شبح الموت والإعاقة يطارد الناجين من زلزال باكستان
27 رمضان 1426

عضة البرد وقطع الأطراف والجراحات الخاطئة هي السائدة الآن بين ضحايا زلزال باكستان المدمر في الوقت الذي تسابق فيه الفرق الطبية الباكستانية والتابعة للدول الأخرى التي أرسلت فرقها لإعانة متضرري زلزال 8 أكتوبر؛ تسابق الزمن من أجل اللحاق بما فاتها من مصابين هي ليست قادرة على شملهم بما يحتاجونه من عناية طبية. <BR><BR>ويطلق جزافاً على الناجين من الزلزال المدمر بأنهم "محظوظون، وهو أمر مشكوك فيه على ضوء المعاناة التي تتراكم بمرور الوقت وتثقل كاهلهم وتحيط بهم ولا تفارقهم وهم ينظرون إلى ما لحق بأجسادهم ويتذكرون من فقدوهم من أحبابهم ويقف بعضهم أمام الخيمة التي نصبها على مقربة المدرسة التي فقد فيها ابنته التي رباها وكبرها سنوات طويلة ويرفض إقصاء خيمته من قبالتها؛ ويصر على الانتظار إلى حين قيام الفرق الهندسية برفع الأنقاض عن جسد ابنته ليواريها التراب وفق الأحكام الإسلامية كآخر شيء يستطيع تقديمه لها. <BR><BR>وفرق الإنقاذ كلما اقتربت من مكان لإقامة مستشفاها الميداني عليه وجدته لا يصلح لذلك، وتضطر للبحث من جديد عن مكان آخر تماماً كما هو الحال مع الفرق الإغاثية التي تحاول إقامة مخيمات للناجين " المحظوظين" وتجده مهدداً بتوابع الزلزال أو غير صالح للإقامة بسبب احتمال هطول الأمطار عليه وجرفه، وهم جميعاً يتسابقون مع الوقت لعمل ما يقدرون عليه قبل ولوج درجات حرارة منخفضة من البرد القارص الذي تتسم به هذه المنطقة وقبل هطول الثلوج التي ستزيد من عضات البرد وتؤدي إلى المزيد من عمليات جراحة قطع الأطراف.<BR><BR>فمع دخول الناجين من الزلزال يومهم الرابع عشر بعد الكارثة؛ استوطنت الغرغرينا أرضهم واضطرت الفرق الطبية إلى قطع أطراف الكثيرين الذين أصابتهم الالتهابات الخطيرة بسبب البرد القارس وسوء الظروف الصحية، وعدم وجود المأوى الذي يقيهم شر البرد بعد أن تهدمت البيوت فوق رؤوس أصحابها. الغرغرينا أو موت وتعفن الأنسجة المكونة لجلد وعضلات البدن تتطلب جراحة عاجلة لكي لا تنتشر في بقية أنحاء الجسم مرافقة لآلام مبرحة.<BR><BR>لقد انهار النظام الصحي الذي كان قائماً في المنطقة قبل الزلزال ولم يعد له وجود يذكر، وأصبحت قرى تعد بالآلاف بمنأى عن وصول فرق الإنقاذ الطبي أو ما سواه إلى الكثير منها لدرجة أن ستة آلاف قرية من القرى المجاورة لمدينة بالاكوت، وهي الأقرب إلى طرق المواصلات القريبة من العاصمة إسلام آباد لم تصلها فرق الإنقاذ حتى اللحظة فما بال تلك القرى الواقعة بأقاصي الشمال الباكستاني، والتي لم يكن بالإمكان الوصول إليها صيفا إلا بشق الأنفس لوعورة أراضيها؛ ومن المستحيل الوصول إليها شتاء عن طريق البر بسبب الثلوج والانهيارات الصخرية وأصبحت الوسيلة الوحيدة للوصول إليها هي الطائرات العمودية التي لا يتوفر لدى باكستان منها سوى القليل منها لاحتفاظها بأعداد منها للعمليات العسكرية الدؤوبة في المنطقة بسبب حساسية وضعها مع جارتها اللدودة الهند. <BR><BR>انهيار الهيكل الصحي في مناطق الشمال الباكستاني أسهمت فيه العديد من العوامل التي في مقدمتها سوء الإدارة الحكومية وسوء إدارة الأزمات وعدم وجود طرق مواصلات صالحة واندثار الكثير من تلك الطرق المقامة بصورة خاطئة بسبب الزلزال وما رافق ذلك من تحطم وانهيار الكثير من الجسور المعلقة الضعيفة التي تربط بضعف شديد بين أوصال المنطقة وبالتالي عدم إمكانية وصول الإمدادات الطبية بوفرة كافية، وساهم في ذلك أيضاً إقدام الكثير من المسؤولين والذين كشف النقاب علنا عن أن من بينهم وزير في حكومة الجزء الباكستاني من كشمير قاموا بسرقة الإمدادات وبيعها في السوق السوداء، حيث تكررت عمليات نهبها على الرغم من معاناة الأطفال والعجزة والنساء الناجين من الزلزال فأصبحوا كمن هرب من الرمضاء إلى النار، وهذا ما استدعى قيام برلمان الإقليم الشمالي الغربي الحدودي الذي تسيطر عليه الأحزاب الإسلامية إلى المطالبة بتسليمه حصص الإغاثة الخاصة بمنطقته لتوزيعها بمعرفته لإدراكه أن ذمم المسؤولين في الحكومة المركزية تعمل دائماً وأبداً من أجل المزيد من إثراء حساباتها البنكية ضاربة عرض الحائط باحتياجات مواطنيها، وساهم أيضاً في تفاقم الوضع الصحي العدد الكبير للمصابين من الزلزال، والذين يتم نقل المحظوظين منهم إلى مناطق أخرى من باكستان أو حتى إلى خارجها للعلاج.<BR><BR>القيح يتسرب من الجروح والدماء تلطخ ما تبقى من ملابس المصابين الممزقة، والذين يعانون من كسور في أماكن متفرقة من أبدانهم، قد تكون في العمود الفقري أو الرقبة أو اليد أو الرجل أو القدم أو الحوض ومعظمها كسور مركبة؛ وهم يفدون إلى ما تبقى من المراكز الصحية بالطائرات العمودية أو سيارات الإسعاف أو الأجرة أو حتى على الأقدام. وتبدو المراكز الصحية الحكومية وكأنه ليس فيها هيئات إدارية تدير شؤونها. والهزات الارتدادية التي تقع بأعداد كبيرة أضافت تحدياً آخر لفعالية النظام الصحي بالمنطقة باستثناء الفرق الطبية الأجنبية التي تماسكت وحافظت على عملها الإغاثي بدون انقطاع غير عابئة بها. ويقع على عاتق هذه الفرق إعادة ترتيب الأوضاع بالمستشفيات بعد رفض المصابين العودة إلى غرف المراكز الصحية وتفضيلهم البقاء في العراء بباحة المشفى خشية من مخاطر الهزات التي لا تكاد تتوقف إلا لتبدأ من جديد ويحتمل أن تبقى كذلك قرابة أسابيع ثلاثة أو أربعة بعد الزلزال الأول. وأخيراً قرر 500 من مصابي الزلزال في منطقة أبوت آباد الباردة قضاء الليل تحت سقف خيام الأفراح وعدم العودة إلى أسرة المستشفى التي ترتفع فوقها أوزان الاسمنت التي تهدد بالانقضاض عليهم بدون مقدمات وفي طرفة عين إذا ما تجددت الهزات الأرضية بقوة أكبر.<BR><BR>والمشافي الميدانية المقامة في أنحاء متفرقة من المدن المدمرة تستقبل يومياً ما لا يقل عن 50 أو 60 حالة مصابة، وبعضهم يتلقى العلاج لأول مرة منذ تعرضه للكسور بسبب زلزال 8 أكتوبر المدمر. بعض هؤلاء المصابين ولتأخر وصولهم للمشفى تطورت إصاباتهم لتتحول إلى غرغرينا قاتلة، ولهذا فإن منطقة الزلزال قد تتحول في غضون الشهور الست القادمة إلى منطقة بها أعداد كبيرة من المعاقين بسبب عمليات قطع الأطراف الناجمة عن هذا التأخير في الوصول للمشفى. بعض المصابين قد يكونوا أكثر "حظا" عندما يضطرون إلى فقد أحد أصابع أيديهم أو أرجلهم فقط بسبب إصابته بالغرغرينا. بينما قد يضطر آخرون لفقد أيديهم لأن واحدة أصيبت بالغرغرينا والأخرى تحطمت تماماً تحت وطأة أثقال الإسمنت الهائلة التي سقطت عليها بفعل الزلزال. وتزداد المأساة عمقا إذا كان المصاب لا يجيد العمل سوى بيديه للحصول على لقمة عيشه.<BR><BR>بعض كبار أخصائيي جراحة العظام الباكستانيين، والذين فرغوا لتوهم من إقامة مستشفيات ميدانية في المناطق المنكوبة يصرون على أن تقوم الحكومة الباكستانية بتشكيل لجان مراقبة طبية لضمان قيام المتطوعين المحليين والأجانب بمراعاة أدنى متطلبات العمليات الجراحية وعدم اللجوء إلى قطع الأطراف إلا في الحالات الضرورية. وتجرى 40 أو 60 عملية جراحية يومياً في غرفتي العمليات التي أقامها هؤلاء الأخصائيون الذين قدموا من أنحاء متفرقة من باكستان، وحذر الأخصائيون من أن الكثير من العمليات الجراحية تتم بطريقة خاطئة بسبب سوء الإدارة وعدم وجود الموارد المطلوبة.<BR><br>