سر الانقلاب في الموقفين المصري والأردني من حماس!
12 جمادى الثانية 1428

انقلاب بـ 360 درجة.. هكذا هو الوصف الدقيق لتفسير الموقف المصري تحديدا وبصورة ما الموقف الأردني من أحداث غزة وما سمي "انقلاب حماس علي الشرعية"!.<BR>فبعد سلسلة تصرفات وتصريحات غاضبة وقاسية ضد حركة حماس من قبل مسئولين مصريين تتهم قادة الحركة بأنهم "أمراء حرب" وأنهم "انقلابيون"، وتحذر من "إمارة إسلامية" علي حدود مصر وتؤكد انتقال السفارة المصرية من غزة للضفة، وتتهم إيران بأنها وراء تحريض حماس علي الانقلاب العسكري في غزة، بدأ نوع من التهدئة المفاجئة قاده الوزير عمر سليمان مدير المخابرات حينما اتصل برئيس الوزراء "هنية" لبحث مسألة استئناف الحوار بين فتح وحماس .<BR>ثم كانت المفاجأة الكبرى بتصريحات الرئيس مبارك‏ خلال قمة شرم الشيخ، فبينما الجميع يتوقع استمرار ذات الهجوم المصري علي حماس في حضرة الرئيس الفلسطيني عباس الممثل لتيار حركة فتح، إذا باللغة المصرية تختلف تماما وتميل للتهدئة والمطالبة بسرعة الحوار بين فتح وحماس، والتقليل من خطر ما يشاع عن أن‏ سيطرة حماس علي غزة هدد أمن مصر القومي‏.<BR>فالرئيس حسني مبارك‏ قال إن القمة الرباعية لم تكن معنية بالمشكلة القائمة بين حركتي فتح وحماس باعتبارها مشكلة داخلية‏ ، وقال إن سيطرة حماس علي قطاع غزة لا تمثل تهديدا للأمن القومي المصري‏,‏ وقال "نحن لا نخاف من هذه الأشياء‏,‏ وإننا قادرون علي وضع حد لهذا الموضوع".‏<BR>أيضا‏ ‏أكد الرئيس حسني مبارك أن الوفد الأمني المصري سيعود إلي قطاع غزة بعد هدوء الأوضاع هناك‏,‏ وقال‏,‏ في حديث لصحيفة يديعوت أحرونوت "الإسرائيلية"‏:‏ إنه لابد من فترة هدوء لالتقاط الأنفاس‏,‏ وعندها نستطيع العودة إلي الحوار الفلسطيني"‏,‏ ما ينفي ما قيل سابقا عن أن الوفد المصري لن يعود لغزة إطلاقا بعد نقل السفارة المصرية لرام الله . <BR>وحتى ما قاله وزير خارجية مصر بشأن الدور الإيراني في تحريض حماس وأن "سياسة إيران في الشرق الأوسط تشكل تهديدا للأمن القومي المصري ، متهما طهران "بتشجيع حماس" على فرض سيطرتها الأمنية على قطاع غزة ..كل ذلك نفاه الرئيس مبارك ، وقال: إن هناك اتصالات وتبادل آراء وحوار موجود مع إيران ، ونفي ما يتردد بشان تدخل أطراف دولية – في إشارة لإيران - في الخلاف الفلسطيني الداخلي، قائلا : "هناك شائعات كثيرة، وطالما أننا لا نملك دليلا قويا على ذلك، فلا أستطيع إقامة اتهام على أحد " .<BR>أيضا لوحظ أن عاهل الأردن الملك عبد الله سعي بدوره للحديث عن ضرورة توحيد الضفة وغزة وعدم انفصالهما، وأشار لضرورة الحوار الفلسطيني الفلسطيني الداخلي، وخفف نسبيا من الموقف الأردني الأولي الخاص بمساندة عباس واتهام حماس بالمسئولية عما جري .<BR>فما الذي جري ولماذا غيرت مصر والأردن مواقفهما قبل وأثناء قمة شرم الشيخ من تعليق الجرس في رقبة حماس وحدها وكيل الاتهامات لها .<BR><font color="#ff0000">فتش عن الخطة الصهيونية! </font><BR>حقيقة الأمر أن القاهرة التي كانت تبني سياستها علي التوازن والحياد بين الأطراف الفلسطينية باعتبارها هي الوسيط المحايد بين الفصائل المختلفة وعنصر توحيدها ، وكانت تلعب هذا الدور بهدف الحفاظ علي استقرار الوضع الفلسطيني وتوحيد المواقف بين الفصائل بهدف الانتقال للمرحلة الأهم وهي مرحلة التفاوض مع الدولة الصهيونية علي القضايا الفلسطينية الأم مثل القدس والحدود واللاجئين وغيرها .<BR>وأحد الأهداف المصرية هنا هي توفير الاستقرار في غزة والأراضي الفلسطينية عموما لأن التوتر هناك ينعكس غالبا علي منطقة الحدود مع مصر في رفح ، ليس فقط نتيجة تطاير رصاص الصهاينة علي المصريين عبر الحدود وهم يطاردون المجاهدين المقاومين ، والذي ينتج عنه وفيات وإصابات كثيرة بين المصريين ، ولكن أيضا لأن هذا الاستقرار يغني مصر عن مجابهة مشكلات أخري مثل عمليات التهريب للسلع والسلاح عبر الحدود ، بعضها يتسبب في مشكلات مع أمريكا خصوصا أن مسألة تهريب السلاح هذه استغلها نواب الكونجرس الأسبوع الماضي في خصم 200 مليون دولار من مبلغ المعونة العسكرية المقدمة لمصر لأول مرة منذ بدء هذه المعونات في نهاية حقبة السبعينات. <BR>ولأن التغيير في الموقف المصري المناهض لحماس كان من الممكن أن يؤثر مستقبلا علي حيادية الدور المصري في الوساطة بين الفصائل المختلفة ، وعلي تشدد حماس وفصائل المقاومة، وقد يدفع مستقبلا لعدم قدرة مصر علي السيطرة علي الأوضاع في غزة وينقل لها التشدد عبر رموز محسوبة علي الفكر القاعدي بدأت تظهر في غزة كنوع من الرد الإحباطي علي استمرار الحصار.