القضاء في السعودية.. في حوار موسع مع الشيخ الخضيري
17 ذو الحجه 1427

<font color="#000080"> المسلم - خاص </font> </br> </br> <font color="#0000FF"> تشهد المملكة العربية السعودية مؤخراً هجمة إعلامية غير مسبوقة، تستهدف القضاء وأحكامه، على الرغم من أن السعودية تعد الدولة الوحيدة في العالم التي تعتمد الشريعة الإسلامية في أحكامها القضائية. </br> وقد وصلت حدود هذه الهجمة إلى انتقادات لبعض الأحكام القضائية، وتقديمها في الوسائل الإعلامية على أنها أحكام "ظالمة!" عبر إتاحة الفرصة لأحد أطراف القضية بالكلام دون الطرف الثاني، أو بالكتابة عما ما يسميه بعض الصحفيين "الاصلاحات القضائية،،. ويحدث ذلك كله وسط غياب صوت القضاة فلا من يتحدث باسمهم أو يدافع عنهم. </br> موقع (المسلم) حاور فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم الخضيري (القاضي في المحكمة الكبرى بالرياض) ليتيح له فرصة الرد والمنافحة ضد تلك الهجمة المتنامية، وليقف معنا على بعض الأمور الخاصة بالقضاء وأحكامه وتطويره، فمرحبا بفضيلة الشيخ. </font> </br> </br> <font color="#FF0000"> - فضيلة الشيخ إبراهيم، كثر الحديث في الصحافة ووسائل الإعلام المحلية عن القضاء والقضاة في المملكة العربية السعودية وكل ذلك في ضوء ما حدث ويحدث من قضايا جنائية تنشر أحداثها ثم يترقب الناس أحكام القضاء فيها. وكثير من تلك المقالات والكتابات والتحقيقات تغمز من شأن القضاء وتعرض بالقائمين عليه، بل وتكيل الاتهامات أحيانا بلا زمام ولا خطام . سؤالنا فضيلة الشيخ: لماذا يحدث هذا الآن ولم نكن نسمع به من قبل؟ ولم صار القضاء والقضاة عرضة لكل من هب ودب بالتشنيع والسخرية والانتقاد؟ </font><BR>الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:<BR>كانت الدولة من قبل تعطي القضاء هيبة وحماية قوية جداً، وتمنع الصحافة من أن تلوك وتخوض فيما لا حاجة لها به، لكن الدولة وفقها الله أعطت الصحافة حرية وسمحت لها بأن تمارس ما تريد، ومع ذلك كله حصلت هذه الحملات، وتنفس الحاقدون على شرع الله الصعداء، وبدؤوا يبثون سمومهم ويطعنون في القضاء الشرعي من حيث تتحصل لهم المكاسب التي يريدونها في هدم هذا القضاء وأنى لهم ذلك _إن شاء الله تعالى_.<BR><BR><font color="#FF0000"> - في خضم الحملات الصحفية على القضاء والقضاة؛ لا نكاد نسمع صوتا للمعنيين بالأمر وهم القضاة سواء بصفة رسمية أو بصفة شخصية. فمن المسؤول عن التصدي لهذه الحملة والدفاع عن جناب القضاء؟ وبم يمكن أن نفسر عزوف كثير من القضاة عن التفاعل مع وسائل الإعلام؟ </font><BR>يؤسفني القول بأن الحملات الصحفية ضد القضاء ذات مغزيين، إما حملات صادرة عن قوم فسقة فجرة ظلمة يريدون هدم الشريعة الإسلامية والطعن فيها ومن ضمنها القضاء الشرعي والنيل منه، ويضخمون الأخطاء التي تقع من القضاة ويطورونها ويتناولونها في صحفهم ويخوضون فيها خوضاً آثما أليماً مؤسفاً، ومع ذلك كله لا يجد القضاء صوتاً يدافع عنه لسببين، بسبب عزوف القضاة كما تفضلتم عن الخوض في هذه المهاترات التي يعرفون أن ردهم على المتكلمين فيها يرفع من قيمة المتكلمين ويعلي من شأنهم وهذا أمر لا يريدونه، والأمر الثاني أنهم متهمون في ردهم؛ لأنهم يتكلمون عن أنفسهم ومن باب الورع والزهد والعفاف والنقاء يرون أن يبتعدوا عن الخوض في هذه المهاترات وهذا هو الجانب الأول مع الأسف الشديد، وهو يبدو لي والله أعلم أنه معروف للجميع.