صراع الاستراتيجيات فى العراق
29 رمضان 1429
طلعت رميح
يحلو للبعض فى هذه الايام , عند الحديث أو الكتابة عن العراق , أيا كان الموضوع , أن يبدأ بالانطلاق من مقولة " التحسن الامنى " الحادث فى العراق , ثم البناء على ذلك فى اتجاهات تتعلق بأوضاع قوات الاحتلال , وتثبيت الحكم الراهن الذى شكله الاحتلال , إلى الاتفاقات الأمنية بين هذا الحكم وقوات الاحتلال , إلى عودة بعض القراء العرب , إلى كل شيء تقريبا.
وبغض النظر عن عدم صحة مثل هذا الزعم - الذى تكذبه وقائع الأحداث الجارية فى العراق - فإن هذا الكلام , إنما يعنى الانطلاق من القضية الخطأ مع سبق الإصرار والترصد للوصول إلى نتائج خطأ مع سبق الإصرار والترصد أيضا , إذ مثل هؤلاء كمن يضع تصورا لأساسات بناء منزل على الورق , ثم يحاول القيام ببناء الأدوار العليا عليها و باستخدام مواد البناء !
 فالأصل أن قضية العراق هى قضية احتلال ومقاومة , وليست قضية أوضاع أمنية مستقرة أو منفلته , و الأصل أن ثمة احتلالا أمريكيا وبريطانيا للعراق , لا مشكله انفلات أمنى تواجه حكما فى دولة تعيش حياتها المعتادة , فتتعرض لمشكلات يوما وتصحح أوضاعها يوما آخر. ولذلك , فإذا أراد أحد الانطلاق من قاعده صحيحه لمعالجة فهم الأوضاع فى العراق والعدوان الدموى الجارى وتبعاته التي تجري , فما عملية الانطلاق إلا من أصل القضية.. لا عن عرض من أعراض الاحتلال , و حيث إن من ينطلق من التحسن الأمنى – الذي هو ناتج عن آثار الاحتلال وجرائمه - وكذا لأن قضية التحسن الأمنى هى قضية لا علاقة لها بنشاط ودور المقاومة ,إلا من زاوية أنها  الأحرص على أمن الانسان العراقى والمدافعة عنه , باعتبار أن نشاطها لا يمثل انفلاتا أمنيا , بل سعيا إلى تحقيق الاستقرار الوطنى.
وفى الانطلاق من قضية الاحتلال والمقاومة أو فى الانطلاق من أصل القضية , لتحديد الأوضاع الجارية فى العراق بالدقة , فإن الصحيح هو أن الصحيح بعد ذلك , أن تجرى مقاربة و مقارنة بين أوضاع القوتين المتصارعتين فى العراق.. أي الاحتلال والمقاومة.. منذ بداية الصراع وحتى الآن لنرى : أين وصل كل منهما , وعلى صعيد أهدافه و استراتيجياته , التي يأتي ما نرى ونشاهد على أرض العراق انعكاسا لها أو لحالة الصراع بينهما.
البيئه الاستراتيجية للصراع
وفى إعادة الصراع إلى أصله , وبالعودة إلى أصل قضية الصراع التى إن حسمت , فلا حديث عن فوضى.. ولا عن تحسن .. بل عن بناء ونهضه واستقرار.. وفى البعد عن لعبة التعتيم والتعمية على أصل الصراع بالحديث عن التحسن الأمنى , فإن البداية هى من تحديد ظروف الصراع الأولى ثم مقارنتها بالأوضاع الراهنة , لنفهم اتجاه النصر والهزيمة ( إلى أين وصل الصراع الجارى حول العراق ) بين المحتليين والمقاوميين , لا بين الميليشيات التى شكلها الاحتلال وبعضها البعض التى هى مما يثير الأحداث الأمنيه و تلعب ألاعيبها.
