لاجئون باكستانيون لا تكترث بهم بلادهم
4 ذو الحجه 1426

يعود تاريخ اللاجئين البيهاريين إلى عام 1947م أي عام تقسيم شبه القارة الهندية بين الهند وكل من باكستان الغربية وباكستان الشرقية التي انفصلت وتحولت إلى بنجلاديش، وقد جاء لجوؤهم نتيجة للعنف الديني والعرقي الذي رافق عملية التقسيم واستمر بعدها بدون هوادة (ومن الأمثلة على ذلك أن 30000 مسلم قد قتلوا في العملية التي تمت تسميتها "بقتل البيهاريين الكبير" في أكتوبر 1947م). <BR>هاجر قرابة المليون من البيهاريين إلى الجناح الشرقي من باكستان (باكستان الشرقية وقتئذ) طبقاً لما ورد في تقرير حقوق الأقليات في بنجلاديش في طبعته الرابعة الصادرة في عام 1982م، وقدم معظم هؤلاء المهاجرين من الأقاليم الهندية الشرقية، مثل: بيهار والبنغال الشرقي واسام واوريسا وناجالاند ومانيبور وترايبورا وسيكيم.<BR><BR>وخلال مدة توحيد باكستان بقسميها الغربي والشرقي (1947م – 1971م) فإن البيهاريين الذين كانوا يتفقون مع سكان باكستان الغربية في التحدث باللغة الأوردية لم يتمكنوا من الانخراط في المجتمع البنغالي الذي يشكل الشريحة الرئيسة من سكان باكستان الشرقية أو ما يعرف الآن ببنجلاديش، وظل البيهاريون يعدون شريحة ثقافية ولغوية منفصلة. وفضل البيهاريون أن يبقوا اتصالاتهم مع باكستان الغربية؛ لأن سكانها يتحدثون لغتهم، بل إنهم قاموا بدعم باكستان الغربية في حرب الانفصال التي شنها البنغاليون ضدها بمعاونة الهند في عام 1971م وهو ما أكسبهم نقمة وعداء البنغاليين، ورافق ذلك عدم اكتراث من الباكستانيين في الجزء الغربي وقادهم ذلك إلى محصلة من الضياع والفقر والعوز وانحطاط الأوضاع المعيشية التي لا يزالون يعانون منها حتى اللحظة. لقد كان البيهاريون أداة طيعة بأيدي الصفوة المتنفذة في الحكم في باكستان الغربية والذين قاموا باستغلالهم أفضل استغلال لبسط نفوذهم السياسي والاقتصادي على باكستان الشرقية. وكسب البيهاريون لهذا السبب تفضيلاً لهم من جانب حكومة باكستان على سكان البلاد الأصليين من البنغاليين في شتى المجالات الاقتصادية، ولكن ذلك لم يدم طويلاً بعد فوز بنجلاديش باستقلالها وقيام البنغاليين بصب غضبهم عليهم وقيام الباكستانيين بالتخلي عنهم وتركهم لمصيرهم البائس ولكي يتحولوا إلى لاجئين في البلد الذي هاجروا إليه في إطار عملية تقسيم شبه القارة الهندية بين المسلمين والهندوس!<BR><BR>مجيء البيهاريين إلى باكستان الشرقية وحصولهم على التمييز الإيجابي لمصلحتهم ضد البنغاليين من جانب حكومة باكستان التي سيطر عليها صفوة الجناح الغربي من البلاد لم يكن مقلقاً في بادئ الأمر لسكان البلاد الأصليين من البنغال المسلمين، وذلك لابتهاجهم بقيام دولة إسلامية تضمن للمسلمين حقوقهم بعد أن كانوا عرضة للتمييز ضدهم من جانب المستعمر الإنجليزي، ولكن سرعان ما تبخرت هذه البهجة واندحر ترحيب البنغاليين بالمهاجرين إليهم من البيهاريين عندما قام مؤسس باكستان بالإعلان في عام 1948م ومن دكا عاصمة الجزء الشرقي عن أن اللغة الأوردية وحدها ستكون لغة البلاد الرسمية وهو ما أثار حفيظة البنغاليين الذين لم يكونوا أقل عدداً من المتكلمين بالأوردية في الدولة الناشئة.