<BR><BR>الفئة الثانية من المشاركين في الحملة على القضاء قوم مخلصون ولكن فيهم مغفلون سمعوا الناس يقولون شيئاً فقالوه، فأرادوا إما الشهرة أو الخوض في أمور يظنون أن في خوضها مصلحة وهم مخلصون يهدفون إلى الخير ويدعون إليه ويحبون القضاء الشرعي ويحبون الشريعة وينبرون يريدون الدفاع عن الشرع ولكنهم لا يحسنون لذلك طولاً، فتحصل التهمة منهم والمدخل منهم على الشريعة ككل، وتكون مقالاتهم و طروحاتهم أضحوكة للناس لما فيها من الخواء العلمي ولما فيها من الجهل المطبق ولما فيها من انفصام عرى المعلومات وانقطاعها. <BR><BR>ويظهر لي أن من المستحسن في مثل هذه الحملات أن يكون للقضاء الشرعي مصدر قضائي إعلامي أي أن تكون لوزارة العدل جهة متخصصة مهمتها رصد ما يُكتب عن القضاء والقضاة والدفاع عنهم بطريقة شرعية إما عن طريق إقامة الدعاوى على من يفتري على القضاء الشرعي؛ لأن القضاء يمس كيان الدولة وإما عن طريق الردود العلمية المؤصلة المدعومة بالأدلة الموضحة تماماً كما تتبع وزارة الداخلية للسجون في الرد على من يعترض أو يناقش أو يقدم طروحات في نشاطات وزارة الداخلية. فوزارة العدل وزارة كغيرها من وزارات الدولة تعنى بشريحة كبيرة من المجتمع وهي مهمة فيجب عليها حقيقة أن يكون لها مصدر إعلامي موثوق يُرجع إليه ويُؤخذ منه ويُصدر عنه في الذب عن القضاة والدفاع عنهم وحماية جنابهم. <BR><BR>ثم إنك تجد بعضا من الكتاب ممن ينتقد القضاء لا يقيم الصلاة في نفسه ولا يعرف من الدين إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه، بل ولا يقيم بين أظهر المسلمين ثم يخوض في قضية في مجتمع محافظ ويلوك فيها ويتعرض للقضاء والقضاة وهو لا يعرف من أين يبدأ ولا من أين ينتهي وبالتالي تجد الصحف فاتحة صدرها وناشرة كل شعرها له متزينة له بكل ما أوتيت، بينما لو أن إنساناً أراد أن يدافع عن دين الله عز وجل ويعترض هذا الكاتب ويفند رأيه لم تقبل تلك الصحف منه ولا تنشر له أو تنشر مقاله مختزلاً. انظر إلى ما يمارسه الإعلام التليفزيوني في بعض القنوات الفضائية فهم يطرحون القضية من جانب واحد ويهملون الجوانب الأخرى والناس ليسوا بأغبياء بل يعرفون كيف تعرض القضية وعلى أي أصول تعرض وما هي الأصول الدقيقة التي يمكن أن يفهم منها، فهم يأتون بقاض مثلاً فيتكلم نصف ساعة لكنهم يحذفون من كلامه ما مدته عشر دقائق وربما أكثر، وهذا تصرف لا يمت للأمانة العلمية بأي صلة وبالتالي يحجم القضاة ويمتنعون عن الدخول في هذه المتاهات لأنهم يدركون سلفاً أن الإعلام إنما جاء بهم ليتصيد زلاتهم لا ليعطيهم الحرية فيتكلمون بما يريدون ويدافعون عن أنفسهم وعن غيرهم فيجدون أن من الأفضل الصدود والإعراض عن الدخول في هذه المتاهة المظلمة السيئة أسأل الله للجميع العفو والعافية.