاريخ الحديث ولكن وفقاً لرأي ذويها القاصر، كحال أدعياء الحرية والديمقراطية اليوم.<BR><BR>أما النصارى فنقلوا عن المسيح _عليه السلام_ كما في إنجيل متى، ما نصه: "لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً، بل سيفاً، وإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيته. من أحب أباً أو أماً أكثر مني فلا يستحقني، ومن أحب ابناً أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني، من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها"، وعلى كل حال يغننا عن هذا النص واقع الحروب التي شنت باسم المسيح على ديار الإسلام بل على شعوب الأرض، وكذلك معركة هرمجدون التي يروج لها بعض متدينيهم في الحاضر. وأما التوراة فشواهد تشريع القتال فيها أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تذكر.<BR><BR>ومن جيد أبيات الحكمة المعاصرة قول الأمير:<BR><DIV align=center> <TABLE width=450 align=center border=0 cellPadding=0 cellSpacing=0> <TBODY><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA">وَالشَرُّ إِن تَلقَهُ بِالخَيرِ ضِقتَ بِهِ</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>ذَرعاً وَإِن تَلقَـهُ بِالشَرِّ يَنحَسِمِ</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>سَلِ المَسيحِيَّةَ الغَرّاءَ كَم شَرِبَت</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>بِالصابِ مِن شَهَواتِ الظالِمِ الغَلِمِ</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>طَريدَةُ الشِركِ يُؤذيها وَيوسِعُها</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>في كُلِّ حينٍ قِتـالاً ساطِعَ الحَدَمِ</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>لَولا حُماةٌ لَها هَبّوا لِنُصرَتِها</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>بِالسَيفِ ما اِنتَفَعَت بِالرِفقِ وَالرُحَمِ</SPAN> </TD> </TR></TBODY> </TABLE> </DIV><BR>وأما تاريخهم فما أشد ممراته حتى قال بعض باحثيهم: إن أعداد المسيحيين الذين قتلوا بالتعذيب في عهد الإمبراطور دقلديانوس الروماني [حكم 248-305] يقدر بأكثر من مليون مسيحي إضافة إلى المغالاة في الضرائب التي كانت تفرض على كل شيء حتى على دفن الموتى، لذلك قررت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر تسمية ذلك العهد بعصر الشهداء، وأرخوا به التقويم القبطي تذكيرا بالتطرف المسيحي. وأشار الباحث إلى الحروب الدموية التي حدثت بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا، وما لاقاه البروتستانت من العذاب والقتل والتشريد والحبس في غياهب السجون إثر ظهور المذهب البروتستانتي على يد مارتن لوثر الذي ضاق ذرعاً برجال الدين الذين احتكروا تفسير النصوص وتقسيم صكوك الغفران. وقد كتبت لنا يد التاريخ صراعات المسيحية بين كنيسة الإسكندرية وكنيسة روما والقسطنطينية، الأمر الذي انتهى إلى انقسام الكنيسة بعد مؤتمر الكلدونية عام 451م وخلال حكم الإمبراطور البيزنطي مرقيانوس 450-457م إلى مذهبين: مذهب الطبيعة الواحدة للمسيح بزعامة كنيسة الإسكندرية ومذهب الطبيعتين وتتزعمه كنيستا روما والقسطنطينية.<BR><BR>ومع ذلك فإن المسلمين ينظرون إلى هذا النص وذلك الواقع ونحوهما بموضوعية لإدراكهم المقاصد الكلية من أديان الرسل وما جاءوا به ولجمعهم بين النصوص وعدم اختزال جميعها في واحد، وأيضاً لتفريقهم بين دين الحق والممارسات التي تزور باسمه، ولهذا فلا يقول المسلمون بأن اليهودية والنصرانية من حيث المبدأ انتشرتا بحد السيف –مع أنهما بتلك التهمة أجدر من الإسلام- على الرغم من محاكم التفتيش والإبادات الجماعية والحروب الصليبية التي وقعت في تاريخ المسيحية بين أهلها فضلاً عن غيرهم، بل نحن على يقين من أن موسى يقدم يوم القيامة ومعه سواد عظيم قد ملأ الآفاق من أتباعه كما صحت الأخبار عن نبينا _صلى الله عليه وسلم_.<BR><BR>وهذا الرأي لا يتوجه في الشيوعية الاشتراكية التي أُجبر الناس على اعتناقها من قبل سلطة متحكمة بقوة الحديد والنار، والسبب هو معارضة فكرة الإلحاد لبدائه العقول وفطر الخلائق وأديان السماء، فلما أطر الشيوعيون الناس على مذهبهم انساقوا لهم عندما كانت السطوة لهم، ولما كانت العقائد لا تستقر في نفوس الناس تحت حد السيف وإن أظهروا الإذعان يوماً ما، فما أن كُسِرت يد الظلم الباطشة الاشتراكية الممتدة إلى الشعوب المقهورة في الشرق أو الغرب حتى أظهر الناس ما كانوا يكنونه من عقائد، فمضى الشيوعيون وألسنة تلك الأجيال تلعنهم.<BR>ولا ينقض ما سبق تدين مجموعات من الانتفاعيين بدين السلطان أنى كان فهؤلاء لا دين لهم في الحقيقة إلاّ حيث كانت مصالحهم ورغباتهم العاجلة. <BR><BR>ولإدراك المسلمين هذه الحقيقة لم يكن للسيف عندهم في جهاد الطلب دور غير إزاحة من حال دون الناس ونور الإسلام ليتوجه الناس إلى الدين الصحيح ويسترشدوا بتعاليمه فتنبت النابتة الجديدة في أجواء صحية وتتحقق لهم مصالح الدارين بالتزامهم تشريعات الإسلام السمحة، وأما من أبى فهو مخير بين أن يعيش في كنف الإسلام وتحت عدالة دولته ورعايتها مع فرض جزية يدفعها إن كان من أهل القتال جراء ذلك وهو مقيم على دينه، أو مفارقة تلك الأرض التي لا يرتضيها، فإن رفض قانون الإسلام والخضوع لدولته فيحكم عليه بحكم الخارجين عليها والمصلحة في ذلك ظاهرة فحيث وُجد من يتمرد على قوانين الدولة المتحكمة فلابد من أن ينال جزاءه، كما أن المتمرد عليها من المسلمين يناله جزاؤه أيضاً. وشأن الإسلام في هذا شأن الأديان من قبله فالجزية مذكورة في التوارة والإنجيل مضروبة منذ القرون الأولى وليست بدعاً من بني الإسلام. <BR><BR>وعلامة صحة هذا الطريق –جهاد الطلب لأجل تبليغ الدين لمن حيل بينهم وبينه- وكون الغرض منه عند أهل الإسلام هو ما سلف بيانه، دخول الجم الغفير في دين الله أفواجاً مع التزامهم به في السر والعلن وتوريثه البنين والبنات الذين نشؤوا على حب ما حببه إليه آباؤهم.<BR><BR>ويبدو أن هذا المبدأ لم يعد مرفوضاً اليوم من الناحية العملية بل أصبح واقعاً يفرض على البلدان الإسلامية من قبل دول تزعم تصدير الحرية والديمقراطية بطائرتها ودباباتها وصواريخها الذكية.<BR><BR>وليس في هذا الفهم ما يستنكر إذا علمنا أن كثيراً من الدول الغربية كان مبدأ تحولها إلى الديمقراطية عن طريق ثورات على النازية والبلشفية والماركسية وغيرها من الاتجاهات الاستبدادية أو الشمولية والتي انتصرت عليها بعد جراحات ودماء وأشلاء.<BR><BR>وفي اعتقادي أن من أسباب نجاح ذلك التحول القسري في كثير من الشعوب الأوربية والأمريكية تلك القناعة الداخلية للشعوب بأن النظم القمعية أو الاستبدادية الشمولية التي سيطرت عليها ليست صالحة، وأن البديل الديمقراطي الرأسمالي أصلح لهم، فظلت المدافعة ردحاً من الزمن ثم كتب البقاء للأصلح.<BR><BR>ولكن ما يجهله هؤلاء أثناء تصديرهم لتلك الثقافة عن طريق الدبابة إلى البلدان الإسلامية هو أن الإسلام دين لا يعتنقه حقاً إلاّ من اعتقد أن نظامه هو الأصلح، ولذلك فلن يرتضي به بدلاً إلاّ من بدل دينه منهم.<BR>والنتيجة الطبيعية لهذا أن تتكرر ظاهرة ظهور الإسلام في تلك الأرجاء ولو بعد حين من القهر والاستبداد سواء أتم ذلك باسم الاشتراكية أو الديمقراطية.