ضرب الأولاد لِيَحفظوا القرآن
23 جمادى الثانية 1439
د. عامر الهوشان

ظاهرة منتشرة في كثير من دور تحفيظ القرآن العظيم وكتاتيب ومجموعات تلقين الأولاد الأداء الصحيح لكلمات كتاب الله الكريم بل وفي بعض بيوتات المسلمين , حتى غدت في بعض الأماكن هي الأصل الثابت والأمر المتعارف عليه والسلوك الطبيعي وغير ذلك من التلطف واللين والترغيب والتشجيع والامتناع عن الضرب...هو الفرع والاستثناء .

 

 يستند أصحاب منهج ضرورة ولزوم استخدام الضرب في دور تحفيظ القرآن وكتاتيب تلقين كلام الله على أمور يعتبرونها دليلا على مشروعية ما يفعلونه بل ربما أفضليته :

 

أولها : النتائج السريعة الظاهرة التي تم حصدها من استخدام هذا المنهج على أرض الواقع حسب قولهم , حيث يتم تخريج الكثير من حفظة كتاب الله ضمن هذا المنهج بوقت قياسي مع قدر كبير من الإتقان في الحفظ وشيء منه في التجويد ومخارج الحروف .

 

ثانيها : يستشهد أتباع هذا المنهج بحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ) سنن الترمذي برقم/495 وقال الألباني : حسن صحيح ..... في جواز تأديب الصبيان وحملهم على الالتزام بفرائض الإسلام وتمرينهم على الصلاة والصيام ونحو ذلك من الفضائل والآداب عموما , ويسردون وراء هذا الحديث الكثير من أقوال الفقهاء التي تجيز ضرب الوالد لولده والمعلم لتلميذه تأديبا وتعليما .

 

ثالثها : يقولون : إن أولاد وصبيان هذا الزمان لا تنفع معهم إلا الشدة والقسوة والحزم وأن اللطف واللين لم تحقق الغاية المرجوة , وأن التجربة أثبتت أن عقوبة الضرب أجدت مع الأولاد في حفظ القرآن في الوقت الذي لم يسجل مجرد التحفيز والترغيب والتشجيع ذلك النجاح وتلكم النتائج .

 

وبعيدا عن اختلاف الفقهاء والعلماء في مسألة جواز ضرب الأولاد ومشروعيته من قبل الآباء والمعلمين والمربين تأديبا وتعليما من عدمه , وبغض النظر عن آرائهم المتباينة في مسألة السن التي يجوز فيها الضرب ومقداره وكيفيته وشروطه و الوقت الذي يجوز اللجوء إليه ......فإن هناك بعض الوقفات مع هذه الظاهرة المنتشرة في بلاد المسلمين أهمها :

 

- النتائج السريعة التي قد تظهر على أرض الواقع مع استخدام أسلوب ضرب الأولاد في دور التحفيظ ليست مقياسا يمكن الركون إليه والاعتماد عليه لقبول هذه الوسيلة أوترسيخ مثل تلك الظاهرة كأساس تعلمي أو قاعدة تربوية , فهي بأحسن الأحوال حالة طارئة و أمر استثنائي , والقاعدة لا يمكن أن تبنى على الشواذ والاستثناء .

-  ثم إن الخطأ الأشد خطرا على عملية تربية الأولاد تربية صالحة  وتنشئتهم تنشئة سليمة يكمن في قلب موازين فقه الأولويات وعدم اتباع الترتيب المجمع عليه بين جميع فقهاء الإسلام وعلماء التربية في وسائل التربية والتعليم – ومنها تحفيظ القرآن – فالقاعدة الثابتة المتفق عليها بين من يبيح استخدام الضرب في العملية التربوية وبين من يمنعه أنها الوسيلة الأخيرة استخداما بعد فشل جميع ما قبلها من وسائل تربوية وطرق تعليمية .

 

 

فالأولية في تربية الأولاد وتدريبهم على فضائل الإسلام تبدأ بالقول اللين والتوجيه والإرشاد , ثم يكون الوعيد من غير شتم ولا كلام جارح ولا توبيخ ينتقص من شخصية الطفل , مع ملاحظة عدم جواز استخدام الدعاء على الولد كوسيلة لتأديبه لكونها تخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم الدعاء على الأولاد ( لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ ) صحيح مسلم برقم/3009 

 

 

ويبقى الضرب – إن سلمنا بمشروعيته ونجاعته تربويا – آخر العلاج بعد استنفاذ جميع الوسائل التربوية وآخر ما يمكن أن يفكر في استخدامه المربي لتأديب ولده أو تلميذه , وفي ذلك يقول العز بن عبد السلام رحمه الله : ومهما حصل التأديب بالأخف من الأفعال والأقوال لم يُعدَل إِلَى الأْغلظ إذ هو مفسدة لا فائدة فيه لحصول الغرض بما دونه .

 

والسؤال المشروع الذي لا بد من طرحه هنا هو : هل استنفذ الآباء والمربون ومحفظوا القرآن الكريم جميع الوسائل التربوية التي ترغب الأولاد في حفظ القرآن وتدفعهم طواعية إلى الإقبال على استظهار كلماته وفهم معانيه حتى يلجؤوا إلى الضرب ؟!

 

لا أحسب أن الإجابة على هذا السؤال ستكون بالإيجاب , فمن الواضح أن البعض قد تجاوز مسألة ترتيب الأولويات في استعمال الوسائل التربوية , و قفز مباشرة إلى ذيل القائمة مفضلا العلاج بــ"الكي" فورا بدل الصبر والمصابرة على تحبيب الأولاد بحفظ القرآن و العمل على تشريب أرواحهم الشوق إلى استظهاره ودغدغة قلوبهم بفضائل ومحاسن وثواب حفظه والمواظبة على تلاوته بخشوع آناء الليل وأطراف النهار .  

 

وأختم بما جاء على لسان الشيخ الدكتور عبد الله بن علي بصفر الأمين العام للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم الذي أكد على دور المعلم في تحفيظ القرآن للطلاب محذرا في الوقت ذاته من استخدام وسيلة الضرب أو الأساليب التي فيها قسوة وإنما أسلوب الترغيب والتحبيب حتى يحب الطالب القرآن العظيم .