<BR><BR>ونتج عن ذلك ما يسمى بحركة الهيجان الشعبي ضد اللغة الأوردية في باكستان الشرقية؛ لأن البنغاليين شعروا أنهم سيكونون أقل شأناً من سكان باكستان الغربية وأن عليهم تعلم لغة غريبة عليهم لكي يحصلوا على المناصب الرسمية الرفيعة تماماً كما كان الإنجليز يقومون بحض الهندوس على تعلم اللغة الإنجليزية ويبعدون عنها المسلمين من سكان الهند بشتى الذرائع حتى يفوز الهندوس بدعم الإنجليز وبالحظوة لديهم، وبدلاً من أن يقف البيهاريين إلى جانب البنغاليين في هيجانهم ضد اختيار اللغة الأوردية لتكون لغة دولة باكستان فإنهم وقفوا إلى جانب باكستانيي الجزء الغربي المنافحين عن هذه اللغة، ومما زاد الطين بلة أنهم وقفوا إلى جانب الحزب السياسي الرئيس في باكستان الغربية خلال انتخابات عام 1954م وهو حزب الرابطة الإسلامية الذي كان قادته يقننون سيطرة وهيمنة سكان باكستان الغربية على البنغاليين. <BR><BR>كما أنهم ساهموا في دعم الجيش الباكستاني في حربه ضد البنغاليين الذين كانوا يطالبون بالانفصال في عام 1971م، ولم يكن لهذه المواقف من محصلة سوى أن البنغاليين قد أضمروا العداء والحقد على البيهاريين.<BR>ونتيجة لكل ما تقدم؛ والأهم من ذلك دورهم المضاد لكفاح الاستقلال البنغالي (ومثال عليه مشاركتهم الفعالة في القوات المدنية المسلحة لشرق باكستان والتي عُرفت ميليشياتها بأسماء الرازاكار والشمس والتي أشرفت على تنظيمها وتدريبها السلطات الباكستانية)؛ فإن البيهاريين قد أصبحوا عرضة لاضطهاد سياسي واسع النطاق خلال حرب الاستقلال وما بعدها. <BR><BR>استمر الاضطهاد السياسي ضدهم بعد الاستقلال وتم الاستيلاء على ممتلكاتهم ومنازلهم التي احتلها البنغاليون، وسهلت المراسيم الحكومية والرئاسية الصادرة في عام 1972م قيام البنغاليين بوضع <BR>أيديهم على ممتلكات البنغاليين، ومع نهاية عام 1972م أصبح قرابة مليون بيهاري بدون مأوى ويعيشون في العراء بعد أن طردوا من ديارهم والأنكى من ذلك أن السلطات الباكستانية قد تخلت عنهم ورفضت مجرد البحث في شانهم أو فكرة نقلهم من بنغلاديش إلى باكستان وفضلت التغاضي عن مشكلتهم وتذرعت بعدم وجود الأموال اللازمة لنقلهم وإعادة تأهيلهم.<BR>بعد ذلك أصدرت حكومة بنجلاديش أمراً رئاسياً تحت رقم 149 لعام 1972م، والذي يعرض على البيهاريين منحهم الجنسية البنغالية. وطبقاً لمصادر الحكومة البنجلاديشية فإن ما يقرب من نصف مليون بيهاري قد قبلوا العرض في حين أن نصف مليون آخرين قد سجلوا أسماءهم لدى هيئة الصليب الأحمر الدولي واختاروا بذلك حمل جنسية باكستان وأعربوا عن رغبتهم في الانتقال إليها ولكنها – أي باكستان – لم تفكر في الاستماع لمشكلتهم. <BR><BR>ولم تبدي إسلام أباد أي رغبة في استقدام البيهاريين إلا أولئك الذين كانوا أعضاء في الجيش المدني الذي كان موالياً لها، والغريب في الأمر أن وزارة الخارجية الباكستانية قد رفضت الاعتراف بالبيهاريين ووصفتهم بأنهم لاجئون هنود في حين أنهم تركوا ممتلكاتهم في الهند للانضمام إلى دولة باكستان الجديدة، ولكنهم قوبلوا بعدم الاكتراث من الصفوة الحاكمة في باكستان.