الدكتور عمر المديفر.. حوار في الحوار الوطني "ما له وما عليه"
5 جمادى الأول 1425

انتهت فعاليات الحوار الوطني الثالث المنعقد في المدينة المنورة قبل عدة أيام، والذي ناقش موضوع المرأة (حقوقها وواجباتها)، ورافقت أيام الحوار الكثير من الاستفسارات والتساؤلات حول ما دار خلالها وما تم التوصل إليه.<BR>وربما كان إصرار إدارة الحوار الوطني على إقامة الجلسات مغلقة بعيدة عن أعين المراقبين والصحافة سبباً قوياً في ظهور العديد من الخلافات والمشاحنات والتلفيق، من أجل الحصول على مكاسب إعلامية، طالما أن الجلسات مغلقة والحقيقة الكاملة مغيبة.<BR><BR>وكان من بين المشاركين في الحوار الوطني الثالث الدكتور عمر المديفر (الطبيب النفسي المشهور) والذي قدم بحثاً حول العنف الأسري . <BR>موقع (المسلم) استضاف الدكتور المديفر، وأجرى معه الحوار التالي، الذي تناول العديد من الأمور العامة والخاصة حول جلسات الحوار الوطني:<BR><BR><font color="#FF0000"> ما مشاركتك في الحوار الوطني؟ </font><BR>بسم الله الرحمن الرحيم . تمت دعوتي من قبل مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لتقديم بحث عن العنف الأسري ضمن محاور الحوار الثالث عن المرأة . من المهم جداً أن يعرف القارئ أني كنت فقط باحثاً بمعنى أنه لم يسمح لي بالتعليق على أي من الحوارات التي دارت، وهذا كان مثار عتب من الباحثين؛ لأن الباحثين هم كانوا من أكثر الناس تخصصاً فيما يطرح من قضايا الحوار الاجتماعي.<BR><BR><font color="#FF0000"> هل يمكن أن نأخذ فكرة مبسطة عن طبيعة البحث الذي طرحته، وهل كان بحثاً ميدانياً؟ </font><BR>بحث العنف الأسري كان عبارة عن قراءة نظرية في ظاهرة العنف داخل الأسرة (أسبابه ونتائجه، وكيف يمكن تخفيف حدته أو القضاء على بعض مظاهره في المجتمع السعودي) طبعاً العنف الأسري قضية عالمية شاملة وليست مرتبطة بالمجتمع السعودي، وإن كان البعض يحاول أن يربط بعض الأرقام لصالح تمريض المجتمع السعودي، لكن كان هناك اتفاق خلال الحوار أنها ظاهرة عامة موجودة في العالم كله تحتاج إلى نوعية خاصة من التعامل.<BR>وكان هناك تفصيل في بعض القضايا في هذا الجانب، مثل: الضرب، وهل كل الضرب من العنف أم لا؟ كما ناقشت علاقة العنف الأسري بالعنف المجتمعي والعنف السياسي، وعلاقة بث مبادئ العنف داخل المجتمعات ودور الإعلام في ذلك، وكذلك ناقشت قضية مهمة جداً وهي أحد أسباب توتر المجتمع السعودي وهو ما يسمونه إعادة تعريف العلاقة بين الرجل والمرأة، وأن هناك حاجة للتحاور داخل المجتمع السعودي في هذه العلاقة : ما هي آفاقها؟ وكيف تكون مفاهيم القوامة، ومفاهيم الولاية، ومفاهيم المودة الزوجية، ومفاهيم دور المرأة ودور الرجل و دور الأبناء، كيف تكون أكثر وضوحاً؟ .<BR><BR><font color="#FF0000"> أين تضع مسألة العنف الأسري في أولويات قضايا المرأة في السعودية؟ </font><BR>أولاً: عندي اعتراض على أن يخصص الحوار للمرأة، ليس لأن المرأة ليس لها قضية، بل أنا أعتقد أن القضية داخل المجتمع السعودي هي الأسرة أو المجتمع عموماً . الوضع الاجتماعي السعودي تغير كثير جداً في السنوات الأخيرة . جميع أفراد الأسرة تغيرت أوضاعهم الرجل و المرأة، بل وحتى الشاب والفتاة والأطفال في الأسرة . هناك أزمات مقبلة اجتماعية، وهي إفراز لواقع المجتمع الذي مر بمرحلة تغير كبيرة جداً واهتمام بالتقانة والناحية المادية بشكل كبير جداً مع عدم إعطاء الجانب المجتمعي والاجتماعي والأسري - خصوصاً - حظاً من الاهتمام للأسف . <BR><BR>وقد طرحت داخل الحوار مصطلحاً وأكرر طرحه في وسائل الإعلام كلها، أن الأزمة السعودية هي أزمة صناعة الإنسان وليست أزمة حقوق وواجبات، إذ حالما صنعت إنساناً جيداً فسوف يغدو قادراً على أن يؤدي واجباته، ويقوم بالحقوق التي عليه فتختفي كثير من المشكلات التي نعيشها ونبدو متوترين بشأنها . خذ مثلاً ، كثير من المواقف التي تتخذ حيال المرأة هي مرتبطة بموقف من الفساد الأخلاقي، والفساد الأخلاقي مرتبط بصناعة الإنسان والقضايا المرتبطة بالشباب أيضاً مرتبطة بخوف من البطالة والعطالة والانحراف . إذا صنعت الإنسان بشكل جيد فإنه يستطيع أن يتجاوز هذه الأزمات بشكل بناء، ومع ذلك حقيقة أعتقد أن المرأة لها قضايا خاصة بها ، يدل على هذا قول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "اتقوا الله في الضعيفين المرأة واليتيم"، هناك قضية للمرأة تحتاج أن تناقش وتحتاج أن تنصر، والرسول _صلى الله عليه وسلم_ قال: "رفقاً بالقوارير" وفي هذا دلالة على ضعف المرأة وحاجتها أن تنصر نفسها وأن ينصرها الرجال والمجتمع، فأنا أعتقد أن قضية المرأة مهمة لكن يسبقها قضية المجتمع . <BR><BR>جانب آخر كنت أود أن يوجد طريقه للطرح هو وعي المرأة، وعي المرأة في هذا الحوار لم يطرح أبداً، مع أنه أحد الإشكاليات التي يعيشها المجتمع السعودي ، فضعف الوعي النسائي وضعف الوعي الرجالي ظاهر، لكن ضعف وعي المرأة لم يحظَ بأي نقاش، مع أن بعض القضايا مرتبطة بهذا الجانب بشكل أو بآخر . مثلاً عمل المرأة ..