هل تشعل "المدارس" ثورة إسلامية في باكستان؟
25 رجب 1428

لم يحدث صدام وتندلع نيران عارمة علي أساس ديني بين الحكام العسكريين وعلماء المسلمين والقبائل في باكستان مثلما يحدث الآن بين الرئيس برويز مشرف وقادة ومشايخ قرابة 13 ألف مدرسة إسلامية مختلفة في باكستان ، ليس فقط علي خلفية هجوم قوات الشرطة والجيش علي المسجد الأحمر (لال مسجد) وقتل 102 من الطلاب داخله ، وإما علي خلفية صراع بين الطرفين علي تطبيق الشريعة والانصياع للرغبات الأمريكية .<BR>فلم يكن الهجوم علي المسجد الأحمر بالقوة المسلحة وخوض حرب مع الطلاب بداخله سبب هذا الصدام ، وإنما هو مجرد فتيل من عشرات المتفجرات التي بدأت تنفجر في وجه الرئيس مشرف منذ قبوله الرضوخ للمطالب الأمريكية بمحاربة المدارس الإسلامية في باكستان والتضييق عليها ومحاربة حتى القبائل في منطقة الحدود (وزيرستان) مع أفغانستان بحجة مساعدتهم لتنظيم القاعدة وطالبان.<BR>ويمكن القول أن تفجيرات 11 سبتمبر كانت علامة فارقة في العلاقة بين الرئيس مشرف وقادة القبائل والمدارس الإسلامية ، فقد بدأت في أعقابها العلاقات تسوء تدريجيا بين الطرفين حتى وصلت للمصادمات العسكرية في منطقة الحدود مع القبائل ، ثم امتدت للعاصمة بالتصادم بين الجيش والشرطة وطلاب المدارس الإسلامية التي تقدر وزارة الشئون الدينية الباكستانية أعدادهم بـ 1.7 مليون طالب يدرسون في قرابة 10-13 ألف مدرسة موزعة علي مدارس للجماعة الإسلامية والسنة والعرب والشيعة وغيرهم .<BR>وقد اعترف الرئيس مشرف في أحد الحوارات الصحفية أن أمريكا هددته بقصف باكستان والتضييق علي بلاده ما لم "يتعاون" مع واشنطن في حصار القاعدة والقبائل الباكستانية علي الحدود مع أفغانستان التي تساند حركة طالبان ، خصوصا أن هناك ما يشبه التلاحم الفكري الديني بين القبائل وطلاب المدارس الدينية وطالبان الذين هم في الأصل طلاب أفغان درسوا في المدارس الدينية الباكستانية قبل أن يعودوا لبلادهم ويسيطرون علي الحكم .<BR><font color="#ff0000"> سر الصدام</font><BR>ولكن المشكلة أن الرئيس مشرف جر الجيش الباكستاني لمواجهة عنيفة مع كل القوي الإسلامية في باكستان واستعدي العلماء والمدارس الإسلامية بسلسلة من القرارات والقوانين التي استهدفت إرضاء أمريكا ، ولكنها أغضبت كل هذه القوي الإسلامية حتى توشك البلاد أن تشهد في وقت قريب ما يمكن تسميته "ثورة إسلامية" .<BR>بل أن رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بينظير بوتو - التي يسعى مشرف حاليا للاتفاق معها علي العودة والتعاون مع الحكومة ضد هذه القوي الإسلامية – حذرت من اندلاع "ثورة إسلامية" في البلاد انطلاقًا من المدارس الإسلامية بعد تفجر أزمة المسجد الأحمر ، وقالت لصحيفة "نيوز ويكلي فوكس" الألمانية: "إذا لم يتم نزع سلاح طلبة المدارس الدينية فستتجدد أزمة المسجد الأحمر، وستكون هناك ثورة إسلامية مشتعلة مصدرها المدارس الإسلامية" وأن "قادة التطرف الإسلامي يحيكون مؤامرة للانقلاب على حكومة مشرف وتحويل المدارس إلى قواعد عسكرية وترسانات للأسلحة".<BR>فالرئيس مشرف دخل بداية في صدام مع القبائل علي الحدود عام 2005 ما دفع المدارس الدينية ومنها مدرسة المسجد الأحمر التي يرأسها الشيخ عبد العزيز لإصدار فتوى من دار الإفتاء التابعة للمدرسة (كل مدرسة إسلامية لها دار فتوى تقريبا ) تتلخص في أن القوات المسلحة التابعة لدولة مسلمة لا يجوز لها القتال ضد المسلمين من أتباع تلك الدولة، وأن من يموت من أفراد الجيش في القتال الدائر بين الجيش الباكستاني والقبائل في وزيرستان فموته حرام ولا يجوز صلاة الجنازة عليه، ومن يقتل من أفراد القبائل بأيدي الجيش الباكستاني فهو شهيد !.<BR>وبدلا من أن تتوقف القوات الباكستانية استمرت في حربها حتى تم التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار ( أنهار مؤخرا بعد الهجوم علي المسجد الأحمر ) ، بل أن حكومة مشرف بدأت تدخل في صراع مع المدارس بصورة استفزازية لدرجة إصدار قرار من بلدية إسلام آباد بهدم سبعة مساجد في مدينة إسلام آباد، بحجة أن بعضها بنيت على أراضٍ حكومية مغتصبة، أو أنها خطر على أمن كبار الشخصيات الحكومية، وتم هدم مسجدين بالفعل يوم 20/ 1/2007م، ما أثار الشعور الديني بدرجة كبيرة .