د.المسيري قبل رحيله لـ"المسلم": المقاومة هزت "إسرائيل".. تفاءلوا ستزول ولكن بالمقاومة.. زاد الفساد فنزلنا للشارع
29 جمادى الثانية 1429
المسلم - خاص

قامة عالية في مجال البحث العلمي في شؤون اليهودية والصهيونية، ومناضل سياسي، مزج بين التنظير والتطبيق، والقول والفعل، وطبيعي أن يختلف معه الآخرون وقد يتحفظون على بعض أفكاره، لكنهم يجلون فيه صدق التوجه وتفانيه في الانتصار لما يعتقد أنه صواب.

التقيناه قبل أيام، ولم نكن ندري أنها ستكون المرة الأخيرة التي يبث فيها كلماته إلى وسيلة إعلامية، لكن القدر ساقنا لأن ندير الحوار معه لموقع "المسلم" في قضايا ذات أبعاد مختلفة؛ فكان معناً كريماً في إجاباته رغم اعتلال صحته؛ فجال معنا الحديث حول خطوات حماس الأخيرة ونجاحها في التهدئة، وجدوى المقاومة العراقية وتأثيراتها إلى ما وراء الأطلسي، وما لمسه من تحول في المجتمع الأمريكي نفسه خلال زيارات العلاج الأخيرة للراحل للولايات المتحدة تجاه الانكفاء على الداخل بعد الإخفاق في العراق.
وقد كان مهماً أن يفرق بين الاتكالية والتفاؤل فيما يخص مسألة زوال "إسرائيل" التي ظل يبشر بها، لكي نسمع من صاحب هذه الدراسة تحديداً هذا المعنى الذي يحول دون الاسترسال في ترديد أقوال هي أقرب للاتكالية والدعة منها إلى الفعالية والتفاؤل.
قال لنا الراحل: "لابد أن تستمر المقاومة فهي الواحدة القادرة على إنزال الرعب في قلوبهم".
رحم الله المفكر عبد الوهاب المسيري، وجعل ما كتبه في ميزان حسناته، وأسكنه الجنة، وألهم ذويه الصبر.
أجرت الحوار: هبة عسكر
** بعد أن وافقت "إسرائيل" على التهدئة مع حماس، ما الذي تقرؤونه في هذا الاتفاق تحديداً من مؤشرات؟
البعض أطلق عليها هدنة ولكن التعبير الصحيح "تهدئة" لأن الهدنة تعني الاعتراف بالآخر، لكن حماس قالت: لا نعترف، وهذا انتصار ضخم لحماس أن تفرض شروطها، وقد هدأت لسبب إنساني لأن سكان غزة تم تجويعهم في ظل صمت عربي، والبعض الآخر لعب دور نشط في عملية التجويع هذه، و"إسرائيل" كانت في حاجة إلى ذلك لأن استمرار المقاومة هز المجتمع "الإسرائيلي" من الداخل هزا شديدا ، ولكن رغم الاعتراضات واستطلاعات الرأي التي كانت رافضة التهدئة إلا أن الحكومة وافقت، إلى جانب أن مصر كان موقفها محرجا جدا أن تقف متفرجة علي عملية التجويع أي عملية إبادة لكنها نظيفة.
 الآن حماس أدخلت الأسير شاليط ضمن صفقة تبادل الأسرى ، والمفاوضات مستقلة ستبدأ بعد أسبوع ومعبر رفح سيفتح فالتهدئة في صالح حماس أكثر من "إسرائيل" وتمثل انتصارا لها.
 
