المستنقع الأفغاني يتسع في كافة الاتجاهات
10 شوال 1427

مرة أخرى قام الجيش الباكستاني بشن هجوم على مدرسة دينية بحجة أنها تستخدم من جانب القاعدة وهو الذي يأتي بعد القصف الذي نفذته طائرات عمودية أمريكية على موقع قريب بالمنطقة القبلية ذاتها بتاريخ 14 يناير. الرئيس الباكستاني زعم بان الهجوم جاء بعد تحليل دقيق للوضع والتأكد من الضحايا ليسوا أبرياء وأن من يدعي ذلك كاذب وأن المدرسة التي قتل فيها 82 شخصا في هجوم فجر الثلاثين من أكتوبر كانت تستخدم لأغراض التدريب. القيادة العامة للجيش الباكستاني رفضت التقارير التي أشارت إلى مشاركة طائرات عمودية أمريكية في الهجوم وقالت: إنها تلقت معلومات استخباراتية بان 70 إلى 80 مسلحا متواجدون بالمدرسة التي تستخدم لأغراض تدريب الإرهابيين على السلاح والتي قام الجيش بتدميرها من خلال شن قصف جوي تقوده طائرات عمودية تابعة للجيش الباكستاني!<BR>وبناء على الحقائق المتوافرة فان هناك ثلاث نتائج رئيسية مستخلصة منها، الأولى أن الأمر كان هجوما إرهابيا عسكريا والثانية ان رقعة المواجهات الدامية في أفغانستان تتسع ميلا بعد آخر والثالثة أن عسكر باكستان يحفرون لجيشهم قبرا عميقا كلما قاموا بتبني وبتقليد الاستراتيجيات والعمليات التكتيكية التي تتبعها قوات الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي بالعراق وفلسطين. وبعبارات أبسط فان الجيش الباكستاني يكثر من أعدائه مع تحول فوهات بنادقه باتجاه أبناء شعبه جاعلا من باكستان مشروع عدم استقرار وانعدام أمن شبيه إلى حد كبير بما هو قائم بالمستنقع الأفغاني الذي غرقت فيه قوات حلف الناتو متصدرة المواجهة مع طالبان بدلا من القوات الأمريكية التي تفرغت لمهام توطيد وترسيخ وجودها في ذلك البلد. <BR>ولكي ندعم الرأي بان هذا الهجوم كان هجوما عسكريا إرهابيا فانه لا مناص من سرد الحقائق التالية، أولاً: أن الهجوم تم تنفيذه بدون أن تكون هناك محاولة للقبض على هؤلاء المزعوم بأنهم إرهابيون والذين تدعي قيادة الجيش الباكستاني بأنهم مقاتلون مسلحون. والثانية أن ما يسمى بالإرهابيين والمقاتلون لم يكونوا مشتبكين في مواجهة مسلحة أو إطلاق نار بل كانوا نائمين في ساعات الصباح الأولى وتم اتخاذ قرار تدمير المدرسة الدينية على من فيها من قيادة الجيش الباكستاني على الرغم من علمها اليقيني بأن في المدرسة أطفال صغار يتلقون علوم القران الكريم والحديث الشريف وأن هذين الأمرين هما سبب الغل والحقد لدى بعض أزلام الحداثة المزعزمة في إدراة المؤسسة الحاكمة بباكستان. إنهم يريدون تخويف الآباء الفقراء من اللجوء إلى المدارس الدينية كسبيل وحيد لتمكين أولادهم من الحصول على التعليم المجاني في وقت أصبحت فيه نفقات التعليم بالمدارس الحكومية الباكستانية "المجانية" لا تطاق من أبناء الطبقات الوسطى فكيف سيكون الحال لدى الفقراء وهم الأغلبية الساحقة. أن الهدف المستقبلي لهذا الهجوم هو القضاء على مدارس التعليم الديني بخطط منهجية مدروسة ومحللة بدقة. والحقيقة الثالثة هي أن المنطقة التي وقع فيها القصف الجوى لم تكن بمنأى عن وحدات الجيش الباكستاني التي تستطيع الوصول إليها بسهولة بالغة. والرابعة ان المنطقة واقعة في إطار التحرك القانوني والدستوري للجيش الذي يستطيع محاصرتها والقبض على كل من بالمنطقة وليس من في المدرسة وحسب بدلا من قتل " الشياطين الإرهابيين " كما اسماهم المتحدث الرسمي باسم الجيش. والحقيقة الخامسة هي أن شجعان فصيل الصاعقة الذي كان ينتمي إلى وحداته الرئيس مشرف كانوا يستطيعون ركوب طائرات الجيش العمودية والقيام بإنزال مسلح على المدرسة وتنفيذ عملية احتلالها بدون خسائر واعتقال من فيها وبوسعهم أيضا قتل من يحاول مواجهتهم _إن وجد_. والسادسة أن الحكومة إن اعتقلت من تصفهم بأنهم إرهابيين فإنها ستكون