رمضان في العراق
14 رمضان 1429
سارة علي
سال الإمام الشافعي رحمه الله يوما احد تلاميذه هل زرت بغداد ( العراق) فأجابه تلميذه قائلا: لا, فقال له : وكأنك لم ترى الدنيا قط
نعم بغداد هي الدنيا وقيل قديما إذا كنت تريد أن تقضي رمضان بإيمان وعبادة وأحلى الأوقات فاذهب إلى بغداد.
رمضان في بغداد في سنوات خلت كان يعج بالحيوية والإيمان والطاعة وأنت تتنقل بين مساجد بغداد تسمع أصوات المصلين تصدح بتكبيرات صلوات التراويح والمساجد الممتلئة بروادها والدروس والمسابقات الدينية وتوزيع الجوائز الرمضانية , وهناك أفواج من أطفال الحي يتجمعون حاملين الدفوف ويمرون في أزقة بغداد يغننون :ماجينة ياماجينة حل الكيس وأعطيني وبيت مكة ودينا .
رمضان في العراق بعد الاحتلال الأمريكي له
ولكن من خمس سنوات ما أن جثم الاحتلال الأمريكي على العراق حتى تغيرت معالم رمضان في تلك المدينة الغناء , فاليوم تتنقل بين شوارع بغداد تجد الإفطار العلني بالشوارع وعدم احترام لشعائر هذا الشهر الفضيل وكثير من المساجد بين مغلق أو تم اغتصابه من قبل مليشيات جيش المهدي وتم تحويله إلى حسينيات أم تم حرق المسجد وهجر أهل الحي بين داخل العراق وخارجه , أما إذا نجت بعض تلك المساجد من ذلك المد الغوغائي فتجد إن المصلين يخافون الذهاب لها خوفا من الاعتقال بتهمة الإرهاب.
أرامل وأيتام العراق وحسرة العوز في شهر رمضان
في عراق اليوم خمسة ملايين يتيم وتسعمائة إلف أرملة على حسب أخر إحصائية لمفوضية الأمم المتحدة, هؤلاء الكثير منهم لا يجدون  لقمة العيش أو ابسط شئ ممكن أن يفطروا عليه ويسد رمق الجوع والعطش , ومع ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير يفوق السنوات السابقة لا يجد العراقي اليوم في بيته ماءا باردا لكي يتمكن من الإفطار عليه أو التسحر عليه أما لانقطاع الماء أو انقطاع الكهرباء الدائم الذي يأتي فقط ساعة نهارا وأخرى ليلا ومن كان وضعه المادي جيدا يلتحق بالمولدات الخاصة التي يشتريها بعض المستثمرين في العراق ويقوموا ببيع الكهرباء للمواطن العراقي لساعات معدودة في اليوم مقابل 100 – 150 دولار شهريا أما إذا كان الشخص يملك مولدة خاصة به فيجب عليه أن يوفر يوميا مقدار عشر لترات بنزين وهذا أيضا كلفته المادية ليست قليلة في بلد يملك ثاني اكبر مخزون نفطي في العالم بعد المملكة العربية السعودية , ومع ارتفاع درجات الحرارة وعدم توفر الكهرباء يحاول أن يلجا الشخص إلى تبريد نفسه من خلال الاغتسال فيجد الماء مقطوع , وليت الأمر وقف عند هذا الحد فالجدران الكونكريتية التي تحيط بكل حي سكني ولا تضع القوات الأمريكية المحتلة إلا مدخلا واحد لكل حي يكون خروج الأشخاص والمركبات منه وأمام كل مدخل هناك قوة مسلحة تفتيشية تفتش الداخل والخارج من والى الحي وأحيانا يقف الشخص وهو بداخل سيارته من ساعة إلى ساعتين بانتظار الدخول إلي حيه السكني لكي يصل إلى بيته قبيل وقت الإفطار , وقد اعتاد المواطن العراقي بعد كل ذلك العناء عندما يصل إلى وقت الإفطار أن يفطر على أضواء الشموع بسبب انقطاع الكهرباء في وقت الإفطار أو وقت السحور .
الزيارات العائلية قليلة أو معدومة في هذا الشهر الفضيل
الزيارات العائلية للمباركة بهذا الشهر الفضيل صعبة للغاية  لصعوبة التنقل بين مناطق بغداد وما يستغرق ربع ساعة للوصول إلى بيت الأقارب والعائلة قد لا تصله إلا بساعة ونصف أو أكثر وبعد الإفطار لا يمكنك الرجوع إذ بوقت قصير بعد الفطور يبدأ حظر التجوال في شوارع بغداد ولذا تضطر للبقاء عند الأقارب لحد الصبح وبعدها تذهب إلى بيتك .