 
** تبعث بشائر زوال "إسرائيل" على التفاؤل، لكن ألا تبعث في المقابل على الاتكالية وتعطي مبرراً للمتخاذلين بأنه لا داعي للجهد في إسقاطها لأنها ستسقط وحدها؟
لقد حددت عشر علامات لزوال "دولة إسرائيل" بناء على دراسة، وهي:
- تآكل المنظومة المجتمعية لـ"الدولة العبرية" بعدما فشل مصطلح "الصهر" الذي حدده ديفيد بن جوريون مؤسس "الدولة العبرية" لصهر المجتمع "الإسرائيلي" بأكمله في منظومة واحدة موحدة القومية بعيدا عن الهويات المتعددة التي جاء بها اليهود من مختلف بلدان العالم.
- الفشل في تغيير السياسات الحاكمة "الإسرائيلية" فهي من فساد إلي فساد.
- كثرة النازحين لخارج "إسرائيل" فقد أكدت الإحصائيات نزوح مليون "إسرائيلي" لخارج "إسرائيل" من إجمالي 6 ملايين قدموا إليها.
- انهيار نظرية الإجماع الوطني نتيجة اتساع الفجوة القائمة بين العلمانين والمتدينين والذي أدي بدوره إلي العداء المستمر بين الأحزاب الدينية الشرقية والغربية والوسطية.
- فشل تحديد ماهية الدولة اليهودية فقد عجز كبار الحاخامات اليهود في تحديدها.
- عدم اليقين من المستقبل الخاص بالدولة متمثلا في مقولة الرئيس "الإسرائيلي" شيمون بريز عندما سأله أحد الصحفيين هل ستبقي إسرائيل 60 عاما أخرى؟ فرد عليه: "اسألني هل ستبقي 10 سنوات قادمة؟!".
- العزوف عن الحياة العسكرية عند الشباب والهرب منها، وبالتالي مع مرور الوقت ستنهار الحياة العسكرية.
- عدم القضاء على السكان الأصليين المتمثلين في الفلسطينيين.
- تحول "إسرائيل" إلى عبء على الإستراتيجية الأمريكية.
- وأخيرا استمرار المقاومة الفلسطينية.
ولكن رغم ذلك فلن تنهار من نفسها ولكن فالدولة تستمد بقاءها من خارجها والمتمثل في الدعم الأمريكي والغياب العربي، وبالتالي لابد من تحرك عربي فعال وتوقف للدعم الأمريكي لهم ، وهذا عكس الاتكالية تماما، ولن تزول من نفسها ، وبالتالي لابد أن تستمر المقاومة فهي الواحدة القادرة على إنزال الرعب في قلوبهم.
 
** في إحدى استطلاعات الرأي بلغت نسبة الذين يشعرون بالأمن في المجتمع الصهيوني أقل من 4% من السكان.. فكيف ترى هذا ؟
هذا أحد إنجازات المقاومة التي لابد أن تستمر ولابد أن يتم دعمها عربيا خاصةً أن المقاومة أرسلت رسالة للمستوطنين الصهاينة بأنه لا علاج في ظل سياسة البطش والعنف ، فكلما ازداد البطش ازدادت المقاومة.
 
** لاعتباركم أن "إسرائيل" تقوم بدور "استعماري" نيابة على الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية والشرق أوسطية، هل ترون بعد احتلال العراق وتمركز القواعد الأمريكية في عدة دول خليجية أن "إسرائيل" قد تراجع دورها الأمريكي كثيراً، أو ربما فقد أهميته أمريكياً؟
لا ؛  فعلي الرغم من نزول الولايات المتحدة بنفسها إلي أرض المعركة إلا أنه تظل هناك مسألة التعامل مع النخب الحاكمة العربية، و"إسرائيل" تقوم بهذا الدور بصورة كبيرة وبكفاءة ، فقد أفهموا الحكومات العربية أن الطريق إلي قلب أمريكا لابد وأن يكون عبر "إسرائيل"، وبالتالي لها وظيفة محددة تقوم بها، خاصة أنها تدعي قيامها بالحرب ضد "الإرهاب" و"الإرهاب الإسلامي" وما شابه ذلك. وللأسف أن الكثير من النخب الحاكمة في مصر والعالم العربي توافق على هذا الدور وتتعاون معها .
المشكلة الحقيقية تنشأ ليس بعد دخول العراق، وإنما بعد خروج الولايات المتحدة الأمريكية من العراق، ويبدو أن "أوباما" يشجع علي هذا. ورغم تأييده الشديد لـ"إسرائيل" إلا أن الخروج من العراق سيكون له أعمق الأثر على "إسرائيل"؛ لأنه يعني أن سياسة أمريكا الخارجية ستكون سياسة عدم التدخل والتقوقع، وهذا في صالح العرب مائة بالمائة وصالح العالم كله، لأن وصاية أمريكا وعربدتها قد أضرت كل شعوب الأرض بما فيها الشعب الأمريكي نفسه لأن ما انفق في العراق من أموال مهول حتى الآن وهذا نزيف كبير على الاقتصاد العالمي والاقتصاد الأمريكي نفسه .
**  من هنا نستطيع أن نقول إن حرب العراق واستمرارها أضر بالشعب الأمريكي أكثر من أفاده ؟
مائة بالمائة، ولذلك نرى تأييد "الشعب الأمريكي" الشديد لأوباما الذي لا يمثل شيئا في الحقيقة، وسلبياته كثيرة من وجهة نظر أمريكية.
 
