10 ذو القعدة 1429

السؤال

أختي متزوجة من زوج يعظّم حق الأم بشكل كبير حتى ذهبت حقوق أختي وهي صابرة ..فلديه تصور خاطئ عن البر فلايمكن أن يخفي عن امة سرا مهما صغر مما يثير غيرتها و هو الذي يلبي طلباتها ويسابق اخوته في ذلك كما أن أخوته يتدخلون كثيرا في حياتهم الخاصة مما جعل أختي تشعر بالتذمر و عدم السعادة و أن حقوقها ضائعة .
فماهي السبل لعلاج هذه المشكلة (فهم الزوج الخاطئ للحقوق الام) و ( احتقار الزوجة الطيبة وتهميش ارائها) وجزاكم الله خيرا

أجاب عنها:
تسنيم الريدي

الجواب

أخيتي الكريمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحيي فيكِ حرصكِ على معاونة أختكِ في حل مشكلاتها والله أسأل أن يجعلك وسيط خير بينها وبين زوجها وأن يجعل خطواتكِ في ميزان حسناتكِ.
لكن أخيتي لا أخفيكِ سراً أن تغيير أحد الزوجين لطباع الآخر بعد الزواج هو شيء صعب إلى حد كبير، ذلك تأتي أهمية السؤال عن الشاب الذي يتقدم لخطبة أي فتاة جيداً قبل عقد القرآن، ومن خلال ما قاله الناس تحدد الفتاة هل تستطيع التعايش مع هذا الرجل ( بعيوبه ومميزاته ) أم لا، لكن للأسف الكثير من الشباب والفتيات يعتقد أنه يستطيع تغيير الطرف الآخر بعد الزواج، فيصدم إذا فشل في ذلك، ومن ذلك تبدأ المشكلات.
لكن هناك بعض الحالات القليلة التي يمكن تغييرها، لكن لا يتم هذا بين ليلة وضحاها إنما يحتاج صبر وتحمل، مع تهيئة النفس إن لم يحدث تغيير أن يتم التأقلم على الوضع بما لا يعكر صفو الحياة لكلا الزوجين في حالة إن كانت المشكلات بسيطة ... أو أن يتم توسيط أحد من الأهل الموثوق بهم لحل الخلافات، وهذا ما لم تذكريه أنتي كمحاولة تدخل والديكِ.
وعموماً أخيتي قبل أن أعرض لكِ الخطوات التي سنتخذها سوياً يجب أن نتفق أن حقوق الأم معروفة في الإسلام، وقد عظمها رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال " أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك" .. لكن للتوفيق بينها وبين حقوق الزوجة يحتاج ذلك إلى زوج حكيم يستطيع الفصل بينهما خاصة مع وجود علاقات متداخلة بشكل كبير في بعض المجتمعات العربية التي تسكن فيها الزوجة في بيت العائلة، أو عندما تمكث الأم في نفس بيت الزوج ... لكن بأي حال من الأحوال فزوج أختكِ مطالب ببر والديه بما لا يضر هذا بأختكِ ذاتها، وبما لا يسمح بتدخل أحد في حياتهم الزوجية... لكن عليها أن تحتسب ذلك في ميزان حسناتها فرحم الله تلك المرأة العابدة التي كانت تحث زوجها على طاعة أمه فتقول له: "أقسمت عليك أن لا تكسب معيشتك إلا من حلال أقسمت عليك أن لا تدخل النار من أجلي، بر أُمك، صل رحمك، لا تقطعهم فيقطع الله بك".
وعلى أختكِ أن تكون حكيمة بأن تعرف نفسية والدة زوجها، فمن طبيعة المرأة التي هي دائمة الارتباط بغيرها، تحب أن تعيش في كنف الرجل وتحت رعايته، ومن ثم فهي ترتبط بابنها ارتباطاً قوياً، وتريد أن تمتلكه ويكون لها وحدها، ويعز عليها أن تحظى امرأة أخرى غيرها بعاطفة ابنها، فهي التي حملته في بطنها وسهرت الليالي الطويلة إلى جانبه ترعاه وتقوم على أمره، ونحن لا نستطيع أن نغفل هذه المشاعر التي يفيض بها قلب كل أم.
