بعد أن هدأت العاصفة: الخبراء الفرنسيون يكشفون للمسلم حجم المؤامرة
3 ذو القعدة 1426

<BR>ـ أحداث فرنسا تعبيرا عن سنوات الظلم والتهميش، <BR>و فرنسا تسعى اليوم إلى تصفية المهاجرين والمسلمين<BR><BR><BR><BR>نيكولا ساركوزي، المهاجر اليهودي من أصل بولوني، الذي استطاع أن يصبح وزيرا للداخلية الفرنسية حطم الرقم القياسي في استعمال بعض المصطلحات الفرنسية السوقية ضد شباب المهاجرين الغاضبين على الأوضاع المزرية التي يعيشونها داخل الجمهورية الفرنسية الخامسة والتي تتشكل قوانينها الدستورية من ثالوث " الحرية/ العدالة / المساواة"، بيد أن الحرية والعدالة والمساواة سرعان ما تعرت حقيقتها في ظروف عجزت فيها السياسة الفرنسية عن تحقيق الموازنة التي كانت تراهن عليها، والتي كانت كفيلة بتحقيق مشروعية الحياة لكل الفرنسيين، بمن فيهم أولئك المهاجرين الذين في الحقيقة يحملون الجنسية الفرنسية ويعتبرون أنفسهم جزء لا يتجزأ من المجتمع الفرنسي. لقد انفجرت إشكالية المهاجرين منذ أكثر من ربع قرن، أيام ما اعترف الجنرال "شارل ديغول" أن الوضع الفرنسي ينام تحت بارود اللاتوازن، والذي كان يعني به أولئك الذين بقوا على التراب الفرنسي بإرادتهم، وبرغم الانضمام إلى المجتمع الفرنسي بحكم ولادتهم فيه أيضا. القانون الفرنسي المدني يمنح حق الجنسية لكل مواليد فرنسا، وقد تأسس فيما بعد ما يسمى بقانون الاندماج الذي بقي مجرد حبر على ورق، والذي كان الرئيس الأسبق "فرانسوا ميتران" من أبرز الشخصيات التي دقت ناقوسه، باعتبار أن الجيل الثالث من المهاجرين لم يكن مجرد فئة "أحياء شعبية" بل كان أيضا مجموعة من الثقافات ومن الديانات التي ادعت فرنسا من البداية أنها ملتزمة باحترامها وفق قوانين الجمهورية..<BR>الاندماج، هذه الكلمة الساحرة التي ربما كسرها نيكولا ساركوزي حين وصف الشباب المهاجرين بالحثالة، وبالأنذال والرعاع والأوباش، ليصب الزيت على النار، وليستفز بذلك حتى أولئك الشباب الذين لم ينضموا الغاضبين.<BR>الفرنسيون الذين صدموا بتلك العبارات " السوقية" أبدوا اعتراضهم، وقد ذهبت جريدة " لومانيتي" إلى حد اعتبار "نيكولا ساركوزي" حثالة وزارية مطالبة باستقالته.. العديد من الشخصيات الفرنسية الفكرية والإعلامية الشريفة اعترضت بدورها على استفزازات وزير الداخلية لهؤلاء المهاجرين، وهي الاستفزازات التي لم تخلو من عنصرية علنية ضدهم، مع انه هو نفسه قبل سنة قال أنه "يعول على المهاجرين" ليوصلوه إلى قصر الاليزيه كرئيس جمهورية من أصل بولوني (يهودي)! فما الذي جرى في فرنسا فعلا؟ وما هي الأسباب التي جعلت ساركوزي "يقل أدبه" على المهاجرين وهو منهم؟ وكيف يمكن إصلاح المنظومة السياسية الفرنسية في ظل هذه التيارات المتطرفة الصاعدة والتي تسعى إلى استهداف المسلمين وتصفيتهم بالطرد أو بالحظر أو بالإقصاء الذي بدأ فعلا بأوامر جديدة يتم على أساسها طرد كل من تورط في الأحداث الأخيرة حتى لو كان يحمل الجنسية الفرنسية!