<BR><BR>ولو أردنا أن نأخذ نموذجاً حياً فسوف نجد العراق أمثل نموذج، وقبل أن أدخل في بيانه أنبه القارئ الكريم إلى أن هذا الكلام مبني على أحسن أحوال مدعي تصدير الحضارة أو الحرية أو الثقافة على متن الدبابة، مفترضاً على سبيل التنزل أنه لا مآرب أخرى للجنود ولا لمن أرسلهم غير بذل المهج والنفوس من أجل الحرية!<BR><BR>لقد دخلت القوات البريطانية محتلة العراق ما بين 1904- 1918، وقدم الجنرال (مود) عندما احتل جيشه بغداد يوم 11 مارس 1917 فخاطب العراقيين قائلاً عبارته المشهورة: "إننا جئناكم محررين لا فاتحين" وألقى وعوده وتباشيره بعصر الحرية والغد المشرق.<BR><BR>فإذا العراق ترزح تحت نير احتلال تبدو مطامعه يوماً بعد يوم ومع ذلك لا يزال المحتل يجد له أنصاراً وأعواناً وأذناباً كما هي الحال اليوم، وعلى الطرف الآخر تتوالي أعمال المقاومة وتتصاعد حتى جاءت ثورة العشرينات فعزل الكولونيل (ولسن) الحاكم الملكي في العراق وعين بدلاً عنه (برسي كوكس) ليمثل الحكومة البريطانية في العراق ومهمته المعلنة تأسيس حكومة عربية في العراق وتنفيذ مطالب الثوار فوصل بغداد في يوم 11 أكتوبر 1920م فاستقبل في بغداد من قبل العملاء استقبالاً حافلاً حتى قال جميل صدقي الفيضي ابن الملا أحمد بابان زهاوي(1)، قصيدة ترحيبية حمل فيها على المقاومة حملة شعواء من جملة ما جاء فيها:<BR><DIV align=center> <TABLE width=450 align=center border=0 cellPadding=0 cellSpacing=0> <TBODY><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA">عُد للعراق وأصلح منه ما فسدا</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>وابثث به العدل وامنح أَهله الرغدا</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>الشعب فيه عليك اليوم معتمـدٌ</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>فيـما يَكون كَما قد كانَ معتمدا</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>حييت من قادم إِبَّانَ حـاجِتنا</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>إليـه نَرجو بـه للأمـة الرشدا</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>إنَّ العِـراق لمسعـودٌ برؤيـته</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>أبـاً لـه من بلاد العدل قد وردا</SPAN> </TD> </TR></TBODY> </TABLE> </DIV><BR>وبفضل هؤلاء الأذناب أو المغفلين –وأنت تراهم في كل عصر ومصر- الذين يفتون في عضد الأمة، يظن المحتل أن يده ملأى.<BR>لقد تأسس ما سمي بالدولة العراقية عام 1921م تحت الوصاية البريطانية التي جاء الدستور والبرلمان وفق هواها بعد أن مهدت لإقامتهما كما هي الحال اليوم، فكان ماذا؟ حفظ لنا الأدب التاريخ فنقل قول معروف الرصافي معبراً عن حال الشعب ناقداً الحكومة الاسمية في أبيات أطول من هذه:<BR><DIV align=center> <TABLE width=450 align=center border=0 cellPadding=0 cellSpacing=0> <TBODY><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA">سأقول فيها ما أقول ولن أخف</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>من أن يقولوا شاعر مُتَطَرِّفُ</SPAN> </TD> </TR></TBODY> </TABLE> </DIV><BR>ويبدو أن القاعدة وجماعة الزرقاوي لم تعرفا في ذلك العصر أو لايجيء عليهما وزن الأبيات فاكتفى بأعظم التهم في زمانه التي تطلق على المناضلين المقاومين للاحتلال من المجاهدين ألا وهي التطرف! ثم أردف مبيناً:<BR><DIV align=center> <TABLE width=450 align=center border=0 cellPadding=0 cellSpacing=0> <TBODY><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA">هذي حكومتنا وكل شُموخها</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>كَذِب وكـل صنيعها متكلَّفُ</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>عَلَم