<BR>من هنا جاء تنبه القاهرة السريع لضرورة العودة لخط التوازن والاعتدال فيما يخص التعامل مع الفصائل الفلسطينية المختلفة واستمرار دورها الوساطي ودعوة الفصائل للحوار لأن استمرار الوضع الحالي وفصل غزة عن الضفة هو هدف صهيوني قديم ، كما أن الصهاينة شرعوا علي الفور – عبر سلسلة إجراءات – في دعم الرئيس عباس بالمال والسلاح والأفراد (السماح للواء بدر الفتحاوي بالمرور من الأردن للضفة) .<BR>والأمر نفسه ينطبق علي موقف الأردن ، فالمملكة أدركت بدورها أن مساندة عباس في تشدده ورفضه للحوار مع حماس في غزة سوف يرسخ في نهاية الأمر انفصال غزة والضفة وسيكون لصالح الدولة العبرية ، وأن استمرار انفصال الضفة عن غزة يجدد المشروع الصهيوني القديم الداعي لضم الضفة للأردن وضم غزة لمصر كما كانوا قبل حرب 1967 طالما أصبحتا إمارتين منفصلتين .<BR>فاستمرار رفض عباس للحوار وفرضه للشروط والمراسيم الجمهورية (التي بلغت حوالي 8 مراسيم في خمسة أيام) بدون ضوابط يرسخ انفصال الضفة عن غزة، ويقضي علي حلم إنشاء دولة فلسطينية في الضفة وغزة معا، وبالتالي يرسخ معالم المشروع الصهيوني مستقبلا بشأن إشراف الأردن علي الضفة وإشراف مصر علي غزة.<BR>ولأن مصر تخشي هذه الوصاية الداخلية علي غزة ورفضتها عدة مرات عندما أقترحها الصهاينة لأن معناها إنهاء حلم الدولة الفلسطينية من جهة، وتهديد الأمن القومي لمصر من جهة أخري بتحملها عبء قرابة مليوني فلسطيني هناك، مع مشكلاتهم المتعددة، فقد كان من الطبيعي أن تسارع لطلب الحوار لحد تحديد الرئيس مبارك مهلة قصيرة للرئيس عباس لا تزيد عن شهر واحد للحوار مع حماس، وأن تسارع لطلب تدخل فصائل أخري تارة قريبة من فتح (الجبهة الشعبية) وتارة قريبة من حماس (الجهاد) قبل أن تتسارع الخطوات الصهيونية والأمريكية للضغط علي عباس وترسيخ هذا الانقسام.<BR>أيضا يخشى الأردن من فكرة ضم الضفة له أو إشرافه عليها بسبب وجود حساسيات قديمة بين الأردنيين والفلسطينيين منذ حرب "أيلول الأسود" عام 1970، وخصوصا أن مسألة ضم الضفة للأردن وعيش الفلسطيني في الأردن فكرة "إسرائيلية" قديمة يرفضها التاج الملكي بسبب تزايد أعداد الفلسطينيين في الأردن والخشية من هيمنتهم علي الدولة الهاشمية وتحويل الأردن لدولة فلسطينية في نهاية المطاف أو دولة ذات أغلبية فلسطينية لا هاشمية أردنية.<BR><BR>القضية أصبحت واضحة بالتالي بعدما انقشع الغضب الذي غلف موقفي مصر والأردن من سيطرة حركة حماس المحسوبة علي جماعة الإخوان المسلمين التي يحاربها النظامان في القاهرة وعمان.. فاستمرار مناهضة حماس وعزلها يعني عزل غزة عن الضفة وتحقيق الهدف الصهيوني الخاص بإجهاض فكرة الدولة الفلسطينية وتوزيع الفلسطينيين علي مصر (غزة) والأردن (الضفة الغربية) .<BR>ولو تحقق هذا الهدف الصهيوني عمليا، فسوف ينتقل عبء المسئولية عن الفلسطينيين بمشاكلهم المختلفة لكل من مصر والأردن مع ما قد يحمله من مخاطر على أمنهما القومي.<BR>فبالنسبة لمصر يصعب تحمل مسئولية السيطرة علي إقليم كامل يضم نحو مليوني فلسطيني غالبيتهم يتبنون نهج حماس وجماعة الإخوان المسلمين، خصوصا أن أي خطأ في التعامل معهم يضر الأمن القومي المصري، ويكفي أن الممارسات الأمنية الخاطئة مع مصريين في شمال مصر مثل بدو سيناء دفع بعضهم للتعاون مع "إرهابيين من تنظيم القاعدة" في تدبير سلسلة تفجيرات في سيناء، فما بال الأمر بفلسطينيين كلهم يحملون السلام تقريبا!.<BR>أما بالنسبة للأردن فالمسألة أعقد وأخطر وتتعلق بكيان وهوية الدولة الأردنية نفسها التي يمكن أن تصبح علي المحك في حالة ضم الضفة لها أو نقل الإشراف عليها لعمان ، والأمر يطلب بالتالي السعي لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما يتطلب بدوره توحيد غزة والضفة وتوحيد مواقف الفصائل الفلسطينية خصوصا فتح وحماس ونزع فتيل التوتر بينهما.<BR> <BR><BR><br>