<BR>للرد على كل هذه الاستفسارات، أجرينا هذه الندوة الحصرية والتي تضم عدداً من الشخصيات الفكرية والإعلامية ومن المجتمع المدني الفرنسي وهم: السيد بيير زين كاتب فرنسي مسلم ومؤسس جمعية الاندماج الفرنسي، السيد: عبد الرحيم بوسوسة كاتب مختص في الشؤون الفرنسية، السيد مراد منصوري محامي فرنسي من أصل جزائري، والأستاذ "عبد الوهاب السنتري" باحث ومدير المعهد الفرنسي الإسلامي الحر.. <BR>يقول السيد "بيير زين" (كاتب فرنسي مسلم ومؤسس جمعية الاندماج الفرنسي): أريد أن أبدأ من الأول، فأنا في اعتقادي ما يجري في فرنسا هو ما جرى كل وقت خلف الستارة، أي القمع الممارس ضد المهاجرين حتى أولئك الذين يحملون الجنسية الفرنسية وضعوا في حالة "حصار" بكل ما تعنيه الكلمة من قمع وتهميش وإهانة على مدى أربعة أجيال كاملة. الفرنسيون من أصول عربية ومسلمة وضعوا في خانة " الغيتوهات" بحيث أنهم وجدوا أنفسهم بلا أهمية إلا في المراحل الانتخابية، وهذا لم يكن نتيجة لسياسات بعينها فحسب بل نتيجة للرؤية الكلونيالية التي ظلت تسود العقلية الفرنسية، والتي للأسف الشديد نجحت في إقامة الخطوط الحمراء بين الفرنسيين أصلا والفرنسيين من أصول أخرى، بالخصوص من أصول مغاربية ومسلمة عموما. ما يجري في فرنسا أسميه الإفلاس الحقيقي لسياسة القمع المخملي، والتي مارسها الديغوليون كما مارسها اليساريون ويسعى المتطرفون إلى صياغتها على أساس مزيد من القوانين التعسفية الحاقدة.<BR> <BR>يعلق السيد "عبد الرحيم بوسوسة" كاتب فرنسي من أصل مغربي مختص في الشؤون الفرنسية: " أنا أريد التأكيد أن ما يجري في فرنسا هو مشكلة عميقة لا علاقة لها بالنظم السياسية العامة المتبعة في فرنسا أو في أوروبا عموما، بل لها علاقة بالهوية أساسا. في اعتقادي أن الهوية ظلت الإشكالية الصعبة التي يواجهها المهاجرون من أصول مغاربية وافريقية ومسلمة بشكل عام، بمعنى أن الاندماج في المجتمعات الغربية لم يكن سهلا ولا ممكنا في ظل الصراعات الإيديولوجية القائمة والتي نعترف بدورنا ـ كما قال الأستاذ زين ـ أنها أفلست بشكل كبير. المسلمون في أوروبا عجزوا فعليا في أن يكونوا مواطنين أوروبيين ليس على أساس قوانين، بل على أساس معتقدات وقيم دينية وحضارية، فأنا أعتقد أنهم لا يشكلون مشكلة قانونية بقدر ما يشكلون مشكلة هوية والتي أعني بها العقيدة، الثقافة العربية الإسلامية، قد لا تنحصر في إطار لغوي، فأنا أعتقد أن اللغة لم تشكل مشكلة حقيقية للمهاجرين، كون المقيمين في دول غربية استطاعوا التأقلم لغويا ولكنهم عجزوا عن التأقلم اجتماعيا بالشكل الكامل وهو ما شجع على ما يسميه الإعلام الغربي اليوم بال" المخيمات الإسلامية" والتي تعني ببساطة الشوارع التي يسكن فيها العرب والمسلمين، وكل من حاول أن يصنع لنفسه بديلا يغطي بها غربته واغترابه عن الوطن الأم. ما جرى في فرنسا هو تماما ما أعينه، أي أن الشباب الذين خرجوا للاحتجاج هم من الشباب العربي المهاجر، من الجيل الثالث والرابع الذي ولد وعاش في فرنسا، ودرس في فرنسا أيضا ومع ذلك لم يندمج في المجتمع الفرنسي بالشكل التام لأن السياسة الفرنسية همشته عمدا، ولأنه أيضا ظل متمسكا بهويته الإسلامية وهو ما يفسر التزايد الكبير في الصحوة الإسلامية بين الشباب العربي والإفريقي في فرنسا وهو الأمر الذي تعتبره فرنسا خطرا على نظامها اللائكي.