ألوية الناصر صلاح الدين... البدايات الأولى والسجل المقاوم
22 ذو الحجه 1428

• <font color="#0000FF">البيئة المقاومة..الحاضنة للألوية</font><BR>شهدت مسيرة المقاومة الفلسطينية انتكاسة واضحة إثر توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 وقيام السلطة الفلسطينية في العام التالي، وتبنيها لمواقف متشددة إزاء المقاومة، وما تلا ذلك من إجراءات قاسية بحق فصائلها، خاصة حركة المقاومة الإسلامية حماس ردا على مقاومة الاحتلال، وتمثلت الإجراءات بإغلاق الكثير من مؤسساتها، واعتقال وتعذيب المئات من قادتها وعناصرها وزجهم في السجون والمعتقلات، وتجريم المقاومة استناداً للالتزامات الأمنية الواردة في اتفاقات أوسلو وملحقاتها، مما أضعف الأجنحة العسكرية، وحطم كثيراً من بنيتها العسكرية التحتية، وأجبرها على الانكفاء ولملمة الجراح، والاكتفاء بما تيسر من عمل عسكري بين فترة وأخرى ضد الاحتلال.<BR>وظل العمل العسكري لقوى المقاومة، يراوح بين المد والجزر تحت مطرقة الالتزامات الأمنية للسلطة وسندان مطاردة قوات الاحتلال، حتى تفجرت الشرارة الأولى لانتفاضة الأقصى، واندلاع أوسع المواجهات الجماهيرية بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال التي ارتقى فيها مئات الشهداء والجرحى في غضون أيام قلائل، وبان من خلالها مدى عنف الجرائم الإسرائيلية، وعمق الوحشية المنزرعة داخل نفوس جنود الاحتلال.<BR>آنذاك، تداعى الفلسطينيون للدفاع عن أنفسهم بكل السبل والوسائل المتاحة، فمنهم من استخدم الحجر، وآخرون امتشقوا السكاكين، ومنهم من رفعوا البندقية، ومع ذلك بقي مستوى الفعل الفلسطيني قاصراً في مبارزة الفعل العسكري "الإسرائيلي" في الأسابيع الأولى للمواجهة، والتحول إلى ظاهرة حقيقية تستطيع تحدي المحتل، وتملك إيذاءه وإيقاع الخسائر في صفوفه.<BR>إلا أن البنى التنظيمية العسكرية لقوى المقاومة، لم تكن قائمة أصلاً، أو كانت متداعية مبعثرة على أفضل تقدير بحكم الضربات الأمنية التي واجهتها في سنوات ما قبل الانتفاضة، مما أعاق الفعل العسكري المقاوم، وجعله متأخرا عن الرد المباشر على جرائم الاحتلال، واستلزم جهوداً كبيرة وفترة زمنية كافية لإعادة بناء وترميم هيكليات وبنى خلاياه، وتأهيلها للمواجهة الساخنة المحتدمة مع الاحتلال.<BR>وقد شاركت جميع الفصائل كافة في العمليات العسكرية، إلا أن الجناح العسكري الجديد على الساحة الفلسطينية المعروف باسم "ألوية الناصر صلاح الدين" تميزت بدورها البارز وبعملياتها النوعية التي أحدثت دوياً هائلاً، بفعل نجاحها في زعزعة الأمن في الكيان الصهيوني وجيشه، فقد قدمت الألوية عدداً من الاستشهاديين، وركزت على عمليات إطلاق الرصاص ضد المستوطنين وقوات الاحتلال في الضفة والقطاع، وكان لها دورها المتميز من خلال مجموعة من العمليات القوية المؤثرة.<BR>• <font color="#0000FF">الهوية والتعريف</font><BR>تعرّف لجان المقاومة الشعبية التي تتخذ من ألوية الناصر صلاح الدين جناحا عسكريا نفسها بأنها "إطار شعبي كفاحي مقاتل مستقل بذاته" تأسس منذ الشرارة الأولى لاندلاع انتفاضة الأقصى، بهدف مقاومة الاحتلال والحفاظ على جذوة الانتفاضة والمقاومة واستمراريتها، بزخم كفاحي وانتفاضي ينسجم مع رؤيتها للانتفاضة والمقاومة هي خيار استراتيجي للشعب الفلسطيني لطرد الاحتلال وتحقيق كامل أهدافه المشروعة.<BR>وتشكل لجان المقاومة بوتقة تضم بين ثناياها خليطاً من المقاتلين الذين ينتمون لمختلف فصائل المقاومة مع عدد من المقاومين غير المؤطرين، أو الذين ينتمون لبعض أجهزة الأمن، واختاروا المقاومة طريقاً لهم، بمعزل عن التوجه الرسمي للسلطة الفلسطينية المناوئ لمشروع المقاومة، فكرا وسلوكا على حد سواء.