استهداف علماء العراق مابين قتل.. واجتذاب.. وتهجير (الجزء الثاني)
20 رجب 1429
سارة الشمري
منذ الأيام الأولى لاحتلال العراق بات واضحا المخطط الذي بدا من النيل من العقول العراقية بغض النظر عن دينها أو توجهاتها أو مذهبها ولكن ما كان يحدث ولازال انه في حالة قتل عالم مذهبه شيعي مثلا توضع ورقة غير صحيحة تشير إلى إن الجهة التي خطفت وقتلت ذلك العالم هي جهة سنية والعكس أيضا يحصل إذا كان العالم سني ولكن الحقيقة من يقف وراء تلك العصابات والمليشيات هي قوى خارجية تريد إفراغ العراق من عقول أبنائه , وكانت المحصلة لكل ذلك هي قتل ما يقارب أكثر من خمسمائة عالم ومفكر عراقي.
 
ولا تدل مؤشرات عمليات الاغتيال على أنها تستهدف أي اتجاه طائفي أو ديني. الاتجاه الوحيد السائد فيها هو أن العرب يشكلون الأغلبية المطلقة للضحايا, هذه هي استنتاجات أول دراسة إحصائية لمجزرة علماء وأطباء ومهندسي العراق، أعدها بالإنجليزية الطبيب الاستشاري العراقي "إسماعيل الجليلي"، وعُرضت في "المؤتمر الدولي حول اغتيال الأكاديميين العراقيين"، الذي عُقد في العاصمة الإسبانية "مدريد" لمناقشة هذه الكارثة.
 
الدكتور محمد الربيعي، وهو مستشار علمي لدى الرئيس العراقي وبروفيسور في كلية "يونيفرستي كولدج" في دبلن وجامعة برمنجهام البريطانية، يقول في رد على سؤال إذاعة  البي بي سي، إن الهدف من ذلك، ترويع الهيئة التدريسية بما يؤدي إلى تعثر العملية التربوية وهجرة العقول إلى الخارج
 
ويشير إلى أن عمليات الاغتيال والخطف تطال ذوي الاختصاصات المختلفة في اغلب الجامعات عدا الموجودة في إقليم كردستان الأمر الذي يؤدى إلى اضطراب الأجواء الجامعية وازدياد الصراعات الشخصية والطائفية وارتفاع معدل هجرة العقول إلى الخارج.
ولا يبتعد الدكتور عباس الحسيني، الأستاذ في جامعة ويست منستر في لندن، كثيرا عن ذلك في رؤيته لأسباب قتل الأكاديميين والعلماء العراقيين، إذ يعتبرها جزءا من خطة لتدمير العراق وعرقلة إعادة أعمار البلاد
 
ويعتقد الدكتور إسماعيل الجليلي، الأستاذ في طب العيون، والعضو الاستشاري في لجنة بروكسيل القضائية، بأن ما يحدث هو عملية تصفية منهجية لإمكانات العراق لإنهاء دوره كقوة إستراتيجية: في المنطقة.
   
ويظهر من الإحصائيات أن اغتيال علماء العراق جزءٌ من إستراتيجية "الفوضى المنظمة" التي اتّبعها الاحتلال منذ الغزو لتطويع العراقيين وإخضاعهم.
 
وليس عبثاً أن تستهدف المجزرة الجامعات التي تُعتبر في العراق، كما في جميع بلدان العالم، مراكز النشاط والحراك الثقافي والسياسي. ويدل تحليل الإحصائيات التي أعدتها "رابطة التدريسيين الجامعيين" في بغداد، أنّ 80 في المائة من عمليات الاغتيال استهدفت العاملين في الجامعات، ويحمل أكثر من نصف القتلى لقب أستاذ وأستاذ مساعد، وأكثر من نصف الاغتيالات وقعت في جامعة بغداد، تلتها البصرة، ثم الموصل، والجامعة المستنصرية. و62 في المائة من العلماء المغتالين يحملون شهادات الدكتوراه، وثلثهم مختص بالعلوم والطب، و17 في المائة منهم أطباء ممارسون، وقد قُتل ثلاثة أرباع العلماء الذين تعرضوا لمحاولات الاغتيال.
 واعترفت وزارة التعليم العالي العراقية باغتيال 182 أستاذا جامعيا حسب معلوماتية اللجنة الدولية لحماية أساتذة الجامعات العراقية... ووفق معلوماتية رابطة التدريسيين الجامعيين في العراق .
 
