تركيا وبرنامج الدرع الصاروخي الأمريكي
15 ربيع الثاني 1429
طه عودة

أثار موافقة تركيا مؤخرا على نشر الدرع الصاروخي على أراضيها في إطار المنظومة الأمريكية لنشر صواريخ رادعة في شرق أوروبا تحت مظلة حلف الناتو لحمايتها من التهديدات المحتملة خاصة من إيران العديد من التساؤلات حول اندماج تركيا في مظلة برنامج الدرع الصاروخي الأمريكي.

القرار التركي بالموافقة على نشر الدرع الصاروخي على الأراضي التركية جاء خلال اجتماع عقده الرئيس التركي عبد الله غول قبل أيام مع كبار القادة السياسيين والعسكريين الأتراك والذي تم خلاله الإعلان عن استعداد تركيا على نشر جزء من هذه الدرع على أراضيها بحكم موقعها بين أوروبا والشرق الأوسط على أن تتم حمايتها من التهديدات المحتملة خاصة من جانب إيران في حالة عدم نشر صواريخ دفاعية على أراضيها ونشرها على أراضي أية دولة أوروبية أخرى.واللافت للنظر أن هذا القرار جاء بعد أسابيع من زيارة قام بها نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني إلى أنقرة والتي نقل فيها الرغبة الأمريكية في بناء درع صاروخي في تركيا.مصادر تركية كشفت النقاب عن أن المحادثات الصاروخية والتي جرت بسرية تامة بين واشنطن وأنقرة مؤخرا تهدف إلى بناء منظومة رادار (إكس باند) "X-Band" في تركيا لتكون بمثابة القاعدة الثالثة للدرع الصاروخي في أوروبا.ونقلت المصادر عن دبلوماسيين قولهم أن الخطة الأمريكية النهائية تقوم على بناء منظومة رادار "X-Band" في تركيا قريبة من الحدود الإيرانية بينما يتم نصب صواريخ دفاعية في منطقة القوقاز على أن يكون مقرها أذربيجان في أقوى الاحتمالات. وقالت أن الولايات المتحدة تسعى من وراء بناء هذه المنظومة في تركيا إلى رصد الصواريخ البالستيية الإيرانية والتصدي لها مشيرة إلى أن"X-Band" قادر على التقاط ورصد أي شيء يطير في الهواء مهما كان صغيرا كما يتصدى لأي صواريخ تأتي من جهة معادية على صغر حجمها.وذكرت أن منظومة "X-Band" توجد في موقع أرضي، وهو رادار طراز "FPQ-14" متعدد المهام يقوم باكتشاف وتتبع الهدف المعادي، وتمييز الرأس المعادي الحقيقي من الأهداف المخادعة المصاحبة له، وتوجيه مركبة القتل نحو الرأس الصاروخي المعادي.
أمريكا تريد إشراك تركيا في الدرع الصاروخي،،،
التصريحات التي أدلى بها المتحدث باسم البنتاغون جيوف موريل الشهر الماضي وجدت مساحة على صفحات الجرائد التركية لكنها مساحة صغيرة جدا لم يتم التركيز عليها كما يجب مع أنها كانت بالغة الأهمية...فهي تكشف بوضوح عن النية الأمريكية في إقحام تركيا بنظام الدرع الصاروخي الذي سيتم استخدامه ضد إيران.جيوف موريل وردا على سؤال صحفي قال باقتضاب أن وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس تحدث في هذا الأمر مع المسئولين الأتراك خلال زيارته لتركيا بل وأن هذا الموضوع كان قيد البحث ليس فقط مع الدوائر العسكرية التركية بل وأيضا مع الرئيس عبد الله غول ورئيس الوزراء رجب طيب إردوغان.جيوف موريل حاول أن يهمش الموضوع بقوله أنه لم يتم التحدث به من كل جوانبه لأن الجيش التركي كان مشغولا آنذاك بالتوغل البري في شمال العراق متهربا بذلك من الدخول في التفاصيل.أما على الجانب التركي، وطبقا لبعض المصادر الرسمية، فإن أنقرة تحاول أيضا أن تبتعد قدر الإمكان عن الحديث في هذا الموضوع وكأنها تريد تهميشه أو التعتيم عليه..لكن من الواضح أن الإدارة الأمريكية تولي أهمية خاصة لهذا الموضوع بيد أنها أصبحت على وشك الاتفاق مع بولونيا وتشيكوسلوفاكيا في هذا الأمر.. كما أن رئيس الوكالة الأمريكية للدفاعات المضادة للصواريخ الجنرال هنري أوبيرنغ كان قد تحدث في تصريح أدلى به في وقت سابق عن فوائد نصب رادار متنقل للدفاعات المضادة للصواريخ من طراز " X-Bantlı" في تركيا..