وأمام وجود ما يقارب 100 ألف معتقل بين السجون الأمريكية في العراق وبين سجون الداخلية تجد إن الكثير من العوائل العراقية وخاصة عوائل أهل السنة يختلط دمعها وألمها مع  الماء الذي تفطر عليه وقت الإفطار لفقدانها الابن أو الأب أو الزوج أو الأب أما لكونه شهيد أو معتقل أو مفقود أو هاجر خارج العراق ولذا تجد وقت الإفطار ترتفع الدعوات به لرب العباد أن يفرج هذه المحنة عن المعتقلين وان يفك أسرهم وان يعودوا إلى عوائلهم وذويهم وأهلهم, ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فكثير من العراقيين وهم على مائدة الإفطار يفاجأ بالقنابل الصوتية وغيرها التي تفجر باب داره ويتعرض لإنزال أمريكي يصار بعده إلى اعتقال الرجال الموجودين في الدار سواء صاحب الدار وحتى الضيوف الموجودين عنده وقت الإفطار .
رغم كل شئ تبقى مساجد العراق عامرة بروادها ومصليها في هذا الشهر الفضيل
ولكن رغم كل ذلك الألم والمرارة التي تعصف بأرض السواد تجد الحمد لله الكثير من أبناء العراق حريصين على طاعة الله والتمسك بشعائر هذا الشهر الفضيل من الصيام والقيام أن لم يكن في المسجد فيكون في البيت وكذلك الحرص على الذهاب إلى أداء صلاة التراويح في المسجد مهما كانت الخطورة ولم يقتصر الأمر على الرجال فقط فهناك النساء والأطفال والشباب .
السيدة (حذامة احمد) من أهالي حي السيدية جنوب بغداد أخبرتنا قائلة إن مصلى النساء في مسجد حيهم والحمد لله مكتظ بالأخوات المصليات اللائي يحرصن على أداء صلاة العشاء والتراويح في المسجد رغم خطورة الوضع الأمني وما قد يحصل من أمور خطيرة ولكن الحمد لله أحيانا ندخل مصلى النساء ولا نجد فيه مكانا للصلاة من كثرة المتواجدات فيه.
هذا الأمر أيضا اخبرنا به السيد (لطفي كامل) من أهالي من منطقة السيدية جنوب بغداد ,حيث أكد إن الفضل لله بوجود نوع بسيط من التحسن الأمني يتيح لهم الذهاب للمساجد لأداء صلاة التراويح رغم كل المخاطر التي تحيق بالمساجد وروادها ولذا تجد إن أئمة المساجد يعكفون على قراءة قصار السور من القران الكريم لتفادي أي خطر محتمل ممكن أن يتعرض له المصلين من خطف أو اغتيال أو اعتقال .
 
جهود الخيرين والجمعيات الخيرية في شهر رمضان المبارك
إذ  يبادر الكثير من أهل الخير في العراق بشكل فردي أو بالتعاون مع بعض الجمعيات الخاصة إلى تقديم المساعدات المادية أو الغذائية أو كلاهما معا إلى العوائل المتعففة والأرامل والأيتام وعوائل المفقودين والشهداء والمعتقلين , ومن تلك الجمعيات والمؤسسات التي تعمل بهمة ونشاط : جمعية الأبرار , هيئة الأنصار الخيرية لرعاية الأرامل والأيتام و رابطة الأم العراقية ,الرابطة الإسلامية لنساء العراق ومنتدى الأخت المسلمة وهيئة الإغاثة الإسلامية وهيئة الإغاثة الإنسانية وغيرها كثير من تلك الجمعيات والمؤسسات الخيرية , وهذه الجمعيات تحصل على دعمها من صدقات وزكوات أهل الخير في العراق وبعضها وبشكل محدود من خارج العراق وبنطاق ضيق كالمساعدات التي تقدمها هيئة إلى مكتوم لبعض تلك الجمعيات والمؤسسات ويقدم اغلب الدعم من قبل تلك المؤسسات على وجبات غذائية تسمى  سلة رمضان وهذه السلة تتراوح قيمة المواد المقدمة فيها من 30- 40 دولار وتتضمن المواد الأساسية الغذائية التي تحتاجها العائلة العراقية وهذه السلة وان كانت لا تكفي إلا فترة قليلة إلا إنها تخفف بعض الشئ من كاهل العائلة العراقية المنكوبة إضافة إلى إشعار تلك الأسر والأيتام أن هناك من يشاركهم آلامهم ومناسباتهم ويشعر بهم ويحاول أيضا تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي الذي هو غاية أساسية من غايات هذا الشهر الفضيل وهو الشعور بمعاناة الأسر المتعففة والأيتام والأرامل والمحتاجين .
ورغم كل ما يحدث في عراق اليوم تبقى اكف المسلمين في العراق وخارجه من بلاد الإسلام أن تنزاح هذه الغمة عن أهل العراق وان ينعم الله عز وجل على أهله وسائر بلاد الإسلام بالأمن والأمان وطاعة الرحمن والتزام الإيمان به طريقا ومنهجا لا يحيدون عنه بإذن الباري جل علاه .