<BR>وقد برزت ألوية الناصر صلاح الدين إثر إدراك فصائلي ووعي وطني بطبيعة وحقيقة المخاطر والتحديات التي تحملها المرحلة القادمة، التي تتطلب رصاً للصفوف وصهراً لكافة الجهود والطاقات في خانة العمل الوحدوي المشترك، حيث أخذت بعض القيادات الميدانية الوطنية على عاتقها مهمة تشكيل هذه الألوية واللجان التي أضحت قوة مقاومة وذات إسهام في الحياة الكفاحية.<BR>ومما جاء في تعريف اللجان والألوية لنفسها من خلال بعض أوراقها الداخلية "نحن لجان إسلامية تنطلق من فلسطين صوب فلسطين إلى بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، تستمد قوتها من كتاب الله، وتجمع باقي حجارة هدمتها آليات الاحتلال اللعين لتحولها قنابل وألغاما تتفجر في وجه الغاصبين، وهي صرخة تجلجل في كل الأرجاء لأن أصحاب الأرض والحق السليب قرروا مواصلة واجب المقاومة حتى تحرير الأرض". <BR>وترى الألوية أن هدفها الأساسي يتمثل في "استمرارية المقاومة بزخم كفاحي وانتفاضي ينسجم مع عقيدتنا الإسلامية، وأن الانتفاضة والمقاومة خيار استراتيجي للشعب الفلسطيني لكنس الاحتلال وتحـقيق كـامل أهـداف شعبنـا المشــروعة، ومن أجل ذلك نسعــى لتعبئة وتأطيـر جماهير شعبنا الفلسطيني مع متطلبات كل مرحلة من مراحل الانتفاضة وضرورياتها الكفاحية التي تتوافق مع تواصل خيار المقــاومة والانتفاضة". <BR>وربما كان الأمر الأكثر تميزا للجان الشعبية وجناحها العسكري المعروف باسم "ألوية الناصر صلاح الدين" دون غيرها من الفصائل المسلحة أنها جمعت بين صفوفها عددا من المقاتلين أصحاب الانتماءات الحزبية المختلفة، يمينا ويسارا، راغبة من وراء ذلك إلى بناء حالة إسلامية متميزة، وتمثلت القواسم المشتركة بينهم في:<BR>- الحرص على العقيدة الإسلامية والقضية الفلسطينية، وصيانة ثوابتها من التآكل،<BR>- رفض مشروع أوسلو الذي لم يجلب للشعب الفلسطيني سوى مزيد من تكريس الاحتلال وزيادة المستوطنات في ظل مستنقع من المفاوضات العقيمة غير المنتهية،<BR>- اعتماد المقاومة بكافة أشكالها طريقا لتحرير فلسطين ودحر الاحتلال.<BR>وقد أخذت لجان المقاومة الشعبية بعدا جماهيريا مقابل البعد العسكري، حيث انبثق عنها جناح جماهيري وآخر عسكري يعمل كل منهما بشكل منفصل عن الآخر، حيث أقام الجناح الجماهيري العديد من الفعاليات منذ بداية الانتفاضة، كالمهرجانات الخطابية والمسيرات التي قدرت بالآلاف والاحتفالات التأبينية للشهداء والمعسكرات الصيفية والتدريبية.<BR>ورغم استقلاليتها التامة في ارتباطاتها التنظيمية، إلا أن اللجان الشعبية وألويتها تميزت بعلاقة حميمة مع كافة القوى المقاومة على الساحة الفلسطينية، ورغم النشاط الملحوظ الذي تبديه الألوية في قطاع غزة، إلا أنها لا تتمتع بالقدر ذاته في الضفة الغربية، إذ لا تتوفر أدلة على امتداد تنظيمي لهذه اللجان هناك، رغم بروز بعض الشواهد الميدانية خلال الشهور الأخيرة التي دلت على توجه حقيقي للألوية بنقل جزء من عملها إلى الضفة المحتلة.<BR>• <font color="#0000FF">الأداء الميداني المقاوم</font><BR>أبدعت ألوية الناصر صلاح الدين في نشاطها العسكري، وجاء ذلك في عدد من المعطيات الميدانية والشواهد العسكرية أهمها:<BR>- في جانب التدريب، أنجزت عشرات الدورات العسكرية للمئات من مقاتليها،<BR>- على صعيد التصنيع، تحدت ظروف الاحتلال والحصار بإنجاز العديد من الإمكانيات المؤثرة، خاصة على صعيد العبوات والصواريخ،<BR>- في جانب العمليات العسكرية، أبدعت الألوية في مختلف المجالات، فكانت العبوات الجانبية والاشتباكات المسلحة مع قوات الاحتلال، ونفذت العشرات من العمليات النوعية التي اعترف الاحتلال بها وتم الإعلان عنها في حينه،<BR>- توج هذا النشاط العسكري بتدمير الدبابة الأمريكية الصنع، الصهيونية التطوير، تدميرا تاما المعروفة باسم "المركافا"، ولأربع مرات على التوالي.