أصدر فضيلة العلامة الشيخ الدكتور عبد الملك السعدي، أبرز علماء العراق وعضو هيئة علماء المسلمين والأستاذ بجامعة مؤتة الأردنية، فتوى حرم فيها بشكل قاطع عقد أي اتفاقية مع المحتل إلا بعد خروجه الكامل من العراق .
وجاءت الفتوى ردًا على سؤال توجه به عدد من العراقيين حول توجه الحكومة العراقية لعقد اتفاقية أمنية طويلة الأمد مع المحتل الأمريكي.
فأوضح الشيخ أن أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عقد معاهدة مع اليهود في المدينة المنوَرة، وعقد أخرى مع المشركين في صُلح الحُديبيَّة، ولكن كلتا الاتفاقيتين كانتا من منطلقِ سيادةٍ وقوةٍ، لا ضعف وذلة .
وبين الشيخ السعدي أن المُعاهدتين لم تكونا مُشتملتين على الاستعانة -أمنيَّاً- بالكفرة، بل كانت ما بين مُعاهدةِ مُسالَمةٍ وهُدنةٍ، ولم تتضمن مُعاهدة أمنٍ واستعانة بهم على أمثالهم الكافرين فضلاً عن الاستعانة بهم على المُسلمين.
وأضاف الشيخ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رفض الاستعانة بالمُشرك على مثله، وقال: (أنا لا أستعينُ بمُشرك) أي في أمور مُسلَّحة وقتالية، بل غاية الأمر أنَّه استعان بهم في وسائل الحرب وعُدَّته حيث استعار درع صفوان بن أُمَيَّة.
ووصف الشيخ حال ساسة العراق الذين يحكمونه الآن بأنهم يفقدون السيادة عليه، وطالب المنتسبين منهم لأحزاب "إسلامية"، فيما يبدو، باحترام كلمة إسلامي أو التخلي عنها وحذفها وإبدالها بسياسي فقط.
وقال الشيخ: لقد اتضح للجميع لعبة احتلال العراق أو محاربته تحت ذريعة أسلحة التدمير الشامل، والتي أطاح من خلالها بالنظام السابق الذي لم يرتكب عُشر مِعشار ما ارتكبه المحتل بشعب العراق، وما قام به هؤلاء الساسة وميليشياتهم من تنكيل لهذا الشعب المسكين، وما حصل بسب ذلك من مظالم وقهر وجوع وبطالة وتهجير.
وتابع الشيخ: وبدلا من تصحيح هؤلاء الساسة لمسارهم إذا بهم يتجهون نحو تكريس الاحتلال وإدامته تحت مهزلة تُضاف إلى مهزلة الاستفتاء على الدستور المُصمَّم من قِبَلِه، وانتخابات عَرَفَ زيفها الكبير والصغير والداني والقاصي.
وتسائل الشيخ السعدي عن هذا الأمن الذي يرتجى تحقيقه على يد المحتل الأمريكي الذي لم يحظ بالأمن على جنوده وآلياته، فكيف يظن به أنه قادر على تحقيق الأمن مُستقبلاً للعراق مع جيرانه .
وشدد الشيخ على أن حكم هذه الاتِّفاقيَّة يُفتَرض بالسياسيِّين والحكومة القائمة الآن أن يحكموا بضررها وتحريمها، قبل أن يحكم بهذا أهل العلم الشرعي؛
لأنهم على يقين تامٍّ في قرارة أنفسهم أنَّها مُحرَّمة شرعا ومُضِرَّة بالعراق وجيرانه، ولكنَّهم مغلوبون على أمرهم، تُفرض عليهم سياستهم من قبل المحتل.
وأضاف الشيخ: ليس من المقبول شرعاً أو عقلاً أو عُرفاً أن نتعاهد مع مُحتلٍّ أهلكَ الحرث والنسل لأجل أن يستمِرَّ في احتلاله وما يقوم به من قتل ومُداهمات واعتداء على شعب العراق وسلب ثرواته.
وإتمامًا للفائدة قال الشيخ: يَحْرُمُ على الحكومة القائمة الاتِّفاق مع الاحتلال اقتصاديَّاً بصناعة أو زراعة أو تجارة أو إنتاج، إلا بعد انسحاب جميع قوَّاته من العراق، فعند ذلك تتعامل معه كصديق .
وأكد الشيخ على أن الاتفاق مع المحتل عسكريَّاً أو أمنيَّاً فإنه مُحرَّمٌ بكل الأحوال ولو بعد انتهاء الاحتلال؛ لأنه نوع ولاية له، والله تعالى يقول: (ومن يتولَّهم منكم فإنَّه منهم). ولم يسبق بالتاريخ الاسلامي الاستعانة أمنيَّا بغير المسلمين.
وذكر الشيخ المسئولين بالله عز وجل وبما حل بمن حكموا العراق قبلهم، فالجميع راحل، وتبقى لعنة الأجيال ودعواتهم تطاردهم إلى يوم الدين، حين يقفون أمام خالقهم ليحاسبهم على تفريطهم بشعبهم وموارهم وعراقهم.