كثير من الناس قد يعترض على عمل المرأة من باب أنه نوع من الترف، بسبب ما يراه من الممارسات التي تنتج عن تدني وعي المرأة في قضايا الإنفاق، لهذا ينتج عن عملها في كثير من الأحيان أن يكون بهرج وللإنفاق على شراء الكماليات ( لشراء المكياج، وشراء الملابس، وغيرها ) وهذا صحيح إلى حد ما ، فبعض الدراسات أثبتت أن المرأة تنفق أكثر دخلها على قضايا ليست أساسية . بينما في واقع الحال يوجد أيضاً فئة من النساء تحتاج إلى العمل لسد الرمق وللحاجات الأساسية والصرف على أسرتها وبيتها، فوعي المرأة وإسرافها في الشكليات (التي هي ظاهرة أيضاً اجتماعية كبيرة قد تشمل الرجل في كثير من الأحيان) لم يحظ أبداً بالنقاش، وإن كنت أرى أن يكون لدينا قضية أساسية هي كيف يمكن أن نصنع امرأة واعية تطرح قضيتها بشكل جيد تستعمل حقوقها وتقوم بواجباتها بشكل جيد، للمرأة قضية لكن قبلها تأتي قضايا الأسرة والمجتمع وأيضاً جزء كبير من قضية المرأة هي قضية صناعة الإنسان ، الرجل و المرأة بشكل خاص.<BR><BR><font color="#FF0000"> لو عدنا إلى موضوع البحث، وهو "العنف الأسري"، كيف كانت آلية المناقشة؟ وهل أعطي البحث أو غيره من البحوث محله من الاهتمام في مسار الحوار الوطني ككل؟ </font><BR>البحوث كانت الحقيقة هي محل النقاش، لكن لكي نكون صريحين وصادقين مع أنفسنا يجب أن أقول: إن من الواضح أن هناك مجموعة أشخاص ، رجالاً أو نساء ، سواء ممن يبحثون عن حرية غربية - إن صح التعبير - أو يبحثون عن ليبرالية معينة، أو ممن هم عندهم تقليدية متشددة - إن صح التعبير - هؤلاء الأفراد لم يأتوا ليسمعوا الأبحاث، بل جاؤوا ليطرحوا قضايا معينة محددة يعتقدون أنها لب قضية المرأة، وللأسف أن هذا ساهم في دفع الأنظار قليلاً عن بعض الأبحاث المهمة التي قدمت . أيضاً الأبحاث قدمت توصيات وكان يمكن أن تناقش التوصيات تفصيلياً لكن لم يستطع أحد أن يفعل هذا؛ لأن الأمور انصرفت إلى قضايا ليست بالضرورة ذات أولوية .<BR><BR>عموماً كان النظام أن البحث يطرح خلال ربع ساعة ثم يتحدث المشاركون بنقد أو استفسار أو تأييد ثم يعلِّق الباحث نفسه لمدة خمس دقائق فقط لا غير ولا يتعدى دوره ذلك . الأبحاث منشورة ومقدمة للمجتمع، وأعتقد أن كثيراً منها بناء وقوي جداً في طرح أفكاره، وأنا أشيد هنا ببحثين أساسيين أو عدة أبحاث، منها: بحث الدكتورة فوزية أبو خالد في العادات والتقاليد والشريعة . أعتقد أنه من الأبحاث المتميزة التي طرحت وسئلت أسئلة مهمة ، وإن كانت العينة عشوائية، لكن أعتقد أنها تسأل أسئلة مهمة تحتاج فعلاً إلى نظر وتأمل، وأعتقد أن من أميز ما طرح أيضاً بحث الأخت فوز كرد عن المناهج إذ كان بحثاً متميزاً، كلا البحثين كان فيهما منهجية عالية، وكانت لهما نتائج ذات مصداقية عالية في تصوري، وهناك بحثان آخران بحث للدكتور الجبر، وبحث للأستاذ المشوح كانا في تصوري جريئين وإن لم يكن فيها بعد ميداني كبير، لكن كانت هناك جرأة في طرح أفكار عملية لحلول مشكلات قائمة . هناك أبحاث أخرى من ضمنها بحث الأخت الشبيكي كان بحثاً متميزاً في طرح قضايا المرأة الفقيرة، وهناك أبحاث كانت مكررة إلى حد ما ومصرة على إثبات قضايا واضح أنها ثابتة جداً، مثل: الحقوق الشرعية، وهناك أبحاث نشرت حول المرأة والاقتصاد ولم تكن موفقة في زاوية المعالجة في تصوري مع أنها طرحت من قبل نساء أكثرهن ربات بيوت، لكنها أغفلت الجانب الاجتماعي لعمل المرأة وجعلت عمل المرأة هو عمل إيجابي لنمو اقتصاد البلد، وهذا الموضوع يحتاج إلى نقاشات موسعة ، لكن عموماً كانت الأبحاث جريئة وجيدة وطرحت أفكاراً موفقة وإن كان بعضها يفتقد للعلمية ويفتقد للمصداقية.<BR><BR><font color="#FF0000"> باعتبارك أحد المهتمين بقضية العنف الأسري وبما تراه من ممارسات، هل ترى أن التوصيات قد خرجت بما يمكن أن يكون نواة لمعالجة جدية لمثل هذه القضية؟</font><BR>العنف الأسري حظي بتوصية كاملة من التوصيات التي ظهرت وكان محل إجماع ، لكن أنا أحب أن أشير أن التوصيات لما ظهرت، ظهرت بطريقة يمكن أزعجت البعض إذ لم تكن عملية ولا تفصيلية كما يريد البعض، وأنا أتفق مع اللجنة المنظمة للحوار أن الحوار لم يكن للتوصيات العملية، إذ لم يكن هناك محاورون منتخبون يمثلون البلد بطريقة أو بأخرى، بل كانت مجموعة، انتقاؤها فيه شيء من العشوائية، وكان هدف اللقاء فتح آفاق الحوار وليس الخروج بقرارات تنفيذية، فكثير منا ليسوا تنفيذيين، و يصعب الإجماع على قضايا فرعية بشكل واضح ، أما القضايا التي يعدها البعض أساسية، والتي ستغير وجه التاريخ بالنسبة للمرأة السعودية - كما يعتقد البعض - فلا أظن أن المجموعة كانت تمثل المجتمع لا من جهة مستويات التفكير والمعرفة ولا من ناحية مستويات الأداء ولا من الناحية الانتخابية - إن صح التعبير - لذا لم نكن مؤهلين لنقاش قضايا فيها رأي عام متفاوت.<BR><BR>كما أن أحد الأمور التي تحول دون كون التوصيات فعلاً شاملة ومهمة أن المجموعة نخبوية . خذ الفقر مثلاً، الفقر حظي بطرح جيد من الباحثة الأخت الشبيكي، وحظي بتعليقات مهمة من الدكتور علي الموسى، والدكتور عارف البرجس، وحظي بتعليقات جيدة من الأستاذ فريح العقلا إذ كان موضوعاً مهماً جداً، لكن مع ذلك لم نكن قادرين على أن نستوعبه بشكل جيد؛ لأن هذه الفئة ليست في أجندة كثير من الباحثين الموجودين في المكان، ولهذا لا أعتقد أن الأولوليات المزعومة التي طرحت كان ممكناً أن يحسم فيها؛ لأن مجموعة المشاركين كما ذكرت ليست مجموعة مركبة تعكس واقع المجتمع فعلاً، وهذا طبعاً محل عتب على اللجنة المنظمة، ولكن في نفس الوقت هذه طبيعة الحوار وتفاوت استجابة المدعوين ، فيصعب أن تخرج بعينة ممثلة للمجتمع فعلاً.