<BR>وكان لهذه العمليات آثار ميدانية غاية في السوء، حيث أربكت جيش الاحتلال وأفقدته عنصر الأمان حتى داخل الدبابة الأكثر تحصينا في العالم، مما انعكس في جانب آخر على العملية الاقتصادية المتعلقة بمشروع المركافاه، والتي حرمها من الوصول إلى الهند وتركيا في صفقات شراء.<BR>- تقدم الأداء النوعي لألوية صلاح الدين من خلال المراحل المتقدمة في تصنيع الوحدة الهندسية وتطويرها لصاروخ أطلق عليه اسم "ناصر"، حيث تعددت مراحل التطوير والإطلاق إلى أن أصبح صاروخ "ناصر 3" اليوم ركيزة أساسية في المقاومة وأساليبها، مما زرع الخوف والرعب والقتل والدمار في بلدات الاحتلال لاسيما بلدة سديروت، وقد تحدث الاحتلال وضباطه عن هذا الصاروخ مراراً وتكراراً، ووصفوه بأنه في رأسه المتفجر والفتاك يشبه الحزام الناسف الذي يلبسه الإستشهاديون.<BR>- قدمت الألوية العديد من أبنائها وقادتها ممن اغتالتهم طائرات الاحتلال، ومن أبرزهم جمال أبو سمهدانة، العبد القوقا، مبارك الحسنات، وغيرهم.<BR>- تنفيذ جملة من العمليات العسكرية النوعية، لاسيما غضب الفرسان، زلزلة الحصون، البرق الصاعق، فتح خيبر، ونجحت في أسر مستوطن صهيوني منتصف 2006 في الضفة الغربية، إلا أن قوات الاحتلال تمكنت من الكشف عن العملية بعد تنسيق أمني واضح مع أجهزة الأمن الفلسطينية.<BR>- في سابقة تاريخية، أعلنت الألوية عن تشكيل أول مجموعات مسلحة من النساء الاستشهاديات خلال استعراض عسكري لعشرات المسلحات اللائي حملن الأسلحة الرشاشة وقذائف الـ"آر بي جي" منتصف العام الماضي.<BR>- احتلت الألوية المرتبة التاسعة بين فصائل المقاومة في عدد القتلى الصهاينة ممن سقطوا برصاص مقاتليها بواقع 15 قتيلا بنسبة 0.9%، ويزيد عن 60 جريحاً بنسبة 0.6%.<BR>• <font color="#0000FF">علاقة الألوية بقوى المقاومة</font><BR>تطورت لجان المقاومة الشعبية باتجاه التنظيم والبناء الداخلي الأكثر اتساقا، وأصبحت رؤاها السياسية المستقبلية من خلال بياناتها ونشراتها أكثر وضوحا، كما حققت حضورا إعلاميا عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.<BR>واللجان وهي تتصدى في مهمتها التاريخية للاحتلال، تعاطت بمرونة في العديد من المرات مع دعوات التهدئة ووقف إطلاق النار، انطلاقا من رؤيتها بضرورة التكامل بين المقاومة والنشاط السياسي، وأسوة بالفصائل المقاومة على الساحة الفلسطينية.<BR>ورغم تكاثر الأجنحة العسكرية المسلحة، وانخراطها جميعا في العمل المسلح المقاوم ضد قوات الاحتلال، إلا أن هناك ظاهرة نشأت مع انطلاق انتفاضة الأقصى تمثلت بالتنسيق المشترك بين هذه الأجنحة أو بعضها، لاسيما ألوية الناصر صلاح الدين، وتوزع هذا التنسيق على مستويين:<BR>1- <font color="#0000FF">المستوى الإعلامي: </font> حيث كثرت البيانات المشتركة التي تصدر بشكل موحد عن فصائل المقاومة، سواء بشأن عمليات عسكرية مشتركة ضد قوات الاحتلال والمستوطنين، أو بشأن الإعلان عن مواقف محددة تجاه تطورات سياسية أو مستجدات ميدانية، ما يمنحها قوة اعتبارية وميدانية كونها تعبر عن تقارب وتعاون بين فصائل المقاومة، وتكرس مواقف تجمع عليها.<BR>2- <font color="#0000FF">المستوى العسكري: </font> ويتمثل في قيام فصائل المقاومة أو بعضها بالتخطيط لتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة، مما أثقل على جيش الاحتلال، وأبرز لحمة المقاومة وتكاتفها واستعدادها للتوافق على وحدة ميدانية دون الوحدة السياسية التي تعترض سبيلها عراقيل جمة، ويعتبر التنسيق العسكري الميداني أعلى صور التعاون والتنسيق التي ميزت العلاقات المتبادلة بين أجنحة المقاومة.<BR>ـــــــــــــــــــــ<BR>* باحث فلسطيني<BR><br>