لقد اتسمت الحملة العدوانية الأمريكية على العراق فى عام 200، بعدة ملامح استراتيجية،أهمها،أنها جاءت كتطوير استراتيجى لحربين سابقتين، وبناءً على ما حققت من نتائج وتبدلات فى الدولة والمجتمع العراقى وفى الوضع العربى والإقليمى والدولى. لقد جرى إنفاذ استراتيجية غزو العراق واحتلاله فى عام 2003، بالبناء على ما حققته استراتيجية العدوان على العراق فى مطلع التسعينات، من تدمير للمقدرات الأساسية للجيش والمجتمع العراق وعزله سياسيا واقتصاديا على المستويين العربى والإقليمى والدولى، كما جاءت تطويرا لعمليات الخنق والحصار والتدمير لبنية مؤسسات وقدرات الدولة العراقية من خلال حرب الحصار التى تواصلت منذ عدوان التسعينات وحتى بداية العمليات العسكرية فى عملية الغزو والاحتلال المباشر،وكذا جاءت تلك العملية كمحاولة لحصد ناتج انفراد الولايات المتحدة بالسيطرة على الوضع الدولى، ولتأكيد هذا الانفراد وتثبيته فى مواجهة القوى والأقطاب الدولية الصاعدة.
لكن عملية الغزو والاحتلال فى عام 2003، اختلفت عن سابقاتها بعدم تحصنها بغطاء سياسى من مؤسسة الأمم المتحدة أو من تحالف دولى حقيقي أو من غطاء من دول عربية، كما كان الحال فى الحربين السابقتين - خاصة الأولى - إذا جرت الحملة الحملة العدوانية الأخيرة لاحتلال العراق وسط معارضة من دول كبرى بعضها حليف للولايات المتحدة (فرنسا وألمانيا) إضافة إلى روسيا والصين. وكذا هى جرت وسط رفض من الرأي العام العربى والإسلامى والدولى، بما أثر على شعبيتها وتمتعها بأي درجة من المصداقية.
تلك الملامح العامة شكلت البيئة الاستراتيجية التى جرى خلالها الصراع فى البداية، إذ انعكس مجيء تلك الحرب تطويراً وبناءً على نتائج حربين سابقتين، فى تسهيل إنفاذ الاسترتيجية العدوانية عسكريا خلال هذة الحرب الثالثة وفى سرعة الوصول إلى بغداد دون حرب فعلية،أو وفق حرب غير متكافئة على أي مستوى، كما هو ما سهل وسرع عملية انهيار مؤسسات الدولة العراقية وعمليات تقسيم المجتمع وإيجاد موالين أو صامتين على الاحتلال فى تلك المرحلة.
لكن عامل افتقاد المشروعية القانونونية –فى ضوء القواعد والقوانين الدولية الراهنة على علاتها – ومعارضة دول كبرى للحرب , شكل عاملا مضادا فى التاثير مع العامل الأول، فى داخل العراق وعلى الصعيدين العربى والدولى، بما شكل غطاءً سياسياً ومعنوياً للمقاومة العراقية،خاصة وأن النظام والجيش والدولة العراقية لم تستسلم نتيجة للحرب , بما جعل " حرب المقاومة ".. امتداداً من الناحية " القانونية " لحرب غزو العراق واحتلاله.
وكذا كان تواصل الحرب على العراق (عسكريا واقتصاديا وسياسيا وديبلوماسيا منذ التسعينات وحتى 2003)، وهو ما شكل قاعدة لجاهزيته فى رفض الاحتلال واندلاع المقاومة،التى بدات نشاطها ودورها على نحو كثيف وفاعل لتواجه تحديات ما جرى خلال الحروب الثلاثة،فى العراق وعلى صعد الوضع العربى والإقليمى والدولى.
الاستراتيجية الأمريكية.. وتبدلاتها
حددت الاسترتيجية الأمريكية هدفها قبل بداية العدوان , فى إسقاط نظام الحكم فى العراق، واحتلال أرض هذا البلد والسيطرة على ثرواته وإخراجه من معادلة الصراع والتوازن الاستراتيجى مع الكيان الصهيونى وتحويله الى نقطة انطلاق أساسية (سياسية واقتصادية وثقافية وإعلامية وعسكرية ) لمشروع الشرق الأوسط الجديد. و فى بداية الحرب اعتمدت الولايات المتحدة خطة للعمليات الحربية،تحت عنوان الصدمة والترويع وخطة للعمل الإعلامى والسياسى تقوم على ممارسة الخداع والتضليل ، فاستهدفت من الأولى تحقيق نصر حاسم مسبق قبل بدء العمليات البرية الواسعة من خلال القصف المركز وغير المسبوق،كما استهدفت من الثانية تحقيق حالة الاستسلام السياسى والمعنوى للشعب العراقى وشل قدرته على المقاومة من بعد.