قادرة على عرضهم على الرأي العام وتبرئة نفسها من أي جريرة. والسابعة أنه في حالة ما تمكن الإرهابيون المزعومون من الهرب فإن الجيش سيكون قادرا على إظهار أن المدرسة ليست مدرسة دينية بل معسكرا للتدريب أما وقد انهار كل شيء فإن دليلا واحدا لا يوجد على ذلك الآن. كما أن الحكومة والجيش سيكونان قادرين على مقايضة " الإرهابيين " بملايين الدولارات مع الولايات المتحدة. فقد ظهرت أنباء مؤخرا عن أن الحكومة والجيش الباكستاني قد استلما بلايين الدولارات لقاء تسليم أشخاص – إرهابيين كانوا أو أبرياء – للقوات الأمريكية طوال السنوات التي تلت القصف الأمريكي للأبرياء والعزل في أفغانستان وإرغام حركة طالبان على العودة للجبال كما كان الحال ابان سنوات الحرب السوفييتية – الأفغانية في ثمانينات القرن الماضي.<BR>بدلاً لن يتبع الجيش الباكستاني أي واحدة من الخطوات الآنفة الذكر فإنه فضل أن يسير على خطى القصف الجوي الذي تنفذه قوات الاحتلال الأجنبي بأفغانستان وبدا القصف من شدته وكأن أفراد القوات الباكستانية ينفذونه خارج نطاق الأراضي الباكستانية وأدى إلى تسوية المدرسة بالأرض والأبرياء بداخلها وهم نيام، والحقيقة التي لا يغفلها كثيرون هي أن هذا الجيش لم يعد يفكر باستخدام قدراته خارج أراضي بلاده لأسباب كثيرة في مقدمتها ترهل قياداته واهتمامها بأي شيء باستثناء ما هو في نطاق مهامها العسكرية، إلا أن مهاجمة العزل أمر سهل يمكن أن يقوم به شجعانه الذين تخشى قيادتهم من قيام الولايات المتحدة بإعادة باكستان إلى العصر الحجري إن هي لم تنصاع لإملاءاتهم.<BR>ومهما لجأت قيادة الجيش إلى قوله من تبريرات فإن المظاهرات الغاضبة دليل على أن السكان المحليين يعرفون حقيقة الأمر ويدركون مدى براءة الأطفال الذين أدى القصف الشديد إلى عدم تعرف المواطنين على ما تبقى من أشلائهم التي كانت تجمع متناثرة بالمكان. فقبل يومين من القصف قام قرابة 3000 شخص من المنطقة التي بها المدرسة بمظاهرة تندد بالحكم العسكري الباكستاني وبالاحتلال الأمريكي لأفغانستان ويمكن للمرء تخيل مشاعرهم بعد مقتل طلاب هذه المدرسة الدينية.<BR>القصف الباكستاني للمدرسة الباكستانية جاء بعد عدة أيام من الزيارة التي قام بها الجنرال جيمس جون (قائد قوات حلف الناتو للعاصمة الأفغانية كابل) والتي أعرب فيها عن عدم ارتياحه من أداء الأجهزة الأمنية الباكستانية وعدم مقدرتها على وقف ما اسماه بتسلل المقاتلين إلى أفغانستان من الأراضي القبلية الباكستانية. وقبله قام (الرئيس الأفغاني) حامد كرزاي بتوجيه اتهامات مماثلة لباكستان وطالبها بمهاجمة مراكز التدريب على أراضيها. وقيام باكستان بهذه العملية يثبت قبولها بمحتوى هذه الاتهامات التي كانت في السابق تنفيها وترفضها رفضا قاطعا وتصفها بأنها لا أساس لها من الصحة. وربما تعرضت المؤسسة الحاكمة في باكستان للمزيد من الاتهامات والضغوط الخارجية التي قد تدفعها لشن هجمات مشابهة في أماكان أخرى بالحزام القبلي المحيط بحدودها مع أفغانستان. ومما يبعث على السخرية أن (الرئيس الأفغاني) حامد كرزاي يحاول مد يد التفاوض للملا عمر زعيم حركة طالبان التي تطلب رأسه ويحتج كذلك على القصف الجوي الذي تنفذه قوات التحالف الغربي ضد أبناء شعبه في الوقت الذي يقوم فيه الجيش الباكستاني بقصف مواطنيه العزل الذين عقدوا اجتماعا لأهل الحل والعقد قبل أيام من هذا القصف اتفقوا فيه على ولائهم لباكستان ورغبتهم في إحلال السلام بمناطق القبائل؛ وبدلا من أن تصبر قيادة الجيش وتدخل في تفاهمات معهم عاجلتم بقتل طلابهم الدينيين. سلوك المؤسسة الحاكمة في باكستان سيرسل إشارات سلبية وقاتمة إلى بقية مناطق القبائل وسيعود بالضرر كذلك على الاتفاقية السلمية التي عقدها الجيش مع قبائل إقليم وزيرستان والتي أنهت عامين من المواجهات الدامية.<BR><br>