الضرورات اللازمة للحركات الساعية للتغيير
2 رجب 1427

يمور عالمنا العربي والإسلامي بحركات اجتماعية وسياسية تدعو إلى التغيير والإصلاح في مجتمعاتها وبقدر حاجة تلك المجتمعات إلى الإصلاح والتغير بقدر حاجة تلك الحركات التي أخذت على عاتقها السعي للتغير والإصلاح ذاتها إلى مجموعة من الشروط الجوهرية تزيد من احتمالات نجاحها في تحقيق أهدافها، فمن الطبيعي أن تقوم الحركة التي أدركت مواطن الخلل في مجتمعاتها بسد ثغرة تلك المجتمعات وتأطير مسيرة الإصلاح فيها <BR><font color="#0000FF">لعل أول ضرورات الحركات الساعية للتغير والإصلاح هو توافرها على رؤية شاملة دقيقة </font> لواقعها المحلي والإقليمي والدولي ولشبكة علاقاته ومعادلات توازنه وصراعاته، رؤية تستشرف المستقبل ، رؤية متماسكة تدرك موازين القوى ومصالح الأطراف الكبرى، ومعوقات السير بمشروعها، رؤية تعرف مقدار تعقيدات إنزال المشاريع الحضارية من عالم المثال إلى أرض الواقع، هذه الرؤية هي الخارطة والبوصلة وأجندة العمل التي إن افتقدتها الحركة الساعية للتغيير كانت ما تفسده أكثر مما تصلحه وربما أتت بسوء إدراكها وضعف تخطيطها على أصل المشروع الإصلاحي ذاته، وكانت من عوامل تكريس الأوضاع الحالية لا العمل على النهوض بواقعها، وأحسب أن غياب الرؤية حينا وضبابيتها أحيانا كثير من أهم مثالب الحركات الساعية للتغير <BR><font color="#0000FF">ثاني الأمور الضرورية للحركة الساعية للتغير هو ضرورة توفر مقومات التكتل الصحيح سواء في عالم الفكر أو في عالم التنظيم أو في عالم الحركة ، </font> وهذا أمر أساس في نجاح الحركات الساعية للتغير أما أهم مقومات التكتل الصحيح فهي: <BR>- الوعي على الفكرة بحيث لا توجد تشققات واضحة في الهيكل الفكري العام للحركة وأن تتسم أفكارها بالاتساق الذاتي، وأن تنساب منظمة الأفكار بشكل متوازن من أعلى الهيكل الإداري للحركة إلى أسفله بدون منعرجات أو تحويرات تفسد أصل الفكرة، أو تجعل التباينات بين عناصرها كبيرة وأن يتم تبني للفكرة نفسها على مستوى القيادات العليا والوسيطة والقواعد الجماهيرية، مع التأكيد هنا الفراغ والضحالة الفكرية وتجهيل القواعد قد يؤتي نفس النتائج لكن على المستوى القصير فقط أما استراتيجيا فريثما يعرف هؤلاء المقودين ضعف القدرات الذاتية لمن يقودنهم وخلو حركتهم من رؤية شاملة تتحدد فيها خطوات السير وتتحسب لمعوقات الطريق إلا وينفضون عنها وينعون أعمارهم التي ضاعت في شعارات لم تسمن ولم تغن في عملية التغير والإصلاح التي عاشوا دهرا يحلمون بها، وربما واصل بعضهم السير لكن تلك الحركة لن تعدو أن تكون تجمعا هلاميا لا يعول عليه كثيرا في عملية الإصلاح الشامل فمن المعلوم عقلا وشرعا أن فاقد الشيء لن يكون بمقدوره أن يمنحه للآخرين <BR>- إدراك لمنهج الإصلاح والتغيير، وإدراك للفروقات الواضحة بين الوسائل والغايات وبين الاستراتيجي والتكتيكي،مع إدراك إبداع اللحظة وأن الجماهير أحيانا يكون في مخزوناتها النفسية والفكرية ما تعجز عنها القوى التي تزعم الإصلاح وتدعي لنفسها حق قيادة تلك الجماهير، إن الحركة الساعية للتغير عليها أن تدرك حجم مساحات الفراغ الحركي بين تصورات تلك الحركات ذاتها وعفوية الجماهير حتى تظهر إبداعات الجماهير في حركتها الذاتية، بحيث تكون الحركات هنا تقود الأمة لا تجاهد نيابة عنها، وتكون هي خميرة النهوض، وإنزيم التفاعل بين الأمة وتحديد مستقبلها، وتحمل تبعاتها المواجهة وتداعيات الإصلاح، لا بديلا عن الأمة في مجموعها، ولا عن قواها السياسية على اختلاف توجهاتها الفكرية والأيديولوجية، ولا مستأثر بمقدرات حركة الجماهير وفارض لشروطه عليها، أو مستغلا لقدراته التنظيمية في فرض