16 ربيع الثاني 1429

السؤال

فضيلة الشيخ:
قال تعالى (( ولما سقط في أيديهم )) قرأت عن تفسيرها أي بمعنى ... فلما ندموا ....
لكن لماذا ربنا عز وجل قال: (في أيديهم) ولم يقل: (من أيديهم)).

أجاب عنها:
د.عمر بن عبد الله المقبل

الجواب

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
فجواب السؤال المتعلق بقوله تعالى : (ولما سقط في أيديهم).
أشكر أخي السائل على سؤاله الذي ينم عن حسّ تدبري ،وبهذه الأسئلة وأمثالها تنفتح للعبد خزائن العلم، وإذا كان السؤال يتعلق بفهم كلام الله ، فليس فوق ذلك مفخر .
وبخصوص الآية التي سألت عنها ،فالجواب عنها يتلخص فيما يلي:
لما كانت اليد هي آلة العمل ،والقدرة ، كانت العرب تستعمل ـ لبيان شدة ما ينزل بالمرء من هول وشدة ـ ما يشير إلى تعطل هذه الآلة ـ وهي اليد ـ ومن ذلك قولهم: شلت يده، ما لي بذلك يدٌ، ونحو ذلك من العبارات، ومن هنا جاء هذا الأسلوب القرآني العجيب ـ والذي نص بعض المحققين أنه من الأساليب التي ابتكرها القرآن ـ للدلالة على شدة الندم الذي لحقهم من جراء فعلهم ـ وهو عبادة العجل ـ.
قال القرطبي ـ رحمه الله ـ: (والندم يكون في القلب، ولكنه ذكر اليد؛ لأنه يقال ـ لمن تحصل على شيء ـ: قد حصل في يده أمر كذا، لأن مباشرة الأشياء في الغالب باليد، قال الله تعالى: " ذلك بما قدمت يداك"، وأيضاً: الندم وإن حل في القلب، فأثره يظهر في البدن؛ لأن النادم يعض يده، ويضرب إحدى يديه على الأخرى، كما قال الله تعالى: "فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها" أي: ندم، "ويوم يعض الظالم على يديه" أي من الندم، والنادم يضع ذقنه في يده) انتهى.
وأما لماذا لم يقل: (سقط من يده)؛ لأن المعنى الذي سبق ذكره لا يتحقق بهذا الحرف، فـ(من) من معانيها المجاوزة، فتكون بمعنى عن، وهذا عكس المراد هنا، فالندم وقع من نفوسهم موقعاً عظيماً، والله تعالى أعلم وأحكم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.