الحوار ... وَحِمَايَةُ جَنَابِ التَوْحِيدِ
21 رجب 1429
د. إبراهيم الفوزان
   الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد،،،
    فنتيجة للضعف الذي تعيشه أمتنا وركون كثير من أفرادها للدنيا وتقديمهم لها على الآخرة ظهر التخبط الذي وصل لحد هو غاية في الحساسية والخطورة كون هذا التخبط ولج في حمى التوحيد والعقيدة.
 ومن التناقضات الواضحة التي رأيناها قريباً والتي تعكس الصورة السلبية للموقف كون القائل بالكفر لا يحاسب ولا يخجل من مقاله ويدافع عن نفسه ويتهجم على من خطئه وحَكم على كلامه بأنه كفر! وفي المقابل يُتهم العلماء الكبار بالتكفير والإرهاب وكره الآخر وغير ذلك من المصطلحات الرخيصة التي تلوثت بها السنة المنافقين وأقلامهم.
   
إن الحديث عن التوحيد هو حديث عن الدين بكليته، فبدونه لا اسلامٌ ينفع ولا عمل صالح ينجي صاحبه يوم الدين ((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) )الزمر: 65). وقد أرسل الله عز وجل رسله لدعوة الجن والإنس لتوحيده سبحانه والكفر بغيره من المعبودات ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)) (النحل: 36). فالحديث عن حماية جناب التوحيد يجب أن لا يتوقف وأن لا يدخله التلبيس ولا المجاملات بل يبقى واضحاً ناصعاً جلياً. 
   
معلوم كون الرسول – صلى الله عليه وسلم – أحسن الناس خلقاً وأشدهم رحمة بهم وعطفاً عليهم ومن ذلك قوله في حق الأعرابي الذي بال في المسجد: (دعوه ولا تزرموه)[1] ومع ذلك لم يتردد – صلى الله عليه وسلم – في تعنيف الصحابة الذين كانوا حدثاء عهدٍ بكفر عندما طلبوا منه أن يجعل لهم ذاتَ أنواط[2] كما للمشركين ذاتُ أنواط، إذ رد عليهم معنِّفاً: (الله أكبر، هذا كما قالت ‏ ‏بنو إسرائيل ‏ ‏لموسى ‏((اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)) إنكم تركبون سَنَنَ الذين من قبلكم) وفي رواية (‏قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى‏ ((اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)) إنها السنن، لتركبن ‏ ‏سنن ‏من كان قبلكم سنة سنة) رواه أحمد والترمذي. يقول الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى – تعليقاً على هذا الحديث: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يعذرهم في الأمر بل رد عليهم بقوله: ( الله أكبر، إنها السنن، لتتبعن سنن من كان قبلكم) فغلظ الأمر بهذه الثلاث أ. هـ.[3] والسبب في تعنيفه إياهم مع جهلهم كون موضوع التوحيد موضوع عظيم الأهمية ولا يحتمل التراخي والمجاملات.
    
لقد اعتنى الإسلام بتنقية التوحيد من جميع ما يشوبه من الشرك والإيمان بالطاغوت وجميع ما يناقضه كرد آي الكتاب أو صحيح السنة، فلذلك سد جميع الذرائع الموصلة للشرك كالتبرك بالقبور ورفعها وإنارتها والتوسل البدعي والغلو في الرسول – صلى الله عليه وسلم – والأنبياء والصالحين ولبس التمائم الشركية والعيش بين ظهراني المشركين وغير ذلك من الذرائع التي قد تؤثر في التوحيد. وباب سد الذرائع باب عظيم من أبواب الدين يجب العناية به للوصول إلى بر الأمان، لا إهماله! كما يدعوا بعض المخذولين إلى فتح الذرائع والعياذ بالله.
   
إن عناية أئمة المسلمين بهذا الأمر ظاهرةٌ على مر العصور وكان ممن تميز في هذا الجانب شيخ الإسلام ابن تيميَّة – رحمه الله – والإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب الذي أفنى حياته في محاربة الشرك والدعوة إلى التوحيد اقتداء بالأنبياء من لدن آدم – عليه السلام – إلى محمد – صلى الله عليه وسلم – مروراً بجميع الأنبياء ومنهم موسى وعيسى – عليهم السلام – وإمام الحنفاء ومحطم الأصنام والصابر في ذات الله إبراهيم – عليه السلام – الذي مع كونه كان محققاً للتوحيد فقد خاف من الشرك ((وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ))(إبراهيم: 35). ونرى في هذا العصر من يعيش في بلاد الكفار ويتردد عليهم ويتودد لهم ويتقرب إليهم ويحاورهم حواراً منهزماً ولا يخاف على نفسه من الكفر!
   
في السنوات الأخيرة علت أصوات المنافقين بضرورة الحوار مع الآخر ونبذ التعصب وكره الآخر والدعوة للولاء للوطن وساكنيه ولو كانوا من شرار الخلق والدعوة للتعايش والإندماج مع الآخر وإطلاق مصطلحات مشوهة كالمشترك الإنساني والإعتراف بالأديان الأخرى فالحق يتعدد في نظرهم! وعدم دعوة الكفار للإسلام لأن هذا يعد تدخلاً في خصوصياتهم! وعدم تسمية أهل الكتاب كفاراً لأن هذا يربي على الكراهية والتعصب! والسماح لأهل الكتاب بممارسة شعائرهم الدينية في بلاد المسلمين وبناء أماكن للعبادة فديننا دين الرحمة والتسامح! في مشهدٍ مليءٍ بالمغالطات والكفر بدين الله الذي جردوه من مضمونه وهو تعبيد الناس لربهم – جل وعلا – وتحريرهم من عبادة ما سواه.    
  