لقد أغلقت وزارة التعليم العالي العراقية 152 قسما علميا في الجامعات العراقية اثر تلقيها التهديدات باختطاف أساتذتها أو اغتيالهم أو تصفية احد أفراد أسرهم، كما هاجر أكثر من 3000 أستاذ جامعي إلى خارج الوطن بالفعل.وكحصيلة نهائية فان 40% من أساتذة الجامعات غادروا العراق أو قتلوا أو جرحوا أو اختطفوا , ومن المرعب أن يذهب ضحية تفجير واحد في جامعة المستنصرية أكثر من 80 طالبا !، ووفق تقارير المؤتمر الدولي حول اغتيال الأكاديميين العراقيين / نيسان 2006 في مدريد فان عمليات الاغتيال والاختطاف تتبع النمط المعروف باسم "مجزرة السلفادور"أي سلسلة المجازر التي أشرفت عليها وكالة المخابرات المركزية الأميركية في بلدان أميركا اللاتينية,ولذا يهاجر الأكاديمي بحثا عن مكان آمن ومستقر يستطيع ممارسة حياته فيه بشكل طبيعي ومتابعة أبحاثه في ظل الأمن والاستقرار غير الموجود في عراق اليوم ، وتحتضن كردستان العراق عدد غير قليل من الأكاديميين الذين هاجروا أليها فالرواتب هنا مضاعفة إلا أنهم يواجهون مشكلة اللغة الكردية إذ أن جميع المناهج مكتوبة بها ولكن مع ذلك يتعلمون اللغة الكردية لأجل الاستقرار وإيجاد مكان امن للعمل فيه ,أيضا هاجر عدد كبير من الكفاءات العراقية إلى دول الخليج ومختلف دول العالم في العشر سنوات الماضية بسبب استهداف العلماء ونظرا لظرف العراق من حروب وحصار وأخره احتلال .
 
الاستاذه جمانة حسن ماجستير في الطب  تقول من عشر سنوات تركت العراق بسبب الحصار الذي كان على العراق وشعبه وعلى العلم في العراق لأجل تكملة الدراسة في إحدى الدول الأسيوية انا وزوجي وأولادي ثم انتقلنا إلى إحدى الدول الأوربية بعد ذلك, لقد شعرت أن بقائي في العراق قتلا للطموح وللعلم وان السياسة القذرة للاحتلال هي وراء مايجري من قتل وتهجير للعقول العراقية وانا لأاعتقد أن تحسنا سيطرأ على وضع العراق ولكني مع ذلك لست متشائمة واطمح أن أعود إلى بلدي وادرس العلم الذي حصلت عليه في أوربا لخدمة العراق وأهله .
أما الدكتورة وفاء البياتي (دكتوراه طب وجراحة النساء) تقول غادرت العراق قبل سنة تقريبا بعد اشتداد الأزمة فيه وتزايد العنف والقتل للعلماء وعلى الهوية ولأني كنت اعمل في مستشفتين احدهما في الاعظمية والثانية في الكرادة إضافة إلى عيادتي في منطقة الحارثية وصار من الصعب علي التنقل بين أماكن عملي بسبب التفجيرات ولتعرضي إلى تهديد وصلني مرتين عن طريق الموبايل وكان فحوى التهديد يشير إلى تصفية قريبة خاصة بعد خطف زميلي الدكتور عدي البيروتي , إزاء ذلك وبعد استشارتي لأكثر من زميل وأخ نصحوني بترك العراق وانا  اعتقد أن من قم بتهديدي لايعرفني ولكنه يعرف درجتي العلمية لان هناك مخطط لإفراغ العراق من علمائه وقتل العلم فيه , صحيح انا وجدت عملا مناسب جدا في دولة الإمارات العربية المتحدة وفتحوا لي قلوبهم إلا إن عيني تبقى على بلدي .  
 
