المحاكم الإسلامية بالصومال تفشل المخطط الأمريكي في إفريقيا!
11 جمادى الأول 1427

وكأن المصائب تأتي للأمريكان وإدارة بوش بالجملة، فقد جاءت هزائم وانتكاسات العراق وأفغانستان، مواكبة لانتصارات قوات المحاكم الإسلامية في الصومال وتأكيدهم قرب إعلان جمهورية إسلامية، لتزيد الضغوط على إدارة بوش وتفشل خطة استراتيجية أمريكية قديمة يسعون لها منذ أكثر من عشر سنوات لخلق موضع قدم استراتيجي لهم في أفريقيا خصوصا منطقة الشرق الأفريقي، حيث القرن الأفريقي والسودان وحيث النفط والموارد المعدنية الوفيرة!<BR>فبعد اثني عشر عاماً من التدخل العسكري الأمريكي الفاشل في الصومال، عادت مقديشو لتثير قلق الولايات المتحدة مجددا، ليس فقط بسبب اقتراب قوات المحاكم الإسلامية التي يقودها الشيوخ من السيطرة على كل الصومال تدريجيا، ولكن بسبب المخاوف الحقيقة من أن يهدد هؤلاء الإسلاميون الجدد الخطط الأمريكية للتمدد في أفريقيا، وأن يتحول هذا البلد الواقع في القرن الإفريقي وتسوده الفوضى، إلى ملجأ "للإرهابيين" أو مجموعات القاعدة التي تعادي النفوذ الأمريكي المتصاعد هناك.<BR>فليس سرا أن هناك خططا أمريكية للتركيز على أفريقيا منذ تصاعد العداء للقوات الأمريكية في الخليج منذ منتصف التسعينات، وأن هذا المخطط يرتكز على منطقة نفوذ استراتيجية واقتصادية ولوجستية في وقت واحد بحيث يمكن أن تتحول منطقة القرن الأفريقي إلي منطقة نفوذ وقاعدة انطلاق للقوات الأمريكية هناك على غرار منطقة الخليج خصوصا أنها منطقة تحكم في المضايق ومداخل المحيطات والبحار فضلا عن غناها الفاحش بالثروات الطبيعية غير المستغلة.<BR>وقد جاء التدخل الأمريكي في رواندا ثم السودان والسعي لنقل قوات أمريكية إلي دارفور ضمن هذا المخطط العام لتوسيع منطقة النفوذ الأمريكية هناك وتحويلها إلي منطقة تحرك استراتيجية، خصوصا بعدما ظهر البترول في جنوب وغرب السودان وظهر اليورانيوم و"البوكسيت" – خام الألمونيوم- الذي يستخدم لصنع الطائرات والمعدات الحربية.<BR><font color="#0000ff"> تدخل أمريكي مباشر!</font> <BR>ولهذا كان من الطبيعي أن تسعي الولايات المتحدة في الآونة الأخير لزيادة دعمها إلى قوات أمراء الحرب القدامى الذين كانت تحاربهم من قبل بعدما ظهر خطر أكبر على الجميع هو قوات المحاكم الإسلامية، وأن تغدق عليهم السلاح والأموال ولا تنفي هذا علنا أو تتحدث عنه، فضلا عن تصاعد التكهنات بأن تلجأ واشنطن لتدخل مباشر لضرب مراكز لقوات المحاكم لإضعافها أو التحالف مع قوي إقليمية – مثل أثيوبيا واريتريا - متضررة بدورها من تصاعد قوات المحاكم ومن احتمال تحول الصومال لدولة إسلامية، خاصة أن هناك أقليات من (الأورومو) المسلمين في أثيوبيا وهناك مخاوف من دعم الحكم الجديد في الصومال لهم. <BR>وقد أكد الاتحاد الأفريقي هذا التدخل الأمريكي حينما انتقد دينيس ساسو نجوسو (رئيس جمهورية الكونجو، والرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي‏),‏ دعم الولايات المتحدة لزعماء الحرب في الصومال‏,‏ معربا عن أمله في أن تساعد واشنطن الشعب الصومالي على إقامة حكومة حقيقية في مقديشو‏، وطالب ساسو - في مؤتمر صحفي عقب لقائه مع (الرئيس الأمريكي) جورج بوش‏,‏ و(وزيرة الخارجية الأمريكية) كوندوليزا رايس - إدارة بوش بعدم تقديم معونة لزعماء الحرب بالصومال وذلك لإنهاء الصراع هناك‏.