وهنا فعلى أختكِ أن تتفهم جيداً هذه المشاعر والأحاسيس، بل قد تتأكد من هذه الحقيقة بأن تنظر إلى مكانه ابنها الصغير في قلبها ومدى علاقتها به، وأن تتخيل يوماً أن فتاة صغيرة سوف تسلب قلبه ومشاعره!! وإن كانت ليس لديها أولاد فلتنظر إلى حنينها إلى ذلك الطفل الذي تنتظره ويملأ قلبها بحبه على الرغم من أنه لم يأت إلى الوجود بعد.
وفي المقابل لابد أن تدرك كل أم أن الأمومة لا تعني أبداً امتلاك الأبناء، بل هي العطاء الذي لا ينقطع أبداً وهي سبل سعادة الأبناء لا سبيل تعاسة وشقاء، فالابن عندما يتزوج قد دخل مرحلة جديدة من الحياة والتي لها ظروفها الخاصة، وأصبح من حقه أن يكون له بيت مستقل، وحياة زوجية خاصة، وهذه هي سنة الحياة.
وعلى الجانب الآخر تكون الزوجة أحد خيوط المشكلة حيث لا تريد أن يشاركها إنسان آخر في حب زوجها حتى ولو كانت أمه!! وتحرص أن يكون اهتمامه كله موجهاً إليها وحدها، وتفكيره كله لا ينشغل بشيء آخر إلا بها، فنجدها تثور إذا علمت أنه تأخر عن البيت لأنه كان في زيارة لأمه، أو إذا علمت أنه اشترى لأمه هدية قدمها إليها في مناسبة سعيدة، وهنا فعلى الزوجة أيضاً أن تدرك جيداً أن الزوج ليس امتلاكاً للزوجة، بل إن هذا المفهوم الخاطئ قد يسبب مع مرور الوقت تصدعات في الأسرة؛ حيث تسعى مثل هؤلاء الزوجات إلى معرفة كل دقائق حياة الزوج، وتفتش خلفه، وتعتبر نفسها المسئولة الوحيدة عن إدارة حياته بالشكل الذي تريده هي.
وهنا أخيتي تحدثي مع اختكِ عن دورها كبير في وقاية بيتها من عواقب مثل هذه الخلافات، حيث يجب أن تقي زوجها عقوق والديه وأن تقيه نار جهنم، وأن تكون عوناً له وطريقه إلى الجنة، وذلك إدراكاً منها أنها بذلك تضمن البركة والسعادة في بيتها وبين زوجها وأولادها، فيجب عليها أن تضع في بالها أن أم زوجها كأمها تماماً، تحافظ عليها وترعاها، فقد تخطئ أمها في حقها يوماً، وقد تعاملها بعشم كبير يوماً، فعليها أن تعي تلك الأمور جيداً حتى لا تقف على الأخطاء التي تصدر عن حماتها وتكون لها بالمرصاد، كذلك يجب أن تتفهم أنه على الزوجة العاقلة التي تحب التظليل على بيتها وتحمي أركانه من عواصف المشكلات الزوجية، والتي تود أن تظل البركة تحوم في أرجاء بيتها أن تضع حماتها بمثابة أمها خلال تعاملها معها، وأن تطرد عن مخيلتها تلك الصورة المشوشة التي زرعها المجتمع عنها، بل ويجب عليها إن أخطأت حماتها تجاهها يوماً فلتعاملها بمثل ما تعامل به والدتها، وألا تقص على زوجها كل ما يقع بينها وبين أمه وهي تتباكى وتذرف الدمع حتى تستميل قلبه إليها، وتكسب وده، ويصور له الشيطان أمه ظالمة مستبدة فيزحف الجفاء إلى نفسه ويسير في طريق العقوق، فإن رأت المرأه قصوراً في معاملة زوجها لأمه فلتكن مرشد خير فتحثه على طاعتها، وأن تلح عليه في زيارتها والتودد إليها.
كما أن الزوجة الواعية لا تتدخل فيما يقدمه زوجها لأمه وما يهبه لها، ولا تحزن لأنه يسارع دون باقي أخوته في تلبية طلباتها، بل تساعده على أن يكثر لها العطاء وتحاول هي أن تهديها هدايا قيمة وجميلة بين حين وآخر، فإذا ذهبت لزيارة حماتها تحرص كل الحرص على أن تأخذ معها طبقاً شهياً، فالزوجة الذكية هي التي تستطيع أن تأسر قلب حماتها بحسن معاملتها وظرف أخلاقها.