<BR><BR><font color="#FF0000"> - ما هي برأي فضيلتكم الوسيلة المثلى للوقوف أمام الحملات الصحفية الظالمة في شأن القضاء؟ </font><BR>هو أن يكون القضاء على درجة ممتاز في ممارساته وفي نشاطه وفي عمله وفي إعلامه وفي أدائه للدور الإعلامي المنوط به بشكل صحيح . القضاء إلى الآن متخفٍّ عن الإعلام فيجب أن يظهر إعلامياً وأن يبرز للناس بالصورة المقبولة الصحيحة التي تحافظ على أسرار الناس وتحافظ على كرامتهم وعلى قضايا المجتمع السعودي بأسره ولذلك لا يصلح أبداً بأي حال من الأحوال أن يُنشر في وسائل الإعلام كل قضية أو القضية بظروفها وملابساتها هذا ليس من مصلحة الإسلام ولا المسلمين وإنما يجب أن يكون هناك من يتحدث عن القضاء والقضية ولا يجب أيضاً أن يُكتم الناس كتماً شديداً فقد ولّى زمن التكتم وزمن الإنكار وزمن النفي كل هذا ولّى ولم يبق إلا زمن الحقيقة والحقيقة الواضحة الجلية المدعومة بالأدلة هذا هو المطلوب . أيضاَ المطلوب أن يتاح للناس في وسائل الإعلام أن يقولوا ما يريدون من كل وجه لا أن تكون وسائل الإعلام ظالمة للقضاء والقضاة فلا تقدم إلا بعض الحقيقة وإذا تكلمت فإنما تتكلم بما تريد هي وتنشر ما يعجبها هي وما عدا ذلك يعرضون عنه و يقولون لا يتفق هذا وسياسة الجريدة ثم يعتذرون، هذا الكلام لا مبرر له، إما أن ينشر الكلام بأصله وفصله وفرعه وإما أن يُترك كله ولا يتعرضوا لهذا الأصل أسأل الله للجميع التوفيق والسداد.<BR><BR><font color="#FF0000"> - يعتمد كثير من الكتاب على التهييج العاطفي في عرضهم لبعض الأحكام التي صدرت في بعض القضايا كما حصل في قضية التفريق بين الزوجين في مدينة الجوف وقضية الفتاة المغتصبة في مدينة القطيف، دون أن تكون هناك محاولة موضوعية صادقة لاستيعاب القضية من جميع جوانبها أو اعتبار لحيثياتها. ما تعليقكم؟ </font><BR><BR>طبيعي هذه أخطاء ناجمة عن جهل الصحفيين بالشرع أصلاً، فأنت تجد صحفياً أصله سباكاً يتحدث عن قضية شرعية موغلة في الأصالة، وتجد صحفياً طبيباً يتكلم كل منهم بما يريد، هذا لا ينبغي أبداً بأي حال. وأيضاً قضية القطيف يتكلمون باعتبارها فتاة مخطوفة ومواطنة، لكن لا يدركون أسراراً كثيرة وبالتالي فأنا أقول حل هذه أن يوجد مصدر قضائي يتحدث للناس ويوضح الحقيقة التي ينبغي أن توضح ولو كانت مرة لكن في حدود احترام حق المواطَنة وحدود حق احترام المجتمع وحدود حق احترام كرامة الدولة وصيانة المجتمع من آثام وآثار خطيرة.<BR><BR><font color="#FF0000"> فضيلة الشيخ، قد يظهر اختلاف واسع بين قاض وآخر فيما يتعلق باحكام التعزير؛ برغم التطابق في أحداث القضية وظروفها. هل ترون ان ثمة مشكلة في هذا الجانب؟ وهل هناك دراسة شرعية أو نظامية فيما يخص أحكام التعزير لضمان العدل والمساواة فيها؟ </font><BR>لا يمكن أن تتطابق أحكام قضية وأخرى من كل وجه، وهذا التطابق قد يكون في نظر الناس السطحيين وإلا فإن القاضي ينظر إلى القضية من جوانب عديدة حتى إنه ليدخل فيها وزن المدعى عليه وحالته النفسية والصحية وحالته الاجتماعية وحالته العلمية ولهذا وظروف ملابسات الجريمة ولهذا فإن الذي يرتكب سرقة للمرة الأولى يختلف كلياً عن الذي يسرق للمرة رقم 20 مع أن الحادثة واحدة في نظر الناس والذي يرتكب السرقة وهو مريض ولا يعترف بالسرقة يختلف عن الذي يرتكب السرقة وهو صحيح معافى والذي يرتكب السرقة وقد دُفع إليها دفعاً بالإغراء أو التهويل أو التهديد يختلف عن الذي يرتكب السرقة وهو جائع محتاج يريد أن يأكل أو يشرب ولا يجد سبيلاً سوى السرقة، كما حصل أن أسقط عمر _رضي الله عنه_ حد السرقة في عام المجاعة . ومعلوم لدى الجميع أن القاضي حفظه الله تعالى ورعاه ينظر القضية من جوانب متعددة فيتصور أنه هو الجاني ثم يتصور أنه هو المجتمع ثم يتصور أنه هو المجني عليه ثم يتصور دوافع الجريمة وأسبابها وبالتالي يقدر ما يراه من تعزير في هذه الحال فيظهر للناس فعلاً أن قضيتين متماثلتين بل سارقين متجاورين عملهما وجرمهما واحد لكن العقاب يختلف من هذا لهذا فيظنونه اختلافاً في التعازير لا مبرر له، وهذا الكلام عارٍ من الصحة لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ومعلوم أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "إنما أقضي على نحو ما أسمع"، ومعلوم أن القاضي لا يقضي إلا بما يظهر ويثبت لديه من دلالات وبيّنات وأصول وظروف وبالتالي فهو بشر أيضاً ليس بمعصوم يخطئ ويصيب فيجتهد ويتحرى الدقة ويبتهل إلى الله عز وجل أن يوفقه ويوقع الحكم باجتهاده ويوافقه عليه قضاة التمييز، ثم قضاة مجلس القضاء الأعلى في بعض الصور، وقد لا يوافقونه فيردون إليه بأن التعزير قليل أو كثير فيرد إما بالاقتناع ويتجاوب وإما بعدمه فينقض الحكم .<BR><BR>وعلى كل حال فالخلافات في التعزير التي ظاهرها الاختلاف هذه سنة كونية قدرية شرعية لا بد من وجودها والذين يدعون إلى تقنين الشريعة ويرونه حلاً جذرياً لهذه الاختلافات هم أنفسهم أيضاً يقعون في تطبيق هذا القانون في اختلافات كثيرة وهذا يطبق عليه القانون وذاك لا يطبق وهذه الحال لا ينطلق فيها القانون وتلك ينطلق في زمنها فقرة أو جزء من القانون وهكذا إذن الاختلاف سنة ماضية ثابتة لا رجع فيها.<BR><BR><font color="#FF0000"> - في موضوع الأحكام القضائية الشرعية، لا شك أن القاضي ليس مطلوبا منه أن يفسر أحكامه القضائية وينشر حيثياتها على الملأ إذ إنه ليس معنيا بذلك، كما أن في هذا الأمر ربما انتهاك لخصوصيات الناس المعنين بالقضية أو أقربائهم. وفي المقابل ربما يحتاج الناس الى شيء من الإيضاح حتى يفهموا أحكام الشرع ويعرفوا الآلية التي يتناول بها القاضي حيثيات القضية ويتوصل بها إلى الحكم فهذا أدعى لمزيد قناعتهم وثقتهم بالقضاء الشرعي. برأي فضيلتكم: كيف يمكن الموازنة بين هذين الأمرين؟ </font><BR><BR>أولاً تسبيب الأحكام، وقد ذكر العلماء _رحمهم الله تعالى_ فيه قولين:<BR>القول الأول: وجوب تسبيب الأحكام، وهو قول لجماعة في المذاهب المتعددة الأربعة أو الخمسة حتى مذهب الظاهرية.