** لكم رؤيتكم في كون الغرب يسعى لإبادة الآخر لا الحوار معه؛ فهل ترون من جدوى لإطلاق الحوار بين المسلمين والغرب؟
نعم هناك الكثير من القطاعات الشعبية في الغرب ضد البطش الاستعماري والاتجاه نحو الإبادة وهي التي تتظاهر ضد الغزو ، حتى وإن خرجت مطالب ودعوات الحوار من جهات رسمية غربية لأنها تأتي بشروطها، وقوى السلام تعلم المضمون الحقيقي والنوايا من ورائها.
 
** معلومة رؤيتكم حول حتمية زوال "إسرائيل" وقرب حدوث ذلك، لكن هل تعتبرون امتداداً لهذه النظرية أن الولايات المتحدة أيضاً إلى زوال من جهة السيطرة على دول ما بعد الأطلسي في أوروبا والعالم العربي والامتداد الآسيوي أم أن هذا الحدث سابق لأوانه؟
لا يمكن أن تزول ولكن تنكمش ، وانسحابها من العراق يعني نهاية الحلم الإمبراطوري ولكن "إسرائيل" لأنها دولة استيطانية يمكن أن تزول، وهم أنفسهم يتحدثون عن ذلك.
 ويمكن تقسيم الجيوب الاستيطانية إلي نوعين: الأول جيوب استيطانية نجحت في القضاء علي السكان الأصليين مثل الولايات المتحدة واستراليا ، والثاني جيوب أخفقت في القضاء علي السكان الأصليين مثل ممالك الفرنجة وفي جنوب أفريقيا، والجيوب التي كتب لها البقاء مثل الولايات هي التي قضت علي السكان الأصليين، أما "إسرائيل" فهي من النمط الثاني. وأنا دائم التأكيد علي ذلك، والأدلة كثيرة؛ فهي استثناء في التاريخ ومليئة بالأزمات في الجوانب العسكرية والفساد الداخلي والهجرة وأزمة النزوح .
 
** ماذا إذن عن الولايات المتحدة من الداخل، هل تتوقعون يوماً تفككها؟
من الداخل من الصعب علي الرغم من أنها تعاني كذلك من العديد من المشكلات الداخلية ولكنها قامت علي نوع الاستيطان القائم على القضاء على السكان الأصليين لذا من الصعب زوالها.
 
** وماذا عن الأحاديث الأخيرة عن المساعي اليهوديةلإنشاء دولة لهم في ألمانيا؟
لا يمكن أن تقوم لهم دولة هناك وأوروبا لن تسمح حتى بالتفكير في ذلك ، فالذي تنادي بذلك جماعة هامشية لا يعتد بها ، ويقودها صحفي يهودي يدعى "رونين ايلدمان" ويدرس في كلية الفنون بجامعة فايمار الألمانية.
 
** ماذا مثل لكم الفوز بجائزة القدس من تكريم لمشواركم الطويل في دعم القضية الفلسطينية؟
الجائزة لها جانبين جانب مادي يساعدني في تمويل أبحاثي والجانب الآخر معنوي وهو أنه يسلط الضوء علي أعمالي بحيث يهتم الناس بها وتدرك أبعاد القضية الفلسطينية والمعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ، أنا لم أحبس نفسي هذه السنوات حتى لا يقرأ أعمالي إلا بعض المتخصصين ولكن أحب أن أخلق حالة من الحوار حول القضية وأنا صاحب رؤية ولابد من الدخول في حوار.
 
** هل رصدتم تغيراً ملحوظاً على المجتمع الأمريكي من خلال زياراتكم الأخيرة للولايات المتحدة للعلاج؟
الشعب الأمريكي شعب الآن يرفض العنف أكثر من السابق فهو يريد أن يعيش في سلام والدليل على ذلك أنه يؤيد اوباما رغم سلبياته ـ كما قلنا من قبل ـ لأنه يريد الانسحاب الأمريكي من العراق ، ولكن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر زاد تخوفه من المسلمين هناك والمسلمين الوافدين إليه، نظرا للتهم التي لحقت بهم، وهذه الصورة السلبية خلقت الكثير من الخوف، ولكن يعاب علينا وعلى إعلامنا الوقوف موقف المتفرج تجاه هذا الوضع. فمن المفترض تصحيح هذه الصورة من خلال نشر الإسلام الصحيح ، ولكن في المقابل الشعب الأمريكي يحترم المثقفين العرب.
 