ودسـتور ومجلـس أمة</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>كل عن المعنى الصحيح محرف</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>أسمـاء ليس لنا سوى ألفاظها</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>أمـا معانيها فليست تعـرف</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>مَن يقرأ الدستور يعـلمْ أنـه</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>وَفقاً لصـكّ الانتداب مصنَّف</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>من يأتِ مجلسـنا يُصَدِّق إنه</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>لمُـراد غيـر الناخبين مـؤلَّف</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>أفهكـذا تبقى الحكومة عندنا</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>كلماً تمـوَّه للورى وتُزخرَف</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>للإنجليـز مطامـع ببـلادكم</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>لا تنتهـي إلاّ بأن تتبلشـفُوا</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>أفتقنعون من الحكومـة باسمها</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>ويفوتكم في الأمر أن تتصرّفوا</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>أنتم عليها والأجانـب فوقكم</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>كلّ بسلطتـه عليكم مُشرِف</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>أيُعَـدّ فخـراً للوزير جلوسه</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>فَرِحاً على الكرسيّ وهو مُكتَّف</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>إن دام هـذا في البـلاد فإنه</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>بدوامـه لسيوفنا مُستـرعِف</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>لا بـُدّ من يوم يطول عليكم</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>فيه الحساب كما يطول المَوْقفُ</SPAN> </TD> </TR></TBODY> </TABLE> </DIV><BR>ولما قرر الانتداب البريطاني تخريج دفعة من الضباط العراقيين وتنصيبهم في مناصب قيادية وعسكرية كما يفعل الأمريكان في الوقت الراهن قال:<BR><DIV align=center> <TABLE width=450 align=center border=0 cellPadding=0 cellSpacing=0> <TBODY><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA">وكم عند الحكومة من رجالٍ</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>تراهم سادة وهـم العبـيدُ</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>كلاب للأجانب هُم و لكِنْ</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>على أبناء جِلدتهـم أسـودُ</SPAN> </TD> </TR></TBODY> </TABLE> </DIV><BR>وبمثل هذا النفس كانت المقاومة الصادقة تشتعل فكان من الطبيعي ألا يدوم الأمر للمتغلب فما مرت ثلاثة عقود حتى اجتاحت المقاومة عام 1958م أرجاء العراق قاطعة أذناب الاستعمار ليعلن انسحابه ذليلاً، وفي صورة أُراها شبيهة بصورة انهيار تمثال صدام توجهت الحشود الجمة إلى تمثال الجنرال (مود) لتجعله جذاذا تحت الأقدام.<BR><BR>وهكذا خرج المحتل من العراق نهائياً بعد زهاء ثلاثة عقود من تشكيله حكومته العربية، وكذلك أخرج من سائر أرجاء الأرض العربية، وهكذا سوف يخرج المحتل اليوم بعد ثلاثة عقود من تشكيله حكومته أو قبلها.