وأخيراً أخيتي فإن تحسين العلاقة بين الحماة وزوجة الابن ليس بالأمر العسير، لكنه يحتاج إلى نية صادقة وعزيمة قوية، وعون من الله سبحانه وتعالى على مكائد الشيطان وهوى النفس، وهذه بعض الأمور التي تساعد أخيتكِ على أن تكسب عاطفة وود حماتها:
** الكلمة الطيبة والوجه البشوش والمعاملة الحسنة لها أثر فعال في القلوب يترك بصمات قوية، فهي تفتح مغاليق القلوب، وتذيب العداوة والبغضاء، لا أظن أن العلاقة بين الحماة والزوجة قد تصل للعداوة، إنما يشوبها بعض سوء التفاهم والغيرة.
** لا تضعي زوجكِ أبداً في موقف الاختيار بينكِ وبين أمه، فهذه المواقف تدمر الأسرة، وأي اختيار بينكما سيزيد الأمور اشتعالاً وسيوغر الصدور، بل واعلمي جيداً إذا وضعته أنت في هذا الموقف وأختار أمه – على خطأ منكِ – فلن يلومه أحد لأنكِ لن تنفعيه يوم القيامة عندما يحاسب على غضب أم دون ذنب أرتكبته، وبأي حال من الأحوال لا مجال للمقارنة بين الأم والزوجة، فلكل منهما حقوقها وواجباتها.
** من الأمور التي تترك أثر السحر في قلب أم الزوج الهدايا البسيطة والزيارات المتكررة بين الحين والآخر، والمكالمات الهاتفية للاطمئنان على أحوالها من طرف زوجة الابن، فهذه الأمور تجعل الحماة تشعر بأن زوجة الابن قد وضعتها في منزلة أمها، فتعاملها بالمثل كأنها ابنتها تماماً.
** طلب النصيحة في أمور البيت وشئون الزوج والأطفال – بما لا يخل بأسرار البيت- من أم الزوج؛ تضفي جواً من الصفاء في العلاقة بينهما، حيث طلب الاستشارة منها يشعرها بأنها ليست كماً مهملاً من قبل بيت ابنها عندما تزوج، بل إن ذلك يشعرها بأنها فعلاًً بمثابة الأم التي تحتاج الزوجة إلى نصائحها، بل ولا مانع من اصطناع طلب النصيحة في بعض الأمور العادية لكن بشكل غير ملفت أو ساذج.
** من الأمور الهامة عند تسمية الأبناء البعد تماماً عن أسماء أمهات أو آباء الزوجين لأن ذلك كفيل بوضع بعض الشوائب في العلاقة بين الحماة وزوجه الابن أو زوج الابنه، لأنها تشعر الطرف الذي لم يختر اسمه للمولود الجديد أنه ليس بذي أهميه لدى الابن أو الابنه.
كذلك أخيتي هناك جانب من المشكلة يتعلق بزوج أختكِ، فبجانب مع قلته عليها أن تتحدث معه برفق عما يحزنها ويضايقها، فهو أن رآها تحسن معاملتهم وتتفنن في إرضاؤه سيعاود التفكير بإذن الله في المرات التالية، في أن لا يسمح بتجاوز الحدود وحفظ الأسرار الخاصة بينه وبينها، وسيترك لها مساحة من الحرية لأخذ قراراتهم الأسرية بعيداً عن أمه، وعليها أن تتسم باللطف والدلال لتحصل على ما تريد، لكن لتكن أختكِ حكيمة كما قلت لك سابقاً لتعرف أن التغير سيأخذ وقتاً طويلاً لتصبر وتحتسب...
وأخيراً إن ظل الوضع على ما هو عليه ، فقد تختار أحد أقاربها الرجال ممن تتوسم فيهم الحكمة والعقلانية كأبيها أو عمها أو خالها أو غير ذلك ولتقنع زوجها بتدخله على أن ينفذها ما سيتفقان عليه معاً للوصول إلى حل يرضيها ويرضي زوجها.
تسنيم الريدي