<BR>وقول ثان لجمهور الفقهاء ومنهم الإمام الشافعي _رحمه الله_ وأحمد بن حنبل وابن تيمية وابن القيم وجمع غفير من القائلين به أنه يسن ويستحب استحباباً، ومن القائلين بالوجوب الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (مفتي الديار السعودية سابقاً) وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بعض الصور، فتسبيب الأحكام وهو ما يسمى في العصر الحاضر (الفزلكة) ولهذه التسمية وجه (فالفزلكة) تعني الفراغ من الحساب والتصفية فهذا التسبيب إذا قلنا بوجوبه قلنا إن القاضي لا بد أن يذكر وقائع القضية وأسباب الحكم ودلالاته فيوضح هذا في حكمه لكن الذي أميل إليه وأرجحه أنا أنه ليس بواجب وإنما هو سنة لأن الذين يقولون بالتسبيب يستثنون الأحكام المشهورة لا تحتاج إلى تسبيب مثل حصر الإرث وإثبات القصر وإثبات الولاية ونحو ذلك والوكالات وغيرها هذه كلها لا تحتاج إلى تسبيب باتفاق جمهور العلماء وإجماعهم، وبالتالي إذن لا يرون ذلك ومن هذا المنطلق التسبيب أحسن وأفضل ما في شك لكن القول بوجوبه ليس محل بحث ومن هذا المنطلق نجد أن القاضي ليس ملزماً شرعاً أن يظهر للناس أسرار القضية وجوانبها الخفية ودلالاتها وعللها وإنما ملزم شرعاً بأن يوقع الحكم الشرعي الذي يدين الله تعالى به ويتعبد لله تعالى به .<BR><BR> ثم إن أفهام الناس تختلف فالناس قسمان قسم أوتوا فهوماً وعقولاً وقسم أوتوا فهوماً ولم يؤتوا عقولاً، فمدارك الناس تختلف وأفهامهم وتصوراتهم تختلف وبالتالي إذا طالبنا من القاضي أن يقدم كشفاً تفصيلياً للقضية لديه للناس جميعاً بغية إقناعهم فإن هذا لن يتأتى بأي حال من الأحوال لأن فهوم الناس تختلف ومداركهم تختلف وبالتالي هم لم ولن يقتنعوا بقناعة ثابتة كاملة كقناعة القاضي نفسه لأن هناك مبررات للقناعة في الحكم وهي مناقشة المدعى عليه ومعرفة الأسرار التي تكتنف القضية . <BR>فإذا قلنا إن رجلاً زنى بامرأة فالزنا معروف وحده معروف وصفته معروفة لكن إذا تكرر الزنا وكانت المرأة ذات محرم أو كانت المرأة قريبة له أو كانت المرأة من الصالحات الغافلات المؤمنات وليست من البغايا فإنه حينئذ يكون من حق القاضي أن يؤدب ويعزر زيادة على الحكم الذي هو الحد وعلى هذه الانتهاكات ويبقى فهم الناس مختلفاً فبعضهم يقول يا أخي هذا زاد على حد الله تعالى وشرع ما لم يأذن به الله ولا رسوله _صلى الله عليه وسلم_ لكنه لا يمكن أن يُعرّف أن هذه المرأة صالحة تقية نقية أو أن هذه المرأة ذات محرم له أو أن هذه المرأة هي فلانة التي تسكن في المكان الفلاني لما يترتب على ذلك من الأضرار ولو أن المناقش عُرِّف بهذه المرأة لانفعل وأزبد وأرغد وتوعد، ولطالب بما هو أشد وأنكى من عقوبة أوقعها القاضي، إذن القاضي لديه أسرار خاصة بأطراف القضية وهي ليست كلأ مباحاً يطلع عليه كل أحد، وبالتالي فلا نطالب القاضي من أكثر مما طالبه به الشرع المطهر ونحاول أن نستكشف ونستنكف ما وراء السطور لنطلع على الأسرار الخفية التي ليس من المصلحة إهمالها قضائياً وجزائياً وليس من المصلحة كشفها للناس أيضاً لما في ذلك من الأضرار البليغة.