 ** أنتم مثال فريد لمن يمارس السياسة بشكل مباشر وواضح في المعارضة بعد سنين طويلة قضيتموها في مجالات البحث العلمي وغيرها أو لنقل بعيداً عن أضواء السياسة، كيف تسنى لكم أن تغيروا هذا النمط الذي ألفكم عليه الناس كباحث وخبير متخصص إلى سياسي معارض؟
منذ بدايتي وأنا أكثر التحاما بالشعب والجماهير فأنا لا أريد أن تكون أبحاثي وكتاباتي لا يقرؤها إلا القليل من المتخصصين وتظل حبيسة الأدراج ولكني حرصت أن تصل إلي الجماهير وأن تخلق حالة من الحوار بيني وبينهم حتى تعم الاستفادة الجميع.
 أنا أعرف تأثير أبحاثي وكتاباتي وهم يعرفوا أبعاد قضايانا بأسلوب بحثي دقيق، فأنا لم أغير النمط كثيرا ولكن طبيعة المرحلة هي التي فرضت ذلك فقد زاد الفساد وأصبح الشعب البسيط غير قادر على الحصول على لقمة عيشه؛ فكان لابد من الاقتراب منه أكثر وأكثر وتوجيهه في كثير من الأحيان، وهو ما نفعله الآن في كفاية فالمثقفين من أعضائها ينزلون الشارع للتعرف على رغبات الجماهير ومعاناتهم وهو الدور المفترض للجميع القيام به.
 
**كان للأستاذ هيكل دوره في دعمكم في المجال البحثي، فهل يمكننا أن نعتبره داعماً لكم في توجهكم السياسي، أو لنقل للدقة هل هو راضٍ عن نشاطكم السياسي الحالي؟
الأستاذ هيكل رعاني منذ البداية فأنا مدين له بالكثير، فأنا كنت مازلت شابا عائدا من أمريكا ورعاني كثيرا واهتم بنشر مقالاتي وأعطاني الكثير من الأموال لشراء الكتب والمراجع ووفر لي عملا في مركز الأهرام لكتابة أول موسوعة لي وكان يقرضني في بعض الأحيان بعض الأموال ، والأستاذ هيكل لديه حنان إنساني غير عادي .
أما على الجانب السياسي فقد أثر في المعني السياسي العام من حيث الإيمان بالوطن وضرورة المقاومة والإحساس بالكرامة والتي يسعى النظام الفاسد القضاء عليها ، وهي القيم التي يدعو إليها في برنامجه على قناة الجزيرة "مع هيكل" ، أعتقد أنه راض لأنها نابعة ومتفقة من أفكاره.
** لماذا إذن لا يمارس الشيء ذاته؟
المنطلقات واحدة ولكن لكل إنسان طريقته في التنفيذ فهو له طريقته وأنا لي طريقتي طالما لا يوجد اختلاف في الإطار العام .
 
** إذا كان الأستاذ هيكل قد اعتبر أن "مصر رايحة في داهية"؛ فهل تشاطرونه الرأي ذاته؟
نعم مصر رايحة في داهية في ظل الصمت الشعبي ، ولكن مع الحركة الشديدة للشعب والقيام بالاضرابات يبشر بأن الموضوع بدأ في التغيير الآن ونمر بمرحلة جديدة عنوانها ترك الصمت.
 
** كيف تقيمون أداء الإسلاميين في مصر ، أترون أن الحكام العرب هم الذين دفعوهم للخصومة مع النظام أم أن الإسلاميين هم البادئون بذلك ؟
كلما زادت هرولة النخب الحاكمة كلما زاد عداؤها للجماعات الإسلامية ولكن أعتقد أن ما حدث أن الجماعات الإسلامية بالأخص الإخوان المسلمين وحزب الوسط طورت خطابا إسلاميا توافقيا يرضي كل أطراف الأمة سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين أو حتى العلمانيين المعتدلين وهكذا حيث أصبحت قوى جماهيرية حقيقية، والدليل علي ذلك في الانتخابات الأخيرة نجح 88 عضوا من الإخوان المسلمين واضطر النظام الحاكم في مصر أن يتصل بالبيت الأبيض يقول له هذه نتيجة الديمقراطية أدت لكذا لكذا ، فأعطوا لهم الضوء الأخضر لتزوير الانتخابات.
 
