خديجة الفرنسية : الإسلام أعطاني كل شيء
28 جمادى الأول 1426

<font color="#000080"> أجرت الحوار: ياسمينة صالح </font> </br> </br> هي واحدة من النساء الرائعات اللائي وجدن راحتهن في خيارهن كما تقول. لقد اكتشفت أن الحضارة الغربية بقشورها ومادياتها وبرودتها قد أفقدتها إنسانيتها، ولأنها أرادت أن تصبح حرة، فكان عليها أن تعثر على نفسها أولاً. هي التي هاجمها الجميع حين قررت أن تدخل إلى الإسلام مقتنعة. لم تكتف "كاترين موروا" التي أصبح اسمها "خديجة عبد الله" بأن تشهر إسلامها، بل أنشأت جمعية "فرنسيات ومسلمات" (Française & Musulmane) لتدعو الفرنسيات إلى دين الحق. التقيناها في هذا الحوار الصريح. </br> </br> <font color="#FF0000"> أولاً أريد أن أبارك لك حياتك الجديدة التي أتمنى أن تحدثينا عنها من البداية.. كيف وصلت إلى الإسلام _ولله الحمد_؟ </font><BR>أريد في البداية أن أقول: إن إحساسي اليوم يختلف عما كنت أشعر به من قبل. أنا اليوم إنسانة أخرى، أشعر براحة حقيقية في علاقتي بنفسي وفي علاقتي مع الآخرين. الإسلام لم يكن بالنسبة لي صدفة. لقد عشت كفرنسية وسط جالية مسلمة من المغرب العربي بحكم عملي الجامعي وبحكم زياراتي أيضاً إلى دول عربية مثل المغرب والجزائر وتونس وليبيا. <BR><BR>ما كان يلفت انتباهي هو الطابع الخصوصي المتميز لتلك المجتمعات العربية. كان يهمني كثيراً طريقة حياتهم، وحرصهم على أن يكونوا متميزين برغم بساطتهم أحياناً. كنت أشعر بالإعجاب قبالة ذلك اليقين الجميل الذي كنت أراه في عيون البسطاء، كان ذلك أمراً كبيراً بالنسبة لي. <BR><BR>ثم حدث أن قررت ذات يوم قبول عرض التدريس في المغرب. وسافرت إلى هناك أين التقيت بزوجي المغربي الذي لا أنكر أنه صحح لي الكثير من الأشياء التي كنت أجهلها، لقد أعطاني الصورة الخديجة للرجل المسلم الذي أتشرف بأن أنتمي إليه اليوم بحكم العقيدة والإيمان، صدقيني أن قرار إسلامي لم يكن صدفة ولا تسرعاً، لقد كان قراراً متأنياً وصلت إليه عن قناعة مطلقة؛ لأني وجدت في الإسلام الحياة التي كنت بحاجة إليها، وجدت الاحترام والفضيلة وحب الناس والتفاعل معهم وعدم الابتعاد عنهم. <BR><BR>وجدت في الإسلام كرم الضيافة وحب الخير ونبذ الكذب والنميمة. وجدت في الإسلام قداسة الوالدين وحبهما والاعتناء بهما، كلها صور الإسلام التي أنقذتني من الضياع، أنا مسلمة وسعيدة بإسلامي ولهذا كانت فكرة إنشاء الجمعية التي أرأسها منذ خمسة أعوام: فرنسيات ومسلمات. لا أخفي أنني واجهت صعوبة في البداية. الجميع اعتبرني "مجنونة" حين أسلمت، أهلي وأصدقائي نبذوني في أول الأمر، ولكنهم بعد سنوات استوعبوا أن سعادتي الحالية وشعوري بالتوازن النفسي والعقلي مع نفسي، وتسامحي ومحبتي غير المشروطة للناس تكفي ليقتنعوا أنني اخترت الطريق السليم لي.<BR><BR><font color="#FF0000"> عاشت فرنسا في المدة الأخيرة الكثير من "الانقلابات السياسية" التي وصلت إلى حد منع ارتداء الحجاب في المدارس والمؤسسات الرسمية الفرنسية، كيف واجهتم هذا القانون باعتباركم جمعية فرنسية مسلمة؟ </font><BR>أعتقد أن أخطر تراجع للحريات في فرنسا كان هذا القانون الذي يمنع المرأة من ممارسة حريتها الشخصية في ارتداء غطاء الرأس (Le voile). هذا مساس حقيقي بالحريات الشخصية في دولة أكثر من مئة مادة قانونية فيها تطالب باحترام حرية الآخرين.