<BR>ومن الواضح أن الحكومة والجنرال برويز مشرف – الذي كان يلوح دومًا بوجود علاقات بين إدارة مدرسة (لال مسجد) وبين الإرهابيين من تنظيم القاعدة وطالبان والمجموعات الجهادية في كشمير- كانت تسعي لخطة لإحكام سيطرتها علي المدارس الدينية ووقف حالة الفوضى الإفتائية التي تصدر عنها وتضر سلطتها ، بعدما وصل الأمر لإصدار مساجد ومدارس – منها المسجد الأحمر – فتاوى وقرارات بتطبيق الشريعة في المناطق المحيطة بمنطقة المسجد واقتحام أفراد من طلابها حانات وطرد سيدات من محال بحجة ممارسة الدعارة وغيرها .<BR>بعبارة أخري بدأت المدارس الدينية – خصوصا عقب 11 سبتمبر والتحالف بين مشرف وبوش - تنتقل من مرحلة التعليم الديني فقط إلي إصدار الفتاوى السياسية ضد الحكومة ، وإطلاق الأحكام التكفيرية ضدها ، وفي الوقت نفسه نشر نفوذها عبر تطبيق الشريعة بنفسها في المناطق التي تخضع لسيطرتها<BR><font color="#ff0000"> هل الثورة قادمة ؟</font><BR>ويبدو أن المشكلة الحقيقة ليست بين الرئيس مشرف وهذه المدارس الإسلامية وقادتها من الشيوخ والعلماء ، وإنما بين الولايات المتحدة والغرب عموما من جهة ، وهذه المدارس الإسلامية من جهة أخري ، وأن مشرف ليس سوي أداة يستخدمها الغرب في ضرب هذه المدارس والقبائل الباكستانية علي حدود أفغانستان ، حيث تتهم واشنطن هذه المدارس والقبائل بأنها أداة دعم قوي لحركة طالبان وتنظيم القاعدة خصوصا أن مسئولي حركة طالبان والقاعدة تعلموا وتربوا في هذه المدارس الدينية ، وتعتقد أنه لولا الدعم الذي يقدمه هؤلاء للقاعدة وطالبان لما استمرت شوكة طالبان والقاعدة قوية .<BR>ولهذا تعددت التهديدات الأمريكية بضرب مناطق معينة في باكستان ومدارس دينية وقبائل حدودية بالطائرات وقصفها باعتبار أنها "ملاجئ للإرهابيين" ، بيد أن الرئيس مشرف كان يرفض ويؤكد أن قواته قادرة علي هذا ، وكان يخشى أن تعجل هذه الضربات الأمريكية من ثورة إسلامية في باكستان ضد حكومته ، ولكن ما حدث بالفعل أن مشرف قام بما كانت تنوي واشنطن القيام به وتحمل هو عبء العداء والغضب الإسلامي الداخلي ولم يقلل هذا من احتمالات ثورة إسلامية مسلحة ضده وضد الجيش خصوصا بعدما تجرأ وهاجم مدرسة المسجد الأحمر وقتل 102 من طلابه .<BR>وما يعضض عوامل الثورة هذه أن مشرف – بعد 8 سنوات في الحكم - دخل أيضا في صراع مع القضاء ومع قوي المعارضة الإسلامية في البلاد رغم اتهامات المعارضة العلمانية له بأنه تبنى "سياسة استرضائية" تجاه المتطرفين وعمل على تقويتهم بسياسته التي انتهجها، خصوصا أثناء وجود طالبان في حكم أفغانستان ، حينما عزل رئيس القضاة الباكستانيين "افتخار أحمد تشودرهي" ، والذي أعادته المحكمة العليا لمنصبه وأصبح رمزا للمعارضة لمقاومة حكم مشرف .<BR>تري هل تتحول مناسبة تجديد حكم مشرف نهاية العام الجاري ، وسعيه لإعادة انتخابه من قبل المجالس الحالية رئيسا للبلاد ، بجانب بقاءه قائدًا للجيش لتصبح مناسبة لتقاعده وثورة المدارس الإسلامية عليه خصوصا أن العديد من المدارس والقبائل بدأت بالفعل حرب تفجيرات ضد ثكنات الجيش وقواته ، وتهدد بتحويل البلاد لحمامات دماء بعدما أعتدي مشرف وقواته علي المدارس الإسلامية وقتل فيها العشرات من الطلاب وشيوخ المدارس من الذي يسعون للثأر لإخوانهم ؟ <BR>خطوات حكومة مشرف المقبلة ومعيار التهدئة أو التصعيد ، فضلا عن الرضوخ للمطالب الأمريكية أو لفظها هو الذي سيحكم مستقبل باكستان في ظل حكم مشرف وهل تندلع ثورة إسلامية مسلحة عنيفة ضد الحكم تضطره لوقف التصعيد ضد المدارس والعلماء ، أم يدخل الجيش في معركة تكسير عظام مع هذه المدارس لإخضاعها في نهاية الأمر بالقوة حسبما يريد هو وأمريكا ، خصوصا أن أمريكا والغرب لن يسمحوا لقوي إسلامية متشددة أن تصل للحكم في باكستان بأي حال من الأحوال لأن باكستان النووية الآن تحتاج لحكم موال للغرب ومن الخطر عليهم السماح بوقوع السلاح النووي في أيدي الإسلاميين ؟<BR><br>