<BR><BR><font color="#FF0000"> - لا شك انكم تشاركون الكثيرين الرأي في أن في القضاء من الجوانب ما يستوجب التحديث والاصلاح. من خلال موقعكم في سلك القضاء، ما هي الجوانب التي يمكن أن تكون محلا لإعادة النظر وللإصلاح والتحديث؟ وما هي الحدود بين الشرعي والإداري؟ وهل الشرعي كله ليس محلا للتغيير؟ </font><BR>أما الشرعي فإنه يتغير بتغير الحال والزمان، فحدود التعزيرات تتأثر وتختلف باختلاف الزمان والمكان والحدود والظروف والملابسات، أما الحدود فلا تتغير بحال من الأحوال، هذا ما يتعلق بالجوانب الشرعية.<BR>اما الأحكام النصية القطعية التي لا اجتهاد فيها مع النص فقد ذهب أهل العلم إلى الحكم بها مثل البيع وحلّه وتحريم الربا وتحريم الشغار في النكاح وتحريم أكل الخنزير وتحريم الزور شهادة الزور هذه أمور لا تتغير بتغير الزمان والأحوال أبداً ويتغير بتغير الأحوال والزمان إما أن يكون كثيراً فتكون العقوبة أكثر لردع الناس وإما أن يكون قليلاً في المجتمع نادراً فيرى القاضي إسقاط العقوبة عن ذوي الهيئات كما في الأثر عن عائشة رضي الله عنها قالت: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم .<BR><BR>فينبغي أن يُعرف أن الأحكام الشرعية النصية ليست قابلة للتغيير والتبديل والتجديد والتطوير أما الأحكام الشرعية الاجتهادية فإنها قابلة للتطور والتغير وللعمل بها، مثل السرقات الإلكترونية و اختلاس ما يسمى بهوامير أسواق الأسهم و ما يسمى بالقرصنة البحرية او القرصنة الجوية، فكل هذه أحداث جديدة تحتاج الى اجتهاد . خذ مثلا قضية استمطار المطر: لو أن شركة قامت باستمطار السحب في منطقة فأغرقت منطقة أخرى، فالدعاوى في سماع هذه والحكم فيها هي أحكام شرعية قديمة معروفة وهي داخلة في إطار الاعتداء والضرر وإزالة الضرر لكنها في صورتها الجديدة هي متطورة وحديثة وبالتالي فإن مثل هذه الدعاوى واختصاصها ونظرها القضائي تحتاج إلى تطوير آلية وتحتاج إلى تطوير مدارك القضاة وتحتاج إلى إقناع القضاة بالتطورات العلمية الجديدة وأساليب الناس . وقل مثل ذلك عن التصوير الفوتوغرافي والتصوير بالفيديو والتصوير بالأجهزة الديجيتال وما يسمى دبلجة التصوير كل هذه تحتاج إلى دراية من قبل القضاة يحتاجون أن يرجعوا فيها لأهل الخبرة لآن أحوالها تتطور فتتطور تكييفات الأحكام الشرعية التي تتعلق بها من جهة الجزاءات ومن جهة معرفة الناس المصور الذي يدبلج الصورة عن علم ودراية ومكر وخديعة وخبث ونكاية يختلف عن شخص يعبث ثم حصل من عبثه بالجهاز دبلجة صور واختلاط أرقام وأوراق ومعلومات ونحو ذلك . فكل حالة لها ناموسها والقضاة ليسوا بمعزل عن التطور العلمي المذهل الذي نحن نعيشه وليسوا يعيشون في كوكب آخر بل القضاة بشر يمارسون ولله الحمد الاطلاع على ما يجري في محيطهم وهم ولله الحمد أكفاء كرام أعزة فضلاء نبلاء شرفاء يحرصون كل الحرص على براءة ذممهم وعلى حماية أعراضهم وعلى الذب عن حياض الإسلام والدفاع عنه ما استطاعوا لذلك طولاً وبالتالي فإنهم يحاولون أن ينمّوا ويطوروا مداركهم ولكن كل على قدره، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.