<BR><BR>وهذه الصورة صورة متكررة عبر تاريخ المسلمين الأول فما أرض من تخومهم أو أراضيهم التي احتلت في حروب صليبية أو غارات معادية إلاّ ورجعت إسلامية بمجرد رجوع الغازي أو خروجه منها وبطل سحر حضارته التي تبدت للناس إبان الاحتلال على حقيقتها. وكذلك الأمر في التاريخ الحديث ولعل أفغانستان الجريحة وما دار فيها بين أنصار الإسلام وأنصار الشيوعية شاهد قائم، وما سينتهي إليه أمرها مع دولة الاستكبار سوف يكون شاهداً للأجيال من بعدنا ومن يدري ربما يكون شاهد على هذا لنا، ومثل أفغانستان بلاد الشيشان.<BR><BR>ومع ذلك لم تستفد أمريكا من هذا التاريخ في احتلالها للعراق الواعد بتصدير الحرية والديمقراطية على ظهر الدبابة الأمريكية لأجل سلام ورخاء المنطقة. وليتها لم تستفد من التاريخ وحده بل إنها لم تستفد من دين ساستها البروتستانت الواعد في آخر الزمان بمعركة هرمجدون، ولا أظنهم يتوقعون نشوبها مع نظام ديمقراطي حر يرضونه في المنطقة!<BR>فماذا بقي غير نهب الثروات باسم الديمقراطية، والتوطيد لدولة العدو الصهيوني وتقويض القوى النادة عن الطاعة الأمريكية باسم الحرية؟<BR><BR>ولعل ما غر أمريكا هو نجاحها في تصدير ثقافتها عبر السيف والبندقية والقنبلة النووية في بلدان قهرتها عسكرياً وتفوقت عليها حضارياً كما في حالها مع اليابان مثلاً، فما أن أُلقيت القنابل النووية، حتى أعلنت البلاد الصفراء الاستسلام والخنوع الكامل بغير مقاومة تذكر وإلى اليوم، وهنا ظنت أمريكا أن مقوم نصرها هو التفوق العسكري وما حسبت أن سر نجاحها هو في تفوقها الحضاري الذي كفل لها البقاء في اليابان بعد مغادرتها!<BR><BR>وكل هذا يظهر أن السيف في الماضي أو الدبابة فما فوقها اليوم آلات، مهمتها فسح المجال لولوج الحضارة وتنوير الناس بها، فإذا كانت تلك الحضارة بمفهومها الشامل الذي ينظر إلى الطبيعة وما ورائها لاتوازي في معتقداتها وتعاليمها وقيمها ومبادئها وأخلاقها ما كان عليه المُتَغَلَّب عليهم بحد السيف أو فوهة البندقية، فجدير بحضارة المُتَغَلِّب أن تزول متى رفع حد السيف أو كُسر، وهذا ما ينبغي لأهل الإسلام السعي في التعجيل به ماداموا يعتقدون بأنه لإصلاح للإنسانية في دنياهم وآخرتهم إلاّ بحضارة الإسلام ومنهجه.<BR><BR>وهذا ما يفسر انكسار الدول والحكومات الإسلامية دون انكسار الشعوب التي تبقى مقاومتها للحضارة الدون باقية مادام دين الإسلام باق في بنيها، وهذا كله إذا لم تكن للمتغلب الظاهر مآرب أخرى ظاهرة غير تصدير حضارته!<BR><BR>وإذا فهم ما سبق فإنه يسرنا أن تصدر إلينا حضارة غربية أو شرقية على ظهر دبابة أو متن مروحية شريطة أن تثبت أنها الأصلح والأنفع وهيهات هيهات، وعليه فإن مصيرها ولابد إلى الزوال والاضمحلال بمجرد اختلال موازين القوى ولو بعد أجيال.<BR><BR>كما لا يسوؤنا تصدير تلك الحضارة إلى من بها قوام حياتهم إن كان لابد من ترحيلها عبر ظهور المجنـزرات والآلات الحربية، ولاسيما إن كانت تلك الحضارة المنقولة أدعى للقبول من قِبَل تلك الشعوب وحينها يكون تحريرهم من الأنظمة الحائلة بينهم وبينها مهمة مقدسة نبيلة.<BR><BR>ولكننا لا نرضى بحال أن يعتدي متكبر جبار على قوم لينهب خيراتهم، ويخضعهم لمصالحه وأهوائه، ونرى أن جرمه يتضاعف إذا فعله تحت شعار تصدير الحضارة أو الحرية.<BR>إن أهل الإسلام يرفضون كل دعوى جوفاء بتصدير الحرية أو رغد الحياة من أناس يتفنن جندهم في ابتذال وإهانة من أرسلوا إليهم ومقدساتهم، فكيف ينقل الحرية أو يبعث الأمل من يعد الشذوذ والتعذيب والتدنيس للمقدسات من الحرية، أو -على الأقل- أثبتت وقائعه أن رسله لا يفهمون معنى الحضارة ولا الحرية!<BR><BR>__________________<BR>(1) والذي يقول عن نفسه:"كنت أسمى في صباي المجنون لحركاتي غير المألوفة! وفي شبابي الطائش لنزعاتي إلى الطرب! وفي كهولي الجريء لمقاومتي الاستبداد! وفي شيخوختي الزنديق لمجاهرتي بآرائي الفلسفية!"<BR><br>