24 جمادى الثانية 1439

السؤال

بعض الشباب يرجو أن يسير في طريق العلم الشرعي على الكتاب والسنة لما رآه من مقام العلم والعلماء، ما هي نصيحتكم لهؤلاء وهل يقدم الشاب العلم على الدعوة؟

أجاب عنها:
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

فإن طلب العلم الشرعي من أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى، فقد رغب الإسلام في طلب العلم ترغيباً شديداً، فدين الإسلام دين علم وعمل.

 

وقد جاءت نصوص كثيرة في بيان فضل العلم؛ تحفيزاً للهمم، وحثاً للنفوس على تحصيل العلم، وقال سبحانه: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}.

 

وقال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين". رواه البخاري ومسلم.

 

والعلم من أهم أسباب دخول الجنة والرفعة في المقامات العلا، قال صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة" رواه مسلم.

 

والملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم، قال صلى الله عليه وسلم: "وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع" رواه أبو داود، قال ابن القيم: ووضع الملائكة أجنحتها له تواضعاً، وتوقيراً، وإكراماً لما يحمله من ميراث النبوة.

 

فالعلماء ورثة الأنبياء، قال صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء" رواه أبو داود.

 

بل إن الله سبحانه لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستزادة من شيء إلا العلم، فقال سبحانه: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، قال ابن القيم: (كفى بهذا شرفاً للعلم أن أمر نبيه أن يسأله المزيد منه).

 

وأول منازل العلم هو الإخلاص التام، فلا علم بلا إخلاص، فأنصحك بتجريد الإخلاص لربك، فارجُ بتعلمك وجهَ الله سبحانه وحده.

 

ورأس العلم هو الخشية، فإذا أردت السير في طريق العلم فابحث عن خشية الله وخوفه وتقواه، واربط دوماً بين تعلم العلوم وبين تطبيق العبودية وأهم صفاتها الخشية بعد الإخلاص فإنهما يبعدانك عن الرياء ويدفعانك للإنابة والعمل، وقد ضل اليهود لعدم عملهم بالعلم؛ فغضب الله عليهم.

 

وبخصوص سؤالك أقول:

- لا يمكن أن تكون هناك دعوة إلا بعلم وأدلة الكتاب والسنة متضافرة في بيان ذلك، قال الإمام البخاري في صحيحه في كتاب العلم: باب العلم قبل القول والعمل واستدل بقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}، قال فبدأ بالعلم.

 

- والعلم والدعوة مرتبطان ببعضهما، ولا تعارض بينهما، بل هما متعاضدان ومتكاملان، وهل ضل النصارى إلا بعبادتهم ودعوتهم بلا علم؛ فسماهم الله (الضالين).

 

- ولا يلزم من الداعية أن يكون عالماً، إنما يلزم منه أن لا يدعو إلا بعدما يتعلم ما يدعو إليه، وهذه قاعدة، فيجب ألا يدعو إلا بما يعلم.

 

- مراحل طلب العلم ثلاث، الأولى: التركيز على العلم في البداية، ويكون أداؤه للدعوة في حدود إمكاناته وعلمه الذي تعلمه، والثانية: التوسط بين طلبه العلم وبين الدعوة، والثالثة: التركيز على الدعوة بعدما أخذ من العلم الشيء الكثير، لكنه أيضاَ لا ينقطع عن العلم، وهذه المراحل ذكرها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

 

- ملازمة العلماء أساس في التعلم، فلا يمكن أن يطلب الإنسان العلم على وجهه الصحيح إلا بملازمة أهل العلم، فالعلم الشرعي لا بد أن يؤخذ من أهله وهم الذين يوجهونه أيضاً لما يستجد من العلم {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

 

- طالب العلم يدعو إلى الله بأخلاقه وسلوكه قبل كلامه، فالسيرة الحسنة لطالب العلم دعوة صالحة، والسمت الحسن دعوة، والتصرف الحكيم في المواقف مع ضبط النفس ورشد السلوك دعوة ولاشك.

 

أسال الله لي ولك التوفيق في طلب العلم، والسداد في الدعوة إلى الله على بصيرة {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.