حياتنا الزائلة
15 جمادى الأول 1439
د. خالد رُوشه

أكثر ما يصيبني بالاستغراب هذا الكم المتزايد من الصراع على الحياة وانواع ومتاعها ،على الرغم من انه في كل يوم يظهر خواؤها وخداعها وزوالها !

 

كنا في جنازة صديق صالح نحسبه والله حسيبه ، فتاثرنا ، وتأخرنا عند قبره ، نبلل الثرى بالبكاء حبا له ، وألما لفراقه ، ودعاء له ، ورجاء أن يغفر الله له ، ثم تحركت اقدامنا من بين القبور خطوة خطوة ، فإذا بالرؤوس المنكوسة تبدأ لتشرئب نحو الحياة ، وإذا بالدمعات الساقطة على الخدود تجف ، وإذا بالقلب المترجف يكف عن الارتجاف ، وإذا بأماني الآخرة تتحول شيئا فشيئا إلى أماني الدنيا !

 

حتى إنني رأيت الضحكات بدأت تعلو ، والمناقشات تتحول الى خلافات ، واللغو غطى أصوات الناس الذين كانوا قبل قائق يبكون ، وسمت كلامهم عن البيع والشراء ، والزينة والمتاع !

 

لقد أنكرت نفسي وانكرت اصحابي هؤلاء الذين كانوا في الجنازة ، وقلت في نفسي أن هذا هو ما سيحدث لي ولا محالة ان كنت انا مكان الراحل الكريم هذا .. سيدفنونني ثم يعودون إلى انشغالاتهم ..وسيتركونني مع عملي ويرحلون !

 

إنها حياة خادعة لاقيمة لها إلا بالعمل الصالح ، وكل ما نراه من زينتها هو وهم خادع 

 

هذه الحياة الي نتعلق بها كذلك حتى لا تكاد تكون جذابة حسنة ذات قيمة لأنها لا تكاد تخلو من ألم ووهن ومكابدة وعناء ومشقة !

 

لقد جعل الله سبحانه من سننه في خلقه أنها لاتصفو من كدر , كما شاء سبحانه أن يبتلي المؤمنين بأنواع الابتلاءات والاختبارات, وكلما كان العبد في إيمانه أقوى وأعلى كلما كان ابتلاؤه أشد واختباره أصعب.

 

 وليس هناك أرقى ولا أعظم مقامًا من مقام النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس, وليس هناك أكرم على الله منه, ومع ذلك فقد ابتُلي صلى الله عليه وسلم وأوذي أشد أنواع الابتلاء والإيذاء.

 

فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرًا يصب منه ) أخرجه البخاري ، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا, وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني 

 

 وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني

 

فالله سبحانه يبتلي أهل الإيمان في دنياهم ليختبرهم ويعلم الصادق من الكاذب, وكذلك ليطهرهم وينقيهم من ذنوبهم حتى يلقوه وما عليهم ذنب.

 

 غير أنه سبحانه يمتن على عباده المؤمنين فيثبتهم في المواقف , ويصبرهم في المصائب , ويرضيهم بقضائه , ويهون عليهم الآلام , وينصرهم على عدوهم , ويقويهم أمام العقبات .

 

 فلنُرِ الله منا خيرًا, ولنصبر في ابتلاءاته واختباراته سبحانه في هذه الدنيا , و نعلم أن فيها خيرًا كبيرًا لنا وحكمة عظيمة لا ندركها, فنرضى بكل ما أصابنا ولنسلم به ولنصبر عليه وليلهج لساننا بحمده عز وجل في كل حال ، إنما هي ظل زائل راحل عما قليل ، ولن يبقى لنا منه إلا هذا الأجر والثواب ..

كان الحسن يعظ أصحابه يقول: والله لقد صحبنا أقوامًا كانوا يقولون: ليس لنا في الدنيا حاجة, ليس لها خلقنا, فطلبوا الجنة بغدوهم ورواحهم, نعم والله حتى أفلحوا ونجوا, هنيئًا لهم, لا يطوي أحدهم ثوبًا ولا يفترشه, ولا تلقاه إلا صائمًا ذليلاً متبائسًا خائفًا

وقال عبد الله بن مسعود : من أراد الآخرة أضر بالدنيا, ومن أراد الدنيا أضر بالآخرة, يا قوم فأضروا بالفاني للباقي