المنتديات الدعوية ..نظرات وضوابط
19 ربيع الأول 1429
همام عبدالمعبود

اتفق عدد من العلماء والفقهاء والدعاة والباحثين الشرعيين على أهمية استثمار وتسخير الوسائل التقنية الحديثة لخدمة الدعوة الإسلامية، وأكدوا أن "المنتديات وسيلة دعوية مشروعة، خاصة في هذا العصر؛ الذي تتطور فيه التقنيات بسرعة كبيرة طالما التزمت بضوابط الشرع وكانت اليد المشرفة عليها على درجة عالية من الوعي والانضباط الشرعي"؛ معتبرين أن مثل هذه الوسائل الحديثة يمكن أن تكون من نعم الله عز وجل التي يجب المحافظة عليها.
وقال العلماء والفقهاء والدعاة الذين استطلع موقع "المسلم" آراءهم: إن "المنتديات من وسائل الدعوة الفعالة، غير أن الأهم هو التأكيد على اإحياء مراقبة الله عز وجل في نفوس هؤلاء الشباب الذين يستخدمون هذه الوسيلة- المنتديات-، مؤكدين على ضرورة مراعاة عدد من الضوابط والآداب التي يجب أن يلتزم بها كل مسلم ومسلمة ..
مزيد من التفاصيل في نص التحقيق التالي:-
في البداية؛ يؤكد فضيلة الشيخ الدكتور سيد عبد العزيز السيلي، عميد أكاديمية الشريعة أن "الدعوة الى الله أساسها الحكمة والموعظة الحسنة، وأن وسائل الدعوة كثيرة ومتنوعة وان التجديد فيها أمر واجب، غير أنها في كل الأحوال يجب أن تكون منضبطة بآداب الشرع الحنيف.
ويضيف السيلي: الوسائل المشروعة كانت أيام النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي المشافهة، وقد كانت أفضل الوسائل؛ إذ تأخذ وضعًا ممتازًا بالنسبة لبيان المشاعر والأحاسيس, والوجدان تتأثر بتأثر الإنسان بشكل مرئي، وتظهر الكلمات على أساريره ونبرات صوته وانفعالاته.
ولذلك قالوا إن العملية التعليمية بالمشافهة هي أفضل وسائل التعليم حتى الآن؛ ولهذا فقد بدأ النبي محمد صلى الله عليه وسلم الدعوة شفاهة، حتى وقت متأخر جدًا من عمره صلى الله عليه وسلم.
ولم يكن هناك ما يعوض هذه المشافهة إلا الرسائل التي اتبعها نبينا في آخر عمره, ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يحرم أية وسيلة تستخدم للدعوة الى الله بل أتاحها وطلب في حجة الوداع بالتبليغ عنه بأية وسيلة مادامت مشروعة.
وقال الشيخ السيلي: والوسائل الدعوية متعددة؛ من بينها جميع أنواع التقنية الحديثة وهى مما أنبأ عنها وعن غيرها القران الكريم بقوله: "ويخلق ما لا تعلمون".
أي أن الله سبحانه وتعالى كان يعلم بأن هناك وسائل ومستجدات أخرى سوف تظهر وتتطور، فالتطور في الوسائل أمر وارد بل ومهم؛ فلا مانع أن يكون هناك وسائل متعددة بل إن هذا التعدد والتحديث في وسائل الدعوة نعمة من الله عز وجل.
لكن مع استخدام هذه الوسائل الحديثة لابد من مراعاة الضوابط الشرعية؛ ومنها على سبيل المثال:-
1- يجب إلا تستخدم مثل هذه الوسائل في خلق معلومات أو أخبار أو عظات أو نصائح غير صحيحة ومضللة، وهذا أمر يتطلب الصدق الكامل بين الراسل والمرسل إليه.
2- يجب على المتلقي ألا يتأول ما يتلقاه بما لا يحمل من معنى.
3- كما لابد ان تكون الرسالة واضحة فلا تحمل ألغازا أو عموميات لان معظم المشكلات الدعوية تنجم عن الإجمال.
4- وفوق كل ذلك لابد ان يكون الشخص القائم على هذا العمل ملم بكل ما يتعلق بما يرسله ويقدمه الى الناس؛ فالكلمة أمانة متبادلة بين الطرفين، ونحن كمبلغين لابد أن نبلغها، وكمستمعين يجب أن نتلقاها ونتقنها.
وحول ضرورة وجود ضوابط خاصة عندما يتعامل الرجل مع المرأة؛ قال الدكتور السيلي الضوابط مطلوبة في كل الأمور، وفى هذا الحالة لابد من التشديد عليها، ومن بين هذه الضوابط:- كون الحديث لحاجة يعتبرها الشرع ويشترط فيه أن يكون جادًا خاليًا تمامًا من الهزل , ولابد أن يستشعر الطرفان رقابة الله عز وجل عليهما , كما يجب على كل منهما أن يكون منضبطًا في ألفاظه؛ فالألفاظ التي تتسم بالمباسطة والمزاح والهزل تؤدى عادة الى مشاكل، ومن ثم لابد من الالتزام بالآداب العامة للإسلام، ومجموعة القيم والخلق والثوابت التي هي أساسيات الحوار بين الطرفين , كذلك يجب تجنب الكلام الذي يدغدغ المشاعر أو الذي يثير العواطف