لكن الأمور تبدلت من بعد، إذ شكل اندلاع المقاومة العراقية على هذه الدرجة من السرعة والقدرة مفاجاة استراتيجية للمخطط الاستراتيجى الأمريكي , الذى كان يتصور أن شعباً حوصر لهذه السنوات وخاض حربا قبلها مع ايران والذى دمرت القوات الامريكية قدرات جيشه ودولته لأكثر من 10 سنوات متواصلة..الخ، وخضع لحملة دعاية غير مسبوقة فى سيطرتها وتأثيرها، لا يمكن له أن يقاوم على هذا النحو.
وفى مواجهة ذلك التطور المفاجئ تغيرت الاستراتيجية الأمريكية على نحو محقق بعد مراحل من تغيير التكتيكات وإجراء التبديلات داخل مربعات استراتيجيتها السابقة، تحت ضغط المقاومة المسلحة –خاصة بعد معركة الفلوجة - وبفعل تصاعد ضغط الرأي العام العراقي والعربي والدولي , وبالنظر إلى تصاعد درجة حدة الرفض فى داخل الولايات المتحدة , إذ استعاد الأمريكيون مشاهد حرب فيتنام وأهوالها،من خلال مفاعيل المقاومة العراقية ضد الجنود الامريكيين.
وتمثل التغيير فى الاستراتيجية الأمريكية-الذى جرى عقب صدور تقرير بيكر – هاملتون، فى التراجع عن تطوير الهجوم من العراق باتجاه دول المحيط، بل هو تبدل إلى السعى إلى ادخال دول الجوار ضمن منظومة إدارة الاحتلال، خاصة إيران، مع الدفع باتجاه الفتنة بين دول الجوار فى ذات الوقت. كما اعتمدت الاستراتيجية الأمريكية مفهوم الفتنة الشاملة فى العراق،حتى  يصل المجتمع العراقى إلى حالة افتقاد القدرة والإرادة على مقاومة الاحتلال. لقد جرت مؤتمرات وحوارات مع دول جوار العراق،كما صارت الأوضاع إلى تعاون أوثق مع إيران وامتداتها داخل العراق (جرى إدخال التيار الصدرى للعملية السياسية ضمن هذا الإطار) كما حفزت ورعت تشكيل الميليشيات الطائفية المسلحة –ومن بعد دمجت كثير منها جيش وأجهزة أمن دولة الاحتلال- وكذا كانت وراء نشاة ظاهرة الصحوات ضمن إطار لعبة الفتنة ولوضع احتياطى استراتيجى مساند للجيش الأمريكى،الذي جرت زيادة عددية له فى ذات الوقت،لتحقيق السيطرة والانتقال إلى "مرحلة تأمين واستقرار الاحتلال وتطويره، وهو ما لم يتحقق ولن يتحقق حتى من خلال الاتفاق الأمنى.. حيث القادة العسكريون الأمريكيون أنفسهم يتحدثون عن وضع هش.. لكن الأمر يفهم أوضح من رؤية استراتيجية المقاومة العراقية.
استراتيجية المقاومة.. وبدايتها
وإذا كانت تلك هى الاستراتيجية الأمريكية وتبدلاتها فى الصراع , فانها لا تصارع نفسها بل هى فى مواجهة مع مقاومة لها استراتيجيتها هى الأخرى. وفى الانتقال إلى تلك الضفة الأخرى , نجد أن المقاومة العراقية بدأت دورها ونشاطها وسط زخم هائل من التأييد والمشروعية،كما هى تمكنت وعلى نحو غير متوقع من تحقيق عوامل القوة والتوسع فى نشاطها.كان التحدى الأول هو اندلاعها فى حد ذاته وصمودها واستمرارها من بعد،خاصة وهى تواجه أقوى جيوش الأرض تكنولوجيا وأعلاها كفاءة فى التخطيط، والمستندة إلى مقدرت دولة عظمى تكنولوجيا واقتصاديا وسياسيا وعلى صعيد الخبرات فى مواجهة الثورات ومختلف أشكال المقاومة المسلحة .