‏<BR>كذلك ظهر هذا القلق الأمريكي من تصاعد دور ميليشيا المحاكم الإسلامية في الصومال وسيطرتها على حوالي 80% من البلاد -وبالتالي فشل المخطط الأمريكي في دعم موالين لها في الصومال - في صورة إعراب الولايات المتحدة عن قلقها بعد أن تمكنت ميليشيا المحاكم الشرعية الإسلامية من السيطرة على العاصمة الصومالية مقديشو في مواجهات مع ميليشيا تحالف زعماء الحرب‏، وقول (الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية) شون ماكورماك: " لا نريد أن تتحول الصومال إلى ملجأ للإرهابيين الأجانب ولدينا قلق حقيقي في هذا الشأن".<BR>ومع أن الإدارة الأميركية لم تؤكد رسميا ولم تنف إنها تدعم ماليا تحالف أمراء الحرب، فإن مسؤولين أميركيين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم أكدوا أنهم مدوا زعماء الحرب بالمال والاستخبارات للتصدي لما أسموه "المد الطالباني" في الصومال على اعتبار أن هناك وجه تشابه بين (قوات المحاكم الإسلامية) في الصومال، وقوات حركة (طالبان) في أفغانستان التي تشكلت من طلاب المدارس الإسلامية، فضلا عن أن الطرفين (المحاكم وطالبان) تحركا للسيطرة على الحكم بعدما تحولت بلديهما إلي مناطق حروب أهلية ونزاعات قبلية. <BR>إذ اقر البيت الأبيض الشهر الماضي أن الولايات المتحدة تدعم ما تسميه "الشركاء" المحليين للحؤول دون تمكن تنظيم القاعدة من إقامة "رأس جسر" في الصومال بدون أن تأتي على ذكر تحالف زعماء الحرب بوضوح، وعندما تعهدت الميليشيا الإسلامية بتحويل الصومال إلى دولة إسلامية وواصلت تقدمها شمالا لكسب المزيد من المناطق الإستراتيجية بعد انتصارها في معركة مقديشو، أكد عدد من المسؤولين بالإدارة الأمريكية تعاون واشنطن مع قادة الحرب‏، خاصة أن هذه أول مرة يطرد فيها أمراء الحرب من مقديشو منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد سياد بري في عام 1991 ما يؤكد قدرة (قوات المحاكم) على إعلان دولة مستقلة.<BR>وزاد من مخاوف الأمريكان تأكيد الشيخ شريف أحمد رئيس المحاكم الشرعية في مقديشو أن "الكفاح الإسلامي في الصومال" سيستمر إلى أن تقوم الدولة الإسلامية، وتأكيد مليشيا المحاكم الشرعية أن الهدف هو أن "تخضع البلاد كلها لحكم الشريعة"، وهو نفس ما قاله أنصار حركة طالبان في أفغانستان وهم يستولون على مدينة تلو الأخرى حتى سيطروا على أفغانستان.