هل تملك دول الخليج حل أزمة ارتفاع أسعار النفط العالمية؟
5 جمادى الثانية 1429
هشام منور

في الوقت الذي تجاوز فيه سعر برميل النفط حاجز ال (135) دولار، وتتعاظم معها معاناة شعوب وحكومات العالم إزاء ما يفرضه هذا الارتفاع غير المسبوق في أسعار النفط من اضطراب في أسعار المواد الغذائية على وجه الخصوص، وغلاء عالمي في الأسعار بوجه عام، وفي ظل إصرار الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الغربية على الاستمرار في إنتاج الوقود الحيوي ومنعكسات ذلك غذاء العالم الذي بات أكثر عرضة للجوع، تتجه أنظار العالم، شعوباً وحكومات، إلى دول أعضاء منظمة أوبك لا سيما الخليجية منها، مطالبة إياها بزيادة إنتاجها من النفط لمواجهة تضخم أسعاره عالمياً، وتمارس الدول الغربية ضغوطات كبيرة على دول الخليج العربي ذات القدرة الإنتاجية الكبيرة لتحمل مسؤولية تخفيض أسعار برميل النفط الملتهبة.
والغريب في الأمر أن دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية، وخلال زيارة رئيسها إلى المنطقة، قد ربطت بين صفقات بيع الأسلحة إلى دول الخليج وضرورة زيادة إنتاجها من النفط، في إجراء يتم الترويج له من قبل وسائل الإعلام الأمريكية على أنه "الحل السحري" لارتفاع أسعار النفط العالمية. وتعدّ الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أكبر موردي السلاح إلى دول الخليج العربي، ففي العام الماضي أعلنت الولايات المتحدة عن صفقات أسلحة إلى دول مجلس التعاون الخليجي الست بما يقدر بـ 20 مليار دولار، كجزء من مشروع لتعزيز قوة هذه الدول الحليفة للإدارة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط لمواجهة إيران وحزب الله وسوريا والفصائل الفلسطينية المقاومة للوجود والمصالح الأمريكية في المنطقة. وتشمل صفقة الأسلحة الأمريكية للمملكة العربية السعودية المقدرة بـ 1.4 مليار دولار نظم اتصال ومتفجرات وأجهزة دعم جوي وأسلحة متطورة عديدة.
وقد تقدم نواب من الحزب الديمقراطي، وفي خطوة لإحراج الإدارة الأمريكية أمام حلفائها الخليجيين بمشروع قانون يطالب المملكة العربية السعودية، أحد أكبر منتجي النفط في العالم، أن ترفع من إنتاجها الحالي إلى مليون برميل في اليوم بما يفوق إنتاجها من النفط خلال شهر يناير الماضي، رابطاً بين ذلك وصفقات الأسلحة المزمع عقدها. ويرى أولئك النواب أن زيادة الإنتاج من قبل دول الخليج سوف تخفض سعر غالون الوقود ما بين 50 إلى 75 سنتاً.
فيما تخشى الإدارة الأمريكية ونوابها الجمهوريون في الكونغرس أن تفضي محاولات الربط بين مبيعات السلاح الأمريكية لدول الخليج وزيادة الأخيرة لإنتاجها إلى تعزيز قوة أعداء الولايات المتحدة في المنطقة وإضعاف قدرات حلفائها مما يزيد من عدم الاستقرار والأمن بالمنطقة، ويعرض العلاقات المميزة للولايات المتحدة مع دول الخليج للتأثر والاضطراب، فضلاً عن عدم ضمان أن يؤدي ذلك تحقيق الغاية المرجوة منه، وهو تخفيض أسعار النفط العالمية.
وقد أثار ارتفاع أسعار الوقود غضب المواطن الأمريكي، وأثر بشكل كبير على الأعمال والاقتصاد الأمريكي، ففيما اتسم فيه دخل المواطن الأمريكي بالثبات خلال الفترة الماضية، ارتفع ما يخصصه المواطن للوقود من دخله من 5% بداية عام 2001 إلى 10% يومياً خلال هذا العام.
ويعول الديمقراطيون على علاقات الرئيس بوش القوية مع شركات وصناعة النفط بما يمكن من زيادة إنتاجها، لكنه على الرغم من ذلك فشل في إقناع دول منظمة الأوبك ثلاث مرات برفع الإنتاج.
وقد وافق مؤخراً مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون يسمح لوزارة العدل الأمريكية بمقاضاة أعضاء منظمة الأوبك؛ للحد من إمدادات النفط والعمل على تحديد أسعار الخام، ولكن البيت البيض يُهدد باستخدام حق النقض (الفيتو) على هذا المشروع. ومن شأن هذا المشروع أن يخضع دول الأوبك لقوانين مكافحة الاحتكار المطبقة على الشركات الأمريكية، كما يتضمن تشكيل مجموعة تابعة لوزارة العدل من أجل التحقيق في أسعار البنزين والتلاعب في أسواق الطاقة.
ويبقى السؤال الذي بات الشاغل الأكبر لصناع السياسة وشعوبهم على حد سواء: هل تملك دول الخليج حل أزمة ارتفاع أسعار النفط العالمية من خلال زيادة إنتاجها؟ لقد قامت المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، بزيادة إنتاجها إلى 300 ألف برميل يومياً ليصبح مجمل إنتاجها اليومي 9.45 مليون برميل حزيران/ يونيو المقبل قبيل زيارة الرئيس بوش الثانية إليها، لكن ذلك لم يفض إلى النتائج المرجوة، والحال أن زيادة إنتاج دول الخليج العربي لن تخفف من أزمة ارتفاع أسعار النفط، إذ إن هناك جملة من العوامل المتداخلة والتي تسهم في تعقيد الموقف، وربما الاستمرار في ارتفاعه حتى نهاية العام الحالي، منها تراجع القوة الشرائية للدولار الأمريكي، وعدم الاستقرار الجيوسياسي بمنطقة الخليج ومناطق الإنتاج الأخرى، وتزايد الاستهلاك العالمي للنفط، فضلاً عن النظرة التشاؤمية لإمدادات النفط العالمية على المدى الطويل. ويضيف بعض المحللين إلى ذلك الغزو الأمريكي للعراق 2003، وما ترتب عليه من تراجع القوة الإنتاجية العراقية، وتعرض العديد من المنشآت النفطية لهجمات المقاومة.
ويبدو أنه من الصعب الضغط على دول ليس في مصلحتها زيادة الإنتاج، في الوقت الذي ترى فيه الدول المصدرة للنفط أن ارتفاع أسعار النفط عالمياً يعود إلى تقلبات الأسواق المالية أكثر منه إلى قانون العرض والطلب المتقلب في الآونة الأخيرة.