** هل يمكن أن نقول أن إسرائيل حقيقة غير مذعورة من نشاط تسلح إيران؟
الإجابة بنعم ولا .. فهم يعرفون جيدا وفقا لتقرير الوكالة الطاقة الذرية أن إيران لا يمكنها أن تنتج سلاحا نوويا إلا بعد عشرات السنوات ولكنهم في ذات الوقت من صالحهم الاستراتيجي أن تقوم بتأليب الولايات المتحدة والمنطقة العربية ضد إيران لأنه في ظل غياب التأليب على إيران ستتراجع قيمتها لأنها دائما ازدهرت في ظل الحروب الباردة وبالتالي فخلق حالة الحرب والتأليب في صالح "إسرائيل" فهي تقوي وتزدهر في الحروب ويقل دورها في أوقات السلام .
 
**  تراجع دور مصر الإقليمي وخرجت كثيرا من دورها العربي .. وتبعها الشعب المصري فيما بعد    .. فما تعليقك على هذا ؟
بالفعل تراجع دور مصر عن ذي قبل فقد خرجت من دورها العربي لصالح أمريكا ومصالحها أما بالنسبة للشعب المصري فلم يتبعها والدليل علي ذلك المظاهرات التي تخرج غاضبة ضد الاعتداء الصهيوني علي الأراضي الفلسطينية والتمسك والتضامن التي يبديه تجاه الشعب العراقي ، ولكن الشعب المصري اليوم شغلته همومه الخاصة من ارتفاع الأسعار والوقوف في وجه الفساد فتغيرت اولوياته لصالح المشكلات المحلية
 
** كيف تقييم كثرة الاحتجاجات والاعتصامات والاضرابات لأغلبية فئات الشعوب العربية في الفترة الأخيرة ؟
الغضب الشعبي لابد أن يتحول إلي ثورة ولابد أن يتم تغيير هذا النظام الفاسد
نجمع كل قوي المعارضة لعمل جبهة لمواجهة النظام السياسي ، الذي جعل هذه الاضرابات تنجح أنها خرجت من عمق الشعب ، وخير مثال على ذلك ثورة أهالي دمياط ضد اجريوم وثورة الموظفين .
** ما الذي تعنيه لكم مدينتكم دمنهور؟ وأي أثر تراها تركته في ذهن وعقلية المفكر الكبير؟
دمنهور كانت تجمع بين القرية والمدينة، فكانت توجد بها الحقول وفي نفس الوقت كانت من أكثر المدن الصناعية في العالم حيث كانت تعج بالمصانع ومحالج القطن، والغريب أن هذه المدينة كانت مليئة بالثنائيات والمتناقضات فهي مدينة مشهورة بتجارها، ومع ذلك كان بها ملاك إقطاعيون، فكان والدي رأسمالياً بحتاً، بينما كانت والدتي اشتراكية تؤمن بالمساواة والعدل المطلقين، فكانت لا تفرق بيننا وبين الخدم إلا في أماكن النوم.
وأعتقد أن هذه النشأة أثرت ومازالت تحكم رؤيتي للأشياء، فجعلتني مثلاً قادراً على التحرك في عالم الحداثة، وفي نفس الوقت أنظر إليه بنظرة نقدية رافضة، وهذه هي الإشكالية التي تحكم حياتنا حتى الآن، أي كيف نعبر عالم الحداثة دون أن نفقد قيم وتقاليد المجتمع الذي نعيش فيه، وهو ما يجب أن يقوم عليه الخطاب الثقافي والديني في هذه المرحلة.
 
  ** ما رأيك في ثقافة اليوم وهيمنة لغة الصورة والفيديو كليبات؟
الصورة أكثر جذبا للانتباه الصورة لا يوجد إيقاع فهي تحول الإنسان إلى متلقي سلبي لا يستطيع أن يدرك النص دون الصورة (..) فالنص دون صورة مضحك ، فقد اختلف المتلقي في ثقافة اليوم عن أمس فكنا في جيل الستينيات نعتمد على القراءة والآن اعتمد الجيل الجديد على ثقافة الصورة التي لا تدعو إلى التفكير والتأمل .
وطالبت أكثر من مرة أن يكون ضرورة أن يكون التعليم باللغة العربية الفصحى في مختلف مراحله، واعتبر ذلك قضية أمن قومي لأن اللغة مرتبطة بالقراءة وبالتالي خلق جسر منيع ضد ثقافة الصورة.