<BR><BR>وأصرت بنجلاديش بعد استقلالها على عدم إقامة علاقات دبلوماسية مع باكستان إلا إذا قبلت الأخيرة بأخذ الرعايا غير البنغاليين بمن فيهم البيهاريين من بنجلاديش. هذا الإصرار أرغم باكستان في اتفاقية دلهي لعام 1973م على القبول بأخذ مجموعة لا بأس بها من البيهاريين، وكذلك جاءت اتفاقية 1974م بالنتيجة ذاتها، والتي قبل فيها الباكستانيون أخذ عدد آخر من البنغاليين مقابل ترحيل البنغاليين من باكستان، ولم يتم سوى نقل مئة ألف من البيهاريين من خلال هاتين الاتفاقيتين وظل اهتمام باكستان بالمسألة ضعيفاً على الرغم من محاولات بنجلاديش لإثارته وقيامها بعقد اتصالات مع الدول الإسلامية المختلفة لفرض ضغوط على باكستان للقبول بترحيل البيهاريين إلى أراضيها من بنجلادبش. <BR><BR>وتم في عام 1988م إنشاء صندوق مالي من خلال اتفاقية بين باكستان ورابطة العالم الإسلامي لترحيل البيهاريينأ وطبقاً لهذا للاتفاقية الخاصة بهذا الصندوق؛ تم إنفاق 278 مليون دولار منه على بناء 36000 منزل موزعة على 80 منطقة ومبلغ 30 مليونا أخرى لبناء الخدمات التحتية لمواقع إعادة تأهيل البيهاريين في باكستان من خلال جهود رابطة العالم الإسلامي، وكذلك الاتفاق على إنفاق 10 ملايين أخرى على عمليات نقلهم من بنجلاديش إلى باكستان، وعلى الرغم من هذه الاستعدادات والنفقات إلا أن العملية لم تشهد النور ولم تتم مطلقاً. <BR><BR>ويعود ذلك إلى موقف بينظير بوتو (رئيسة وزراء باكستان السابقة التقليدي) تجاه أزمة اللاجئين البيهاريين وهو موقف والدها ذوالفقار علي بوتو (أول رئيس لباكستان بعد انفصال بنجلاديش)، وهذا الموقف التقليدي هو رفض مبدأ ترحيل البيهاريين لباكستان، فقد وصلت للحكم في عام 1988م الذي شهد إنفاق مبالغ كبيرة لإعادة تأهيل البيهارين في باكستان وما كان منها إلا أن أوقفت العملية ورفضتها بالكامل. كما أنها رفضت منح البيهاريين الجنسية الباكستانية سواء من كان باقياً منهم في بنجلاديش أو من تمكن من الهرب إلى باكستان من خلال الهجرة غير الشرعية والذين وصل تعدادهم إلى قرابة المئة ألف، بل إنها خلال زيارتها لبنجلاديش في عام 1989م قد صرحت بأن البيهاريين سيبقون في بنجلاديش إلى الأبد وأنها ستطلب من الدول الإسلامية التبرع بالأموال الكافية لتأهيلهم في ذلك البلد! <BR>أما نواز شريف الذي خلفها على حكم باكستان في عام 1990م فانه وعلى الرغم من رغبته في استقدام البيهاريين إلى بلاده وإعرابه في كثير من المناسبات عن رغبته في توطينهم في إقليم البنجاب الذي ينتمي إليه، وذلك نكاية بسياسات بينظير بوتو ووالدها ذوالفقار علي بوتو، الذي قام في السبعينات بتأميم الكثير من مصانع أمبراطورية عائلة شريف – وهذا سر العداء بين العائلتين؛ وعلى الرغم من أنه بدأ في مشروع لتنفيذ مخطط تسكين البيهاريين في إقليم البنجاب إلا أن هذا المشروع قد وجد طريقه بسرعة إلى سلة المهملات ولم يتمكن إلا من استقدام بضعة مئات من البيهاريين وتوقف العمل بذريعة أن المشكلة معقدة وفيها ما فيها من الصعوبات اللوجستية!!<BR><BR><br>