<BR>فضلا عن تهنئة رئيس الوزراء الصومالي المؤقت محمد على جيدي المقاتلين الإسلاميين على انتصارهم على أمراء الحرب، ما يعني تحالفه معهم، وفصله أربعة وزراء صوماليين يقودون ميليشيات لتحالف أمراء الحرب السابقين.<BR>بيد أن المشكلة الأمريكية الحقيقية هنا تتلخص في المخاوف من مرارة الهزيمة كما حدث في التجربة الأمريكية السابقة بالصومال ما بين عامي 1992 و1994، حين منيت القوات الأمريكية بخسائر كبيرة في الأرواح وخرجت مهزومة بطريقة مهينة، فضلا عن أن هناك تقارير عن أن أعداء أمريكا خصوصا من الجهاديين وأنصار القاعدة باتوا أكثر شغفا للتدخل الأمريكي في أي منطقة – ومنه دارفور – لكي يثخنوا الجنود الأمريكيين قتلا على غرار التجربة الأمريكية، خاصة بعدما حذر وزير الدفاع السوداني من أن دخول قوات دولية إلى دارفور سيحول الإقليم لبؤرة صراع، وسيجذب أنصار تنظيم القاعدة.<BR>وما يقلق الأمريكان أكثر أن هناك تقارير صحفية غربية أسهبت في الحديث في فبراير الماضي 2006 عن "ابن لادن الإفريقي"، وهي الصفة التي يحملها هارون فاضل (فاضل عبد الله محمد) أو "أبو سيف السوداني"، المتحدر من جمهورية جزر القمر، ويحمل إلى جانب هويته الأصلية، جنسية كينية، حيث أشار موقع "إستراتيجي بيج" المتخصص في الموضوعات الإستراتيجية إلى أن واشنطن رصدت 5 ملايين دولار ثمنا لرأس "أبو سيف السوداني" الذي يسيطر على خلايا القاعدة في الصومال، وإثيوبيا، وإريتريا، وتنزانيا واليمن، وهي تقارير تحذر ضمنا من فتح القاعدة جبهة قتال جديدة إفريقية ضد أمريكا لو تم نقل قوات غربية إلى هناك!!.<BR><font color="#0000ff"> ما هي المحاكم الإسلامية؟</font> <BR>ففي عام 1991، عقب سقوط حكومة سياد بري بالصومال وانتشار حالة من الفوضى، حاول العالم الأزهري الصومالي الشيخ محمد معلم حسن إنشاء محكمة شرعية بمنطقة "طورطيجلي" جنوب مقديشو بالتعاون مع شيوخ القبائل للفصل بين المتخاصمين بالاحتكام إلى الشريعة، غير أن الجنرال الراحل محمد فارح عيديد -الذي كان يسيطر على جنوب العاصمة آنذاك، وخلفه ابنه حسين عيديد (وزير الداخلية بالحكومة الفيدرالية الحالية) أحبط هذه المحاولة؛ لأنه اعتبرها محاولة لإضعافه.<BR>وفي بداية عام 1994 جرت ثاني محاولة فردية لتأسيس محكمة شرعية على أسس عشائرية بالشطر الشمالي من العاصمة، وعين الشيخ على محمود (طيري) رئيسا لها، حيث استطاعت بسط نفوذها على أجزاء واسعة من شمال العاصمة مستعينة بالميليشيات التي كونتها والتي جاء أغلبها من العشائر التي تفتقد للأمن، ونجحت المحاكم بالفعل في فرض النظام بعدما نفذت أحكام رادعة من الرجم إلي القصاص والإعدام.<BR>وفي عام 1997 ظهرت المحاكم الإسلامية في مقديشو لأول مرة، وكانت أشبه أن تكون بمثابة وزارتي عدل وداخلية، وذلك بعد فشل مبادرات فردية لإقامة محاكم بمناطق متفرقة في عامي 1991 و1994، بحيث كونت هذه المحاكم التي تستند إلى قاعدة الشريعة الإسلامية ميليشيات في كل قبيلة بالعاصمة لتقوم بدور وزارة الداخلية حيث نفذت عمليات مشتركة لإرساء الأمن في محاولة للقضاء على حالة الفوضى التي شهدتها البلاد في غضون الحرب الأهلية، وهو ما أكسبها نفوذا ومصداقية كبيرة لدى الصوماليين.