<BR><BR><font color="#FF0000"> لكن هل تقترح آلية معينة للوصول إلى تمثيل أقرب ما يكون للمجتمع؟ </font><BR>أنا لا أعرف ماذا يراد بالحوار الوطني، ولماذا يقام تحديداً؟ لكن أنا أفهم أن الحوار الوطني المقصود به فتح آفاق الحوار داخل المجتمع وليس اتخاذ قرارات تنفيذية، فلو كان المقصود اتخاذ قرارات تنفيذية، فعندنا مجلس الشورى، وهذا المجلس – الشورى - يجب أن تناقش مصداقية تمثيله للناس قبل أن يكون الحوار الوطني بديلاً له، وأعتقد أن إحدى الكاتبات في جريدة الرياض اليوم الجمعة طرحت طريقة ما لوضع مجموعة منتخبة للتحاور، لكن أنا أعترض من حيث المبدأ . الحوار الوطني لم يوضع ليتخذ قرارات تنفيذية ولم يوضع لكي يكون منتخباً، ولكن كي يفتح آفاق الحوار داخل المجتمع، وأعتقد أن هذا هدف وُفّق الحوار الثالث بالمدينة المنورة في الوصول إليه بشكل جيد إذ جلس كثير ممن يبدو أن عندهم اختلاف كبير جداً تحت سقف واحد يتحاورون لمدة طويلة نسبياً ليعرف المجتمع أن لدى الجميع قواسم مشتركة كثيرة .<BR><BR><font color="#FF0000"> هل تتصور أن ما جرى في المدينة المنورة خلال ثلاثة أيام يمكن أن يثير نوعاً من النقاش الشعبي العام في قضية المرأة؟ </font><BR>أنا عندي تحليل لهذا الأمر وأعتذر من الإخوة الإعلاميين إذا طرحته، وأنا أعتقد أن الإعلاميين في الصحافة السعودية المكتوبة والمرئية عموماً لا يمثلون الشعب السعودي ، وهذا واضح عندما تستعرض المؤسسات الصحفية وإنتاجها وواقعها تعرف أنها لا تعكس واقع هذا المجتمع، يعني لو أخذت مثالاً : الفن يحظى بصفحة والإسلام يحظى بصفحة لعرفت ما أقصد، كذلك للأسف على مستوى الصحفيين المتفرغين، هم لا يعكسون واقع المجتمع السعودي، إذ المعروف أن أكثر انتماء الصحفيين المتفرغين ليس مشابهاً لما ينتمي إليه أفراد المجتمع السعودي ولا لطريقة تفكير المجتمع وآرائه، هذه قضية أريد تقريرها أولاً.<BR><BR>وعلى هذا أقول: إن الحوار كان فيه مشكلات، المشكلة الأولى: الحفز الصحفي لإظهار أن هذا الحوار كان لتحرير المرأة على فرضية أن المرأة مظلومة في المجتمع السعودي، وكان هذا واضحاً قبل شهر من الحوار ولو استعرضت ما كتب في الصحف والمجلات لوجدت هذا الاتجاه بارزاً جداً، وأريد لقضايا معينة أن تكون هي القضية الأساسية بينما لم تكن في الوقع كذلك، ولهذا فوجئ الإعلاميون وفوجئ بعض من حضر الحوار بأن أولويات المرأة التي طُرحت بكل أطيافها لم تكن الأولويات التي صنعها الإعلام بل كانت أولويات مختلفة تماماً، وكانت فعلاً متوازنة، وكان أداء الأخوات النساء في هذا الحوار معبراً عن عمق جيد مع اختلافي مع البعض فيما تم طرحه سواء كان تشدداً أو ليبرالية - إن صح التعبير -، لكن أعتقد أنه كان فيه عمق، وكان هناك اهتمام بقضايا المرأة الحقيقية أكثر مما فعله الإعلام.<BR><BR>لهذا أعتقد أن الإعلام عمل ضد الوطن في هذا الحوار، كما أعتقد أن الإعلام أذهب الهدف الأساسي من الحوار وصوره بنزاع وخصام، الإعلام استغل اختلافاً حصلت داخل الحوار وهي لم تحصل بشكل واضح، بل حصل مثلها كثير داخل الحوار فهناك من تهجم على أشخاص معينين ولم يعرض هذا في وسائل الإعلام، هناك من صادر آراء آخرين للأسف ولم يدخل هذا في التغطية الإعلامية بل أهملت هذه القضايا، أعطيك مثلاً : هناك فكرة معينة طرحتها إحدى الطبيبات حول إيجاد مستشفيات نسائية لأهداف متعددة، منها : أنها ستفتح آفاقاً أكثر لعمل المرأة، الأمر الثاني: أنها ستوفر فرص عمل لكثير من النساء اللاتي يردن العمل بعيداً عن الاختلاط بالرجال .. كثير من النساء أو مجموعة من النساء نختلف عليها كثرة أو قلة لا تريد أن تعمل في المجتمع الطبي؛ لأنه مختلط وأيدتها إحدى الحاضرات لا أدري هي طبيبة أم لا، ولكن إحدى الطبيبات الحاضرات صدمت صاحبة الاقتراح برد مفاده أننا "ما عندنا مشكلة" وأن الطبيبة التي تعمل مدة طويلة ما عندها مشكلة، يعني صودر هذا الاقتراح لسبب لم أفهمه، مع أني أعتقد أنه اقتراح جيد ليس من باب ديني فقط، لكن من باب أيضاً خلق فرص ومراتب قيادية للمرأة في مؤسسات صحية نسائية . هذا الخلاف لم يبرزه الإعلام أبداً ؛ لأن الإعلام المكتوب كما أقول قَلَب هذا الحوار ضد الوطن وليس مع الوطن وضد المرأة وليس مع المرأة، وإلا لو كان الإعلام صادقاً لأبرز قضية المرأة الفقيرة، لأبرز قضية المرأة المطلقة والمعضولة، وأبرز كيف ناقش الحاضرون أهمية التعليم للمرأة وأهمية توسيع طاقة تعليم المرأة، ولما اختزل الحوار في قضية قيادة المرأة للسيارة، وهل تنزع الحجاب أو لا تنزع الحجاب؛ لأن هاتين القضيتين لم تحظيا بشيء كبير من الحوار إذ كانت فقاعات أطلقها بعض الإخوة وماتت، ومن ضمنها قضية الاختلاط إذ إن أحد الإخوة أطلقها كفقاعة وماتت؛ لأنها لم تكن أولوية للحاضرين فالحاضرون كانوا أرقى الحقيقة من الطرح الإعلامي الذي نقل عنهم .<BR><BR><font color="#FF0000"> لو رجعنا إلى أجواء المؤتمر وطبيعة التحاور بين الأفراد، كيف كان أثرها على مجرى الحوار والتفاعل؟ </font><BR>يجب أن نعرف أن الحوار كان مناصفة ولم يكن خمس نساء و مئة رجل، بل يمكن القول: إنه لم تكن المرأة تشارك عن طريق الدائرة التلفزيونية نحن الذين كنا نشارك عن طريق الدائرة التلفزيونية، كان الفصل فصلاً شرعياً وجيداً، وكان هناك نقل واضح للأصوات للطرفين، وكانت تعطى فرص كاملة للتعليق من كل الأطراف . ونحن كما قال أحد الحاضرين وهو الدكتور علي الموسى : نحن الآن نعيش في زمن التعليم عن بعد وبعض الناس يطالب بالاختلاط في قاعة الدراسة . <BR>لا أعتقد أنه كانت هناك مشكلة في معرفة ماذا يدور، طبعاً ما من شك أن لغة الجسم غابت، لكن لغة الجسم ليست من ضرورات الحوار العقلاني، لغة الجسم مهمة للحوار الفردي الشخصي، لكن ليست مهمة للحوار العقلاني الذي يقوم على مجموعة مبادئ وقيم وأفكار ولا يقوم على مواقف شخصية، مثلاً لما أتحاور مع مريضة - جدلاً - أنا قد أحتاج أن تكون المريضة موجودة وأراها؛ لأن كثيراً من التعبيرات تخفى علي بحكم طبيعة الأسئلة، لكن في كثير من الأحيان لست بحاجة إلى هذا الجانب أبداً؛ لهذا كان الترتيب جيداً وممتازاً وكان التواصل واضحاً جداً، ولم تكن هناك أي مشكلة في هذا الجانب، طبعاً هذا يحول بين أن يجلس الرجال والنساء حول مائدة واحدة لكن هذا غير مطلوب في المصطلح الإسلامي ولم تطرحه النساء ولم يكن عند الأخوات أي تردد في هذا الجانب لا ليبرالية ولا حتى إسلامية إن صحت هذه التفريقات التي أتحفظ عليها.<BR><BR>أما عن نفسية هذا الحوار، فأنا كنت متفرجاً أكثر من كوني مشاركاً مع عتبي على رئاسة الحوار، إذ نحن مجموعة من المتخصصين، وأعتقد أننا أنضج من كثير من الحاضرين، سواء من حملة الشهادات الشرعية أو من حملة الشهادات الإدارية والسياسية والاقتصادية، لسنا أنضج كأفراد ولكن بسبب تخصصنا وأفكارنا وحكم معايشتنا للواقع، نحن نستطيع أن نعبر عن هموم الناس ونتناقش فيها ونعرف ماذا لها وماذا عليها أكثر من كثير ممن هو دكتور في الشريعة أو دكتور في السياسة، فهذا كان الحقيقة عيباً أساسياً، بل من ضمن المشاركين لم يكن هناك إلا ستة أو سبعة مختصين في العلوم الإنسانية، وهذا _أعتقد_ شيء مزعج جداً، فلم يكن هناك مختصون في علم النفس وعلم الاجتماع إلا قليل ، ستة من سبعين، عدد أعتقد أنه قليل جداً بينما على مستوى الدراسات الشرعية كان هناك كثيرون وعلى مستوى السياسة والاقتصاد والإدارة واللغة العربية والأدب وغيره كانت مجموعة كبيرة . أنا لا أقول هؤلاء لا يشاركون، لكن كنت أتمنى أن يكون هناك ثقل أكثر للباحثين في العلوم الإنسانية، سواء إن صح التصنيف الذي يصنف سواء هم من اليمين أو من اليسار أو من الوسط كنت أتمنى أن يكونوا أكثر؛ لأنهم أقدر على مناقشة القضايا.<BR><BR>مَرَّ اليوم الأول في الحوار هادئاً، ولكن كان هناك تراشق تحت الطاولة كما أسميه. كان واضحاً أن هناك أشخاصاً معينين جاؤوا لإثارة قضايا معينة، وهناك أشخاص آخرون جاؤوا للدفاع عن قضايا معينة ، وهؤلاء كانوا من أسوأ الناس أداءً خلال الحوار. وذلك لأنهم لما طرحوا القضايا لم يطرحوها بعمق بل بتشنج، اختزلوا قضايا المجتمع في قضايا معينة، سواء في غطاء الوجه مثلاً كأن يعتقد أن مشكلة المرأة هي في غطاء الوجه والآخر يعتقد أن مشكلة المرأة هي التبرج فقط . هذا كله اختزال لقضايا أساسية معينة، مثلاً شخص يعلق مستنكرا أن يتم حوار دون اختلاط النساء بالرجال هذا لم يكن تعليقاً موفقاً ، أو لما يقول آخر: إن المرأة غير مؤهلة للقيام ببعض القضايا رغم أنه ثبتت قدرتها على أدائها في العالم كله أيضاً أعتقد أن هذا الشخص غير موفق في طرح أفكاره بهذا الشكل، والسبب _كما سبق_: أن مجموعة من الأفراد لم تأت للنقاش، وإنما أتت لطرح أفكار تريد أن تنتصر لها، ثم زال التوتر في آخر النهار.<BR><BR>وكان هناك هجوم غير مبَرَّر على مجموعة من الإسلاميين لدرجة أن أحد المشاركين قال: نحن مللنا من الاستماع لبعض الناس في الصباح وفي المساء وفي الصباح وكان يقصد أشخاصاً معينين ولم يكن هذا أمراً جيداً، ولا أن يقال بهذه الطريقة . نعم من الممكن أن نختلف مع بعض في وجهات النظر لكن لا تكون التعبيرات بهذا الشكل؛ لأن هذا ليس حواراً، ونتج عن هذا توتر آخر أيضاً إذ كان هناك دعوة إلى أن معلمي كليات المعلمين يحتاجون لتعليم قبل أن يعلموا المدرسين ، ثم نتج عن هذا تعليقات معينة ثم حصل ما ادعي أنه تراشق بين طرفين، إذ كان هناك تعليق حاد من أحد المشاركين أعقبه تعليق آخر عاطفي من إحدى المشاركات ما أدى إلى أن يختلط الأمر على بعض الناس ، فالتعليق الأول الحاد لم يكن موجهاً لأحد معين ، بل كان تعليقاً عاماً قد نختلف أو نتفق على محتواه، وقد نختلف أو نتفق على أسلوبه، لكن لم يكن له علاقة مباشرة بما شعرت به الأخت المشاركة التي غلبتها عاطفتها .. هذا تحليلي عموماً.<BR><BR><font color="#FF0000"> أنت تعلق على ما حصل بين الدكتور محمد العريفي والدكتورة وفاء الرشيد؟ </font><BR>كما قلت لا أرى علاقة مباشرة بين تعليق الدكتورة وفاء الرشيد ولا تعليق الدكتور العريفي، لهجة الدكتور العريفي ربما كان فيها شيء من الحدة التي أثارت الدكتورة الرشيد _كما يبدو_، وربما الدكتورة الرشيد تعيش ظروفاً معينة لا نعرف عنها داخل قاعة الحوار أو ظروفاً شخصية أخرى لعبت دوراً في استثارة عواطفها، أنا لا أعرف الحقيقة لكن لم يحصل تهجم من طرف على طرف، وأعتقد أن الدكتور العريفي كان يدافع عن نفسه؛ لأنه هوجم بطريق مباشر وغير مباشر مثل ما سبق، إذ إن اتهام مدرسي كليات المعلمين بشيء من القصور كان هجوماً مباشراً على الدكتور العريفي؛ لأنه هو الذي يعمل في كليات المعلمين، وهذا حصل صباح ذلك اليوم . أعتقد أن هذا لعب دوراً في أن الدكتور العريفي قال بعض العبارات التي يمكن أن تُفهم بطريقة مبالغ فيها، وقد نختلف معه في بعضها، وللعلم فأدوار التعقيب كانت غير مرتبة ، فصادف أن جاء تعليق الرشيد عقب العريفي مباشرة ولم يكن رداً على الدكتور العريفي، والدكتور العريفي لم يتكلم لترد عليه الدكتورة الرشيد، ولكن وُظِّف هذا الأمر بطريقة سيئة جداً من قِبَل الإعلام، فالصحافة أساءت الحقيقة، بل تعرض بعضنا للدفع والصراخ من قبل بعض مندوبي الصحف، بالذات مندوب صحيفة الشرق الأوسط، وكان هناك إيذاء للمشاركين من قبل بعض الصحفيين ومحاولة للتهديد بأننا نمنعهم من بعض المعلومات وحصلت ضوضاء في هذا الجانب، وكان أداء الصحفيين سيئاً الحقيقة في التعامل مع الدكتور العريفي كشخص ومع الكل كمجموعة، إذ كنا موجودين في نفس المكان، وكان هناك صراخ أكثر من اللازم وتهديد ودفع وتدافع بسبب هؤلاء الصحفيين.<BR><BR>أما اليوم الأخير فقد شهد نقاشاً هادئاً أهدأ بكثير من اليوم الثاني، ثم التوصيات كان هناك نوع من التوتر بسبب أنها لم تكن توصيات عملية، وأنها لم تخضع للتصويت لكن رئاسة الحوار في النهاية استطاعت أن تحاور الناس وتشرح لهم وجهة نظرها واقتنع الكل بهذا الجانب.<BR><BR>ولديّ تحليل للتفاعل الذي قامت به الصحف المكتوبة؛ إذ يبدو لي أنه كان يراد أن يكون هناك صراع أكثر من اللازم في الحوار الوطني، ولم يحصل هذا الصراع، وهذا ما خيّب في تصوري آمال بعض الإعلاميين مما جعلهم فعلاً يكون لهم ردود فعل سيئة واستُغلّت قضية الدكتور العريفي للهجوم على الإسلاميين _للأسف_ ، ولم يذكر إلا العريفي وهو شخص من مجموعة كبيرة جداً ولا يمثل إلا نفسه في هذا الحوار كما الكل كذلك، كما أن بعض من أساء من تيارات أخرى لا يمثل إلا نفسه، وأنا في تصوري إذا تهجم شخص على القضاء واتهم القضاء بأنه قد يختار الإرهابيين ليكونوا قضاة فهذا كلام يجب أن يؤخذ بحذر ولم يرد عليه أحد؛ لأنه اعتبر تصريحاً لشخص معين ليس بالضرورة أنه يمثل مجموعة من الناس، كذلك لما تهجِّم على قضايا أخرى معينة لم يكن هناك ردود فعل مباشرة، فقد كان معظم المشاركين ناضجين لدرجة أنهم لم يحاولوا الرد على أطروحات مباشرة جداً ولا الدخول في توترات وتشنج في هذا الجانب .<BR> فأعتقد أن الإعلام _كما قلت_ عمل على فشل الحوار الوطني، وربما لأن الحوار الوطني بشخوصه وأفكاره لم يمثل ما يقوله الإعلام، وإنما مثّل المجتمع حقيقة إلى حد ما بدلاً من الإعلام الذي لا يمثل المجتمع ولا بصورة عشوائية.<BR><BR><font color="#FF0000"> المراقب لتناول الإعلام فيما بعد المؤتمر يلحظ نوعاً من اليأس أو الصدمة من النتائج، مما يعطي انطباعاً أنها لم تلبِّ حاجة تيار معين كان يطمح إليها من قبل، وتم توظيف بعض الشوائب، مثل: قضية العريفي وغيرها لمحاولة الشوشرة وإعطاء نوع من الانطباع أن المؤتمر كان فيه تخبط كبير، فهل فعلاً استطاعت توصيات المؤتمر أن تلبي رغبة اتجاه دون آخر؟ </font><BR>نحن هنا نتكلم عن الإعلام المكتوب بينما الإعلام التلفزيوني كان أحسن حالاً في تصوري عموماً، وكذلك الإعلام الإنترنتي، وحتى الإعلام المكتوب أيضاً، ليست كل الصحافة وإنما مجموعة من الصحف معروفة ومشهورة ولا داعي أن نذكر أسماءها هي التي أثارت جعجعة ولم نر منها طحيناً ، فلا هي اهتمت بقضايا المرأة الحقيقية: مثل التعليم، العمل، والفقر، وفي المقابل اهتمت بفقاعات ظهرت خلال الحوار وانطفأت في الحال.<BR><BR>أنا أعجبني في التوصيات أنها تسوق سياقاً فكرياً متميزاً وتصحح بعض الواقع الفكري الخاطئ، فنحن في قضية المرأة عندنا أمران؛ الأول: هو الظلم المخالف للشرع الذي يحصل على المرأة، وهذا متفق عليه وليس بالضرورة سببه النظام، وليس بالضرورة سببه المجتمع، وإنما هو موجود يحتاج إلى رفع، فدعت التوصيات لمراجعة كثير من الإجراءات، ودعت إلى تشكيل لجنة تدرس هذه القضايا، لجنة من الاجتماعيين والشرعيين لدراسة كيف تنصر قضايا المرأة بالشكل العملي التنفيذي، وهذا أنا أعتقد خطوة أساسية، الثاني: أنها أسست من جديد - إن صح التعبير - للمنهجية السعودية في التفكير عن المرأة فالمنهجية السعودية قامت على أمرين؛ الأمر الشرعي وهذا صحيح ومتوازن، وهو يحرر المرأة كما نعرف، وكذلك قامت على بعض الموروثات التقليدية التي ليست بالضرورة شرعية، يعني مثلاً قضايا لم يشر لها الإعلام، مثل: منع المرأة من الميراث في بعض مناطق المملكة، وهذه قضية مهمة وكبيرة جداً لم يطرحها الإعلام كقضية أساسية حقوقية مهمة جداً. <BR><BR>فوضع الحوار مجموعة أفكار تصب في نظرة إيجابية لقضايا المرأة ونظرة جادة لقضايا المرأة وعدم الركون إلى التقليدية والعادات والتقاليد التي تخالف الشريعة هذا كان واضحاً .