وفى ذلك يمكن القول بأنه كان من الصعب في فترة البداية , أن تكون هناك استراتيجية واضحة متبلورة للمقاومة بالمعنى المحدد للدراسات والخطط الاستراتيجية،ولذا يبدو الممكن هو القول بأن المقاومة فى تلك المرحلة اعتمدت هدفا عاما-اكثر من كونها امتلك استراتيجية محددة- تمثل فى مواجهة الاحتلال وإنجاز التحرير،أو يمكن القول بأن نشاط المقاومة فى المرحلة الأولى كان يجرى وفق أهداف عامة يمكن استشراف ملامح استراتيجية منها وأهمها , ظهور المقاومة والإبلاغ عن المقاومة و نقل المعركة السياسية إلى أرض الخصم فى الولايات المتحدة وبريطانيا و منع الاحتلال من تثبيت سيطرته والسلطة العراقية التى شكلتها و منع وصول قوات دول أخرى، وإجبار قوات الاحتلال من الدول التى تحالفت مع العدوان ووفرت غطاء سياسيا دوليا لها.إضافة إلى تطويرها أوضاع الشعب العراقى نحو المقاومة الشاملة. وهنا وفى تلك المرحله تحدثت القيادات الأمريكيه السياسية والعسكريه عن حدوث الهزيمه فى العراق, هو ما تحدث عنه بوضوح هنرى كيسنجر كما أشرنا فى مقال سابق على ذات الموقع تحت عنوان مغزى نصيحة كيسنجر.

لكن الأوضاع من بعد دخلت مرحلة استراتيجية جديدة وفقا للتطورات فى استراتيجية الاحتلال الجديدة. 

 لقد مثلت أحداث سامراء ذروة التخطيط الامريكى لإشعال الفتنة بين أهل العراق وجر المقاومة الى صراع داخلى وإنهاك المجتمع العراقى..الخ،إذ سبقها التاسيس لقوى ادارة الفتنة وتفعيلها ممثلة فى الميليشيات التى جرى دعمها بالمال والسلاح،سواء كان ذلك فعلا مباشرا صريحا من قبل قوات الاحتلال، أو من خلال غض النظر على مستوى أعلى عن الدور الإيرانى،والسماح له أو من خلال التوافق معه حول دور محدد واتجاهات معينة للجماعات المرتبطة بإيران.

وواقع الحال أن المقاومة قد نجحت فى ضبط توجهاتها وعدم الانجرار إلى المواجهات الطائفية،كما يمكن القول بأنها تمكنت من النجاح فى تلك المرحلة فى بلورة وظهور  قوة سياسية أو دينية مدافعة عن حقها وتطرح رؤاها وتحدد توجهاتها بظهور هيئة علماء المسلمين التى لعبت دورا كبيرا فى وأد الفتنة، إذ هى تمكنت من ضبط وتوجيه الشارع العراقى عامة والسني خاصة،رغم ما قامت به الميليشيات الطائفية من جرائم قتل وترويع وتهجير،استهدفت الكيان السكانى والعقائدى المساند والحاضن للمقاومة.
و كان ثانى التحديات المستجدة التى واجهتها المقاومة خلال المرحلة الاستراتيجية الثانية، هو تحول نشاط القاعدة على نحو أوضح إلى أداة صراع مع الميليشيات الطائفية الأخرى , بما زكى إشعال الفتنة، وكذا تحول نشاط القاعدة إلى نمط من فرض الوصاية على جماعات المقاومة الأخرى ومحاولة تطويع إرادتها لمصلحة ورؤية واستراتيجية القاعدة،إضافة الى صب نشاطها فى اطار تقسيم العراق،وهو ما تلخص كله فى شعار دولة العراق الإسلامية.
وفى مواجهة هذا التحدى نجح سعى المقاومة الى عدم تحويل الصراع مع القاعدة إلى هدف رئيس،كما  المقاومة نجحت فى منع وصول الصراع مع القاعدة الى حالة مسلحة شاملة ،بممارسة جهود فائقة على مستويات الحوار والفكر والضغوط المتعددة.
وكان ثالث التحديات المستجدة،هو ظهور الصحوات فى المناطق السنية تحت شعار مواجهة القاعدة وجرائمها.وقد ادركت المقاومة فى اتجاهها العريض الاهداف الحقيقية للصحوات باعتبارها موجهة ضد المقاومة،باعتبارها تشكيل عسكرى استهدف منه الاحتلال التاسيس لمشروع الحرب الأهلية , سياسيا وعسكريا...الخ. وإذا تابعنا ما يجرى الآن فى قضية الصحوات , أدركنا كم نجحت المقاومة , إذ يتصارع المتعاونون مع الاحتلال مع بعضهم البعض , كما أن قسما من الصحوات كان قد ضلل وبدأ يطلب العودة للعمل فى صفوف المقامة مجددا.
