9 ربيع الثاني 1429

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله
ابنتي عمرها خمسة عشر عاماً، تلبس حجاباً معقولاً، وهي في طريقها للبس الإسدال.. تحمل هم أصدقائها وأقاربها حين يسألونها. قمت بالرد عليها عن الثقة بالنفس، وأيهما أصلح وأكسب وأرضى للرب؟! ولم أصل لنتيجة.. أرجو النصيحة جزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
أسماء عبدالرازق

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. السائل الكريم نشكر لك حرصك على تثبيت ابنتك على طريق الخير، ونسأل الله أن يوفقكما لطاعته، وأن يجعلها لك قرة عين.
ليس غريباً أن تهتم ابنتك برأي من حولها، فمن سمات مرحلة المراهقة التي تمر بها الحساسية الشديدة لنظرة الآخرين لاسيما فيما يتعلق بالمظهر، كما أن المراهق مثل الأطفال الذين هم في عمر سنتين إلى أربعة سنين، يميل لتقييم ذاته بمقارنتها بمن حولها، ولا شك أن الثقافة السائدة في المجتمع قد يكون لها أثر في إرباكه.
ومن سمات هذه المرحلة التي يمكنك استغلالها لتوجيه ابنتك: ميل المراهق لمن يقدره، ويحترم عقله، ويشعره بالاهتمام، كما أنها مرحلة مهمة لتبلور الاتجاهات كما يقول علماء النفس، فالمراهق يكوِّن مواقف عقلية معينة تجاه المبادئ والمجتمع من حوله، ثم يتصرف بناء على تلك الاتجاهات التي كونها. والمرء في مرحلة المراهقة وأولى سني الشباب يكون انتقائياً في إدراك المعلومات بناء على ما كونه من اتجاهات، ولنضرب مثالاً من الواقع: نتيجة للصورة المشوهة التي يرسمها الإعلام الغربي للإسلام يميل المراهق الذي عاش في ذلك للمجتمع لتكوين اتجاه سلبي ضد مظهر إسلامي شوهه الإعلام، وبعد ذلك تراه يبحث لا شعورياً عما يؤيد الاتجاه الذي كونه، فإن وجد مقالاً يثني على ذلك المظهر فإنه يتجاهله، ولو رأى فلماً يسيء إليه فإنه يشاهده، والخطير في هذه الانتقائية أنها تقوي الاتجاه الذي تبناه، مما يجعل تحوله عنه مستقبلاً أكثر صعوبة. وبداية تكوين الاتجاهات ليست عقلية دائماً كما يقول علماء النفس، بل قد تكون انفعالية عاطفية.
كذلك من ميزات هذه المرحلة التي تحتاج لاستغلالها استعداد المراهق للتمرد على ثقافة المجتمع من حوله، وإخضاعه ثقافة المجتمع للنقد والتفكير.
كذلك أكدت بعض الدراسات الغربية ميل المراهقين للتدين أكثر من غيرهم من الفئات، وليس ذلك غريباً فالله تعالى لم يجعل هذه السن بداية للتكليف إلا وهو يعلم أن المرء قادر على الطاعة والصبر عليها في مثل هذه المرحلة.
ومما سبق يتبين أيها الأب الكريم أنه بإمكانك الاستفادة من خصائص مرحلة المراهقة التي تمر بها ابنتك، وذلك بالتعامل معها على أنها فتاة ناضجة، وتحرص على تقدير عقلها واتزانها، وإشعارها بأنها فتاة متميزة بحجابها وبخلقها وبتمسكها بدينها، ومع هذا الإشعار لابد لك من مشاركتها مشاعرها وأحاسيسها، وإشعارها بشيء من الاهتمام الحقيقي، وبأنها محل اعتزازك لدينها وعقلها، ولا ينبغي أن يكون كل ذلك بالكلام فقط، بل لابد أن تحس بذلك في تصرفاتك معها، كما ينبغي أن تكون هذه التصرفات عفوية غير مصطنعة، فالمراهق يلاحظ التصنع ولا يقبله. فإذا أفلحت في التخلق بهذا السلوك فثق بأنه سيجعلك قريباً منها إن شاء الله، وسيجعل أثر كلامك عليها أقوى من غيرك.
كذلك ناقشها نقاشاً عقلياً، وذكرها بالآيات والأحاديث التي تدعو للالتزام بالحجاب، وأن مخالفة المجتمع في مثل هذا نوع من التميز، فالعاقل من يستجيب لأمر الله، لا من يدعي الإسلام ثم لا يفعل ما يأمره به ربه ليرضي مخلوقاً تلعب بمزاجه وسائل الإعلام، وتحدد له مبادئه وسلوكياته. ذكرها بالحديث الشريف: "من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس"(1). ذكرها بأن إبراهيم عليه السلام، خليل الرحمن لم يكن على دينه إلا رجل وامرأة، ومع ذلك ثبت على دين الله، بل حرص على دعوة قومه إلى الله بكل السبل، فعاش في الدنيا سعيداً بالطاعة، وكافأه الله تعالى بأن جعل كل الأنبياء من بعده من ذريته، وهو في الآخرة من الفائزين.
حاول أن تجعل منها داعية لمن حولها من صديقاتها وقريباتها، لا مجرد مدافعة عن موقفها، واحرص على إعانتها بتوفير ما تحتاجه من كتب وأشرطة، ودلها على المواقع التي تفيدها في ذلك، وأكثر من الدعاء لها بالثبات والتوفيق، فلعل الله أن يهدي بها من حولها، ويثبتها على طريقه المستقيم.
وفقك الله لتربيتها على الفضيلة، وثبتها عليها، وجعلكما من المتعاونين على البر والتقوى .

_______________
(1) سنن الترمذي (2414) وصححه الألباني.