<BR><BR><font color="#FF0000"> - وما رأيك في "إصلاح" إداري يطال القضاء؟ </font><BR>ما يتعلق بالإصلاح الإداري القضائي نعم، يحتاج القضاء إلى تطوير يحتاج إلى إصلاح يحتاج إلى تقسيمات جديدة يحتاج مثلاً أن يقسم القضاء إلى عدة أقسام: قضاء عمالي قضاء جنائي وقضاء حقوقي وقضاء إنهائي وقضاء أحوال شخصية والهدف من تقسيمه وتطويره تيسير الخدمات للناس والتسهيل عليهم لا أن يكون ذلك تدرجاً لإلغاء الأحكام الشرعية وإحلال القوانين الطاغوتية البشرية الوضعية محلها كما فعلت ذلك دول تنتمي إلى الإسلام مع الأسف الشديد فإنه لم يبق في هيكلها القضائي إلا العظم العمود الفقري يعني القضايا الضرورية الجزئية التي لا يستغنون عنها لحفظ أمنهم وما عدا ذلك فقد لفظوا القضاء الشرعي لفظ النوى نسأل الله العفو والعافية .<BR><BR>فنحن نقول أن تطوير القضاء تطويرا إدارياً مطلب ضروري، كإنشاء محاكم بقدر احتياج الناس وتأهيل موظفي المحاكم وأنا أدعو دائماً إلى ألا يكون في المحاكم من الموظفين إلا ذوي طاقات وقدرات وذوي أمانات وكفاءات عالية . ما المانع ألا يكون في المحاكم إلا الجامعيين الذين تخرجوا وأخذوا شهادات الجامعات في كافة التخصصات وأن يختاروا من بين الأمناء الأتقياء؟ فهم أعوان القاضي وقد نص العلماء رحمهم الله على أن من أعوان القاضي الكتبة والخبراء ونحوهم من الذين يعينون القاضي في تنفيذه . كذلك يلزم تطوير تنفيذ الأحكام فإنفاذ الأحكام القضائية لا زال على النمط القديم ولم يعمل به حسب نظام الإجراءات القضائية الجنائية والجزائية والمرافعات الشرعية العادية، فإذا فُعّل قرار التنفيذ تفعيلاً متكاملاً وغطّيت احتياجاته وأعطي من الدولة الضمانات والأمن الذي يستحقه فإننا بإذن الله تعالى سنحقق مكاسب واختصاراً كبيراً لقضايا طويلة ذات سنين عدداً.<BR><BR>أما ما يتعلق بالتطوير المكتبي وهو ما يسمي بالمحكمة الإلكترونية فهذه وإن وُجدت أو ستوجد يوماً ما وإذا أسرفنا في التخيل تخيلنا أن المدعي يدخل دعواه في جهازالكتروني ثم المدعى عليه يدخل دعواه في في نفس الجهاز وأن القاضي يدخل رأيه في هذا الجهاز ويدبلج هذا كله ثم تصدر الأحكام في دقائق معدودة باستخدام آلية البحث في الإنترنت وتطبيق النصوص الشرعية ...أقول إذا أسرفنا في هذه الأماني فإنها لم ولن تحقق ما هو بخط الأيدي من عمل بدأ من عهد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بل من عهد الأنبياء السابقين من عهد أبينا آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . فإن المحاكم الشرعية لم ولن ولا يمكن أن تستغني عن خط اليد بأي حال من الأحوال في نظري فيبقى خط اليد هو الأمان وهو الاستمرار وهو السرية، وتبقى المحكمة الإلكترونية لغة عصرية مقبولة في كثير من القضايا ولكن ليست في كل القضايا.<BR><BR><font color="#FF0000"> في الختام، نشكر فضيلتكم على ما منحتموه إيانا من وقتكم وسعة صدركم فجزاكم الله كل خير. </font><BR>وأنا أشكر موقع المسلم على هذا الحوار، وأتمنى لكم التوفيق والسداد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.<br>