<BR>بيد أن زعيم الحرب القوي آنذاك "علي مهدي محمد" دخل في صراع مع المحكمة وتمكن من القضاء عليها، وتفكيك أجهزتها القضائية والتنفيذية (الميليشيات)، مستعينا بدعم الحكومة الإثيوبية، ولكن المحاكم ظلت موجودة ضمنا داخل كل قبيلة لحل الخلافات بين أبنائها وانتشرت تدريجيا.<BR>ومع تصاعد أعمال العنف والفوضى عام 2001م، عادت الميليشيات لتلعب دورا عسكريا لفرض النظام، ونجحت في تنفيذ عمليات مشتركة شاركت فيها الميليشيات التابعة لها في كل قبيلة بالعاصمة، حتى وصل نفوذها إلى جنوب مقديشو.<BR>ومع استمرار الصراع بين أمراء الحرب وعدم اعترافهم بحكومة الرئيس صلاد حسن الانتقالية التي تمخضت عن قمة جيبوتي وتفشي الفوضى عقب سقوط هذه الحكومة مرة أخري، تم في عام 2005 تأسيس (المجلس الأعلى لاتحاد المحاكم الإسلامية) بمقديشو، وانتخب الزعيم الشاب الشيخ شريف شيخ أحمد رئيسا له، بحيث أصبحت العاصمة مقديشيو تضم ما لا يقل عن 11 محكمة شرعية تنتمي إلى تحالف معروف باسم المجلس الأعلى للمحاكم الشرعية بالصومال.<BR><BR>وقد اتبع الاتحاد هذه المرة سياسة عدم الصدام بأمراء الحرب لحين التمكين وتكوين جيش قوي من الميليشيات الإسلامية المدعومة من القبائل والعشائر التي تبحث عن الهدوء والاستقرار، حتى نجح في تشكيل قوة قوامها أكثر من خمسة آلاف مقاتل مسلحين بشكل جيد، وتزايد عددها مع انتشار حالة التدين في المنطقة ودخول العديد من الشباب المتدين تحت إمرة هذه القوات بشكل غير رسمي خصوصا أنها قوات شبه شعبية يسهل تجميعها أو تسريحها.<BR>كما زاد من قوة هذه المحاكم ما تسرب عن دعم الأمريكان لأمراء الحرب السابقين الذين نشروا الفوضى في البلاد، ما أثار حفيظة الأهالي الذين ذاقوا ويلات الحرب على يد القوات الأمريكية التي تدخلت في الصومال في الفترة من 2002 حتى 2004، فضلا عن استشعار الأهالي الهدوء والنظام الفعلي في ظل سيطرة المحاكم.<BR>ومع هذا يلعب أمراء الحرب على وتر تجاهل المحاكم الإسلامية لقادة القبائل والعشائر وعدم ضمهم ضمن تشكيلة المجلس الأعلى للمحاكم،وبالتالي استمرار ولاء بعض العشائر لأمراء الحرب، كما يلعبون على وتر تعرض مصالح بعض القبائل لمخاطر بسبب وجود هذه المحاكم وسيطرتها على الأمن في العاصمة، وهو تحدي خطير سبق أن واجهته حركة طالبان في أفغانستان ولم يتعلم منه قادة المحاكم في الصومال حتى الآن.<BR>ترى هل يعرقل نمو نشاط هذه المحاكم الإسلامية وطردها أمراء الحرب المدعومين أمريكيا الخطط الأمريكية لفرض منطقة نفوذ في إفريقيا وتحديدا منطقة القرن الأفريقي؟ وهل يفيد ذلك حكومة السودان في سعيها لرفض الوجود الأجنبي (الأمريكي) في دارفور؟ والأهم هل تنجح هذه المحاكم في تلافي أخطاء تجربة حكومة الملالي أو طلبة العلم الديني في أفغانستان؟<BR><br>