4 ربيع الأول 1429

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
كيف نحد من عملية ضياع الشباب وعدم مبالاتهم تجاه الأشخاص الآخرين؟ وحثهم على صلاه الجماعة؟
علماً أنهم شباب من نفس الحي، ولكن لديهم عزوف عن الصلاة، وأنا حريص على نصحهم ولكن دون جدوى!! فالبيت مهمل لجميع الأبناء.. وأولياء أمورهم لا يصلون معنا، ولا زال الإزعاج مستمراً في حيِّنا بل أصبح هناك شباب من خارج الحي يأتون معهم؟!

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

السائل الكريم: أشكر لك حرصك على دعوة الشباب إلى الخير ودعني هنا أوجز لك ردي على استفسارك من خلال عدة نقاط هامة:
أولاً: لا شك أن فضل الدعوة إلى الله سبحانه وإلى عبوديته كبير عميم, وأن ثوابه ثواب جزيل فقد قال سبحانه: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي" (يوسف: من الآية108)، وقال سبحانه: "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (فصلت:33)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح لعلي بن أبي طالب: "انطلق على رسلك فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم"،كما أمر صلى الله عليه وسلم بتبليغ رسالته للناس وحث على ذلك فقال كما في الصحيح: "بلغوا عني ولو آية"، كما أنه لا شك أن فئة الشباب هم عصب الحياة وعمود المجتمعات الأقوى، وأنه لا يسع داعية أياً كان أن يهمل دعوتهم أو يتهاون فيها بحال.

ثانياً: على الداعية إلى الله أن يفهم المجتمع الذي يدعو فيه ويعرف طبيعة الشباب فيه واهتماماتهم وأفكارهم وما يغلب عليهم من انتماءات أو توجهات فكرية وعملية، كما عليه أن يدرك مشكلاتهم ويحيط بأهم أسباب آلامهم ومعاناتهم ليستطيع انتقاء وسائل الدعوة المناسبة لهم.

ثالثاً: ما تشكو إليه أخي الكريم ليس عجباً من القول ولا مستغرباً في مجتمعات الشباب الذين قد غفلوا وصاروا نهبا للتغريب والغواية، ويجب أن يواجه الداعية واقعه الذي يعيش فيه بكل فهم وإدراك، وبعد دراسة عميقة لهذا المجتمع وفئاته التي قد يتعرض لها.

رابعاً: كثيراً ما نجد بين هؤلاء الشباب أصنافاً طيبة صالحة وهي الغالبة بفضل الله في أمثال تلك الجماعات الشبابية إلا أنها قد لا تكون وجدت من يهتم بها أو يبحث عن الوسائل المناسبة لدعوتها والوصول إليها، وفي حال أن ينجح الداعية في الوصول إلى قلب أولئك الشباب وتوجيههم وتذكيرهم بربهم تتغير أحوالهم إلى الأفضل والأقرب إلى الله.

خامساً: على الداعية إلى الله أن يتخلى عن فكرة أن ينتظر المدعو من الناس ليأتيه إلى مسجده الذي هو فيه أو يأتيه بنفسه إلى حلقته القرآنية أو التعليمية التي يدرس فيها، ثم يحكم على الآخرين أنهم ينفرون منه، إنما يلزمه أن يخرج من مكانه ليلتقي بهم في بيوتهم وأماكنهم التي هم فيها ويختلط بهم داعياً إياهم إلى الخير بلسان حميد وقول حسن لطيف وقلب عطوف رؤوم.

سادساً: كثيراً ما جربنا الخروج إلى مجتمعات الشباب، وبحمد الله لم نعد خائبين في مرة من المرات، بل كان الله يقضي بتوفيق وسداد وكان الشباب يتأثرون أيما تأثير بلقائنا، وكثيراً ما تغيرت سبل حياة كثير منهم إلى ما يحبه الله ويرضاه في مختلف النواحي.

سابعاً: ينبغي أن نعلم أن العمل في محيط مثل تلك المجتمعات الشبابية هو المحك الحقيقي للقدرة على الدعوة إلى الله والاتصاف الفعلي بصفات الدعاة إلى الله؛ إذ إن دعوتهم تحتاج إلى الصفات الحقيقية للداعية الناجح من الرحمة والصبر والعطاء والإخلاص وغيرها، وللأسف فإنني أستطيع أن أقول إن كثيراً ممن يحسبون أنفسهم في عداد الدعاة إلى الله لا يحسنون دعوة الناس ولا يمارسون دورهم إلا في حلقات درسهم أو تحفيظهم أو غيره، وسبحان ربي ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا بل إنه كثيراً ما خرج إلى أسواق الناس ونواديهم يدعوهم إلى الله ويعلمهم ويربيهم.

ثامناً: ينبغي أن يكون الداعية إلى الله في مجتمعات الشباب يتصف بالثقافة الواقعية والإلمام بظروف الواقع ولا يخاطب الشباب بخطاب بعيد عنهم بل يخاطبهم بما تفهمه عقولهم وتدركه حواسهم قال سبحانه: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ" (إبراهيم: من الآية4).

تاسعاً: لا شك أن البيئة التي تربى فيها الشاب مؤثرة عليه تأثيراً كبيراً؛ فلذلك ينبغي أن توجه برامجكم الدعوية في الحي الذي ذكرته إلى دعوة الكبار أيضاً من آبائهم وأمهاتهم فإن ذلك سيكون له الأثر الكبير عليهم على أنك لا تحتاج مني أن أذكرك أن لكل مستوى أساليبه المناسبة له وخطابه المتلائم معه.

عاشراً: أحب أن أذكرك أيها السائل الكريم أن إعراضهم عنك ليس سببه هو غفلتهم فحسب؛ بل قد يكون من أسبابه عدم قدرتك على اختيار ما يناسبهم من وسائل الدعوة أو قد يكون سببه ضعف في إخلاصك لربك أو قد يكون سببه أشياء أخرى كثيرة فلا تحمل الأمر على جهة وتنسى أخريات.

حادي عشر: لا أنسى أن أذكرك أن زاد الداعية الناجح في سبيله هو عبادة ربه والقرب منه والتبتل والدعاء والرجاء إليه سبحانه، والبكاء في جوف الليل ساجدا وقائما..
أسأل الله لك التوفيق والسداد.