<BR> <BR>من المؤسف حقاً الاعتراف بأن ما جرى لم يكن قانوناً عادياً، كان مؤامرة حقيقية ضد الوجود الفاعل للإسلام على الأرض الفرنسية التي ظلت الحركات اليمينية، واليهودية تعده خطراً على " الجمهورية الخامسة".<BR><BR>لا يجب أن ننسى أن الوجود الكثيف للوبي اليهودي على الأرض الفرنسية، وفي جنوب أوروبا يؤسس في النهاية خطراً كبيراً علينا ليس كمسلمين، بل وكفرنسيين أيضاً، باعتبار أن هذا اللوبي ينشط وفق راديكالية لا يمكن وصفها إلا بعبارة " إرهاب فكري وسياسي" يحاول النيل من أولئك الذين ينادون بالتسامح وبالحق في الحياة في فرنسا.<BR><BR>لعل هذا التيار اليهودي وجد الساحة شبه فارغة في غياب ردات الفعل الرسمية التي لم تحرك ساكناً إزاء قانون حظر الحجاب، ولهذا أعتقد أن المسألة كانت في الحقيقة انقلاباً سياسياً خطيراً في فرنسا والذي للأسف صنع أرضية لما يمكن تسميتهم "بالمحافظين الجدد" داخل فرنسا والذين كما قلت لك يدافعون أن مصالحهم التي تتماشى مع المصالح اليهودية دينياً وفكرياً وسياسياً.<BR><BR><font color="#FF0000"> أخت "خديجة عبد الله"، أنت أستاذة جامعية (سابقة)، تعرضت للطرد التعسفي من الجامعة بسبب الحجاب، وهو الأمر الذي تعرضت له آلاف المسلمات في فرنسا.. كيف عشت هذا الوضع المؤسف؟ </font><BR>نعم لقد تعرضت للطرد التعسفي من الجامعة بسبب الحجاب.<BR> أذكر أن مدير الجامعة (جامعة بروفانس) طلب مني أن أنزع الحجاب مقابل حوافز جيدة، لكنني رفضت ذلك. كان الأمر إهانة لي ولديني أن يساومني أي أحد على حجابي. <BR>لعل الالتباس الذي حصل هو أن البعض من الناس يعتقد أن الحجاب مجرد رداء، ومجرد غطاء للرأس. لا يعرفون أنه فكر أيضاً. الحجاب بالنسبة لي ليس مجرد لباس، بل هو أيضاً قناعة ويقين جعلاني أشعر لأول مرة بكياني كإنسانة لها كرامتها ووجودها، لهذا كيف يساومونني عليه؟ النساء اللائي اخترن ترك أعمالهن ودراستهن هن اللائي رفضن ترك الحجاب؛ لأنهن يعرفن جيداً أنه قناعتهن وأن القناعة لا يمكن المساومة عليها مهما كان الثمن. <BR><BR>إحساسنا كان واحداً، والحمد لله حمداً كثيراً أن الجمعية كان بالنسبة لي بديلاً استطعنا من خلالها أن ننشئ ما يشبه "خلية أزمة" متكونة من أخوات مختصات في علم النفس الاجتماعي لأجل استقبال العديد من المسلمات والحديث معهن ومحاولة كسب خبراتهن لأجل مساعدة نساء أخريات. استقبلنا أيضاً نساء غير مسلمات تعرضن إلى ظلم الإدارة والمؤسسات الإدارية _والحمد لله_ بعضهن بقين معنا واعتنقن الإسلام _ولله الحمد_. <BR><BR>المسألة بالنسبة لنا هو عرض فكرتنا بمنتهى البساطة انطلاقاً من كوننا فرنسيات أصلاً، ومسلمات لهن حق ممارسة دورهن في المجتمع وفق ما يقتضيه القانون، وهذا الذي يجعلنا نتكلم عن القانون الفرنسي الذي يحاول التراجع عن مكاسبه السابقة إزاء الحرية وصار يتاجر بها لأجل إرضاء اللوبي اليهودي. <BR><BR><BR><font color="#FF0000"> قبل أشهر، قال المحامي الفرنسي الشهير"جاك فرجيس": إن القانون الفرنسي الجديد يمهد لجمهورية رقيق فرنسية.. وأن من حق الفرنسيين أن يدافعوا عن أنفسهم برفض الخضوع لمنطق اليأس القانوني.. هل فكرتم في اللجوء إلى القضاء لرفض قرار طردكم من التدريس، وبالتالي لرفض قرار الطرد ضد نساء مسلمات أخريات كما فعلت السيدة التركية "ليلى سمعان"؟ </font><BR>أنا أحيي الأخت التركية "ليلى سمعان" التي رفعت قضية ضد مدير المؤسسة التي كانت تعمل فيها بعد قرار الطرد الذي أصدره ضدها وهي الأم لأربعة أطفال تعيلهم. القانون كما قال "جاك فرجيس" صار جاهزاً لاضطهاد الفرنسيين بكل مستوياتهم الفكرية والدينية. المسألة الخطيرة في فرنسا أن الحقوق المدنية تراجعت باسم مسميات ليس لها أساس، فالذين صنعوا مصطلح "الإرهاب السياسي" هم أنفسهم الذين يمارسون الإرهاب على الدول الفقيرة وينهبون خيراتها تحت غطاء صندوق النقد الدولي، الإرهاب هو ما نعيشه فعلاً، أي حرمان الناس من ممارسة حقوقها الطبيعية، وحظر الحجاب في فرنسا هو إرهاب أيضاً، وقد قلنا ذلك من قبل ونقوله اليوم. <BR><BR><font color="#FF0000">أخت "خديجة عبد الله"، ثمة اليوم صراعاً حضارياً، صار حرباً حضارية أيضاً، كيف تنظرين إلى هذا الصراع من موقعك كمسلمة فرنسية تعيش في دولة لائكية؟</font><BR>سأقول لك: إن العديد من التجارب السياسية التي خضناها من قبل كانت خاسرة؛ لأن الدول لا يمكنها أن تتأسس على فراغ.<BR> الأيديولوجية انهارت ولم يعد ممكناً الكلام اليوم عن الاشتراكية مثلاً، ولا عن الرأسمالية، الذي أريد قوله: إن التيارات السياسية التي قامت على فراغ انهارت، ليس في فرنسا، بل في العديد من دول العالم. أمريكا اليوم "صنعت لنفسها" ديانة صهيونية مسيحية تسعى من خلالها إلى الهيمنة على العالم. <BR>الدين بالنسبة للإدارة الأمريكية هو الذي كان الركيزة في الخطاب السياسي الرسمي لجورج بوش الابن، فكيف يمنعوننا أن نخاطب إخواننا بلغة الدين إذن؟ هم يفعلون ذلك، فكيف يرفضون أن نفعل ذلك أيضاً؟ المسألة التي أريد الدفاع عنها في حياتي وفي الجمعية التي أديرها هي أن اليقين جزء من الحل، ويقيننا هو الإسلام. <BR><BR>لديهم يقينهم ولدينا يقيننا. ليس من حق أحد أن يمنعنا من الصلاة في المساجد، وليس من حق أحد أن يمنعنا من ارتداء الحجاب، وليس لأحد الحق في منعنا من القيام بواجباتنا وفق ما يمليه عليه ديننا من احترام الآخرين وعدم المساس بهم أو تحقيرهم. نعم أنا معك في أننا نعيش حرباً حضارية خطيرة تشنها الدبابة الأمريكية على العالم لأجل فرض "الصهيونية المسيحية" كلغة سياسية ودينية دولية. ما يجري في العراق وفي فلسطين وفي العديد من الدول يعري العورات الإمبريالية، ولهذا كلما كانت حربهم علينا كلما كان يقيننا وإيماننا قويا بأننا على حق وأن الله سينصرنا على القوم الظالمين.<BR><BR><font color="#FF0000"> قلت لي قبل بداية الحوار: إنك تشعرين نفسك كما لو كنت ولدت بمجرد نطقك بالشهادتين! </font><BR>نعم. هذا ما شعرت به فعلاً. يوم نطقي بالشهادتين أمام إمام مسجد باريس، شعرت بشيء يتفتح في داخلي. شعرت براحة لم أكن أعرف كيف أترجمها. لأول مرة أشعر فيها أنني وصلت إلى هدف كنت أبحث عنه طوال حياتي السابقة. شعرت بأنني ولدت فعلاً يوم اعتنقت الإسلام.. <BR>لن أخفي عليك أنني تغيرت كثيراً. أصبحت أكثر تسامحاً مع الآخرين. صابرة ومثابرة. أشعر أنني لم أعد أضيع وقتي في الجري خلف قشور الدنيا. صار عندي هدف. أطفالي وزوجي وبيتي جنتي الصغيرة. أشعر بالتوازن مع نفسي، في السابق كنت عصبية وقلقة، <BR>كنت خائفة ولا أعرف ماذا علي أن أفعله، كنت أسأل نفسي دائماً: ما الحل؟ الآن لم أعد أسأل نفسي ما الحل؛ لأني أعرف أنني اخترت الحل الذي وجهني الله إليه، صدقيني حين أرى أي إنسان يلهث خلف ملذات الحياة أشفق عليه؛ لأنني أعرف أنهم يعيشون ضياعاً نفسياً ووجدانياً، أحزن لأجلهم، وأتمنى أن أساعدهم للاقتناع أولاً بما أنا مقتنعة به. أقول لهم دائماً: انظروا إلي. الإسلام لم يفقدني شيئاً، بل أعطاني كل شيء. الحمد لله على هذا.<BR><br>