<BR> أنا أرى أن التوصيات وفقت في وضع السياق والسياق هذا هو سياق فكري ومهم جداً، وعبّر فعلاً عن روح الحوار، فالحوار كان يريد أن يقول: إن المرأة السعودية هي امرأة مسلمة وامرأة يجب أن تنصَف ولها حقوقها وعليها واجباتها يجب أن تقوم بها، ويجب أن تفتح لها آفاق العمل وآفاق التعبير عن الذات وآفاق التصرف في الحريات التي كفلها لها الشرع مع احترام قضايا أولوية الأسرة أولوية العفاف أولوية المحافظة على نفسها وعلى المجتمع وأولوية أن تستجيب للشرع قبل أن تستجيب لما يطرحه بعض المغرضين من حقوق المرأة التي هي مخالفة للشريعة .<BR> وأريد أن أشير فقط إلى أن البعد الإعلامي نسي أن يذكر أيضاً قضايا مهمة تكلم عنها المحاضرون، فقد تحدث الكثير عن عضل النساء حول أن المرأة يجب أن يكون لها هوية مستقلة إذا هي مطلقة أو أرملة، وكيف تعطى لها، وهذه القضية نصرت من قِبل كل الحاضرين ونوقشت قضايا مهمة جداً أغفلها الإعلام، ومنها أن فرص العمل والتعليم الآن _للأسف_ تأخذها المرأة الغنية ولا تأخذها المرأة الفقيرة، وأن هناك عوائق نظامية أحياناً نحو وصول التعليم إلى بعض المناطق النائية بسب قلة عدد الطالبات أيضاً، هناك حاجة إلى أن نهتم بهموم المرأة التي لا تعيش في المدن الكبرى، وكيف تعيش بشكل أفضل من ناحية الوضع المادي والتعليم ومن ناحية العمل.<BR><BR>وعندما طولب بفرص عمل للمرأة أكثر، روعي أيضاً أن الشباب الذكور يعانون من عدم العمل، وكان فيه اتفاق من قبل الأخوات أنه إن كان هناك شخص رجل يعول أسرة وامرأة لا تعول أسرة، فالأولوية للرجل في العمل وليس للمرأة ، أما إذا وجدت امرأة تعول أسرة ورجل يعول أسرة فقد يكون هناك بينهما تنافس للحصول على هذه الوظيفة . هذا كان محل إجماع بشكل واضح جداً.<BR> ربما إحدى القضايا التي كان فيها نوع من التوتر كانت عمل المرأة. لما طرح عمل المرأة طرح بشكل بتوسع بشكل كان يؤدي ربما إلى الاختلاط ، ولُمِّح أن المرأة مساوية للرجل في كل شيء، وأنها يمكن أن تعمل أي شيء فعورض هذا من قِبَل البعض، وفهم ذلك خطأ، واعتقد البعض أن المعارضة من قبَل المحافظين - إن صح التعبير – هي معارضة لمبدأ عمل المرأة وهذا غير صحيح، فقد كان هناك معارضة لأمرين الأول التوسع في إدخال المرأة فيما لا يليق بها من أعمال، وأن هذه المعارضة فيها صيانة وحفظ للمرأة وليس ظلماً لها أبداً، كما طرح ذلك بوضوح الشيخ الحصين، وألمح إلى خطورة تسليع المرأة وجسدها و وواقع المجتمعات المعاصرة في ذلك .<BR><BR>الثاني: كان هناك حذر من أن يكون الأصل في المرأة العمل مع الاتفاق على أن المرأة لها مطلق الحرية في أن تعمل ولا يجب أن تُمنع من العمل لكن أيضاً يجب ألا نبث في الوعي أو اللاوعي في المجتمع أن المرأة التي لا تعمل خارج البيت هي عاطلة ، بل المرأة التي في بيتها عاملة، كان هناك اتفاق على أن البيت يحتاج إلى الزوجة والأم كما يحتاج المجتمع إليها في جانب آخر، فكان هناك حذر من أن يكون الأصل هو عمل المرأة، وذكرت بعض الأخوات مثالاً قالت: أنا أعرف زوجات مسؤولين كبار، إحداهن لا تقول: أنا فلانة ربة بيت، بل تقول: أنا زوجة فلان؛ لأنها تأنف من أن تقول ربة بيت فهي تريد أن تعمل؛ لأنه أُدخِل في ذهنها أن عدم عملها هو عطالة وبطالة وهذا غير صحيح باتفاق المشاركين، لكن في نفس الوقت كانت هناك دعوة لأن تفتح آفاق عمل أفضل للمرأة، وكان هناك أيضاً طروحات حول كيف يكون جو العمل مناسباً للمرأة وهذه أيضاً لم تحظَ بتغطية الإعلام، يعني ذُكر موضوع الحضانة وموضوع حماية المرأة من الظلم والتعدي داخل أجواء العمل هذه كلها قضايا أساسية طُرحت لكن ما ذكرها الإعلام، الإعلام اهتم بالفقاعات للأسف، وأحبط ربما جزءاً من روح هذا الحوار.<BR><BR><font color="#FF0000"> لو افترضنا أن كل طرف يسعى في ذلك الحوار أن يفهم ما يطرحه الآخر بشكل واضح دون لبس ، فهل نجح كل طرف في إيصال وجهة نظره إلى الآخر؟ </font><BR>أعتقد أن كل طرف نجح في إيصال وجهة نظره إلى الآخر لكن نوعية بعض المشاركين حالت دون ذلك أحياناً، وكذلك توتر الإعلام، الإعلام لما صنع التوتر حال دون ذلك . أنا أعتقد أن الحوار كان يمكن أن يبدو بشكل أفضل؛ لأنه كانت فرصة تاريخية استغلت في معظمها في سبيل حوار جاد على طاولة واحدة بمرجعية مشتركة وحصل هذا في غالب الأحيان، ربما نحتاج إلى حوارات أصغر وبشكل أطول وبشكل متكرر، أنا أعتقد هذا مهم جداً بين نفس المجموعات أو من المجموعات المهتمة أكثر بهذا الشأن . ربما أيضاً نحن بحاجة أن نحضر أشخاصاً ميدانيين للحوار ولا نكتفي بالأشخاص المنظرين . أنا أشيد هنا ببعض المشاركين الناشطين في العمل الاجتماعي لكن أكثر الموجودين لم يكن له أي نشاط في العمل الاجتماعي للأسف، وينظر للأمور من بعد وفوقية وأكثر الموجودين كان من النخبة التي لا تمثل للأسف أبعاد المجتمع .<BR><BR><font color="#FF0000"> يتضح مما طرح أن هناك اتفاقاً كاملاً على مرجعية التشريع والتفكير في مسألة المرأة، وهي المرجعية الإسلامية لكن يبقى الآن محل النزاع والنظر في قضية تحديد حدود هذه المرجعية وتفسيراتها، فكيف كان الحديث عن هذا الأمر؟ </font><BR>كان هناك اتفاق على أن العلماء هم المرجعية في هذا الجانب لكن هناك نقاشات تتعلق بأن العلماء أحياناً قد يبالغون في بعض استنتاجاتهم في بعض ما يستخدمونه من أسباب من باب سد الذرائع، وقد يبالغون في الخوف من هذا الجانب . ذكر الدكتور مرزوق بن تنباك في أحد تعليقاته أن الحراك الاجتماعي يسير ولا يمكن أن يوقف، لكن القضية كيف يمكن أن يوجَّه وأن يستغل في الاتجاه الإيجابي، وأنا أعتقد أني أتفق معه في هذا الجانب، لكن أيضاً هناك ضبابية، وربما مجاملة من بعض المشاركين في قبول المرجعية الإسلامية فلا أعتقد أن كل المشاركين يعتقد ذلك بصدق ، بل أظن أنه كان هناك من يعترض على هذه المرجعية أصلاً هذه الحقيقة، أنا أقرؤها من بُعْد، ولا أعرف أحداً معيناً أستطيع أن أقول عنه ذلك ، لكن بالجملة هناك مجاملة في الاعتراف بهذه القضية، وربما يتضح مقصدي أكثر من خلال بعض مشاركات إعلامية لبعض من شارك في الحوار؛ إذ بعضهم يرى أن النصوص الشرعية نزلت لوقتها، وأن بعض النصوص الشرعية ينتقص المرأة، وهذا يخالف التسليم والقبول بالمرجعية الشرعية.<BR><BR>أضيف أن نقاشاً دار حول بعض الأبحاث التي قدمت مثل بحث الدكتور وليد فتيحي و استخدامه للمرجعية العلمية غير السعودية، وهل يمكن أن نكتفي بالمرجعيات غير السعودية؟ وهل يفترض أن يكون العلماء البارزون في السعودية مثل العلماء البارزين خارج السعودية جزءاً من مرجعية بحث الدكتور وليد فتيحي ، وهذا أشار إلى خلاف في قضية منهجية عندنا في المجتمع السعودي، وهي عدم القدرة على التعامل مع تعدد الآراء الفقهية، وكيف نستطيع أن نسبح في هذا التعدد لكي نخرج بما هو أفضل لمجتمعنا، وكذلك أشار الشيخ المنيع إلى وجود حوارات دائمة بين كبار العلماء حول قضية أن تنزل الشريعة على شكل مجموعة أنظمة وقوانين أو لا تنزل، وأشار إلى أن الكثير من العلماء مع الوقت يتجه إلى هذا الجانب ، وهذا يدل على أنه ربما هناك بطء في استجابة الفتوى للواقع إلى حد ما - إن صح التعبير - لكن كان هناك اتفاق على أن الشرعية الإسلامية مردها إلى أهل العلم وليس مردها إلى الأفراد مع وجود مشاغبين في هذه القضية، ولكن كان هذا هو الرأي السائد والواضح في هذا الأمر و القضايا الشرعية تحال إلى هيئة كبار العلماء ولا تمرر بالتصويت، ولكن على هيئة كبار العلماء أيضاً أن تكون قادرة على معرفة نبض المجتمع ومشاكله وأحاسيسه، وأن تستطيع أن تجعل الفتوى منطلقة من مصلحة المجتمع لا من الدفاع عن عادات وتقاليد ليست شرعية، وأن تكون قادرة على أخذ كل ما جاء في الآراء الفقهية بشكل متوازن، وأن تبحث عن الأصلح للمجتمع بدلاً من أن تحافظ أحياناً على قضايا ليست بالضرورة تستحق المحافظة عليها.<BR><BR><font color="#FF0000"> هل تعد الحوار الوطني للمرأة السعودية هذه الأيام هو حركة مفصلية في تاريخ المرأة في هذا البلد؟ </font><BR>لا، الحركة المفصلية في تاريخ المرأة في هذا البلد بدأت مع انتشار التوحيد والاهتمام بتعليم المرأة نحن نعرف - إن صح التعبير - الدعوة السلفية اهتمت بتعليم المرأة منذ زمن، وهناك مدونة باسم الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - لتعليم النساء، والمرأة كانت عاملة وجزء من الحياة الاجتماعية وقامت بأداء وظيفتها بشكل جيد جداً .<BR> ولما جاء العصر الحديث جاء عصر الترف أصبحت أدوار المرأة للعمل خارج المنزل أقل من ذي قبل؛ لأن المرأة كانت تعمل في الحقل وبيع الأشياء البسيطة جداً ولم تكن المرأة تمارس أدواراً قيادية في المجتمعات تاريخياً ولا حتى في الدول الغربية ولا الشرقية . المرأة لا تمارس أدواراً قيادية كبيرة جداً إلا استثناءً وليس الأصل وهذا واضح من استقراء التاريخ وهذا ليس ضعفاً بها، بل بالعكس فالحكمة ألا تنصرف المرأة إلى شؤون عامة وتترك من يهمهم أمرها أكثر وهو البيت ، في هذا الجانب لا أعتقد أن المرأة أصلاً بحاجة للحركة المفصلية .<BR> الحركة المفصلية الأخرى التي حصلت للمرأة في السعودية حديثاً هي حركة التعليم، ودائماً يكرر الكثيرون أن حركة التعليم ووجهت برفض من المتدينين وهذا غير صحيح . هي ووجهت برفض مجموعة قليلة من المتدينين في منطقة معينة محددة ولم تقابل برفض التعليم من كل المتدينين ولا في كل المناطق، وكان أول مديري المدارس متدينين من العلماء وطلبة العلم، وكان أول من تخرج منها بنات العلماء وطلبة العلم.<BR>ثم لما مورس التعليم بشكل إيجابي، وكانت هناك قدرة من الدولة على أن تضع التعليم للمرأة بشكل غير مختلط – وهو ما أطمأن له الناس - انطلقت المرأة و بدأت عملية التحديث للرجل والمرأة مع التعليم .<BR> الآن السعودية ليست فيها أمية إلا نادراً على عكس بلاد أخرى، أحد الإخوة ضرب مثالاً قد يكون مفيداً لقارئي الموقع أن يعرفوه، وهو أن موريتانيا لم يكن فيها أميّ منذ عشرات السنين لكن بعد الأنظمة العلمانية التي شهدتها موريتانيا أصبحت الأمية حوالي 40% في موريتانيا، وهذا رقم جديد علي وغريب، إذن أنا لا أعتقد أن المرأة بحاجة إلى شيء مفصلي، فعملية التحديث مستمرة لكل المجتمع.