ويتفق مع الشيخ السيلي فيما ذهب إليه، فضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي الأمين العام لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية، ويضيف أن: أساليب الدعوة إلى الله ليست توقيفية؛ وإنما تدور في فلك الموازنة، بين المصالح والمفاسد؛ فإذا كانت الوسيلة مصلحتها ظاهرة ومفسدتها مغمورة فهي شرعية من حيث المبدأ.
ويستدرك الدكتور الصاوي قائلًا: إلا أنه لابد من وضع ضوابط لحماية هذه الوسيلة الشرعية من الخروج عن أهدافها المشروعة، والتي يمكن أن يكون من بينها على سبيل المثال:-
1- أن يكون الحوار بين الطرفين- خاصة إذا كان بين رجل وامرأة- جادًا ولحاجة .
2- وأن تؤمن فيه الريبة.
3- وألا يتم بالخروج على العرف العام المتعارف عليه في الخطاب الدعوي الشرعي
ويختتم حديثه قائلًا: أما إذا كان في الحوار خروجًا على الآداب الشرعية، وكانت فيه ريبة، فيوقف على الفور درأ للفتن، لأن درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة.
ويؤيد كلا من الصاوي والسيلي فيما ذهبا إليه؛ فضيلة الشيخ الدكتور طلعت عفيفي؛ العميد السابق لكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر، ويضيف: أن أي وسيلة تفيد الدعوة وتفقه الناس في دينهم هي وسيلة مشروعة، شريطة أن تحقق الغاية النبيلة المخطط لها، أما إذا صاحبها مخالفة شرعية فإنها تحرم في هذه الحالة، ولكنها لا تحرم على عموميتها بل يجب أن يقال إن هذه الحالة خطأ.
ويقول الدكتور عفيفي: إن فكرة المنتديات لا بأس من استخدامها كوسيلة دعوية، شريطة مراعاة الضوابط الشرعية التي يؤتى في مقدمتها، ضرورة ألا يتطرق الحديث بين الطرفين "الرجل والمرأة" لأكثر من المطلوب، كما يجب عليهما أن يشعرا بمراقبة الله لهما؛ فالوسائل لها حكم الغايات، إذا كانت الغاية أن ييسر للإنسان الحصول على المعلومة الدينية لمن يريد التفقه أو الاستيضاح.
وينتهي عفيفي إلى القول بأن: المنتديات وسيلة دعوية مشروعة، بل إنها محببة، خاصة في هذا العصر؛ الذي تتطور فيه التقنيات بسرعة كبيرة، لكن إذا شاب الوسيلة خروج عن الشرع فيكون في هذه الحالة تحديدًا مخالفة، ويجب التوقف وتصحيح الخطأ وغلق الباب.

ويؤكد الدكتور مصعب الخير الإدريسي، أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية المساعد بكلية أصول الدين، الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد- باكستان: أنه لا يرى "فرقا حقيقيا بين الضوابط الشرعية المتعلقة باللقاء المباشر والضوابط المتعلقة بالمحادثة والتشات عبر المنتديات وغيرها من وسائل الاتصالات الحديثة- إذا تجاوزنا ما يتعلق بالنظر وما يترتب عليه- فالضوابط هي الضوابط".
ويتفق مع العلماء والفقهاء فيما ذهبوا إليه؛ فضيلة الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية، وأستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، ويضيف أنه: من الأمور المستحبة الاستفادة من التقنيات الحديثة في مجال الدعوة الإسلامية، وذلك لأنها ليست محصورة في الكتاب والخطبة والدرس في المسجد، وإنما تتعدى ذلك بحسب الوسائل الحديثة التي تتوافر في كل زمان ومكان طالما كانت وسائل مشروعة".
ويقول د. رأفت: "طالما أن هذه الوسيلة الدعوية "المنتديات" يمكن إخضاعها لرقابة الشخص المشرف على المنتدى، وطالما أن هذا المشرف بإمكانه السيطرة على الحوار الدائر بين المتحدثين، وبإمكانه أيضا التنبيه والتحذير وإلغاء العضوية فلا بأس بهذه الوسيلة" واستدرك قائلا: "أما إذا لم تكن هناك وسائل للرقابة والضبط فإن العمل بقاعدة سد الذرائع أولى".
وفي الختام، يقول الشيخ أكرم كساب عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: لا يستطيع أحد أن ينكر دور المرأة في الدعوة إلى الله تعالى، وخصوصا في عصر التقنية المتقدمة والتي من أبرزها شبكة المعلومات العالمية (الانترنت) وقد حلت هذه الشبكة كثيرا من العوائق التي تحيل بين المرأة والدعوة، وخصوصا في عالم المنتديات، ولكن تبقى المشكلة في كيفية هذا التعامل، إن عمل المرأة في هذه المنتديات مع من تعرف أسماءهم ولا تعرف أشكالهم، وأوصافهم.
ويستدرك الشيخ كساب قائلا: غير أن هذا يستوجب من المرأة في تعاملها مع الرجل – وكذلك الرجل مع المرأة – ألا تزال الفوارق، لغياب الأشخاص، وانعدم الصورة والصوت أحيانا، مما يقرب المسافة أحيانا بين الطرفين، فتزول الفوارق، ويبدو الإعجاب، وتظهر المجاملات المقصودة وغير المقصودة، مما يصل أحيانا بالحديث إلى خوف عدم ظهوره أمام الآخرين، لما فيه من عبارات تقرأ وتفهم لا أقوال على معنى واحد، ولا على معنيين، وإنما على معان متعددة.
ويختتم الشيخ كساب حديثه قائلا: من هنا فأنا أرى أن الضوابط الشرعية دون شرح أو تفصيل تكمن في استصحاب هذه النصوص الخالدة من القرآن والسنة:
1. {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق:18.
2. {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}الحديد:4
3. {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }المجادلة:7.
4. "اتق الله حيثما كنت"رواه أحمد في المسند (21345) عن أبي ذر، وقال محققوه: حسن لغيره، ورواه الترمذي في البر والصلة.