أنت هنا

وليد جنبلاط.. والحبال البالية
4 جمادى الأول 1429

"إن السنيورة شخص مسكين، موظف لدى وليد جنبلاط، وهو بدوره موظف أيضاً لدى كوندليزا رايس"، فاجأ الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله مستمعيه بهذا التوصيف الجديد لزعيم الدروز اللبنانيين وليد جنبلاط، الذي لم يكن أبداً يتوق في يوم من الأيام لأن يجسد شخص والده كمال جنبلاط الذي حاول جاهداً أن يخرج من ضيق زعامة طائفته إلى رحابة الزعامة الوطنية ونجح جزئياً في ذلك.
ما يستلزم صنعة كهذه، أكبر في الحقيقة من إمكانات جنبلاط الابن، ويعوزها مواطئة لأرض كغير تلك التي وضع الزعيم الدرزي قدمه فيها؛ فلا الظرفان الدولي والإقليمي يسمحان بهذا، ولا القفزة التي قفزها الرجل في وقت سابق على انسحاب الجيش السوري من لبنان في العام 2005 كانت في الاتجاه الصحيح.
لجنبلاط كاريزما خاصة؛ فهو يتسم بهدوء كبير، وقدرة عالية على المجادلة كغيره من الطبقة المتميزة للساسة اللبنانيين، بيد أن هذا لا يكفي في الحقيقة ليكون الزعيم الدرزي ذا تأثير مرجح أو فعل مؤثر في الحلف الذي ينتمي إليه؛ فزعيم الشيعة اللبنانيين حسن نصر الله اهتبل سقطات جنبلاط المتوالية في اتجاه التعامل مع الولايات المتحدة وتحريضها على مساندة فريق 14 مارس ليتذرع بها في تشويه وجه (رئيس الحكومة اللبنانية) فؤاد السنيورة، وهو بذلك يرتكن إلى تاريخ متقلب لجنبلاط الذي عُرف عنه الولاء لسوريا لسنوات طويلة أثناء الحرب الأهلية وما قبلها، وإلى العام 2004، حين انقلب عليها وانحاز إلى المطالبين بالانسحاب السوري من لبنان، والذي قاد حملة ضد "حزب الله" مراراً قبل حرب يوليو 2006 وفي أعقابها، وكان صاحب الصوت العالي في إدانة "حزب الله" وإن تمتع بالدبلوماسية قليلاً أثناء الحرب؛ فـ "حزب الله تنظيم لبناني ولكن تمويله وسلاحه سوري ـ إيراني، وإذ ذاك كيف لهذا الحزب أن ينسجم مع الدولة؟ لا بل يأتمر إلى من يعطيه المال والسلاح".، هكذا قال، وبدبلوماسيته تلك سعى للخروج من شَرَك تناقضاته وتحالفاته المضطربة قائلاً: "لا أستحي من التراجع وأتعامل بواقعية وأنحاز إلى الرأي العام، غير أن تلك المماحلات لن تمنع من وضعه في خانة الشك لدى كل الطوائف، بما فيها تلك السنية التي زايد على زعمائها في مسألة المطار، لكن قواته لم تشترك في معارك الشوارع لصد عناصر "حزب الله" المدربة جيداً في مساعيها الناجحة للاستيلاء على مقرات كتلة 14 مارس، وفيما كانت عناصر تيار المستقبل في الشوارع لم ترشح أنباء عن مشاركة رجال جنبلاط في صد الامتدادات الشيعية، بما يعيد إلى البعض من أهل السنة مرارة القتال إبان الحرب الأهلية ودور حزب جنبلاط فيه، وقد يكون الرجل البالغ من العمر الآن 59 عاماً في مأزق حقيقي الآن بعدما قفز قفزته الأخيرة تلك في الهواء؛ فدراجته النارية التي ظل يهواها ويلازمها 27 عاماً لم تحمله هذه المرة إلى خط النهاية السعيدة؛ فرحلة "نضال" رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ترتسم ملامحها حين شن حملة انتقامية أثناء الحرب الأهلية على القرى المارونية التي سبق أن شنت مجزرة على الدروز في جبل لبنان فأجلاهم عنها، ولديه مع السوريين خلافات عنيفة كونه من أكبر المحرضين المحللين على نفوذهم في لبنان، ويزداد حنق الإيرانيين عليه كلما اتهمهم ببناء إمبراطوريتهم عبر تدمير لبنان، والتضحية بآخر جندي لبناني لتتحقق لإيران السيطرة على الهلال الشيعي، أما نصر الله فلا ينسى لجنبلاط أنه أول من أعلن بوضوح أن نصر الله ليس إلا "فارسي" يتحدث بلسان لبناني.
ما هي مواقف "جنبلاط بك" في قابل الأيام؟ ولأي حلف سينطق باسمه من دارة المختارة؟ وبأي حبل سيرتقي نافذة زعامة طائفته التي تنافس عائلته عليها عائلة أرسلان؟ أم أن حبل الارتقاء سيلتف حول عنقه إذ البيض في سلة أمريكية مثقوبة؟!