15 صفر 1436

السؤال

جاء في الآية الكريمة: (فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ)[ سورة ص:33]. في تفسير هذه الآية، وفي أصح الروايات أنه بدأ يضرب أعناقها وأرجلها بالسيف. وفي خطاب سليمان للهدهد عندما لم يجده: (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ...) إلى آخر الآية[النمل:21].
سؤالي: لو قلنا لماذا لم يكن سليمان عليه السلام رحيمًا بالحيوانات، كما أُمرنا في الإسلام؟
وهل استنباطي صحيح؟ وهل من توضيح جزاكم الله خيرًا.

أجاب عنها:
د.عمر بن عبد الله المقبل

الجواب

الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد.
أولاً: أشكر لك حرصك على السؤال والاستيضاح، وأود أن نسلك مسلك الأدب في السؤال في هذه المقامات، أعني مقام السؤال عما جرى للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فضلاً عن السؤال عما له صلة بمقام الرب تبارك وتعالى.
ثانياً: سأذكر لك قاعدةً تفيدك في هذا الباب، وهي: أنه متى ما تبادر إلى ذهنك معنى ظننته في الاية، وهو لا يليق بفضلاء الناس وعقلائهم، فأيقن أن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام أبعد منه وأرفع، حتى وإن لم تفهم معناه، فتمسك بهذا الأصل، حتى يتبين لك وجه الصواب في الآية أو الحديث الذي مرّ بك ـ بعد التأكد من صحته ـ .
ثالثاً: ما توهمته من أن سليمان عليه الصلاة والسلام غير رحيم بالحيوان، فهو في غير محلّه، ويتضح لك ذلك بأمور:
1 ـ أن تتذكر أن سليمان عليه الصلاة والسلام كان نبياً وملكاً في الوقت ذاته، وله أمرٌ ونهيٌ حتى على الحيوانات، أن يفعل فيها ما يراه مناسباً .
2 ـ أن تعرف معنى الآيتين، وبيان ذلك باختصار:
أ ـ أما آية النمل في قصة الهدد، فإنه توعد ولم يفعل، وقد بينت الآية سبب ذلك، وهو أنه تفقد الطير، فلم يجد الهدهد، وواضح من الآية أن الهدهد ذهب بغير استئذان، وهذا لا يليق بحال الجندي مع قائده، فكيف بالنبي الملك، وهو سليمان عليه الصلاة والسلام ؟!
ثم إنه صلى الله عليه وسلم كان في غاية الإنصاف حينما قال: لأعذبنه عذابا شديداً أو لأذبحنه أو ليأتني بسلطان مبين، ولم يطلق الوعيد هكذا، بل قيده بشرطه.
والوالي من حقه أن يؤدب من يستحق التأديب من جنوده ورعيته إذا خالف مقتضى الأدب، وهكذا قال سليمان عليه الصلاة والسلام، فلما تبين له واقع الأمر عدل عن وعيده.
ب ـ أما آية سورة ص، في قصة قطع رقاب الخيل وسوقها، فإن هذا من كمالات هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فإنك إذا علمت أن الله تعالى سخر هذه الحيوانات لنا، وعلمت أن سبب قتله لها هو أنها كانت سبباً في تأخره عن صلاة العصر حتى غربت الشمس، تبين لك أن قتلها كان من سليمان قربةً وطاعة، حيث تخلص من الشيء الذي أشغله عن طاعة ربه، كما قال تعالى: { فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } .
قال ابن كثير رحمه الله: "ذكر غير واحد من السلف والمفسرين أنه اشتغل بعرضها حتى فات وقت صلاة العصر، والذي يقطع به أنه لم يتركها عمداً بل نسياناً، كما شغل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر حتى صلاها بعد الغروب ... ويحتمل أنه كان سائغاً في ملتهم تأخير الصلاة لعذر الغزو والقتال، والخيل تراد للقتال ... لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا ـ أي قتلها ـ ولا سيما إذا كان غضبا لله عز وجل بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة؛ ولهذا لما خرج عنها لله تعالى عوضه الله تعالى ما هو خير منها، وهي الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب، غدوها شهر ورواحها شهر، فهذا أسرع وخير من الخيل " انتهى.
ويقول العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ في بيان شيء من فوائد هذه الآية:
"القاعدة المشهورة "من ترك شيئا لله عوضه اللّه خيراً منه" فسليمان عليه السلام عقر الجياد الصافنات المحبوبة للنفوس، تقديما لمحبة اللّه، فعوضه اللّه خيرا من ذلك، بأن سخر له الريح الرخاء اللينة، التي تجري بأمره إلى حيث أراد وقصد، غدوها شهر، ورواحها شهر، وسخر له الشياطين، أهل الاقتدار على الأعمال التي لا يقدر عليها الآدميون" انتهى.
ثم تأمل معي ـ أخي ـ: هل ذبحنا للأضاحي تعذيب للحيوان؟!
الجواب: قطعاً لا، بل هذا من القربات العظيمة؛ لأن الله تعالى أمر به، وهكذا ما فعله سليمان عليه الصلاة والسلام، فإنه لما فعل ما فعل ـ على القول الراجح في الآية ـ كان قربة لله، ولهذا عوضه الله خيراً من الخيل في سرعتها وقوتها ـ كما سبق ـ والله تعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.