<BR><BR>هناك جانب آخر مهم جداً وهو أن المرأة السعودية لا تعيش حالة صراع مع الرجل وهذه ظاهرة عامة، ولو عملت استبياناً اتضح لك هذا، الصورة وإذا ناقشت النساء تتضح لك هذه الصورة . الأخوات المشاركات في الحوار، سواء المصنفات أنهن إسلاميات أو المصنفات أنهن غير إسلاميات أو التيار الوسط أو إلى آخره، كان واضحاً أنهن ليس عندهن مشكلة في الصراع مع الرجل أبداً كان هناك طرح في أن تكون المرأة ذات شخصية اعتبارية مستقلة وهذا موجود، هناك عوائق نظامية هناك عوائق تقليدية لكن باستعراض أنظمة العمل وأنظمة القضاء وأنظمة العلاج وأنظمة المال وتحديثها لن يكون هناك تضييق على المرأة بشكل كبير جداً، كما أن هناك بعض التعديلات الإجرائية التي تحتاج إلى أن تُجرى، مثل: ألا تحتاج المرأة إلى كفيل لكي تفتح سجل تجاري، والحماية التي وُضعت في السابق ربما لم تكن انتقاصاً في المرأة، وإنما حماية لها من استغلال العابثين . حتى قضية منع المرأة من السفر إلا بورقة من الولي لم تكن قضية شرعية وإنما كانت قضية إدارية للحفاظ على المرأة من عبث العابثين وهذا صحيح؛ لأن المرأة يمكن أن تتبع عواطفها فتتنازل عن قضايا تعتقد أن الطرف الآخر مخلص لها فيها وهو غير ذلك والرجل كذلك، لكن الرجل يفترض أنه أكثر قدرة على الدفاع عن نفسه من المرأة . <BR>فليس هناك حركة مفصلية، والتركيز على قيادة المرأة للسيارة والتركيز على غطاء الوجه تهميش لقضايا مهمة، وهناك اتفاق على أن المرأة بحاجة إلى نظام مواصلات جيد، وكذلك أتصور أن قضية قيادة المرأة للسيارة ليست مفصلية؛ لأنها تحققها من عدمه لا يعني شيئاً كبيراً، فهي قضية إجرائية وليست تحريراً - إن صح التعبير - من ظلم بل هي شيء إجرائي قد يصب في مصلحة المرأة وقد يزيد من معاناتها و ربما يصعب تقدير هذا . بعض الأخوات طرحن هذه الفكرة كقضية؛ لأنها تحتاجها المطلقة والأرملة والتي تريد أن تذهب إلى موعدها في المستشفى، فطرحت بعض الأخوات طرحاً مضاداً تماماً، قالت: إذا الرجل يريد أن يتخلى عن دوره في المنزل ودوره في القوامة فلا نريد نحن ذلك، لا نريد أن يخدعنا وأن يرمي علينا بالثقل أكثر ، نحن لا نريد أن نتحول إلى نساء تقوم بكل الأدوار نحن يكفينا أن نعمل وأن نقوم بدورنا داخل البيت، نحن لا نريد القيادة؛ لأن القيادة بالنسبة لهذه المتحدثة كانت قضية معنوية معناها أنه سيرمى مسؤوليات أكثر على المرأة في هذا الجانب، وهذا صحيح بهذا الاعتبار فلا أرى أنه يوجد انفصام بين المجتمع السعودي في هذا الجانب.<BR><BR>قضية قيادة المرأة للسيارة لا أعتقد أنها نقطة محورية في واقع المرأة السعودية، ولكن قد تكون قضية محورية في واقع المجتمع السعودي فقد يؤدي ذلك إلى تسارع التفكك أو قد يؤدي إلى التحام اجتماعي أكثر يصعب التنبؤ بذلك لكنه تغيير سيهز المجتمع بشكل معين يحتاج أن يضبط من خلاله .<BR> ولهذا بعض الإخوة طرح أنه يمكن أن يبحث عن صيغ معينة بأن تفعّل هذه القضية بالتدريج، وألا تكون قضية أساسية منهجية، وكان هناك إصرار على وجود نظام نقل عام مناسب وبعض الأخوات طرحت أن يكون نظام النقل العام مخصص للمرأة، مع كل هذه الجوانب يجب أن نأخذ في اعتبارنا أن المرأة ليست بحاجة إلى شيء محوري أو مفصلي في مسيرتها؛ لأن مسيرة المرأة السعودية متواصلة، وأعتقد أن الحضور النسائي المتميز الذي كان في الحوار الوطني والكوادر التي سمعناها والقدرة التحليلية والقدرة البحثية والقدرة النقاشية التي سمعناها فعلاً تؤكد على أن المرأة السعودية لم تُحرم من حقها التنموي ، وإنما هي تستغله بشكل جيد ولكن نحن بحاجة إلى نرفع مستوى وعي المرأة على المستوى العام كما أننا بحاجة أن نرفع مستوى وعي الرجل، وإذا صنعنا إنساناً جيداً في تصوري سنستطيع أن نتخلص من كثير من المشكلات والخلافات التي تدور بين أفراد المجتمع.<BR><BR>وأنا هنا أحذر من أن يصنف المجتمع إلى ليبرالي ومتشدد وعلماني، وأعتقد أن الذي اتضح خلال البحث على الطاولة أن هناك مجموعات لها أفكارها المتشددة والتي أسميها خارج المستوى الطبيعي، وهذه موجودة في الطرفين لكن هناك إجماع وسطي كبير جداً على مرجعية الإسلام وعلى قيمة المرأة وعلى مناصرة قضاياها، وكان أكثر المشاركين يعبر عن هذا ولم يكن فيه وضوح لتيارات متحررة أو تيارات متشددة، نعم هناك بعض الأطروحات المتشددة وبعض الأطروحات المتحررة التي نوقشت لكن السياق والجو العام أن المجتمع السعودي مجتمع وطني محافظ مخلص ملتزم بدينه ويبحث عن الخروج من أزمته في قضايا كثيرة من ضمنها أزمة المرأة.<BR><BR><font color="#FF0000"> سؤال أخير من دلائل الموضوعية والصدق والإخلاص في تناول قضية المرأة وضعها في السياق العام من التخلف التنموي والفساد الإداري والفساد الاجتماعي الذي يطال الناس كلهم الرجل الفقير والضعيف والمرأة والطفل، فهل كان هذا الأمر مطروحاً ؟ </font><BR>دارت نقاشات كثيرة جداً على أن مشكلة المرأة مع النظام القضائي هي مشكلة للرجل أيضاً، لكن مشكلة المرأة أشد، وهناك خطوات لحلها، البطالة مثلاً هي قضية للرجل والمرأة في هذا الجانب، قضية الحقوق وعدم إعطاء الحقوق هي قضية للرجل والمرأة ليست للمرأة فقط، قضية ضعف الوعي هي قضية للرجل والمرأة، قضية الانهيار الأسري هي قضية للرجل والمرأة قضية العنف هي قضية الرجل والمرأة، قضية خضوعنا جميعاً إلى دائرة مغلقة من اتخاذ القرارات التي لا تأخذ دائماً المصلحة في الاعتبار أيضاً هذا كان للرجل والمرأة، كان واضحاً جداً أن أكثر قضايا المرأة هي قضايا عامة للمجتمع لكن أعتقد أنه من ناحية شرعية يجب أن نناقش قضايا المرأة؛ لأنها الأضعف ويجب أيضاً أن نحتفظ بالصورة العامة الكبرى وهي التي تسبب معاناة للرجل والمرأة على حد سواء .<BR><BR>ختاماً نشكر الدكتور عمر المديفر على ما منحنا من وقته.<BR><br>