الإصرار الأمريكي،،،
الإصرار الأمريكي والذي يكمن وراء الخطة الأمريكية بجعل تركيا الركن الثالث لها بعد بولونيا وتشيكوسلوفاكيا لنشر الدرع الصاروخية على مقربة من الحدود الإيرانية، على أن توضع في هذه المرحلة محطة رادار ترصد الصواريخ الإيرانية البالستية ليتم التصدي لها بعد ذلك بالصواريخ، ولتشمل الخطة لاحقا وضع صواريخ في أذربيجان والقوقاز غريب للغاية.ويمكن القول أن مجرد تأسيس مثل هذه المنظومة في تركيا تكفي لوحدها بتأليب إيران ضد تركيا.. عدا عن أن تنصيب صواريخ في أماكن مختلفة من تركيا، سيشعل فتيل توتر بين تركيا وإيران لا يمكن لأحد أن يتكهن إلى أي حد قد تصل معه العلاقات. ومن المعروف أن تركيا وإيران لم يخوضا حربا منذ 369 عاما مع الاتفاقية التي وقعتها الإمبراطورية العثمانية مع "قصر الشرين" عام 1639 لإنهاء الحرب بين الشعبين التركي والإيراني.وهي الاتفاقية التي رسمت حدود المثلث التركي-الإيراني-العراقي لغاية اليوم. كما وأن أي خلافات كانت تنشب بين البلدين كانت تحل دوما على أساس هذه الاتفاقية. وطبقا لأتاتورك، فإن الأتراك والإيرانيين هم أخوة لكنهم تفرقوا بسبب الحروب المذهبية، لهذا هو كان يولي أهمية كبيرة للعلاقات مع إيران ويحفز على التعاون معها.إلا أن المسئولين الأمريكيين بدءوا يتوافدون مؤخرا على تركيا من أجل إيران.. من أول الرئيس الثاني لهيئة الأركان الأمريكية جيمس كارتوايت مرورا بوزير العدل مايكل موكاييس ووزير الدفاع روبرت غيتس إلى أخر الزيارة التي قاوم بها نائب رئيس الأمريكي ديك تشيني وموضوع المباحثات الأول هو إنشاء منظومة رادار "X–BAND" ضمن شبكات حماية مكونة من أنظمة صواريخ أرضية مستندة إلى نقاط ارتكاز جغرافية عدة قادرة على إسقاط أي صاروخ باليستي عابر للقارات يستهدف الأراضي الأمريكية أو أماكن وجود القوات والمصالح الأمريكية في الدوائر الإقليمية المختلفة (شرق آسيا، الشرق الأوسط، منطقة الخليج). هذا الرادار قادر على إسقاط كل الصواريخ الإيرانية مهما كانت صغيرة قبل الوصول إلى هدفها، ولهذا فإن الولايات المتحدة تفكر ببناء قاعدة جديدة لها في جنوب شرق تركيا ضد إيران. لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تصر الولايات المتحدة على بناء هذه المنظومة في تركيا مع أن العراق أنسب كثيرا بالنسبة لها.. المعروف أن منظومة "X–BAND" تتميز بقدرتها على رصد الصواريخ من على بعد 4000 كلم بالمقابل هي تحتاج لمسافة 2000 كلم من أجل رصد الصواريخ ذات الإشارات الضعيفة. وعلى هذا الأساس، يعتبر العراق هو المكان الأفضل بالنسبة للولايات المتحدة للسيطرة على الصواريخ الإيرانية بما أن دول أخرى مثل تركيا وأذربيجان تبعد عن بعض المواقع الإيرانية بـ2500 كلم. يعني، من الناحية المنطقية، فإن مدينة "الباصرة" العراقية القريبة من كل الاتجاهات الإيرانية والتي تبعد نحو 1600 كلم عن أبعد مدينة إيرانية تعتبر الأنسب لتحتوي هذه المنظومة كما ستكون النشاطات فيها أكثر فعالية من تركيا. إذا ورغم هذه الحقيقة، فإن الإصرار الأمريكي على إنشاء المنظومة بتركيا بدلا من العراق لا يعني سوى أمرا واحدا فقط وهو أنها تريد إقحام تركيا في هذه المنظومة وإحداث شرخ في العلاقات التركية الإيرانية.وباختصار، واشنطن لا تخفي رغبتها في رؤية تركيا بهذا المشروع الصاروخي حتى أنه دخل في النطاق الرسمي.. حسنا، ولكن السؤال الأهم: هل سترضى تركيا بهذه المشاركة وهي تعلم بأن جارتها إيران هي المستهدفة؟..!!!