 فينبغي لنا أن لا نتنازل عن ديننا مهما قال المنافقون ومهما تجرأ المتجرؤن على دين الله، نحب من يحبه الله ونبغض من يبغضه الله ((قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)) (آل عمران: 32) وقال – جل شأنه – ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ))(التوبة: من آية 4)وقال: ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)) (الصف: 4). ونوالي أولياء الله ونتبرأ من جميع ما يعبد من دون الله ((اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) وقال – جل وعلا – ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ¤ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ)) (الزخرف: 26-27)
   
عندما نسمع بالحوار مع الآخر فلا بد لنا أن نسأل ما هو الهدف من هذا الحوار؟
 أحوار دعوة ومناظرة وإقامة حجة على المخالف كما هو فعل الأنبياء – عليهم السلام – ؟
 أم حوار تقارب واستجداء لمن لا يعترفون لنا بدين ولا يعترفون بنبينا – صلى الله عليه وسلم – ويسبونه وينالون من الإسلام على لسان رئيسهم – رأس الكفر – البابا بنيدكت السادس عشر! وهنا مكمن الخطر. فالمسألة عظيمة ، لقد بدأوا بالحوار مع الآخر والتعايش مع الآخر ثم الحوار مع أصحاب الأديان الأخرى ((وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)) (القلم: 9). يقول إمام المفسرين إبن جرير الطبري بعد أن ساق الأقوال في تفسير هذه الآية: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك: ود هؤلاء المشركون يا محمد لو تلين لهم في دينك بإجابتك إياهم إلى الركون إلى آلهتهم، فيلينون لك في عبادتك إلهك , كما قال جل ثناؤه ((وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ¤ إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا)) وإنما هو مأخوذ من الدُّهن شبه التليين في القول بتليين الدهن أ. هـ. فالدعوة للحوار واللين مع الكفار مع إخفاء الحق وتلبيس الحق بالباطل دعوة قديمة فضحها القرآن الكريم وردها محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم.
 
    لقد ابتلينا في هذا العصر بمن يستعظم مسألة تكفير الآخرين الذين يعبدون الطاغوت ويزعمون أن ذلك خلاف التعايش والإندماج! 
ومع ذلك لا ينبغي لنا أن نتازل عن ديننا كما فعل هؤولاء الذين قدموا الدنيا على الدين، فمحبتهم للدنيا جعلتهم يتقربون للكفار وينتقدون من يكفرهم. والواجب الثبات على الدين وعدم التنازل مهما كلف الأمر. ولا يعني ذلك أن ننابذهم العداء ونحن أشد ما نكون ضعفاً، بل يسعنا السكوت عن بعض الحق إلى وقت الحاجة كقوله تعالى: ((وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)) (الأنعام: من الآية 108) وأما ملاحقتهم واستجداءهم باسم الحوار أو التعايش أو المشترك الإنساني فهذا أمر خطره عظيم لأنه قد يجر إلى قول الباطل أو تغيير الحق وهذا لا يجوز بحال.
  
 ومن الملاحظ ولوج بعض طلاب العلم والدعاة في هذا المنزلق الخطر، وكان الأولى بهم الحذر من مثل هذه الدعوات التي هدفها إضعاف تمسك المسلمين بعقيدتهم وتوحيدهم بعد أن أفلس النصارى واليهود في الحفاظ على أديانهم المحرفة، فهذه كنائسهم شبه مهجورة، وقد أطلعت على كنائس ضخمة وعريقة في بريطانيا تكلف أكثر من ألفي جنيه استرليني يومياً لا يزورها إلا بضعة أشخاص يوم الأحد فقط! وها هم اليهود يفشلون في تركيع المسلمين في أرض بيت المقدس! كل ذلك دعاهم إلى محاولة إخراج المسلمين من دينهم ليكونوا وهم سواء ((وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً))(النساء: من الآية 89).
  
 ولسائل أن يسأل هل نحن في شك من ديننا وكتابنا؟ كيف نسعى لإرضاء اليهود والنصارى طمعاً في استجلاب رضاهم عنا والقرآن ينص نصاً صريح الدلالة على أن هذا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه فقال جل وعلا: ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ))(البقرة: 120).
  
 أسأل الله أن يثبتنا على دينه وأن يميتنا عليه وأن يدحر أعداء الدين وأن يرد كيدهم عليهم وأن يهدي ضال المسلمين ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))


[1] رواى مسلم ‏عن‏ ‏أنس ‏أن أعرابيا بال في المسجد فقام إليه بعضالقوم فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم: (‏‏دعوه ولا ‏تزرموه‏) ‏قال فلما فرغ دعا بدلو من ماء فصبه عليه.
[2] شجرة ذات تعليقات كان المشركون في الجاهلية يعلقون أسلحتهم عليها تبركاً بها.
[3] كتاب التوحيد – باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما.