أنت هنا

الحوثي.. رجل "التقية العسكرية"!!
7 شعبان 1429

لم يعد كثير من اليمنيين تأكيد زعيم المتمردين الشيعة في صعدة باليمن عبدالملك الحوثي من خلال رسالة قيل إن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح قد تلقاها منه هذا الأسبوع على التزامه بالنقاط العشر التي حددها الرئيس, والمرتبطة بوقف العمليات العسكرية في بعض مديريات محافظة صعدة, والتي طالب فيها بـ"وضع حد للرافضين أيا ًكانوا مدنيين أو عسكريين أو مشايخ من لا يريدون الاستقرار والسلام أن يحل في محافظة صعدة, متعهداً الالتزام بوقف إطلاق النار, وفتح الطرق وإزالة الألغام وتفجيرها أو تسليمها للدولة, وإنهاء التمترس والنزول من الجبال وإخلاء منازل المواطنين, وإنهاء المظاهر المسلحة والاستفزازية في مديريات المحافظة كافة, وتسليم الأسلحة المتوسطة والثقيلة إلى الدولة"، سوى أنه نوع من "التقية العسكرية" التي باتت تحكم سياسة ميليشيات الحوثيين اليمنية الموالية لطهران والتي تخوض حرباً ضروساً ضد الجيش اليمني منذ أربعة أعوام؛ فلقد سمع اليمنيون كثيراً عن رغبة حوثية في حقن الدماء من لدن حسين الحوثي ووالده بدر الدين الحوثي قبل أن يلقيا مصرعهما في التمرد الذي تسجر ناره إيران حيناً وتقلل من لظاه حيناً آخر.

الحوثي الذي تعهد بعودة المواطنين النازحين من جراء الفتنة إلى منازلهم وقراهم وعدم التعرض لهم, وخروج أتباعه الوافدين إلى مديريات محافظة صعدة وعودتهم إلى مناطقهم, وتسليم المختطفين من القوات المسلحة والأمن والمواطنين إلى السلطة المحلية, إضافة إلى إعادة المنهوبات إلى السلطة المحلية والى القوات المسلحة، لم يزل حريصاً على تمرده لم يبرح عن موقفه قيد أنملة إلا بمقدار ما تتيحه "التقية العسكرية" التي يعتنقها، والتي تمنحه قدرة عالية على التصريح بشيء ومناقضته بعد أيام حالما يضخ السلاح إلى حركته المتمردة مرة أخرى.

الحوثي الابن لبدر الدين وشقيق حسين، وقائد التمرد الحالي، يتبرأ من كون تياره قد فارق الزيدية إلى الإثنية عشرية، وهو في الوقت ذاته يجعل من إحدى خصوماته مع الدولة احتفاله بما يُسمى بعيد الغدير لدى هذه الفرقة الأخيرة، ورغبته في دفع "المظلومية" عن اليمنيين، ولعل في توضيح عبد الله الحوثي النجل الأكبر لحسين بدر الدين الحوثي لصحيفة الثورة اليمنية (13 يوليو الماضي) أن "هناك من سعى إلى تحويل أسرة الحوثي إلى أسرة سياسية. وقال إن الشعارات التي كان والده يرفعها مثل «الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل» تتفق مع شعارات مشابهة ترفع من قبل آخرين ينتمون للمذهب الإمامي الاثني عشري"، ما يؤكد على حقيقة تحول بعض أفراد الأسرة الحوثية إلى الإثني عشرية لاسيما بعد سفر المتمردين السابقين اللذين لقيا حتفهما، بدر الدين وولده حسين الحوثي إلى إيران قبل مدة من مقتلهما، بالإضافة إلى الأنباء المتواترة عن تلقي حركتهما المتمردة لدعم سخي من النظام الإيراني، كما تلك الأنباء التي تناولت مسؤولية الحوثيين عن  التفجير الإجرامي لجماع بن سلمان الذي  وقع  الربيع الفائت وقيل إنه  استهدف خطيبه القيادي العسكري السلفي.

عبد الملك الحوثي الذي يحاول النأي بحركته عن إيران بتصريحات زئبقية كمثل هذه التي نشرتها له صحيفة الأخبار اللبنانية القريبة من سوريا التي جاء فيها قوله: "من الملحوظ ابتعاد الساسة الإيرانيين عن أسس مهمة للثورة الإسلامية، والتي من أهمها مناصرة المستضعفين في العالم."، ودعوته الإيرانيين إلى نصرة اليمنيين الذين تقع عليهم "المظلومية" وقوله: "أدعو الإيرانيين، بدعوة الإسلام ودعوة المظلومين، إلى أن يكونوا حذرين من أي مناصرة لهذا النظام الظالم حتى لا يكونوا شركاء له في ظلمه، كما فعلت بعض الأنظمة العربية".

فالساسة الإيرانيون ـ بحسب الحوثي ـ لأنها لا تلتزم بـ"مبادئ الثورة الإسلامية" ولو التزمت؛ فإنها ستعادي نظام دولته علانية وتدعم المتمردين، الذين يطلق عليهم التسمية الإثني عشرية الشهيرة "المستضعفين" و"المظلومين" وهو التسميات عينها التي كان يطلقها إمام شيعة لبنان المختفي موسى الصدر المؤسس الحقيقي للحركة السياسية الشيعية المعاصرة والتي ورثها "حزب الله" الموالي لطهران، وعندما حاولت الدولة اليمنية منع "عيد الغدير" الشيعي قال الحوثي في لهجة لا تبتعد كثيراً عن نظائرها في طهران: "إن تهميش القضايا الكبيرة والتعاطي معها بعيداً عن الواقع وإقفال المجال أمام المستضعفين من أن يصل صوتهم وتنقل مظلوميتهم أصبح سمة من سمات وسائل الإعلام. من حقوقنا المكفولة لنا الحق في إقامة ممارسة شعائرنا ومناسباتنا الدينية التي يُطلق عليها عيد الغدير أو يوم الغدير وهي مناسبة هامة جداً تثقف الأمة بالرؤية الإسلامية في موضوع كبير ومهم هو موضوع الولاية في الإسلام وحادثة (غدير خم) هي معلومة ثابتة لا يشكك فيها إلا من يجهل التاريخ وهي تقدم رؤية تحتاج إليها الأمة لمواجهة ولاية الغرب على أبناء العالم الإسلامي"!!

وفيما ينظر إلى نظام بلاده على أنه غير شرعي، حين أجاب عن سؤال حول الشرعية بالقول: "إن كان المقصود بالشرعية، الشرعية الدينية، فلا شرعية دينية لأي ظالم، سواء باسم إمام أو رئيس أو ملك أو أمير."؛ فإنه يعتبر أن إيران قائمة على نظام إسلامي، ويلفت إلى تماهيه مع "حزب الله" وتعاطفه الكبير معه: " نحن ننظر إلى الإخوة المجاهدين في حزب الله بعين الإكبار والإجلال، ونكنّ لهم كل المودة والتقدير، ونعدّهم شرفاً للأمة الإسلامية وسادةً للمجاهدين في العالم، ونأسف للموقف السلبي من بعض الأنظمة العربية تجاههم".

"السيد الحوثي" كما يسميه المكتب الإعلامي لزعيم المتمردين، يروغ بأحاديثه السياسية الفكرية، كما يروغ تماماً بمواقفه السياسية ذات البعد العسكري؛ فقبل شهر واحد فقط من إعلان قبوله بالشروط التي وضعها الرئيس اليمني للحوثيين كان يقول عبد الملك: "نحن حتى الآن لم نبدأ الحرب الفعلية من جانبنا، وكما أكدنا من قبل، فإن الحرب لن تنحصر في محافظة صعدة، فهذا ما سنثبته ميدانياً _بفضل الله_ في الفترة المقبلة، بعد أن تكون السلطة قد غرقت وزجّت بثقلها العسكري في صعدة. كما أن من الوارد استخدام صواريخ الكاتيوشا في هذه الحرب وبالطريقة المؤثّرة التي تخدم إيقاف الحرب"، وكان يتوعد بغزو العاصمة حين قال لصحيفة الأخبار اللبنانية (4 يوليو الماضي): "يبقى التحرك العسكري بالقرب من العاصمة خياراً وارداً، كما أن ضرب أهداف داخل العاصمة صنعاء بصواريخ الكاتيوشا خيارٌ واردٌ أيضاً".

إنها كاتيوشا نصر الله الشهيرة، هل سيصحو اليمنيون يوماً ليروها تسقط فوق رؤوسهم إذا ما نجحت إيران في ذلك، وانتهى عبد الملك الحوثي إلى صيغة كلامية تسمح له بتقديم ورقة الموافقة على حقن الدماء بيده اليمنى وورقة أخرى لأتباعه تحث على سفكها في اليد اليسرى؟!