<BR> <BR>يتدخل السيد" مراد منصوري " محامي فرنسي من أصل جزائري: " أنا أعتقد أن الحديث عن الأحداث الأخيرة في فرنسا يجب أن يكون حديثا قانونيا أيضا، ولهذا أريد القول أن الأسباب التي فجرت أعمال الشغب الأخيرة كانت قانونية أيضا، بمعنى أن القانون الفرنسي في الحقيقي قائم على أساس براغماتي ومتناقض في الوقت نفسه، بحيث أنه يحمي الفرنسيين ولا يحمي المهاجرين. المشكلة أن من يطلقون عليهم مصطلح "الجيل الثالث أو الرابع" هم قانونيا من الفرنسيين، باعتبار أنهم يحملون الجنسية الفرنسية، ولهذا كان يجب أن يكون القانون الفرنسي المدني والتشريعي لصالحهم ولكنهم، لأنهم من العرب المغاربة، أو الأفارقة، وأجانب أصلا، فهم وضعوا على الرف. همشوا بشكل بائس طوال السنوات العشرين الماضية، بل وأن القانون الفرنسي نفسه تواطأ ضدهم حين أدخلهم في خانة واحدة هي "جيل الزبدة" كما يطلقون عليهم أي " Génération Beurre! ".. المسألة قانونية أيضا بالإضافة إلى الهوة الاجتماعية السحيقة التي من أهم أسبابها أن الشباب المهاجر لم يستطع الاندماج في المجتمع الفرنسي لأن المجتمع الفرنسي طارده تشريعيا وطارده سياسيا، واليوم يطارده امنيا بتهمة "الإرهاب"! <BR><BR>ينضم الأستاذ "عبد الوهاب السنتري" باحث ومدير المعهد الفرنسي الإسلامي الحر، قائلا: " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. في البداية أحب أن أوضح نقطة مهمة وهي أن العنف لم يكن في يوم من الأيام حلا لأي مشكلة. والعنف الذي انفجر في العديد من الضواحي الفرنسية داخل باريس وفي مدن أخرى كان له ما يبرره دونما أدنى شك ولكن أيضا تم تسويقه بشكل سياسي وأيديولوجي استغلته حركات فرنسية متطرفة، ويهودية أيضا للمطالبة بمعاقبة هؤلاء الشباب بالطرد من الأراضي الفرنسية. أنا من منظوري الشخصي كمسلم أحمل الجنسية الفرنسية أعتبر أن من حق أي مواطن فرنسي أن يعبر عن رأيه ويحتج على أوضاع مزرية يعيش فيها في دولة تقول أنها أول من طبق العدالة الاجتماعية في دستورها الجمهوري. أريد أن أقول أن الوضع الذي يعيشه هؤلاء الغاضبون في غاية الصعوبة، لأنه وضع يختلف عن كل ما رسمته وسائل الإعلام التي أرادت أن تشوه سمعة هؤلاء الشباب باتهامهم بممارسة "إرهاب الضواحي" كما قال وزير الداخلية الفرنسي ساركوزي في كلامه عن المهاجرين العرب المغاربة المسلمين. وضع المهاجر في فرنسا ليس وضعا آنيا، بل هو صورة حقيقية لمأساة تناقض الأعراف، لان المهاجرين يعيشون على فتات السياسات التي تنتجها مؤسسات لا تفتح أبوابها للمسلمين إلا مرغمة. قبل سنة، كانت الحرب على المهاجرين المسلمين تحديدا عبر صياغة قانون حظر الرموز الدينية التي مست مباشرة أخواتنا المسلمات في فرنسا. نعرف جميعنا أن أكثر من 5 ملايين مهاجر مغاربي يعيشون في فرنسا بمعنى أن 3.5 ملايين منهم من أصل جزائري، وقد مستهم تلك القوانين الجائرة ومست أخواتنا المسلمات بحرمانهن من حق المدرسة وحق التعليم لمجرد أنهن يلبسن غطاء الرأس. الحريات الشخصية والعدالة الاجتماعية التي عاشت فرنسا تتغنى بها لم تكن قابلة للتطبيق على المهاجرين المسلمين بالخصوص لأن القانون نفسه كان يضعهم على هامش الصورة، ولا يعترف بحقوقهم. لقد فشلت فرنسا في إقامة وضعا تعايشيا مع الجاليات والثقافات وهذا لم تجرؤ على الاعتراف به حين تركت وزير الداخلية ينهش في لحم المسلمين ويتهمهم بالأوباش وبالرعاع وقد نسي أنه هو نفسه مهاجر بولوني يهودي. يجب أن نقول الحقيقة أن الشباب الهاجر في فرنسا عاش ويعيش وضعا لا يختلف عن الأبارتايد داخل النظم الفكرية العنصرية التي كانت تضع الحواجز بين البيض والسود وبين العربي والغربي. الذي يعرف باريس يعرف الأحياء التي تفجرت فيها أعمال العنف ويعرف أيضا أنها أحياء تفتقر لأبسط الوسائل الحياتية، منغلقة ومعزولة عمدا عن بقية المناطق، بحيث أن سكان هؤلاء الأحياء كانوا فرنسيين درجة ثانية وثالثة ورابعة أيضا، وكانوا وفق المنظور الأيديولوجي الكلونيالي الجديد "مجرد رعاع" يقيمون على الأرض الفرنسية.<BR> <BR>· دعوني أسألكم الآن السؤال الثاني حول الأسباب التي جعلت" نيكولا ساركوزي" يقل أدبه على المهاجرين (و هو منهم) ويتهمهم ب"الأنذال" و" الأوباش"، وكيف تنظرون إلى الراهن الفرنسي في ظل سياسة " التصفية" التي بدأتها السلطات الفرنسية ضد من ثبت عليهم المشاركة في أعمال الشغب تلك؟<BR><BR>يرد السيد" بيير زين": أنا قلت قبل أربعة أعوام ماضية أن فرنسا مقبلة على "تغييرات جذرية" وكنت أقصد بالتغييرات تلك التي ستسعى إلى تصفية الأقليات المهاجرة وأهمها الأقليات المسلمة. بعد أحداث سبتمبر 2001، اتخذت العديد من الدول الأنجلوسكسونية هذا النوع من الإجراءات، طبعا اعتبرت الولايات الأمريكية أن الصراع الذي تخوضه هو "حرب صليبية"، من نسي ما قاله جورج بوش بعد تلك الأحداث نذكره الآن أنه استعمل عبارة " الحرب الصليبية" وأنه يعني بها حربا دينية على بقية الديانات وأهمها الديانة الإسلامية. هذا رأيناه بأم أعيننا في خضم الحروب التي جاءت بعد تلك الأحداث، رأينا كيف تم اختيار الدول للقضاء عليها بتهمة الإرهاب، وكيف يتم دعم الصهيونية العالمية وتسويق أفكارها على حساب الجميع. فرنسا لم تكن أبدا بمنأى عن ذلك الصراع، وإن بدت السياسة الفرنسية في الأعوام الأخيرة "معتدلة" فلأنها لم تجد مصالحها مع الدول المشنة للحرب، ونتذكر جيدا أن شخصية مرموقة في الخارجية الفرنسية مثل "ألان شوسيه" قال أن " مصلحة فرنسا لم تكن في الحرب على العراق، فلو كانت ثمة مصلحة حقيقية لخاضت فرنسا الحرب بكل شراسة إلى جانب الأمريكيين". لم يقل أن عدم خوض فرنسا الحرب