 الدكتور زياد الحسني ( بكالوريوس طب وجراحة , ماستر بالتنمية البشرية من الاتحاد الدولي ) يقول تعرضت إلى التهديد بالقتل والاختطاف لي أو لأسرتي لذا غادرت العراق إلى سوريا لأنها اقرب بلد إلى بلدي ولسهولة الدخول إليها ولان الدول العربية الأخرى تضع قيودا على دخول العراقيين, ويقول أرى أن القصد من وراء قتل العلماء وتهجيرهم هو إضعاف العراق وتفريغه من العلماء .
 
أما أمنة الكبيسي ( طالبة ماجستير في الجامعة الأردنية ) تقول هاجرت من العراق أيضا بسبب تعرضنا للتهديد بالاختطاف والقتل وتقول أن من يقف وراء تهجير العلماء وقتلهم هم أنفسهم من زرعوا الفتنة الطائفية في العراق وهم الاحتلال ومن ساندهم وان الغرض من ذلك هو إفراغ العراق من أبنائه العلماء لكي لايتطور وبالتالي تسهل السيطرة عليه .
 
الدكتور كريم الجشعمي ( أستاذ مشارك طبيب في علم الأمراض ) يقول غادرت العراق إلى ماليزيا من عام 1994 بسبب  الحصار العلمي والفكري وما مر ويمر به العراق دفعني للبقاء وعدم العودة لبلدي يقول إن الكثير لايريدون للعراق أن يتطور وتطوره يكون بتطور أبنائه وحصولهم على الدرجات العليا في مختلف العلوم ويستند في ذلك إلى كلام توني بلير (إن العراق قد تجاوز الخطوط الحمراء بالنسبة لعدد العلماء) هذا التصريح كان قبيل الحرب الأخيرة على العراق .ويقول أن من يقف وراء إفراغ العراق من العلماء هم الاحتلال واليهود وحثالات المجتمع الجديد وانه يتمنى للعراق الاستقرار لكي يعود إلى بلده وشرف لي كما يقول الجشعمي : أن أعطي محاضرة لأبناء بلدي لما درسته من علوم .
 
إن الأرقام المعلنة عن العلماء والأساتذة الذين تم اغتيالهم وإجبارهم على الرحيل مفزعة، ويكفي أنْ نشيرَ هنا إلى المعلومات التي ذكرت في ندوة عقدت بالقاهرة، تشير إلى أنّ فرق الاغتيالات الإسرائيلية اغتالت حوالي 310 من علماء وأساتذة العراق، ثم تم الكشف بعد ذلك عن أن أكثر من 500 من علماء العراق، وأساتذته موضوعون على قوائم الاغتيال الإسرائيلية، وتشير أيضًا إلى أن 17 ألفًا من العلماء والأساتذة أُجبروا على الرحيل من العراق منذ بدء الاحتلال
 
هذه التصفية الجماعية لعلماء العراق وأساتذته، ليست سوى وجهًا واحدًا من وجوه محنةٍ قاسيةٍ مؤلمةٍ يعيشها أساتذة العراق اليوم، وتعيشها جامعاته ومؤسساته الأكاديمية.
 
لقد طلبت جهات كثيرة من الحكومة العراقية أن تحمي هؤلاء الأساتذة أمنيًا مثلما هي تحمي نواب البرلمان البالغ عددهم 275 نائبًا برلمانيًا يكلفون الدولة 27 مليون دولار شهريًا، لكل نائب حوالي 10 حرّاس، وأنّ عليها أنْ تضع على الأقل حارسيْن مسلحيْن لكل أستاذ جامعي، فحماية الثروة العلمية العراقية أفضل وأكثر إلحاحًا لأن هناك قتلاً مبرمجًا لهؤلاء العلماء الذين هم في الحقيقة أكثر أهمية من  بعض البرلمانيين وغيرهم اللذين تنفق الدولة الملايين عليهم لأجل حمايتهم .
ـــــــــــ
المصادر:
إحصائيات رابطة التدريسيين العراقيين
موقع البي بي سي ( مصطفى كاظم )
مؤتمر أهل العراق
لقاءات خاصة مع الكفاءات العراقية في خارج العراق
مفكرة الإسلام