المقاومة نجحت فى عدم الدخول فى  صراع مسلح شامل مع تلك الصحوات , وفى تركيزها  على الأبعاد الإعلامية والسياسية والنشاط العام فى فضح أهدافها وتقليص دورها المضاد للمقاومة.
 
وكان رابع التحديات التى واجهتها المقاومة , هو تحدي العملية السياسية التى شكلها الاحتلال والتي لم تعد فى حاجة إلى أي حديث ،بعد انكشافها وتبعثرها وتخبطها، وتحولها إلى ما يشبه حروب المافيات.
الوضع الراهن
هنا يصبح السؤال الطبيعى والضرورى , هو إلى أين وصل صراع الاستراتيجيات فى العراق , لا ماذا جرى فى الأحداث الأمنية المتعلقة بجوانب هى ناتجة عن أفعال الاحتلال المقصودة عبر القوى المتعاونة معه.
وفى فهم الاوضاع العامة للصراع حول العراق , فان من يقارن الاوضاع , وفق القضية الاصل , يدرك جيدا أن الاسترتيجية الأمريكية لم تنجح , وإنما هى أوجدت تحديات إضافية أمام المقاومة التى نجحت فى التعامل معها , وأن الأمور تسير إلى صالح المقاومة بشكل جدى متصاعد.
لقد ظلت المقاومة ثابته على مواقفها , و هى طورت قدرتها الذاتيه والموضوعية فى الوقت الذى انهارت فيه العملية السياسية وتقلصت مخاطر التحديات التي أوجدها التحول فى الاستراتيجية الامريكية , وانتهى تأثيرها , بما أعاد القضية إلى الأصل , أي إلى قضية الاحتلال والمقاومة. المقاومة هى من يقوى.. وقدرات الاحتلال وإرادة الاحتلال هى من ضعف ويضعف , والتطورات الجارية على أرض الولايات المتحدة , فى الانتخابات الرئاسية , ليست إلا صراع حول القبول بالهزيمة الأمريكية وفق تخريجات سياسية وإعلامية , أو عدم القبول بها , وهو ما جاءت الأزمة المالية والاقتصادية فى الولايات المتحدة , لتلعب الدور الحاسم فيه لمصلحة المقاومة التي أنهكت الميزانية الأمريكية , وكانت ذات دور فاعل فى إيصال الاقتصاد الأمريكي إلى حد الأزمة. وهنا يبدو مهماً لفت الأنظار إلى مغزى التصريحات الأخيرة لوزير الدفاع الأمريكى أمام الكونجرس الأمريكى من زاويتين. الأولى أنه أقر بأن الولايات المتحدة ليس لديها جنود لإرسالهم إلى أفغانستان إلا فى مطلع العام القادم , الذى هو ذات الموعد الذى حدده الرئيس الأمريكى الحالى لسحب بعض القوات فى العراق , وهو ما يعنى أن الولايات المتحدة إذا وصل أوباما إلى رئاستها , ستتحول على نحو أكبرنحو سحب أعداد أكبر من قواتها من العراق , لتغطية العجز فى أفغانستان التى يترنح فيها جنود الأطلسى وحكومة كرازاى تحت ضربات حركة المقاومة الأفغانية , خاصة  وأن كل التقديرات تؤكد على تصاعد قوة حركة المقاومة هناك على نحو أكبر من الحادث الآن.
أما النقطة الجوهرية الثانية فى تصريحات وزير الدفاع الأمريكى والتي تأتي امتدادا لتصريحات قادة عسكريين ميدانيين من قوات الاحتلال الأمريكية فى العراق , فهي قوله إن نحو 80% من العنف قد تراجع فى العراق , وهي تصريحات تمهيدية لسحب القوات الأمريكية من العراق , إذن لماذا فى ضوء مثل هذا القول تبقى القوات الأمريكية فى العراق , والحاجة ماسة لها فى أفغانستان ( بغض النظر عن صحة أقوال الوزير الأمريكي واتجاه تصريحاته التي تكذبها وقائع فعل المقاومة ).
وهكذا في الخلاصة العامة , فإن استراتيجية الأولايات المتحدة فى العراق , انتهت الى الفشل , و المقاومة العراقية هى قيد التحول الى النصر الواضح , أما أحاديث التحسن والاستقرار الأمني فهي كلمات لا تقال إلا للتعمية على انتصار المقاومة , ولتغيير جوهر القضية الأصل في العراق , التي هي قضية احتلال وصراع بين قوات المحتل و المقاومة.