كانت لأسباب "إنسانية" بل قال أن المصلحة لم تكن لصالح الفرنسيين وهو الذي ركزت عليه وسائل الإعلام قبل عام بالتحديد.. أريد أن أصل إلى القول أن الأزمة الفرنسية الحالية هي أزمة ناتجة عن صراعات داخلية حقيقية بين أقطاب عديدة، منهم اليهود ومنهم من يصفون أنفسهم بالوطنين الحقيقيين ومنهم أيضا الأقليات التي لم تستطع تحقيق التوازن لأنها ظلت مهمشة وبعيدة عن المؤسسات المؤثرة والفاعلة، حتى أن إقامة المجلس الإسلامي الأعلى في فرنسا لم يكن كافيا لأن هذا المجلس ظل رهينة التقصير السياسي الكبير، وأنه اقتصر على القيام بدور" جمعية خيرية" محدودة الإمكانيات. التغيير الذي كان يسعى إليه أقطاب الصهيونية الراديكالية في فرنسا هو نفسه الذي وقع في الولايات الأمريكية، أي ضبط ترمومتر الوضع الداخلي بترمومتر الإرهاب لأجل إرعاب الشعب الفرنسي وجعله مستعدا ليس للوقوف إلى جانب النظام أو المؤسسة العسكرية فقط، بل وعلى الوقوف ضد الذين يتم الإشارة إلى علاقتهم بالعنف السياسي أو بالإرهاب، أي ضد الأقليات المهاجرة. الأمريكيون خضعوا لذلك القرار، وصاروا يقبلون أن يتسلل رجال الأمن المركزي ومن مكتب التحقيقات الفدرالية إلى بيوتهم ليفتشوا كل صغيرة وكبيرة. صاروا يرفعون أيديهم إلى السماء ليتم تفتيشهم بشكل مهين في جل الحالات، ولا يجرؤ أحد على أن يحتج أو يناقض لأن الستارة التي تخفي كل هذه التجاوزات صار اسمها " مكافحة الإرهاب".. أعتقد أن وجود شخصية بهذا التركيب المعقد كشخصية نيكولا ساركوزي يعني أن العلاقة التي تجمعه بالمحافظين الجدد في أمريكا ليست علاقة " فكرية" فقط، بل وعلاقة مصالح قوية، لأن البيت الأبيض يعول كثيرا على شخصية "كارزماتية" مثل ساركوزي كما جاء على لسان "كونداليسا رايس" لوكالة الأنباء الفرنسية. وهذا يعني أن كل ما يجري شبيه ب" Déclic " لأجل إجبار الفرنسيين على القبول بكل القوانين المناهضة للمهاجرين منها طردهم ومحاصرتهم واعتقالهم، وحبسهم من دون محاكمة أيضا. ساركوزي استطاع أن يصنع لنفسه "إطارا" خاصا، لقد نسي الفرنسيون أنه مهاجر بولوني يهودي الأصل. نسوا ذلك لأن ساركوزي أحاط نفسه بشخصيات مؤثرة في المجتمع الفرنسي اجتماعيا وفكريا وإعلاميا، وهذا يعني أن هدفه الوصول إلى رئاسة الجمهورية يبدأ الآن فعلا، بتصفية الذين يتهمهم بالإرهابيين، أي المسلمين والأفارقة بالخصوص. هي فبركة مجهزة ضمن ما تم تجهيزه لرسكلة الدول الأوروبية وفق ما تريده الولايات الأمريكية في مسيرة حروبها التدميرية هذه. <BR><BR>يعلق السيد عبد الرحيم بوسوسة قائلا: " نحن متفقون على أن الأحداث الأخيرة كانت نتاجا لسنوات التهميش والظلم الاجتماعي المقترف ضد المهاجرين العرب والأفارقة، لا بد أن نركز أيضا على وسائل الإعلام الفرنسية التي أرادت أن تنسب الأعمال تلك إلى العرب والمسلمين بالخصوص، برغم أن الأفارقة شاركوا فيها، ليس هذا في اعتقادي لأنها تفضل الأفارقة، بل لأنها أيضا تساهم في إعطاء إلى الرأي العام الفرنسي صورة سيئة عن هؤلاء العرب والمسلمين، لأن الأفارقة أمرهم سهل باعتبار أن معظمهم يعيش في فرنسا بلا ترخيص قانوني فعلا. المشكلة المطروحة هو ما مصير المهاجرين العرب والمسلمين فعلا؟ هذا هو السؤال وأنا أؤيد مرة أخرى ما قاله السيد بيير زين بأن الخطة التي يتم تنفيذها ليست وليدة اللحظة، وأن تقديم ساركوزي إعلاميا كرجل كارزماتي قوي ليس صدفة أيضا بالرغم من أن العديد من الفرنسيين يعتبرونه خطرا على فرنسا نفسها. طرد المتسببين في العنف يعني أن التصفية تبدأ فعلا باعتبار أنهم قانونيا ينتمون إلى فرنسا بحكم الجنسية ولا يحق لفرنسا طردهم وهم يحملون جنسيتها، وبهذا يتم التسويق إلى أن الطرد هو الحل الذي يقود إلى تخويف المهاجرين وإجبارهم على الصمت، بالمقابل، ثمة فعلا أدلة ملموسة تحدثت عنها جريدة "لومانيتي" تؤكد أن الجالية اليهودية شاركت في أعمال الشغب في منطقة سانت دونيس، ولا أحد اكترث بالخبر، لأن اليهود هم الذين يريدون الوصول إلى السلطة الفرنسية لإعادتها إلى صف الدول المتقدمة، كما قال رئيس المجمع اليهودي الفرنسي.... أن يتم القول أن "الأوباش" هم المهاجرون العرب فهذا في اعتقادي بداية حرب نفسية وقانونية وثقافية فكرية ضد هؤلاء، ليس لتصفيتهم فحسب، بل لإخضاعهم إلى الأمر الواقع الذي اعتقد أن فرنسا ستبحث فيه عن مصالحها ضمن الحروب " الكلونيالية الامبريالية" التي ستتفجر في العالم.<BR>يضيف المحامي مراد منصوري: " من الناحية القانونية فلا يحق ترحيل مهاجرين لهم الجنسية الفرنسية، لكن من الناحية التشريعية فإن صياغة بند "عقابي" سيكون محتملا باعتبار أن الإشكالية التي نتفق عليها فعلا هي أن الأحداث تسللت إليها جهات كثيرة لتوريط هؤلاء الشباب في عمليات النهب والسلب. نعي أن الشباب الغاضب من الظلم الذي وقع عليه لا يمكنه أن ينهب ولا أن يعتدي على منازل الفرنسيين، والذين فعلوا ذلك لا يمكن معاقبة البقية بدلا عنهم. أعتقد أن الأيام القادمة ستخرج إلينا تشريعات سوف يوافق عليها الفرنسيون الذين فعلا شعروا بالخوف بسبب الحملات الإعلامية العنيفة ضد المهاجرين العرب، والتي استغلتها الجبهة الوطنية الفرنسية برئاسة المتطرف" جون لوبين" ليطلب علانية طرد كل الأجانب من فرنسا ووضعهم في باخرة نحو بلدانهم الأصلية. هذا هو العنف السياسي الذي نتوقع انه سيؤجج نيران الغضب ويزيد من الإجراءات القمعية في الجمهورية الفرنسية. <BR><BR>يرد السيد عبد الوهاب السنتري " أعتقد أن المضايقات ستكون كبيرة على المهاجرين العرب بالخصوص، ولهذا أتوقع عمليات استفزازية مباشرة وغير مباشرة من مصالح الأمن خصوصا بدل البحث عن حل المشاكل الجذرية لهؤلاء المهاجرين بالخصوص الشباب الذين وضعوا على الهامش وحرموا من حق العمل وحق الحياة. فرنسا مقبلة على تغييرات كبيرة وأنا أؤيد الآراء التي سبقت وأقول أن الخارطة السياسية الفرنسية ستعرف فعلا تغييرا كبيرا لن يكون في اعتقادي لصالح هؤلاء المهاجرين لأن قوى التوازن ليست متكافئة برغم أنهم يشكلون أكثر من خمس ملايين مهاجر منهم أربع ملايين عربي ومسلم، وهي نسبة أكبر من الجالية اليهودية مثلا ومع ذلك مواقع النفوذ لليهود أكبر وأقوى ولهذا كون ساركوزي نفسه يهوديا فسيكون الصراع فعلا قائما على أساس صراع حضارات أيضا، بمعنى إجبار القوى الأخرى على الخنوع والتنازل لأجل القوى المؤثرة في المجتمع الفرنسي والتي تشكل أكثر من خمسين بالمائة فيه ليس من حيث العدد بل من حيث التأثير، وهي كما نعرف جميعنا قوى يهودية تريد العودة إلى أحضان المحافظين الجدد الأمريكيين وفق المصالح ووفق الأيديولوجية المشتركة التي تجمع من الناحية الفكرية والحروبية بين الكلونيالية والامبريالية، لإضعاف التأييد الشعبي الفرنسي للقضية الفلسطينية وللقضايا الدولية العادلة. ما جرى في الأيام الأخيرة وما سيجري سيكون له التأثير السلبي على المهاجرين وهذا شيء يعرفه الجميع، ولكن الذي يعنينا أن الدور الذي لعبته المؤسسات المدنية والسياسية الممثلة للمهاجرين كان سطحيا وأحيانا غائبا وهذا في نظري يجب البحث فيه من جديد كقضية تمس المهاجرين هؤلاء ومن يمثلهم سياسيا على الأقل لإيصال أصواتهم من دون اللجوء إلى العنف. يجب النظر إلى الوضع نظرة مغايرة أيضا وعلى أساس براغماتي يجعلنا نفكر في سقف تعاون للتصدي لكل المحاولات القادمة التي ستسعى إلى استئصالنا من جذورنا العربية والإسلامية لدمجنا بالقوة في المجتمعات الغربية بكل أيديولوجياتها المفلسة. <BR><BR>· باختصار: ما هو الحل في نظركم للمعاناة التي يمر بها العديد من المهاجرين؟ العودة إلى بلدانهم كما يطالب به ساركوزي؟<BR><BR>بيير زين: الحل في عملية إصلاحية حقيقية تسمح للمهاجرين بأخذ حقوقهم المدنية وأن تكون لهم حرية العقيدة، <BR><BR>عبد الرحيم بوسوسة: الحل ليس بالسهل ولكن يجب أن تكون الفعالية العربية والإسلامية الفرنسية حاضرة ومتحدة ومسموعة كي تكون خير ممثل للمهاجرين العرب لحمل همومهم إلى السلطات الفرنسية. أن يقوم الجميع بدوره كي لا تتحول الأمور إلى فوضى.<BR>مراد منصوري: الحل في الاعتراف أن هؤلاء لا يشكلون خطرا على فرنسا، بل فرنسا هي التي صارت تشكل خطرا عليهم، وأعتقد أنه حان الوقت للمطالبة بالحقوق المدنية وللعيش الكريم وفق ما يحمله كل منا من معتقداته التي يعتبرها أهم من كل شيء. <BR><BR>عبد الوهاب السنتري: الحل في أن يتنحى ساركوزي ويكف عن استفزاز المسلمين بتعابيره السوقية وقوانينه الجائرة. أعتقد أن الحياة في فرنسا لن تكون سهلة للعرب أو المسلمين ولا للأفارقة الذين سيتم تصفيتهم أيضا بحكم أنهم يشكلون بالنسبة للفرنسيين " المعضلة الصعبة"، فانتهاء عهدة شيراك ستكون حافزا لتصاعد وتيرة التطرف الفرنسي بكل أشكاله.<BR>عبد الوهاب السنتري: الحل في الكف عن اعتبار المهاجرين مواطنين درجة سافلة، والبحث عن الطرق المناسبة لمنحهم الحق في العمل والحياة وفق قناعاتهم الدينية والكف عن فرض عليهم النمط الغربي بقوة القمع والترهيب الفكري والاجتماعي.<BR><BR><br>