أجندة خاصة <BR>- أن يكون التكتل على القاسم المشترك في منظومة الأفكار الإسلامية والوطنية نفسها، وأن تدرك الحركة مساحات الاختلاف بين الواحدية الفكرية وتنميط الأشخاص داخل قوالب جامدة، فالتكتل على الفكرة لا يعني محو الفروق الفردية زمانا ومكانا وأشخاصا وحالا، مع إدراك أن الأصل أن الحركة الساعية للتغيير تقوم بتبني أفكارا معينة تنشرها وسط أفرادها ومجتمعها وبقدر نجاحها في نشر تلك الأفكار وتلك الرؤية بقدر ما تعزز إمكاناتها في إحداث التغيير المنشود، وبقدر تجسيد أفرادها لأفكارها وقدرتهم على التحرك الذاتي في المجتمع بتلك الأفكار والدعوة لها بقدر قدرتهم على إكساب تلك الرؤية قوة شعبية تدعم مسيرة الإصلاح، وبقدر ما تحمل الأمة تلك الرؤية بقدر ما كان هذا إيذانا بأن تطبقها الدولة <BR><font color="#0000FF"> ولعل هذا ما يجرنا للحديث عن الأمر الثالث وهو تفاعل الحركة في المجتمع والتأثير في الجماهير </font> مع احترام الجماهير في عفويتها وذاتيتها وأنها لا تعبر عن نسق قيمي واحد، ولا عن نمط حياة واحد، واستبعاد كل النظرات التحقيرية للجماهير، أو محاولات وزنها بمعايير أيديولوجية أو تنظيمية معينة، فالحركة الساعية للتغيير تتعامل مع الجماهير كما هي، تدرك قصورها عن بعض مثاليات الحركة وتدرك واقعها الذي أحيانا لا تستطيع الانفكاك عنه، تقبل منها ما يمكنها إعطائه وتعذرها فيما لا تبلغه قواها، وتتعامل معها من منطق الندية والاحترام وتبعد تماما عن منطق التوظيف والاستخدام، ولا تتذاكى على البسطاء فضلا ان تحاول خداعهم، أو توظيفهم في مشاريع ذاتية، ذلك أن على الحركة الساعية للتغير أن تتبنى مصالح الأمة في مجموعها، وتقدم لها حلولا لمشاكلها تظهر فيها روعة الإسلام.<BR><font color="#0000FF"> رابع الأمور الضرورية للحركات الساعية للتغيير هو الوعي السياسي بالظروف والأحداث العالمية والمحلية، </font> فلا يمكن لحركة تسعى للتغير ألا تدرك تعقيدات البيئة الدولية ولا تداخل شبكة العلاقات والمصالح للأطراف الدولية الكبرى التي ترسم خرائط مصالحها باتساع خرائط الكون، ولا يمكن لحركة تغيير تسعى لقيادة الأمة ألا تتسلح بالوعي السياسي اللازم الذي يكفيها غوائل التسخير أو يكبلها بمغريات التمويل، أو يشل فاعليتها بالاحتواء أو يدفعها دفعا لاحتمالات الصدام فيعجل بالانهيار أو يحتويها وسلب مشروعها فاعليته في التغيير <BR>إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره كما يقول الأصوليون، والحركات الساعية للتغيير لا تتحرك في فراغ، لا فراغ فكري كما يتصور قسم كبير من أركانها ولا فراغ تنظيمي ولا فراغ أيديولوجيات ومصالح، بل أحسب ان العكس هو الصحيح فالمشكلة هي في زحمة تلك الأفكار والأيديولوجيات والحركات التي تزعم التغيير أو تدعو له أو تعمل على ثغرة من ثغراته، وتبقى مشكلة الحركات التي لها توجهات أيديولوجية معينة هي كيف تسير بمشروعها وسط تلك الزحمة من المشاريع، التي بعضها ممول خارجيا، وكيف تواجه تلك الأنظمة المدعومة دوليا، ولعل هذا ما يجرنا للأمر <font color="#0000FF"> الضروري الخامس وهو إدراك الحركات الساعية للتغيير لشروط القصور الذاتي، </font> وأنها لا تملك معظم عوامل النجاح فضلا عن امتلاك أدوات تحقيق نصرا ناجزا في بيئة دولية غير مواتية، إن ذلك الإدراك للعوامل المضادة للتغيير سواء ما كان منها خاص بطبيعة الحركة أو خاص بالبيئة الخارجية ربما كان أرجى في ميزانها من أوهام الانتصارات الزائفة، أو المكاسب العاجلة، التي هي في جوهرها تذهب جفاء <BR><font color="#0000FF">الضروري السادس للحركات الساعية للتغيير هو إدراكها للفروقات بين العمل على صعيد المجتمع والعمل على صعيد الدولة </font> وان النجاح في الأول شرط ضروري ولازم للنجاح في الثاني وربما امتلكت أدوات النجاح في المستوى الأول ولم تحرزها على نفس الدرجة في الثاني، لكن من الضروري أن تعلم كيف تتدخل على الدولة من أبواب متفرقة في المجتمع، فتدخل عبر البوابة السياسية من خلال الانتخابات، وتدخل عبر البوابة الثقافية من خلال الكتاب والمحاضرات العامة، وتدخل عبر البوابة الإعلامية من خلال الصحيفة والفضائيات ، وتدخل عبر البوابة الدعوية من خلال المسجد والمراكز الإسلامية الضخمة، وتدخل عبر البوابة التعليمية من خلال المناهج والمعلمين<BR><font color="#0000FF">ولعل ذلك ما يجرنا للحديث عن الضروري السابع وهو التركيز على أن تكون الحركة الساعية للتغيير جزءا طبيعيا من النسيج الاجتماعي العام، </font> وبقدر ما يكون للحركة الساعية للتغيير نفوذ واضح في البناء الاجتماعي وقدرة على التمدد في بنية المجتمع ومفاصله ومراكزه العصبية عبر البوابة العريضة للعمل الاجتماعي والخيري والتطوعي وحسن استغلال لأدوات العمل الاجتماعي تحفيزا وتجنيدا وتنظيما وتطوعا وتمويلا، وبأداء يتسم بالنفس الطويل وعدم الملل كما يتسم بالابتكار والإبداع وجودة الإخراج والعرض لجذب قطاع واسع من شرائح المجتمع <BR><font color="#0000FF">الضروري الثامن هو الحرص على عدم تسييس العمل الاجتماعي </font> وعدم استخدامه كأحد أدوات الصراع مع النظم الحاكمة وعدم الزج به في أتون المعارك السياسية الآنية، ومن المهم أن تدرك الحركات الساعية للتغيير أن العمل الاجتماعي هو رصيد الأمة الحقيقي ومكنون خيريتها والضمن لاستمرار الحد الأدنى من التوازن الاجتماعي عندما تنهار هياكل الدولة الخدمية في التعليم والصحة وغيرها من عناصر الضمن الاجتماعي، ومن المهم أن يظل العمل الخيري ركيزة من ركائز استمرار فكرة العمل الإسلامي في المجتمع وأن يكون بعيدا تماما عن النزال في المعارك التكتيكية والأهداف قريبة المدى <BR><font color="#0000FF">الضروري التاسع اللازم للحركات الساعية للتغيير هو بساطة الرسالة التي تحملها تلك الحركة مع الحرص على عمق تلك الرسالة في ذات الوقت، </font> وكلما استطاعت الحركة الساعية للتغيير أن تصل برسالتها إلى أكبر شريحة ممكنة من الجماهير وفي نفس الوقت عملت على إقناعهم بعدالة قضيتها، وأن الهدف الرئيس هو مصلحة تلك الجماهير ومستقبل أبنائها وحقهم في غد افضل، كلما شعرت تلك الجماهير أنها تهب حماية لمصالحها وليس لمصلحة حركات التغيير ذاتها <BR><font color="#0000FF">يبقى الأمر الضروري العاشر وهو إدراك أن الزمن جزء من العلاج </font> بشرط استيفاء بقية شروط النجاح، بمعنى أن الزمن المجرد ليس جزءا من العلاج بل ربما كان جزءا من المعضلة لو مر الزمن ولم تستكمل تلك الحركات الساعية للتغير أدوات إحداث إنجازات واضحة على الأرض، سواء في بلورة مشاريعها الفكرية أو زيادة عدد أنصارها وداعميها أو اتساع رقعة المتبنين لأفكارها أو مضاعفة حجم الشريحة التي لا تتضارب مصالحها مع مشروع تلك الحركة الساعية للتغيير، أو بلورة أطر تنظيمية تفعل قوى الأمة ولا تعامل معها بمنطق مع أو ضد أو داخل الصف وخارجه، أو تكون الكارثة عندما يسود منطق خطابها ضمير "نحن" المنضوين تنظيميا تحت لوائها و"هم" بقية أبناء الأمة، وساعتها لن تكون تلك الحركة مؤهلة لإحداث أدنى تغيير في واقعها، فضلا عن حاجتها هي للتغير والإصلاح الداخلي، فسنن الله غلابة وسنن الله لا تحابي أحد وهي سنن "قوانين ثابتة" لا تتبدل ولا تتحول ولنا في غزوة أحد درس ولنا العبرة في قوله تعالى: "أولا لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها ، قلتم أنى هذا، قل هو من عند أنفسكم" والله أعلم <BR><br>